عود إلى الشعر

١

في موضع من كتاب (الحيوان) أتى الجاحظ على ذكر البرغوث، فاستشهد ببيت من الشعر لأبي نواس في «وصف رجل يفلي القمل والبرغوث:

أو طامري واثب
لم ينجه منه وثابهْ

وقول الناس: «طامر وابن طامر» إذا يريدون البرغوث».

وفي موضع آخر من ذلك الكتاب عاد الجاحظ إلى خبر هذا الرجل وشعر أبي نواس فيه، ففصل ما كان قد أجمله: «وقال الحسن بن هاني في أيوب، وقد ذهب عني نسبه، وطالما رأيته في المسجد:

من ينأ عنه مصاده
فمصاد أيوب ثيابه
تكفيه فيها نظرة
فتعلُّ من علق حرابه
يا رب محترز يجيـ
ـب الردن تكنفه صؤابه
فاشي النكاية غير معـ
ـلوم — إذا دب — انسيابه
أو طامري واثب
لم ينجه منه وثابه
أهوى له بمزلق
ما بين إصبعه نصابه
لله درك من أبي
قنص، أصابعه كلابه!»

فهذه الأبيات التي نظمها أبو نواس في أيوب المنسيِّ نسبه المجهولة حاله — لا نعلم من شأنه إلا أنه كان يجلس في المسجد بالبصرة يفلي القمل والبرغوث — لا أثر لها في نسخ الديوان المطبوعة عن رواية حمزة الأصفهاني، ولهذا قيمته عندي.

أقول: في البصرة؛ لأن الإمام عمرو بن بحر الجاحظ البصري إذا ذكر «المسجد» على إطلاقه في كتبه ورسائله، فهو يعني على الأرجح مسجد بلده، وهو البلد الذي نشأ فيه أيضًا أبو نواس، وقضى أعوامًا من صباه وشبابه، متلقيًا علوم الأدب واللغة عن شيوخها في المسجد، مدرسة ذلك الزمن.

ففي المسجد عرف أبو نواس هذا «الدرويش» الذي طالما رآه الجاحظ، فنظم الشاعر الفتى تلك الأبيات يصف بها خروج الرجل إلى الصيد في ثيابه، مستغنيًا بأصابعه عن الكلاب، لا يقفل إلا وقد أروى حرابه من دم القمل والبراغيث. ولا نشك في أنَّ «أبا القنص» هنا هو أبو نواس الذي تصيد في مسجد البصرة صورة شعرية ألبسها من دعابه وظرفه وسخره هذه الحلة اللطيفة البهيجة زيًّا وألوانًا. ومنذ ذلك الحين أمسى أيوب، في حقيقته وفي صورته الشعرية على السواء، رزقًا حلالًا للشاعر يتصرف به كيف يشاء، وقد فعل: في ديوان أبي نواس أبيات من الشعر نظمها في هجاء شاعر يدعى زنبور بن أبي حماد. يقول ناشر الديوان إنه لم يعثر عليها إلا في نسخة (أي مخطوطة) واحدة، فأثبتها كما وجدها (يريد أنها محرفة مصحفة غير مستقيمة المعنى أو المبنى). ولكن الأبيات تستقيم معنى ومبنى لمجرد معارضتها بالقصيدة التي رواها الجاحظ في أيوب، درويش مسجد البصرة، وهاكها بعد تصحيحات يسيرة:

رأيت لقوس زنبور سهامًا
مثقفة الأغرة، ما تطيش
سهام لا يذوب لها غراء
ولم يُشدد لها عقب وريش
يباكر جيبه، فيصيد منه
ولا يبغي عليه من يحوش
ولا ينجي الصؤابة أن يراها
تضاءل، فوقها درزٌ جحيش
يزرُّ رعالها بالسن زرًّا
ولا تشقى بغدوته الوحوش!

إنَّ ابن حماد هذا يذكرنا أيوبًا «الشخصية الأصلية» دون لبس أو إبهام؛ فهو أيضًا يخرج إلى القنص بكرة؛ ليصيد من جيب ردنه ما يصيد، بسهام مثقفة لا عقب لها ولا ريش، طاردًا رعال القمل والبراغيث، مضيقًا عليها في الآجام والأدغال، فليس يخطئ المرمى. لكن «الصورة الشعرية» هنا — وقد استكمل الشاعر مادته وأداته — أفخم مظهرًا وأبرز لونًا، أدخل فيها أبو نواس عنصرين جديدين تبلغ السخرية بهما أعلى مراتبها: أولهما وصفه ذلك الصياد الفذ بالاستغناء عن الخدم والحشم الذين يرافقوان الأمراء والكبراء عادةً في موكب فخم؛ ليحوشوا لهم الصيد، فيأخذه أولئك من أهون سبيل، ونعني بالصياد الفذ أنه يخرج وحده … وثانيهما وصفه إياه بالرأفة ورقة القلب، فهو يقنص القمل والبرغوث لتسلم من بأسه الوحوش، فلا تشقى إذا غدا إلى الصيد شاكي السلاح. وليس أقرب إلى هذا الصياد في الفن الشعري من تارتان التراسكوني في فن القصة.

