الفصل السادس

السلالة والدولة في روما

طبقًا لِما جاء بالأسطورة الخاصة بتأسيس روما، تم الاستقرار الأول عن طريق عدد من الفروع اللاتينية (وعددها مِائة كما تقول الأسطورة) توحدت في قبيلة واحدة. وتقول الأسطورة أيضًا إن قبيلة Sabellibn المكونة بدورها من مِائة فرع أعقبتها، وأخيرًا أعقبتهما قبيلة ثالثة من عناصر مختلفة عددها أيضًا مِائة. ويظهر من الأسطورة لأول وهلة أن السلالة وحدها هي التي كانت مكونة تكوينًا طبيعيًّا، وأن السلالة نفسها في حالات كثيرة كانت مجرد فرع من سلالةٍ أُمٍّ موجودة في موطنها الأصلي. وكانت القبائل مكونة بطريقة صناعية، ورغم ذلك كانت في معظمها مكونة من عناصر متصلة بصلة القرابة، وليس من المستبعد أن قبيلة قديمة كانت نواة هذه القبائل الثلاث. وكانت الأخوَّة لدى الرومان تشمل عشرة فروع في كل قبيلة، وكانت تُسمى Curia؛ وعلى ذلك كان هناك ثلاثون أخوَّة.

ومن الحقائق المسلَّم بها أن السلالة الرومانية كانت نظامًا مماثلًا للسلالة الإغريقية، وحيث إن السلالة الإغريقية كانت تنظيمًا أساسيًّا للوحدة الاجتماعية التي كان شكلها البدائي هو السائد لدى الهنود الحمر بأمريكا، فكذلك كانت السلالة الرومانية، ويمكن لذلك أن نتناولها باختصار.

وفي الأوقات الأولى لتأسيس روما على الأقل كان نظام السلالة الرومانية كما يأتي:
  • (١)
    حقوق متبادلة في الميراث من الأقارب المتوفَّيْنَ حتى تبقَى الأملاك في السلالة؛ وحيث إن الانتساب للأب كان القاعدةَ في السلالة الرومانية كما كان الحال لدى الإغريق، فإن ذرية الإناث كانت مستبعدة من السلالة. وطبقًا لقانون الألواح الاثني عشر وهو أقدم قانون مكتوب في روما كان للأبناء الطبيعيين الحق الأول في الميراث، وفي حالة عدم وجودهم كان لأقارب ذرية الرجل agnates حق الميراث، وعند عدم وجودهم يكون الحق للسلالة، وفي جميع الحالات كانت الملكية تبقى في السلالة. وهنا نلاحظ التطبيق التدريجي للحقوق القانونية في السلالة والتي سببتها الثروة المتزايدة والزواج الحديث؛ فالحقوق التي كانت متساوية في الأصل بين كل أعضاء السلالة اقتصرت على أقارب ذرية الرجل أولًا، ثم اقتصر الحق بعد ذلك على الأولاد وذريتهم من ناحية الأب، ويظهر ذلك في قانون الألواح الاثني عشر.
  • (٢)

    مقبرة عامة؛ فالسلالة المنتسبة للأب في هجرتها إلى روما أُعطيت قطعة أرض ومقبرة في المدينة. ونقرأ في قصص روما أيام حكم أوجستس أن رأس فاروس الذي سقط في غابة تيوتوبرج أُحضر إلى روما وأُدخل في منطقة السلالة، ومعنى ذلك أن سلالته كانت لا تزال تملك مقبرتها الخاصة.

  • (٣)
    حفلات دينية مشتركة. وهي معروفة جيدًا، وكانت تُسمى sacra gentilitia.
  • (٤)

    التزام بعدم الزواج من السلالة. ولم يكن هذا الالتزام مكتوبًا في قانون في روما ولكنه كان عادة سائدة، وقد وصلت إلينا ألقاب لا حصر لها للأزواج والزوجات في روما ليس بينها إطلاقًا لقب زوج وزوجة مشترك، ويُثبت قانون الميراث نفسه هذه القاعدة.

    وقد كانت المرأة تفقد بزواجها حقوقها الموروثة وتترك سلالتها، ولم يكن في استطاعتها أو أولادها وراثة ممتلكات أبيها أو سلالته وإلا فقدت سلالة الأب ملكيتها. وتؤكد هذه القاعدة أن المرأة لم يكن يُسمح لها بالزواج من سلالتها.

