أسئلة وأجوبة

كان المفتش «سامي» يُدوِّن الأقوال التي يُدلي بها الدكتور «عرفان» فسأله: هل اتصل بك أو قابلك أشخاص آخرون غير الثلاثة الذين اختطفوك؟

عرفان: لا … الثلاثة فقط … وكان أحدهم يتولى خدمتي وكنت أحيانًا أسمع صوتًا نسائيًّا في الصالة الخارجية، ولكني لم أرَ سوى الرجال الثلاثة.

تختخ: ألم تخرج يا دكتور من الغرفة التي دخلت فيها منذ اختطفت حتى عدت؟

الدكتور: مطلقًا، وقد كانت كل مستلزمات الحياة موجودة فيها، ولم أكن أرى سوى حديقة من نافذة غرفتي، وعندما كان المطر يتساقط كنت أقف خلف الزجاج أراقب المطر وأتذكر عندما كنت أدرس في إنجلترا، وقد كانوا يسمحون لي بتسلية وحيدة وهي الراديو، ولكنهم لم يكونوا يسمحون لي بتغيير المحطات، فكنت أستمع إلى محطة اﻟ «ب. ب. س» فقط؛ أي المحطة التي تُذيع من لندن.

المفتش: هل تستطيع استنتاج أي بلد كنت فيه؟

الدكتور: في «إنجلترا» في الغالب فقد عشت هناك فترة طويلة وأستطيع معرفة جوِّها المتقلب، فالشمس تظهر ثم تختفي في لحظات، ويتساقط المطر غزيرًا ثم يتوقف، وكنت كما قلت لكم أستمع إلى محطة الإذاعة البريطانية … وكنت أقرأ صُحُفًا إنجليزية، وإن كنت لاحظت أنها كانت تأتي متأخرة عن موعدها قليلًا، وكنت أتناول طعامًا إنجليزيًّا طَوال الوقت مما يؤكد لي أنني كنت في إنجلترا.

المفتش: ألم يستجوبك أحد من رجال المخابرات أو المباحث الإنجليزية؟

الدكتور: مطلقًا … هؤلاء الثلاثة فقط، واحد منهم يقوم بالخدمة اسمه «جونز»، والثاني يقوم بعمليات الحراسة ويُدعى «جيفري»، والثالث عالم واسمه «كروسمان» وهو الذي كان يناقشني في المعادلات التي وصلت إليها، ويحاول الحصول على المعلومات مني، ولكني طبعًا لم أقل له شيئًا مفيدًا، وبعد أربعة أيام من المحاولات فقدوا الأمل في الحصول على أية معلومات مني، كما أنهم لم يجدوا في منزلي أية أوراق هامة، فإنني أحتفظ بأوراقي الهامة في مكتبي بمركز الأبحاث، والغرفة تُغلَق جيدًا وعليها حراسة. وذات يوم دخل الثلاثة وقالوا إنهم سوف يُعيدونني إلى مصر مرة أخرى، ثم أخذوا يتحدثون عن الصعوبات التي قد تقع وطلبوا مني أن أكون هادئًا وألا أتحدث مطلقًا وإلا قتلوني، فوعدتهم بذلك ولكنهم حقنوني بالمخدِّر مرة أخرى، ثم ركبتُ الطائرة وعدت إلى مصر … ونُقلت في سيارة إلى حيث أفقتُ ووجدت نفسي في الشارع قرب منزلي.

المفتش: إن هذا من أغرب الحوادث التي مرت بي في حياتي. إن اختطافهم لك تمَّ ببساطة شديدة وهو ما لا يمكن حدوثه دون أن يحس أحد، ولكن نقلهم لك بالطائرة إلى خارج البلاد ثم إعادتهم لك دون أن ندري، فهذه قضية مثيرة، وسيتعرَّض كثيرون من رجال الشرطة في المطار إلى حساب عسير.

تختخ: لعلهم نقلوه في طائرة خاصة!

المفتش: هذا أيضًا غير ممكن، فليس من السهل أن تطير طائرة في سماء بلادنا دون إذن وأن تنزل إلى مطار … وفي كل المطارات حراسة شديدة وتفتيش، كما أن الدكتور «عرفان» أوضح أنه كان يستمع إلى ضجة المسافرين برغم أنه كان تحت تأثير المخدر.

تختخ: إنها قصة عجيبة حقًّا!

