المفاجأة الكبرى

كانت جملة المفتش «سامي» مفاجأةً حقًّا، فقد عاد الدكتور «عرفان»! ظهر فجأةً أمام منزله في المعادي بعد أن تغيَّب خمسةَ أيام، وهكذا انتهت مهمة المغامرين الخمسة قبل أن تبدأ … ولم يَعُد هناك لغز!

وعندما قال «تختخ» للأصدقاء ما قاله المفتش «سامي» في التليفون أدركوا أن اللغز قد طار من بين أيديهم … ثم وضع «تختخ» سماعة التليفون على أذنه وعاود الاستماع … قال المفتش «سامي»: لقد عاد الدكتور «عرفان» منذ دقائق قليلة. بمجرد أن هبط الظلام، أنزلته سيارة في أول الشارع مُغلَق العينين، وعندما نزع العصابة عن عينيه وجد نفسه في الشارع الذي يسكن به، فاتجه إلى مسكنه وأبلغني الحارس المعين هناك.

تختخ: لقد عثرنا على أحد الخاطفين.

المفتش: متى؟

تختخ: منذ ساعة تقريبًا.

المفتش: مستحيل … فالثلاثة الذين خطفوا الدكتور «عرفان» ليسوا في القاهرة، ولا في مصر كلها … إنهم في إنجلترا على الأرجح.

تختخ: غير معقول.

المفتش: لقد تحدثت مع الدكتور «عرفان» وأخبرني بسرعة أنه خُطِفَ ونُقلَ إلى خارج مصر بالطائرة وأُعيدَ إليها بالطائرة … ولا أدري كيف أمكن أن يمر في المطار دون أن يلفت نظر رجال الشرطة هناك!

تختخ: قصة مدهشة للغاية!

المفتش: فعلًا … وسأنزل فورًا لمقابلة الدكتور «عرفان» في المعادي ويمكن أن تقابلَني هناك بعد نصف ساعة لنستمع إلى القصة كاملة، فهناك عشرات التفاصيل التي يهمُّني أن أسمعها.

تختخ: وهذا الرجل الذي شاهدتْه «لوزة» اليوم مجروح اليد؟!

المفتش: من الممكن أن يوجد عشرات الأشخاص مجروحي اليد، وليس كل واحد جُرِح يدُه لا بد أن يكون جاسوسًا.

تختخ: إذن نلتقي بمنزل الدكتور «عرفان».

المفتش: أرجو أن تأتيَ وحدك فالمسألة في غاية السرية، وبعد ذلك تستطيع أن ترويَ للأصدقاء القصة كاملة بعد أن نستوفيَ التحقيقات عن هذا الاختطاف العجيب.

وضع «تختخ» السماعة وروى للأصدقاء بسرعة ما سمِعه، وطلب منهم كتمانه، ثم التفت إلى «لوزة» قائلًا: آسف جدًّا يا «لوزة»، إن استنتاجك كان معقولًا ولكن للأسف، فالجاسوس المجروح اليد خرج من مصر في نفس يوم الاختطاف، والرجل الذي شاهدتِه في عيادة الدكتور «مكرم» قد يشبه أحد الجواسيس ولكنه ليس أحدهم بالتأكيد.

وسكت الأصدقاء جميعًا وأخذوا ينظرون إلى «لوزة» في إشفاق، ونَكَّست المغامِرة الصغيرة رأسَها وكادت الدموع تفرُّ من عينيها، فقال «عاطف»: أقترح يا «لوزة» أن تستمرِّي في متابعة الرجل الجريح، فقد يكون قد جرَحَ يدَه وهو يقطع بطيخة … ثم تقبضين على البطيخة بتهمة الاعتداء على الرجل.

ولم يبتسم أحد للنكتة، فقد كانوا جميعًا يعرفون مدى حساسية «لوزة» التي لم تكن تطيق أن تخسر لغزًا بهذه البساطة.

وبعد دقائق انصرف «محب» و«نوسة» إلى منزلهما وانطلق «تختخ» على دراجته إلى فيلا الدكتور «عرفان» فوصل قبل أن يصل المفتش بثوانٍ قليلة، ثم ظهرت سيارة المفتش السوداء الكبيرة ونزل منها نشيطًا كعادته، فسلَّم «تختخ» عليه ثم دخل الاثنان الفيلا.