  • (٥)
    ملكية مشتركة في الأرض، وقد كان ذلك يحدث دائمًا في الأوقات البدائية عندما قُسمت ملكية القبيلة لأول مرة، وقد كان جزء من الأرض لدى القبائل اللاتينية في حيازة القبيلة وجزء في حيازة السلالة وجزء مملوك للأسرة التي كانت تشبه العائلة الزوجية بالمعنى الحديث. وقد كان رومولوس أول من قسَّم الأرض بين الأفراد بمعدل هكتار لكل منهم (الهكتار = ٢ gugera رومانية)، وفيما بعد كانت هناك أراضٍ لا تزال في حيازة الفروع غير الأراضي المملوكة للدولة والتي يدور كل التاريخ الداخلي للجمهورية عليها.
  • (٦)

    التزامات متبادلة بين أعضاء السلالة بتبادل المساعدة. ولا يسجل التاريخ المكتوب إلا الفضلات البسيطة في هذا الشأن، فمنذ نشأة الدولة الرومانية انتقل هذا الواجب إليها. ويخبرنا التاريخ المكتوب أنه عندما اعتُقل أبييوس كلوديوس أعلنت سلالته كلها — بما فيها أعداؤه الشخصيون — الحداد، وفي أثناء حرب اليونيك الثانية اتحدت الفروع لنجدة أخوَّاتها الذين كانوا في الأسر مع أن مجلس الشيوخ منعهم من ذلك.

  • (٧)

    الحق في حمل اسم السلالة، وقد ظل هذا الحق مطبَّقًا حتى عهد الأباطرة. وكان يُسمح للعبيد المعتقين بحمل اسم سلالة سادتهم السابقين دون أن تكون لهم حقوق السلالة.

  • (٨)

    الحق في تبنِّي الأجانب في السلالة. وكان ذلك يَتِمُّ بالتبني في إحدى عائلاتها (كما هو الحال عند الهنود الحمر).

  • (٩)
    الحق في انتخاب وعزل الرؤساء، وفي أثناء الفترة الأولى لوجود روما كانت كل المناصب من الملك إلى أصغر منصب تُملأ بالانتخاب أو التعيين، كما كانت الأخوَّة تَنتخب كهنتها. ونعتقد أن نفس الوضع كان سائدًا بالنسبة للرؤساء القبليين principes، ولا نعرف إن كانت القاعدة الخاصة باختيار المرشحين للرئاسة من نفس عائلة الرئيس السابق تُطبَّق أم لا.
كان ذلك هو نظام السلالة في روما. ومع استثناء الانتساب للأب كانت هذه السلالة نسخة طبق الأصل من السلالة الإيروكيوسية، ونستطيع هنا أيضًا تمييز السلالة الإيروكيوسية بوضوح. ويظهر الاضطراب الذي يسود معظم مؤرخينا بشأن مسألة النظام القبلي الروماني من المثال التالي: يقول مومسن في بحوثه الخاصة بالأسماء الرومانية الصحيحة في عهدي الجمهورية وأوجستس (كتاب بحوث رومانية الصادر في برلين سنة ١٨٦٤ جزءًا)، يقول مومسن: «الاسم في السلالة لا يوجد فقط عن طريق الذكور بما فيها الأشخاص المتبنَّوْن والْقُصَّر مع استثناء العبيد طبعًا، ولكن يوجد الاسم أيضًا عن طريق النساء.» فالقبيلة (اﻟ stamm كما يترجم مومسن كلمة gens) هي وحدة مشتقة من مجموعة حقيقية أو مختلفة من الأصول، ومتحدة عن طريق طقوس دينية مشتركة ومقبرة عامة ووراثة، وكل الأفراد الأحرار بما فيهم النساء يُعتبرون ضمن أفرادها. ولكن تحديد اسم السلالة الخاص بامرأة متزوجة يسبب بعض الصعوبات.
ولم تكن هذه الصعوبات موجودة طالما ظلت النساء ملزَمة بالزواج من سلالتها. وقد وجدت النساء لوقت طويل أن الزواج داخل السلالة أسهل من الزواج خارجها، وقد كان حق الزواج من خارج السلالة gentis enuptio يُمنح كامتياز شخصي وليس كقاعدة عامة خلال القرن السادس لنشأة روما. ولكن حينما وُجد هناك مثل هذا الزواج من خارج السلالة فلا بد أن النساء في العصور البدائية كانت تنتقل بسببه إلى سلالة الزوج. وليس هناك شيءٌ مؤكدٌ أكثر من أنه عن طريق الزواج الديني القديم كانت المرأة تنضم تمامًا للوحدة القانونية والدينية الخاصة بزوجها وتترك قبيلتها هي. وليس هناك من لا يعلم أن المرأة المتزوجة تفقد حقوقها الإيجابية والسلبية في الميراث من سلالتها، وتدخل في نطاق سلالة زوجها وأولادها، وإذا تبنَّاها زوجها كابنة له فكيف تظل منفصلة عن سلالته؟!
هذا ما قاله مومسن. وعلى ذلك فهو يدَّعي أن النساء الرومانيات المنتميات إلى سلالة معينة كنَّ في الأصل أحرارًا في الزواج داخل السلالة فقط. وبِناءً على ما يزعم فإن السلالة الرومانية كانت تسير على قاعدة الزواج داخلَ حدودها فقط وليس خارجها. وهذه الفكرة التي تتعارض مع تجارِب كل الشعوب الأخرى مؤسسة على نص فردي مختلَف عليه وَرَدَ في اﻟ livy (الكتاب رقم ٣٩ الفصل ١٩) الذي نص عليه مجلس الشيوخ سنة ٥٦٨ لنشأة روما؛ أي سنة ١٨٦ق.م. وتقول الفقرة المختلف عليها:
uti feceniae hispalae datio, deminutio, gentis enuptio tutoris optio item esset quasi ei vir testamento dedisset, utique ei ingneuo nubere liceret, neu quid ei qui eam duxisset, od id fraudi ignominiaeve esset.

