في المصيدة

وقفت «لوزة» ذاهلة لا تدري ماذا تفعل بعد أن سمعت هذه الإجابة التي لم تكن تتوقعها … ثم أخذت تتذكر سلة الخضار التي وقعت من السيدة … لقد كان بها كمية كبيرة من البنجر وهو خضار لا يحبه المصريون كثيرًا وإن كان يقبل على أكله الأجانب … وقبل أن تسترسل «لوزة» في خواطرها فُتِح باب المنزل وخرج رجل طويل القامة أجنبي الملامح وتحدث مع مديرة المنزل بالإنجليزية وسألها عن «لوزة»، فقالت له إنها تسأل عن مسكن به ثلاثة من الأجانب.

التفت الرجل إلى «لوزة» وتحدث إليها بالإنجليزية وسألها: لماذا تبحثين عن هذا المنزل؟ فتلعثمت «لوزة» … ولم تعرف بماذا تجيب وخاصة أن الرجل كان يتحدث بسرعة فلم تتابع كل ما قاله … وإن فهِمت ماذا يقصد.

وطلب الرجل من مديرة المنزل أن تدخل لمتابعة عملها ثم نزل السلالم العالية متمهلًا ومد يده مُسلِّمًا على «لوزة» وهو يبتسم ووجدت «لوزة» نفسها دون أن تدريَ تمدُّ يدها ثم استسلمت له وهو يقودها على السلالم إلى المنزل.

كانت «لوزة» كالمسحورة … لقد اكتشفت لغزًا من أغرب الألغاز، ثم عثرت على المنزل الذي تبحث عنه بأسرع ما يمكن، فدار رأسها ولم تدرِ ماذا تفعل … وعندما وجدت نفسها داخل المنزل أدركت الخطر الذي تتعرض له، وأخذت تنظر بسرعة فيما ينبغي أن تقوله، ولكن قبل أن تقول أي شيء ظهر الرجل ذو الرأس الكبير … الرجل الذي استطاعت عن طريق متابعته أن تصل إلى المكان … ونظر إليها الرجل وبدا أنه يحاول أن يتذكرها ثم التفت إلى الرجل الآخر وقال: لقد قابلت هذه الفتاة في عيادة الدكتور.

ظهر الغضب على وجه الرجل الطويل وقال: يبدو أنها تتبعك.

كانت «لوزة» برغم حديثهما السريع تفهم كل شيء، وقال الرجل الطويل: هل تعتقد أن لها عَلاقة بالشرطة؟

ردَّ الآخر: يجب أن نأخذ حذرنا على كل حال، فليس مصادفةً أن أراها هناك وهنا … فلنحاول أن نعرف شيئًا منها.

قررت «لوزة» أنه تتظاهر بأنها لا تعرف لغتهما وهكذا عندما سألها الرجل ماذا تفعل في هذا المكان أخذت تنظر إليه ببلاهة شديدة وكأنه يتحدث إلى شخص آخر … ولم يجد الرجل فائدة من مناقشتها فأخذ يتحدث مع زميله، وفهمت «لوزة» من الحديث أنه يدور حول الرجل الثالث وأجهزة مهمة معه لا بد أن يحصلوا عليها قبل أن يغادروا المكان.

قال الرجل الطويل: وماذا سنفعل بهذه الطفلة قبل أن نسافر؟

قال الرجل الآخر: نتركها مع مديرة المنزل ونوصيها ألا تُطلق سراحها قبل آخر النهار حيث نكون قد غادرنا مصر.

قامت «لوزة» واقفة واتجهت إلى الباب وكأن زيارتها انتهت وكانت تريد أن تعرف ماذا يفعلون … وفجأة وقف الرجل الطويل في طريقها ثم جذبها إلى الكرسي وأشار إليه قائلًا: اجلسي هنا.

أدركت «لوزة» أنها وقعت في مأزق وأخذت تفكر بسرعة … ماذا ينبغي أن تفعل الآن؟ صحيح أن الأصدقاء سوف يبحثون عنها بعد أن يلتقوا في المكان المتفق عليه ولا يجدونها ولكنهم قد لا يصلون إليها أبدًا … ونسِيتْ «لوزة» أن «زنجر» الذكي كان معها.

ففي هذه الأثناء كان «زنجر» يقف في الظل تحت شجرة قريبة من المنزل في انتظار «لوزة»، وعندما مرَّ الوقت دون أن تظهر لم يتردد «زنجر» في صعود السلالم ثم بدأ يخربش الباب بمخالبه … استمع الرجلان إلى الصوت في دقة وقال أحدهما: ما هذا؟ إنه صوت غريب.