كان الدكتور «عرفان» يجلس وحيدًا في غرفة المكتب يمسك قدحًا من القهوة، فلم يكد يرى المفتش حتى وقف مُسَلِّمًا وقدَّم له المفتش «تختخ» قائلًا: هذا صديقي «توفيق» … إنه من هواة حل الألغاز هو وأصدقاؤه، وقد دعوته ليستمع إلى قصتك إذا لم يكن عندك مانع.

أشار الدكتور «عرفان» لهما بالجلوس قائلًا: أبدًا، يسعدني أن أجد ولدًا في مثل سنه يشترك في حل المشاكل العويصة.

قال المفتش: إني أعرف أنك مرهق بعد رحلة الطائرة، ولكن من المهم جدًّا أن أستمع إلى قصتك كاملة وبأسرع وقت ممكن … ولعلني قبل أن أستمع إلى القصة يهمني أن أسألك هل حصل الجواسيس على معلومات هامة منك؟

ابتسم الدكتور «عرفان» قائلًا: لم يحصلوا على شيء له أهمية مطلقًا، فقد تظاهرت أن صدمة الاختطاف والتخدير قد أثَّرت على أعصابي، وأنني لا أتذكَّر شيئًا وظلوا يحاولون معي دون جدوى.

كان الدكتور «عرفان» في حالة صحية طيبة ولا تبدو عليه آثار الإجهاد كما يحدث دائمًا بعد رحلات الطائرة، فأعجب «تختخ» جدًّا وأخد ينظر إليه في احترام وهو يستعد لسماع قصته.

قال الدكتور: اعتدت أن أستقبل هنا ضيوفًا من جميع أنحاء العالم، كما أني سافرتُ كثيرًا إلى الخارج وتعرَّفتُ بكثير من العلماء والأصدقاء الذين يحضرون لزيارتي كلما جاءوا إلى بلادنا … والمعتاد طبعًا أن يحدد الزائر موعدًا للزيارة قبل أن يحضر حتى أعدَّ نفسي لاستقباله … وقد اتصل بي فعلًا أحد الرجال الثلاثة تليفونيًّا وقال إنه صديق لأحد العلماء من إنجلترا … وهذا العالم صديقي، وطلب الرجل مقابلتي في اليوم نفسه لأنه مسافر في اليوم التالي.

وهزَّ الدكتور «عرفان» رأسه ثم مضى يقول: وحددت موعدًا له في الساعة الخامسة مساءً، ولكنه رجاني أن أجعل الموعد في العاشرة لأنه سيكون مشغولًا حتى ذلك الموعد … وتقديرًا لظروف سفره كما زعم، وافقت وانتظرته، وفي العاشرة تمامًا أخبرني «موسى» بحضور ثلاثة ضيوف برغم أنني كنت أنتظر واحدًا فقط، ولكن ذلك لم يُثِرْ رِيبتي فلعلَّ معه بعضَ أصدقائه، وقمت لمقابلتهم عند باب الفيلا ورحَّبت بهم كعادتنا في الترحيب بالضيوف.

وجلسوا، وبدأت الحديث، وطلبت من «موسى» أن يُعدَّ لهم بعض المشروبات، فذهب إلى المطبخ وقمت لإحضار عُلبة السجائر من مكتبي واستدرت وأعطيت لهم ظهري، وفجأة وجدت يدًا تمتد فتُغلق فمي، وأحسست بمن يُقيِّد يدي خلفي ثم أحسست بحقنة في ذراعي، وفي لحظات كان رأسي يدور فحملني رجلان إلى مقعد على حين خرج الثالث.

قاطعه المفتش سائلًا: ماذا كنت تلبس في تلك الأثناء.

ردَّ الدكتور «عرفان»: كنت ألبس قميصًا خفيفًا بنصف كُم، وبنطلونًا وحذاء خفيفًا، فقد كانت الليلة شديدة الحرارة.