ومعنى الفقرة أن فسنيا هسبلا سيكون لها الحق في التصرف في ممتلكاتها وتقليل قيمتها والزواج خارج سلالتها واختيار حارس لها، كما لو كان زوجها المتوفَّى قد منحها هذا الحق بوصية، وأنها سيُسمح لها بالزواج من رجل حر، ولن يكون ذلك شيئًا شائنًا بالنسبة للرجل الذي سيتزوجها.

ومما لا شك فيه أن فسنيا التي كانت أَمَة وأُعتقت قد حصلت بمقتضى هذه الفقرة على إذن بالزواج من خارج السلالة. ومما لا شك فيه أيضًا أن الزوج — كما يظهر من هذه الفقرة — كان له حق منح زوجته هذا الحق بوصية. ولكن خارج أي سلالة كان الزوج يستطيع منح زوجته حق الزواج: سلالته أم سلالتها؟

إذا كان للمرأة أن تتزوج من سلالتها كما يزعم مومسن فإنها كانت تبقى في السلالة بعد الزواج ما دامت السلالة خاضعة لقاعدة الزواج من داخلها، ومعنى ذلك أنه كان على الرجل أيضًا أن يتزوج من داخل سلالته وإلا فلن يجد زوجة. وإذ سلَّمنا بذلك نصل إلى حالة في الفقرة السابقة يكون للزوج فيها أن يمنحَ زوجته بوصية حقًّا لا يملكه هو نفسه مما يجعلنا أمام وضع قانوني غير معقول. وقد أدرك مومسن نفسه ذلك؛ ولذا نراه يقول: «من المرجح أن الزواج من خارج السلالة كان يتطلب قانونًا موافقة الزوج وموافقة كل أعضاء السلالة.» ونعتقد أن هذا الزعم في منتهى الجرأة، كما أنه يتعارض مع صريح نص الفقرة؛ فمجلس الشيوخ يعطيها الحق كما لو كان نائبًا عن زوجها فهو لا يعطيها أكثر أو أقل مما كان الزوج يستطيع إعطاؤه، ويوصي مجلس الشيوخ القناصل١ الحاليين المستقبلين والبريتورات٢ بأن يراعوا ألا تعاني أية متاعب من جَرَّاء استعمال هذا الحق؛ ولذلك فلا يمكن التسليم بافتراض مومسن. وإذا افترضنا أن امرأة تزوجت رجلًا من سلالة أخرى ولكنها بقيت في سلالتها؛ فطبقًا للنص السابق كان لزوجها الحق في السماح لها بالزواج من خارج سلالتها هي، أي كان له الحق في وضع شروط تتعلق بالشئون الخاصة بسلالة لا ينتمي هو إليها، وهو وضع غير معقول ولا نحتاج لأدلة لإنكاره. وعلى ذلك فالتفسير الوحيد الصحيح للنص في نظرنا أن المرأة في زواجها الأول تزوجت رجلًا خارج سلالتها فانتقلت بالزواج إلى سلالة زوجها، وهو ما يعترف به مومسن نفسه في مثل هذه الحالات. وبذلك يصبح النص واضحًا؛ إذ يعني أن المرأة انفصلت عن سلالتها بالزواج وتبنتها سلالة زوجها ولكنها تشغل وضعًا خاصًّا في سلالة الزوج لا يجعلها تستوي بأعضاء السلالة الأصليين، وعندما يموت زوجها كانت ترث جزءًا من ممتلكاته أي: ممتلكات زميل لها في السلالة. ولما كان يجب على الممتلكات أن تبقى في السلالة وأن المرأة لذلك يجب أن تُضْطَرَّ إلى الزواج من أحد أعضاء سلالة زوجها