وأخرج كل من الرجلين مسدسًا، وأدركت «لوزة» من طول الماسورة أنهما مسدسان كاتمان للصوت وارتجف قلبها … فقد عرفت أن «زنجر» يحاول الدخول.

كانوا جميعًا يجلسون في الصالة، وتقدَّم أحد الرجلين يفتح الباب ووقف الآخر خلف الباب مستعدًّا وعندما فتح الرجل الباب بدا «زنجر» واقفًا ينظر إليه في عداء … ثم مدَّ بصره إلى الداخل وشاهد «لوزة» فأسرع نحوها، وأخذ يلحس يديها وقدميها ويدور ببصره بين الرجلين.

دخل الرجل ذو الرأس الكبير إلى إحدى الغرف، ثم عاد بعد لحظات ومعه مديرة المنزل التي سألت «لوزة»: إن الرجلين يريدان أن يعرفا لماذا حضرتِ هنا؟

ردت «لوزة» بثبات: إنني لن أجيب عن أي شيء.

قالت السيدة: لماذا؟ هل هناك شيء تخفينه عنهما؟

قالت «لوزة»: هل أنتِ مصرية؟

السيدة: نعم.

لوزة: هل تعلمين أن هؤلاء الثلاثة الذين تعملين عندهم جواسيس؟

تلوَّن وجه السيدة وقالت: جواسيس؟ غير معقول! إنهم علماء يخدمون بلادنا!

لوزة: أبدًا … إنهم جواسيس، مطلوب القبض عليهم!

السيدة: ومن أين لكِ هذه المعلومات؟

لوزة: هل كان في ضيافتكم منذ نحو ستة أيام رجل مصري؟

السيدة: نعم، وقد أخبروني أنهم أحضروه لإجراء تجاربَ معه!

لوزة: هل سمحوا لكِ بالاقتراب منه؟

السيدة: لا، كنت أُعِدُّ لهم الطعام … فقد كانوا هم الذين يقومون بخدمته.

لوزة: إن هذا الرجل هو الدكتور «عرفان»، وهو عالم مصري!

ندمت «لوزة» … كما لم تندم في حياتها أبدًا بعدما نطقت اسم الدكتور «عرفان»، فقد كان الرجلان يتابعان الحديث بينها وبين السيدة … وبرغم أنهما لم يكونا يفهمان شيئًا من الحديث، إلا أن اسم الدكتور «عرفان» لفت انتباههما وأدركا فورًا أن هذه الفتاة الصغيرة تعرف عنهما وعن صديقهما الثالث أكثر مما ينبغي.

وقف الرجل ذو الرأس الكبير قائلًا: يجب أن نرحل بأسرع ما يمكن.

كانت مديرة المنزل التي عرَّفت «لوزة» أن اسمها «توحيدة» قد وقفت هي الأخرى، ولكن الرجل أشار إليها بمسدسه أن تجلس، وكانت «توحيدة» تبدو وكأن صاعقة انقضَّت على رأسها عندما سمعت ما قالته «لوزة» …

أما «لوزة» فكانت برغم الموقف الخطير الذي هي فيه تشعر بفرحة، فقد صحَّت فكرتها وثبَتَ أن الدكتور «عرفان» لم يغادر المعادي نهائيًّا … ولكن كيف إذًا طار؟

كان عند «لوزة» الحل، وكانت تتشوق لمقابلة الأصدقاء والمفتش «سامي» لتشرح لهم فكرتها … ولكن كيف؟ أخذت تدير البصر في المكان، لم يكن هناك أي أمل … لقد كانت هناك نافذة مفتوحة حقًّا … ولكن كيف السبيل إلى القفز منها!

كانت أصابعها تعبث بشعر «زنجر» عندما خطرت ببالها فكرة هائلة … لو استطاعت أن تدفع «زنجر» إلى القفز من النافذة فسوف يتصرف «زنجر» ويذهب إلى الأصدقاء ويعود بهم … ولكن كيف؟

انحنت «لوزة» على «زنجر» وأخذت تقول له بصوت هامس — وكأنه يسمع ما تقول: أيها العزيز «زنجر»، مطلوب منك أن تُنقذَنا، هل تفهم؟ كان «زنجر» يستمع إليها وعيناه على مسدسي الرجلين فسوف يطلقان عليه النار … وهكذا فجأة ودون أن يدري أحد ما حدث انطلق الكلب الذكي الشجاع كالرَّصاصة عبر الصالة ثم قفز من النافذة إلى الشارع … وعندما أفاق الرجلان من دهشتهما كان «زنجر» يطير على الأرض طيرانًا في طريقه إلى «تختخ».