ونحن نعلم أنَّ لأبي نواس بابًا من أبواب الشعر يكاد يتفرد به، بعد أن كان من السابقين إليه؛ هو الطرد. وقد أخبر الرواة أنه نظم فيه تسعًا وعشرين أرجوزة وأربع قصائد، وصف فيها الصيد وأحواله، ونعت الكلب والثعلب والفهد والظبي والفرس والصقر والبازي والديك، بشعر يكاد يكون فيه نسيج وحده، تجده مثبتًا في ديوانه. فهذا باب في الطرد الجدي، إزاء القصيدتين اللتين نظمهما في صاحبيه أيوب وابن أبي حماد من قبيل الطرد الهزلي.

كان دستويفسكي يقول: «تجوز بي امرأة في السوق بلباس الحداد، وهي تقود طفلًا، فأتخيل مأساة من مآسي الحياة، وتتألف من هذا وحده قصة …»

تلك مادة أهل الفن، يتناولونها إذ تجتاز الكون والحياة، غفلًا من الاسم والنسب، كأيوب الذي لا نعرف عنه إلا أنه كان يجلس في المسجد، يفلي القمل والبرغوث، وكهذه الأم التي بهت دستويفسكي لمنظرها، وقد رآها تجتاز الطريق في ردائها الأسود، وليس يعلم من أمرها شيئًا …

٢

من أنباء مصر القاهرة أنَّ الدكتور بشر فارس قد «اكتشف» بحرًا جديدًا … وأبادر إلى القول إنَّ ذلك البحر هو من بحور الشعر ليس إِلا، لكنه لم يسلم رغم هذا، من بأس حرب شعواء أثارها في ساحاته وحول مضايقه بأساطيل جرارة من الشواهد العقلية والنقلية وغيرها، مما لا يدخل في أحد هذين البابين أو «المضيقين»؛ رجال القلم المغاوير الذين يعرفون رغبة النظارة من أبناء الضاد، في هذا النوع من القتال الأشبه بلعبة «السيف والترس» يكون معظمها تظاهرًا وتخايلًا، ثم لا غالب ولا مغلوب …

يقول ابن خلدون في مقدمة تاريخه: «ويراعى في الشعر اتفاق القصيدة كلها في الوزن الواحد؛ حذرًا من أن يتساهل الطبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه، فقد يخفى ذلك من أجل المقاربة على كثير من الناس. ولهذه الموازين شروط وأحكام تضمنها علم العروض، وليس كل وزن يتفق في الطبع، استعملته العرب في هذا الفن، وإنما هي أوزان مخصوصة تسميها أهل تلك الصناعة: البحور. وقد حصروها في خمسة عشر بحرًا، بمعنى أنهم لم يجدوا للعرب في غيرها من الموازين الطبيعية، نظمًا.» الخ.

يكفي أن نقارن هنا بين كلمة ابن خلدون «وليس كل وزن يتفق في الطبع استعملته العرب»، وبين عبارته الأخيرة عن «الموازين الطبيعية»؛ كي يتضح لنا أنه فتح الباب على مصراعيه لأوزان مستحدثة في الشعر العربي، بينما هو يشير في الوقت ذاته إلى أصل تلك الأوزان ومنشئها بأوجز كلام وأوفاه بالمراد. وليست هذه أول مرة يتناول فيها العلامة المغربي مسألة من المسائل، فيرسل على ناحية أو أكثر منها شعاعًا من نور بصيرته نافذًا إلى صميمها، ويكشف للمتدبر عن آفاق جديدة، بل يندر أن لا يأتي في أي الشئون المتنوعة التي وسعتها دائرة معارفه العربية، ونعني «المقدمة» بحكم صحيح أو رأي طريف، كأنه ينظر في الأمور من وجهة لم يُسبق إليها، بعين لا مثيل لها. وهذا ما أهاب بالمستشرق الفرنسي غوتيه من أساتذة جامعة الجزائر، إلى القول بأن لهذا الشرقي المسلم مذهبًا غربيًّا في التاريخ، وأسلوبًا في التحقيق العلمي يذكر بأساليب عهد الانبعاث الأوربي، كأن نفحة منه سرت إلى روح ابن خلدون عن طريق الأندلس، لكن المستشرق الفرنسي لا ينكر أنَّ العلامة المسلم لم يتلقَّ علمه في مدرسة الغرب على مؤرخيه، فهو قد اهتدى بسائق من عبقريته، إلى هذا الأسلوب الفذ في النقد التاريخي والتحقيق العلمي.