الأول حتى يتحققَ ذلك، فإذا وُضع لذلك استثناء فإن أكثر الناس اختصاصًا بالسماح بذلك هو الرجل الذي أدخل المرأة في السلالة بزواجه منها ونقل إليها هذا الجزء من أملاكه، أي الزوج الأول، فكان عندما يوصي لها بالزواج من خارج سلالته التي أصبحت سلالتها يعطيها الحق في نقل الممتلكات التي ورثتها عنه إلى سلالة أخرى بالزواج من أحد أعضائها. أما بالنسبة للمرأة وعلاقتها بسلالة زوجها الأول فإن الزوج هو الذي أدخلها السلالة بزواجه منها، فمن الطبيعي أن يكون هو صاحب الحق في إخراجها من السلالة عن طريق السماح لها بالزواج من آخر. وعلى ذلك فتفسير النص يبدو واضحًا ومعقولًا إذا نظرنا للأمر — كما فعل مورجان — على أن السلالة كانت في الأصل تسير على قاعدة الزواج من خارجها.
وهناك رأي آخر ربما وَجد أكبر عدد من المؤيدين وهو أن النص السابق يَعني «أن الفتيات الإماء المعتَقات libertae لا يستطعن دون إذن خاص أن يتزوجن من خارج السلالة أو أن يتخذن أي خطوة تؤدي لتركهن للسلالة مما قد يسبب أبسط خسارة لحقوق العائلة.»٣

وإذا كان هذا الرأي الأخير صحيحًا فإن النص يُثبت أنه أقل من المعقول إذا راعينا حالة النساء الرومانيات الأحرار، وما زال هناك مكان للكلام عن التزامهن بالزواج داخل السلالة.

وإن تعبير enuptiogentis، أي الزواج من خارج السلالة، لا يوجد إلا في هذه الفترة المنفردة ولا يوجد في أي مكان آخر من الأدب الروماني كله. وتوجد كلمة enubere، أي الزواج من الخارج ثلاث مرات فقط في اﻟ livy ولا تعود على السلالة. وإن الفكرة الوهمية التي تقول إن النساء الرومانيات كُنَّ ملزَمات بالزواج داخلَ حدود السلالة فقط، هذه الفكرة تَدِين بوجودها لهذه الفقرة وحدَها ولكنها لا تجد ما يؤيدها؛ لأنه إما أن تكون الفقرة خاصة بالموانع الخاصة بالإماء المعتَقات ولا علاقة لها بالنساء الأحرار، وإما أن الفقرة تنطبق على النساء الأحرار أيضًا؛ وذلك يُثبت أن النساء عمومًا كانت تتزوج خارج السلالة وكانت تنتقل بالزواج إلى سلالة الزوج. وعلى ذلك فالفقرة تُعتبر حُجة ضد مومسن في صف مورجان.
وبعد حوالي ثلاثمائة عام من تأسيس روما كانت روابط السلالة لا تزال قوية لدرجة أن سلالة تُسمى الفابيان قامت بنفسها وبتصريح من مجلس الشيوخ بحملة ضد المدينة المجاورة Wev، ويقال إن ثلاثمائة وستة من الفابيانز ساروا وقُتِلوا في كمين، وتركوا وراءهم ولدًا واحدًا ليحفظ السلالة.
وكما قلنا قبلًا كانت كل عشرة فروع تكوِّن أخوَّة، وكانت الأخوَّة تُسمى Curia، وكانت لها وظائف أكثر أهمية من وظائف الأخوة لدى الإغريق. فكان لكل أخوة طقوسها الدينية الخاصة ومقدساتها وكهنتها.