وسكت «عرفان» لحظات ثم مضى يروي بقية القصة: كان واضحًا أنهم حقنوني بمخدِّر، ولكنه لم يكن قويًّا فقد كنت أعي ما يدور حولي، برغم أنني تحت تأثير المخدر، أغلقت عيني وظلِلْتُ أدري بما يدور حولي ولكن دون أن أرى … وبعد دقائقَ قليلة حملني الرجال الثلاثة إلى سيارة كانت تقف بالباب ولاحظتُ — برغم تأثير المخدِّر — أنهم يسيرون بي وأنا واقف حتى لا يلفتوا الأنظار إلى أنني محمول إلى السيارة. ولحسن حظهم لم يلحظ أحد شيئًا، وخاصة وأنا كما ترى أسكن في مكان بعيد عن الشوارع المزدحمة.

عاد المفتش يسأل: هل كان الثلاثة أجانب فعلًا؟

الدكتور «عرفان»: قطعًا إنهم أجانب وقد كانوا يتحدثون بلغة إنجليزية سليمة، ولكني لاحظت منذ أول لحظة أنهم قضَوْا فترة طويلة في بلادنا؛ فقد كانت الشمس واضحة على وجوههم كأنهم كانوا في مصيف أو شيء من هذا القبيل.

وفكر «عرفان» لحظات ثم أكمل: وسارت السيارة ولا أدري كم سارت لأن المخدِّر عادة يُفقِد الإنسانَ القدرةَ على حساب الزمن والمسافات، ولكني كنت أشعر بما يدور حولي، واستطعت سماع بعض كلمات مثل المطار … والطائرة … ومسافة الرحلة والمشاكل التي قد يتعرضون لها.

وابتسم الدكتور «عرفان» وقال: وفكرت أنهم سوف يقعون حتمًا إذا دخلوا بي في هذه الحالة مطار القاهرة؛ فلا بد أن منظري سيلفت أنظار رجال الشرطة، ثم وجدت نفسي أُرفع على سُلَّم مرتفع من الحديد في الغالب إلى باب، ثم دخلت من هذا الباب حيث جلستُ في كرسيٍّ ضيق، وربط أحدهم الحزام حول وسطي كما يحدث قبل الطيران، ثم سمعت ضجيج الركاب وسمعت مضيفة الطائرة تُعلن قرب قيامها وتطلب ربط الأحزمة، ثم دارت المحركات وبدأت الطائرة تهتزُّ على أرض المطار، وكان تأثير المخدِّر قد بدأ يخف، فحاولت فتْحَ عيني ولكنهم حقنوني مرة أخرى وكان المخدِّر في هذه المرة قويًّا؛ فذهبت في غيبوبة تامة.

قال المفتش: هل كان معك جواز السفر الخاص بك؟

عرفان: لا، ولكن لعلهم أخذوه من الفيلا قبل أن يغادروها، فقد كان موضوعًا على المكتب بالمصادفة لأنني كنت قد عدت منذ أيام من سفر بالخارج.

وقام الدكتور «عرفان» إلى مكتبه ثم عاد يمسك بجواز السفر وعلى وجهه علامات التعجب قائلًا: من المدهش أنهم لم يأخذوا جواز السفر.

قال المفتش «سامي»: على كل حال، مثل هؤلاء الجواسيس يمكنهم تزوير جواز سفر ببساطة، ولعلهم كانوا قد استعدوا بجواز سفر مزور.

تحدث «تختخ» لأول مرة فسأل: وهل كان جواز السفر واضحًا أمامهم ويمكنهم رؤيته على المكتب؟

ردَّ الدكتور «عرفان»: بالتأكيد، فقد كان موضوعًا في وسط المكتب تمامًا! وانتظر الدكتور «عرفان» أسئلة أخرى، ولكن المفتش رجاه أن يستمر فقال: وظلِلْتُ في غيبوبة حتى استيقظت، وكان الصداع يفتك برأسي فأحضروا لي بعض حبوب الأسبرين وكوبًا من الشاي، ثم أحضروا لي طعامًا وجلسوا حولي ينظرون إليَّ وهم يبتسمون ابتسامةَ المنتصر … وبعد أن أكلتُ قالوا لي إنهم سيطلبون مني الإجابة عن بعض الأسئلة، وإعداد تجربة كيميائية في معمل ونصحوني أن أستمع إليهم وأن أجيب عن أسئلتهم بدلًا من استخدام وسائل العنف معي.

وأخذ الدكتور «عرفان» يهزُّ رأسه لحظات، ثم مضى يقول: ولكنهم لم يستطيعوا الحصول مني على أية أجوبة كما أنني رفضت دخول المعمل على الإطلاق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