عندما وصل «زنجر» إلى منزل «تختخ» أخذ يبحث عنه في الحديقة ثم صعد إلى فوق، وشاهدته والدة «تختخ» وهو يلف ويدور في المنزل فأدركت أنه يبحث عن صاحبه فقالت: «تختخ» ليس هنا، اجرِ وابحث عنه عند «عاطف».

فهِم «زنجر» المطلوب وانطلق في الشارع كالسهم ووصل إلى منزل «عاطف» … ولكنَّ أحدًا من الأصدقاء الأربعة لم يكن هناك … لقد كانوا جميعًا في انتظار «لوزة» حيث اتفقوا على اللقاء … وكانوا يشعرون بالقلق لغياب «لوزة» ولكن «تختخ» كان يُطمْئنهم قائلًا: لا تخافوا، فما دام «زنجر» معها فلن تصاب بسوء.

في تلك الأثناء كان الجاسوسان في غاية الارتباك … لقد كانا في انتظار زميلهما الثالث ولكن فرار «زنجر» المفاجئ وخوفهما مما سيفعله الكلب الأسود جعلهما يعيدان التفكير فيما سيفعلان … قال كبير الرأس للطويل: إننا يجب أن ننطلق الآن ونبتعد بقدر الإمكان … إننا لن نستطيع انتظار «جيفري» أكثر من هذا، لقد تأخر كثيرًا.

قال الطويل: ولكن كيف نتركه وحده؟! سوف يقع في يدي الشرطة وهذا يعرِّض أسرارنا للانكشاف.

كانت السيدة «توحيدة» تنظر إلى «لوزة» بإعجاب وهي تدهش لأن هذه الفتاة الصغيرة استطاعت معرفة هذه المعلومات المهمة عن الجواسيس، في حين ظلت هي معهم أسابيع طويلة دون أن تعرف شيئًا … كانت تشعر أنها يجب أن تفعل شيئًا لإنقاذ «لوزة»، ولكن كيف؟

كان الأربعة — الجاسوسان و«لوزة» و«توحيدة» — يفكرون … ولكن «زنجر» كان يجري في شوارع المعادي كالعاصفة يبحث عن الأصدقاء، كان يعرف جيدًا أن «لوزة» في خطر شديد وأنه وحده الذي يستطيع إنقاذها … ولكن أين ذهب الأصدقاء جميعًا!

وكان الأصدقاء — بعد أن تعبوا في البحث عن «لوزة» — قد قرروا الاتصال تليفونيًّا بمنزلها ولكنها لم تكن في المنزل واتصل «تختخ» بمنزلهم وردَّت والدته قائلة: لا، لم تحضر «لوزة»، ولكن «زنجر» حضر منذ قليل وأخذ يبحث عنك في المنزل كله ثم انطلق جاريًا.

وضع «تختخ» سماعة التليفون ثم التفت إلى الأصدقاء قائلًا: إن «زنجر» يتحرك وحده ويبحث عنا … معنى ذلك أن «لوزة» في خطر … لقد وجدت منزل الجواسيس في الغالب ولكنهم قبضوا عليها ولعلهم الآن يستعدون لمغادرة مصر بعد أن عرفوا أن أحدهم قد اكتُشف أمره.

محب: ماذا نفعل؟

تختخ: سنعود إلى حيث كنا نبحث وسندور هناك، وما دامت «لوزة» قد وجدت المنزل المطلوب فسوف نجده، أو لعلنا نعثر على «زنجر».

وقفز الأصدقاء جميعًا إلى دراجاتهم وقد خفقت قلوبهم وانطلقوا مسرعين في اتجاه الاستاد وكان «زنجر» قبلهم ووقف حيث كانوا ينتظرون أول مرة … ولم تمضِ لحظات حتى لمح الدراجات الأربع تأتي من بعيد، فلم يضيِّع ثانية واحدة بل انطلق إليهم مسرعًا … ورآه «عاطف» أولًا فصاح: «زنجر»! ها هو «زنجر».

وأسرع «زنجر» يُلقي بنفسه على «تختخ» وهو ينبح، فقال «تختخ»: على مهلك يا «زنجر» … أين «لوزة»؟

وجرى «زنجر» أمامهم يقودهم إلى طريق المنزل، ولم تمضِ دقائق حتى وجدوا المنزل ذا السلالم المرتفعة، وقفز «زنجر» يريد اقتحام المنزل ولكن «تختخ» جذبه بعيدًا قائلًا: لا بد من وضع خطة دقيقة قبل دخول هذا المنزل؛ فنحن لا نعرف ماذا يحدث في الداخل.

ووقف الأصدقاء على مَبْعَدة يفكرون وهو يراقبون المنزل الساكن ويتصورون ما يحدث بداخله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