المفتش: غاية الغرابة والعجب، ولولا أنني أثق في كلام الدكتور طبعًا لقلت إنها قصة خيالية!

ابتسم الدكتور وهو يقول: للأسف إنها ليست خيالية مطلقًا ولكنها واقعية تمامًا، وقد وصفت لكما وصفًا دقيقًا كلَّ ما مرَّ بي من أحداث، وأنا على استعداد للإجابة عن أية أسئلة تُوجَّه لي.

قال المفتش وهو يقف: ليس هذه الليلة، على كل حال أنت متعب وسوف أرفع تقريرًا عن الحادث كله إلى الجهات المسئولة، وسندرس الواقعة من جميع أطرافها، وبالطبع سوف نسألك مرة أخرى.

وقف «تختخ» مع المفتش، وبعد أن تبادل الثلاثة التحية غادروا فيلا الدكتور «عرفان» ولاحظ «تختخ» أنها محاطة بحراسة قوية، وركبا معًا السيارة دون أن يتبادلا كلمة واحدة، فقد كان كلٌّ منهما مستغرِقًا في خواطره، وأوصل المفتش «تختخ» بالسيارة إلى منزله وتبادلا التحية وانطلق المفتش، وصعد «تختخ» إلى غرفته حيث خلع ثيابه وتناول عشاء خفيفًا، ثم جلس بجوار النافذة يستمتع بهواء الليل البارد وروائح الورد المتصاعد من الحديقة، وقد غرق في تفكير عميق حول قصة اختطاف الدكتور «عرفان» وكيف استطاع الجواسيس الثلاثة أن يختطفوا الدكتور «عرفان» ويخرجوا به من مصر، ثم يعودوا به دون أن ينتبه رجال الشرطة الذين في المطار إلى شخصيته أو يلفت أنظارهم أنه واقع تحت تأثير مخدر قوي.

وتقدم الليل وقام «تختخ» لينام وما تزال قصة الدكتور «عرفان» تدور بخاطره.

في صباح اليوم التالي اجتمع المغامرون الخمسة والكلب «زنجر» في حديقة منزل «تختخ»، فقد كان في انتظار حضور جَدِّه من القاهرة، ولم يكن يستطيع مغادرة البيت والذهاب بعيدًا.

وروى «تختخ» القصة كما سمعها من الدكتور «عرفان» وطلب من الأصدقاء ألا يرووها لأحد لأنها ما تزال سرًّا من أسرار رجال الشرطة، وبدأ الأصدقاء يتسابقون في الاستنتاجات … كيف تم نقل الدكتور «عرفان» إلى الطائرة؟ وكيف طارت به إلى الخارج ثم عاد دون أن يدريَ رجال الشرطة؟!

قال «محب»: أعتقد أنهم قاموا بإجراء تنكُّر له … وقد يكونون قد وضعوا على وجهه قناعًا من البلاستيك، فهنالك أدوات تنكُّر حديثة يمكن أن تحوِّله إلى شخص آخر.

وقالت «نوسة»: أعتقد أنهم قالوا لرجال المطار إنه مريض، وخاصة وهو واقع تحت تأثير المخدِّرات وشكله غير عادي، وبالطبع فقد قدَّر رجال الشرطة والجمارك هذا السبب ولم يحقِّقوا كثيرًا في شخصيته.

وقال «عاطف»: على كل حال، ما دام الدكتور «عرفان» قد عاد وبدون أن يحصل منه الجواسيس على معلومات هامة فلماذا نُوجِع رءوسنا بهذه المشكلة؟ … وماذا يهمنا أن نعرف كيف ركب الطائرة؟ … وكيف عاد بالطائرة؟ … بصراحة إنني بدأت أملُّ ثرثرتكم هذه حول «عرفان» وخَطْفه … فدعونا نجد شيئًا آخر نفعله.

وهزَّ «تختخ» رأسه ولم يقلْ شيئًا … فالتفتوا جميعًا إلى «لوزة» … ينتظرون تعليقها … ولكن «لوزة» لم تتحدث، لقد تركتهم وخرجت دون أن تنطق بكلمة واحدة، ثم ركبت دراجتها وانطلقت، ونظر «زنجر» إلى الأصدقاء فوجدهم جميعًا يجلسون وكان في حاجة إلى نزهة، وهكذا انطلق هو الآخر خلف «لوزة» وابتعدا معًا عن بقية الأصدقاء.