وقد كوَّن الكهنة كلهم إحدى جامعات روما للكهنة. وكانت كل عشرة أخوَّات تكوِّن قبيلة، ومن المحتمل أنه كان لكل قبيلة في الأصل رئيس منتخب وقائد حربي وكبير كهنة مثل بقية القبائل اللاتينية. وكان الشعب الروماني يتكون من القبائل الثلاثة السابق الإشارة إليها مجتمعة.

وعلى ذلك فهؤلاء الذين كانوا ينتمون إلى الشعب الروماني كانوا أعضاء السلالات والأخوَّات والقبائل فقط. وكان الدستور الأول لهذا الشعب كما يلي:

شئون عامة يديرها مجلس الشيوخ المكون من رؤساء الثلاثمائة فرع (وكان نيبور أول من ذكر ذلك بدقة)، وكان أكبر أعضاء الفروع سنًّا يسمُّونهم آباء ratres، وقد كان مجلس الشيوخ senrto (والكلمة مشتقة من senex أي الأكبر سنًّا) مكونًا من رجال أسرة معينة في كل سلالة جرت العادة باختيار أفرادها، وكانت هذه الأسر نواة الأرستقراطية الوراثية. وكانت هذه الأسر التي يُختار منها الرؤساء بالوراثة تُعتبر أبًا للسلالة وتدَّعي الحق المطلق في مقاعد مجلس الشيوخ وكل المناصب الأخرى. وبمرور الوقت أصبح الشعب يساهم في هذه المناصب. وقد جاء بالأسطورة الخاصة بتأسيس روما أن رومولوس منح مرتبة الآباء ومميزاتها لأول أعضاء في مجلس الشيوخ ولورثتهم. وكانت لمجلس الشيوخ (مثل المجلس اللاتيني) سلطة البَتِّ في شئون كثيرة والقيام بالمناقشة الافتتاحية للأمور الهامة وخاصةً سن القوانين. وقد قَررت الجمعية الشعبية المسماة Comitia curiata، أي جمعية الأخوَّات، هذا النظام.
وكان الشعب المجتمع في الجمعية تجمعه الأخوَّات، وفي كل أخوَّة تجمعه الفروع، وعند البت في المسائل العامة كان لكلٍّ من الأخوَّات الثلاثين صوت واحد. وكانت الجمعية الشعبية تقرأ وترفض القوانين وتنتخب كل شاغلي المناصب الرسمية، بما في ذلك اﻟ rex الذي يُعتبر بمثابة الملك. وكانت لها سلطة إعلان الحرب، أما عقد السلم فمن حق مجلس الشيوخ. كما كان لها أن تنظر بصفتها محكمة عليا — بِناءً على طلب الخصوم — كل الحالات التي تصدر فيها عقوبة الإعدام ضد المواطنين الرومانيين. وبجانب مجلس الشيوخ والجمعية الشعبية كان هناك اﻟ rex الذي يماثل منصبه تمامًا منصب القائد العسكري الإغريقي، ولم يكن ملكًا مطلقًا كما حاول مومسن أن يصوره.
وكان اﻟ rex قائدًا عسكريًّا وكبيرًا للكهنة ورئيسًا لمحاكم معينة. ولم تكن له وظائف مدنية أو أي سلطة على الحياة أو الحرية أو الأملاك الخاصة بالمواطنين إلا ما يترتب على سلطته الإدارية كقائد عسكري، أو سلطته في تنفيذ الأحكام باعتباره الرئيس الأعلى للقضاء. ولم يكن منصب اﻟ rex وراثيًّا؛ فقد كان أول الأمر يُنتخب ربما بِناءً على تزكيةٍ مِن سَلَفه أو من جمعية الأخوَّات ثم تُقر انتخابَه جمعيةٌ أخرى. وكان يمكن عزله، يؤكد ذلك المصير الذي انتهى إليه تراكوينيوس سوبربوس.
وكما كان الإغريق في العصر البطولي، كان الرومان في العصر المسمَّى بعصر الملوك يعيشون في ديموقراطية عسكرية مؤسسة على الفروع والأخوَّات والقبائل التي نمت فيها هذه الديموقراطية. ومع أنه من المحتمل أن الأخوَّات والقبائل كانت مكونة تكوينًا صناعيًّا (أي غير مرتبطة بروابط الدم) فقد صُبت في قوالب تماثل القوالب الطبيعية الصحيحة للمجتمع التي نشأت فيه وما زال يحيط بها من كل جانب. ومع أن النبلاء الآباء كانوا قد ثبَّتوا مراكزهم فعلًا، ومع أن اﻟ reges (جمع rex)٤ قد حاولوا تدريجيًّا توسيع نطاق سلطتهم؛ فإن ذلك لا يغيِّر الطابع الأصلي الأساسي للدستور.