كانت «لوزة» تفكر وهي تسير في الشوارع … لقد كان في قصة الدكتور «عرفان» نقاط كثيرة تريد أن تسأل عنها، وكانت تشعر شعورًا غامضًا أن هناك لغزًا أكبر من مجرد لغز ركوب الطائرة والعودة دون أن يدرك رجال الشرطة والجمارك … وتذكرت الرجل الأجنبي الذي شاهدته في مستشفى الدكتور «مكرم» ورقم التاكسي هل كان «٦١٢١» أو «١١٢٦» أو «٢١١٦» أو «٦١١٢» أو «٦٢١١»؟ لقد نسيَتْ أن تدوِّن الرقم وتذكرت أن «محب» استطاع أن يعثر على التاكسي الذي كان يقف أمام عيادة الدكتور «مكرم» وأن السائق تذكر أنه أنزل الراكب قُرب استاد المعادي، وإنْ كان لا يتذكر المنزل الذي نزل أمامه.

وقررت «لوزة» أن تذهب إلى هذا المكان مرة أخرى … لقد كان ثمة شيء يجذبها إلى هناك … و«زنجر» خلفها يجري وقد أحس أنه أخطأ بالخروج في هذا الجو الحار إلى الشارع وفكر في أن يعود … ولكنه استمر يمشي خلف «لوزة» برغم حرارة الجو والأرض اللاسعة.

وصلت «لوزة» إلى قرب الاستاد واختارت شجرة من أشجار الكافور العالية التي تحيط بالاستاد وجلست تحتها، وانضم «زنجر» إليها وهو سعيد أن وجد ظلًّا يأوي إليه.

كانت «لوزة» ترتِّب أفكارها وهي جالسة وحدها تربِّت على شعر «زنجر» … لقد شاهدت الرجل ذا الرأس الكبير أمس صباحًا، ولكن الدكتور «عرفان» يقول إن الطائرة وصلت بعد الظهر وإنه وصل منزله ليلًا، ومعنى ذلك أن الرجل الذي شاهدته في عيادة الدكتور «مكرم»، الرجل ذا الرأس الكبير، لم يكن هو الجاسوس الذي جُرح يده؛ لأن الآخر كان في تلك اللحظة في الطائرة.

وفجأة خطر لها سؤال هام … إذا كان الجواسيس قد خطفوا الدكتور «عرفان» إلى الخارج دون أن يتعرضوا لأية مخاطر، فلماذا أعادوه وعرَّضوا أنفسهم للخطر؟ هل «عرفان» الذي عاد إلى منزله ليس هو الدكتور «عرفان» الأصلي؟ هل هو شخص مزيف أراد دخول المنزل برغم الحراسة وبطريقة واضحة ليحصل على أوراق هامة … وأراد أن يموِّه على المفتش «سامي» فقال إن أوراقه الهامة في مكتبه بمركز الأبحاث؟

وإذا كان «عرفان» الذي عاد هو الدكتور «عرفان» فعلًا، وإذا كان الجواسيس قد قرروا لأي سبب أن يعيدوه إلى القاهرة فلماذا عادوا معه؟

إن هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة … قررت أن تنقُل هذه التساؤلات إلى «تختخ» وبأسرع وقت ممكن، وهكذا قفزت إلى دراجتها وانطلقت مسرعة … كانت الأرض بجوار الاستاد منحدرة فنزلت الدراجة بسرعة شديدة فلم تستطع «لوزة» أن تسيطر عليها عندما وجدت في طريقها سيدة تحمل سلة خضار وتمشي في اتجاهها … ووجدت الدراجة تتجه إليها مسرعة فحاولت بكل ما تملك من قوة أن تسيطر على الدراجة، وقد استطاعت فعلًا أن تتجنب صدامًا مروِّعًا كاد يحدث، ولكنها اصطدمت بجانب السيدة فوقعت السلة التي بها الخضار، ثم استخدمت الفرامل بقوة ونزلت مسرعة تعتذر للسيدة التي وقفت تجمع ما وقع منها من خَضْراوات … وانحنت «لوزة» تجمع الخضار معها … وأخذت تعتذر كلما وجدت رأسًا من البنجر أو حبَّة من حبَّات الطماطم.

وقَبِلت السيدة الاعتذار، وجمعا الخضار كله ثم عاودت «لوزة» ركوب دراجتها وانطلقت جارية وقد ركزت انتباهها في الطريق حتى لا تصطدم مرة أخرى بشخص آخر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