وفي هذه الأثناء زاد تعداد السكان في روما والأراضي الرومانية التي اتسعت بالفتح؛ وكانت هذه الزيادة ناتجة من الهجرة ومن المقيمين بالأقاليم التي أُخضعت والتي كان معظمها لاتينيًّا. وكان كل سكان الأقاليم التابعة خارج نطاق الفروع والأخوات والقبائل القديمة؛ وعلى ذلك فلم يكونوا جزءًا من الشعب الروماني الخالص، وقد كانوا كأشخاص أحرار يستطيعون امتلاك الأراضي ودفع الضرائب والخدمة العسكرية، ولكن لم يكن لهم حق تولي المناصب العامة أو حق الاشتراك في الجمعية الشعبية أو الاشتراك في توزيع أراضي الدول المهزومة؛ فقد كانوا يكوِّنون الطبقة الدنيا المحرومة من كل الحقوق العامة. ونتيجةً للزيادة المستمرة في عددهم وتدريبهم العسكري وتسليحهم أصبحوا تهديدًا للشعب الروماني الذي سد منافذه تمامًا في وجه أي زيادة. ويبدو أن الأرض كانت تُوزع بالتساوي بين الشعب الروماني وبين هذه الطبقة الدنيا، بينما يبدو أن الثروة التِّجارية والصناعية كانت مركَّزة أساسًا في أيدي هذه الطبقة الدنيا مع أن هذه الثروة لم تكن قد تضخمت بعد.

ونظرًا للظلام الدامس الذي يحيط بأصل أسطورة تأسيس روما — وقد زادت من هذا الظلام تفسيرات المؤلفين القانونيين — فمن المستحيل وضع تقرير دقيق عن وقت وسير وأسباب الثورة التي وضعت حدًّا للدستور القبلي القديم. والشيء الوحيد المؤكد هو أن أسباب الثورة تكمن في الصراع بين الطبقة الدنيا سالفة الذكر والشعب الروماني.

وقد أنشأ الدستور الجديد المنسوب إلى اﻟ rex المسمى سرفيوس توليوس (ويشابه الأنظمة الإغريقية وخاصةً نظام سولون)، أنشأ هذا الدستور جمعية شعبية جديدة، تضم أو تستبعد كل أشباه الشعب الروماني والطبقة الدنيا بِناءً على إذا ما كانوا قد أَدَّوُا الخدمة العسكرية من عدمه. فكل الذكور القادرين على أداء الخدمة العسكرية كانوا مقسَّمين إلى ست طبقات طبقًا لثروتهم، وكان الحد الأدنى للثروة في الطبقات الخمس الأولى هو على التوالي: مِائة ألف آس، وخمسة وسبعون ألف آس، وخمسون ألفًا، وخمسة وعشرون ألفًا، وأحد عشر ألفًا (وهي كما ذكر ديرود ولامال تساوي حوالي ١٤٠٠٠، ١٠٥٠٠، ٧٠٠٠، ٣٥٠٠، ١٥٧٠ ماركًا ألمانيًّا على التوالي). أما الطبقة السادسة، وهي الطبقة العاملة المكونة ممن كانوا يملكون أقل من ذلك، فكانت معفاة من الخدمة العسكرية والضرائب. وفي الجمعية الجديدة (اسمها Comita Centuriata) كان المواطنون مقسمين إلى درجات على طريقة الجنود، وإلى مجموعات Contnrea عدد كل منها مِائة، وكل مجموعة لها صوت واحد. وكان للطبقة الأولى ثمانون مجموعة، وللثانية اثنان وعشرون، وللثالثة عشرون، وللرابعة اثنان وعشرون، وللخامسة ثلاثون، أما الطبقة السادسة فلم يكن لها إلا مجموعة واحدة. ويُضاف إلى هذه المجموعات ثمانية عشر مجموعة للفرسان المكوَّنين من أغنى الأغنياء. وعلى ذلك يكون العدد كله مِائة وثلاثة وتسعين مجموعة، وكانت الأغلبية المطلوبة سبعة وتسعين صوتًا؛ وبذلك كان للفرسان والطبقة الأولى ثمانية وتسعون صوتًا، أي الأغلبية، وعندما كان الفرسان والطبقة الأولى يتَّحدون كانت القرارات الصحيحة تصدر حتى دون سؤال الطبقات الأخرى.

وقد انتقلت كل الحقوق السياسية إلى الجمعية الجديدة هذه. وكانت الأخوَّات والفروع المكونة لها لا تزال موجودة كما كان الحال في أثينا، ولكن انحط شأنها حتى أصبحت بمثابة جمعيات خاصة ودينية، وظلت بهذه الصفة مدة طويلة بينما سقطت جمعية الأخوَّات القديمة في طي النسيان. ولكي تُلغى القبائل الثلاثة القديمة من الدولة أُنشئت أربع قبائل إقليمية، تسكن كل قبيلة منها في ربع المدينة، ولها حقوق سياسية معينة.

وعلى ذلك ففي روما أيضًا تحطم النظام الاجتماعي القديم المبني على روابط الدم الشخصية حتى قبل إلغاء الملكية المزعومة، وحل محلَّه دستورٌ جديد مبني على التقسيم الإقليمي والاختلاف في الثروة، وقد كان دستورَ دولة بالمعنى الحقيقي. وكانت السلطة العامة تتكون من المواطنين الصالحين للخدمة العسكرية، وكانت هذه السلطة العامة موجهة ضد العبيد والطبقة المسماة بالطبقة العاملة التي كانت محرومة من الخدمة العسكرية والحق في حمل السلاح. وقد جاء الدستور الجديد بعد طرد آخِر rex المسمى تراكوينيوس سوبربوس الذي كانت له سلطة ملكية حقيقية اغتصبها، وقد وضع الدستور الجديد مكان اﻟ rex قائدين عسكريين يُسميان قنصلين، متساويين في سلطتهما (كما كان الحال عند الإيروكيوس)، وفي خلال تطبيق هذا الدستور تحرك كل تاريخ الجمهورية الرومانية بكل صراعه بين الرؤساء المسمَّيْنَ آباء (السابق ذكرهم) وبين الطبقة الدنيا، تحرك هذا الصراع من أجل الاعتراف للطبقة الدنيا بحق تولي المناصب والمشاركة في أراضي الدولة. وكان آخر انحلال لطبقة النبلاء الآباء هو تحولها إلى الطبقة الجديدة المكونة من أصحاب الأراضي الواسعة ومُلاك النقود الذين ابتلعوا تدريجيًّا كل أراضي الفلاحين الذين حطمتهم الخدمة العسكرية، وكانوا يزرعون أرضهم بواسطة العبيد الذين جُمعوا من أقاليم شاسعة مجاورة؛ مما أفقر إيطاليا من السكان وركزهم في روما، ومما فتح الباب على مصراعيه للحكم الاستعماري وخلفائه من المتبربرين الألمان.
١  حكام روما في ذلك الوقت.
٢  مشرعو روما في ذلك الوقت.
٣  لانج في كتاب «الرومان القدماء»، الصادر في برلين سنة ١٨٥٦، جزء ١.
٤  كلمة rex في اللاتينية تساوي righ لدى السلت والأيرلنديين، أي زعيم قبلي، وتساوي rliks لدى الغال. وكان ذلك يعني في الأصل الرئيس القبلي أو السلالي، وتُثبت ذلك الحقيقة التي مؤداها أن الغال في القرن الرابع كان لديهم تعبير خاص عن الملك في الأوقات التالية، وكان اسم القائد العسكري لشعب بأكمله هو thiudans. وفي ترجمة ألفلا للإنجيل نجد أن أرتكسركس وهيرودوت لم يذكرا كلمة rliks بل thiudans، كما كان لقب الإمبراطور تيبريوس هو thiudinassus وليس reiki.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