رجعت إلى (المقدمة) وأنا أتساءل: لماذا سمت العرب أوزان الشعر أبحرًا؟ وكنت أرجو أن أوفق ثمة إلى جواب هذا السؤال، بعد أن أيأسني من ذلك كتاب (العمدة في صناعة الشعر وفنونه) لابن رشيق القيرواني، فلم أجد شيئًا، لكن ظفرت بهذا الرأي القيم لابن خلدون، الذي يستخلص منه أنه يوجد أوزان للشعر تتفق في الطبع، لم يستعملها العرب في منظومهم، وأنَّ الخمسة عشر بحرًا التي شاء علم العروض أن يحصيها ويحصرها؛ جزء من كل؛ أي من «الموازين الطبيعية» التي يصح أن تستعمل في نظم الكلام، سواء في لغة مضر أم في سائر اللغات. وليس بضائر هذه الموازين أنَّ العرب، باديها وحاضرها، غابرها وحاضرها، غائبها وحاضرها، لم تستعملها ولم تنظم عليها. ولعلها لهذه العلة سميت «أبحرًا» فهي مترامية الأكناف، متداخلة الأطراف، يتصل أحدها بالآخر، ويتولد بعضها من بعض، إلى ما لا يكاد ينتهي، حتى تسلم النفس الأخير فيما دعوه بالشعر المنثور.

ولم يجئ ابن خلدون بهذا الرأي عبثًا أو لغير طائل، فهو منطقي إلى أقصى حد، مثل كل مبدع سبق عصره وأعصرًا بعد عصره. ومن المسلم به عند الأستاذ غوتيه وغيره من أهل النظر أنَّ المادة التي تتألف منها (المقدمة)، رغم غزارتها وتنوع عناصرها وتشعب مراميها، قد تنزهت عن آفات الخلط والفوضى، بفضل رجاحة عقل المؤلف العبقري الذي أفرغها في نظام من الوحدة، لا يكاد يعتوره خلل.

قال ابن خلدون بذلك الرأي في الشعر وموازينه، كي يُترك الباب مفتوحًا على مصراعيه، لما استحدث من فنونه المتأخرون — خاصتهم وعامتهم — في مختلف الأقطار والأمصار، كالموشح والزجل والمواليا والقوما، وكان ما كان والدوبيت، وأكثرها أنواع من الشعر شذَّ فيها «جيل من العرب المستعجمين» عن أساليب لغة مضر، لكنها من الشعر في صميمه: «فلأهل الشرق وأمصاره لغة غير لغة أهل المغرب وأمصاره، وتخالفهما أيضًا لغة أهل الأندلس وأمصاره. والشعر موجود بالطبع في كل لسان؛ لأن الموازين على نسبة واحدة في أعداد المتحركات والسواكن وتقابُلها، موجودة في طباع البشر. فلم يُهجر الشعر بفقدان لغة واحدة وهي لغة مضر …»

وقال ابن خلدون بذلك الرأي في الشعر وموازينه، من أجل الوزن الذي استحدثه الدكتور بشر فارس، وأخرجه من عداد «الموازين الطبيعية التي لم يعرف للعرب نظم فيها». وينبغي أن يكون إلى هذا الوزن المستحدث حاجة؛ لأن صاحبه نظم عليه قصيدة أو بضع قصائد ولا فرق، فالمهم أنه أدخله في عداد «الموازين الطبيعية التي سيعرف للعرب نظم فيها». ولا ننسَ أن المكتشف هو في الطليعة من أدباء الجيل ونقدة الشعر، وأكبر الظن أنه لم يرسل في عباب هذا «البحر» الجديد، كتلك المراكب من الورق التي يتلهى بها الصغار؛ لكفاية حنينهم الباكر إلى الأسفار، وركوب متن البحار. فعسى أن تكون مراكبه مشحونةً أماني لم تخطر لإنسيٍّ أو جنيٍّ ببال، مقلة طيوف خيال لم تطف بوهم شاعر في المتقدمين والمتأخرين.

لقد سمى الدكتور فارس بحره الجديد «المنطلق»، وكنت أوثر أن يسميه «المطلق»؛ لأن الشعر العربي على ما أرى سيقفز ببركة المدرسة الحديثة قفزة تقذف به إلى «ما وراء الطبيعة».

٣

أكبر الظن أنَّ هذا الشعر لن يتركني، وقد كان زمن خلتُ فيه أني غير تاركة. فكتابي «الباب المرصود» مجموعة فصول تدور على محور الشعر، وهي ثلاثة أرباع ما كتبت في حقبة اشتغالي بالكتابة على قصرها، كأن الشعر يشغل من حيز فكري أكثر من نصفه، ليخلو الربع الأخير للهموم اليومية.

أنا حامد لنفر من إخواني الذين نقدوا الكتاب، حسن ظنهم؛ إذ توهموا أو أحسوا بين فصوله صلة ظاهرة أو وحدة خفية، قد تكون من عطايا فكرهم السخي، ليس إلا. وهم — لا مراء — يعنون الصلة بين رأي ورأي، أو وحدة الاستقراء والاستطراد والاستنتاج، إلى آخر ما هنالك من المزيدات. ولكني لا أكون مبالغًا ولا متكلفًا إذا ما زعمت اليوم أني غير ضنين برأي واحد ولا ببضعة آراء، قلت بها منذ نحو عشرة أعوام في مثل هذا الموضوع المتشعب الفروع، العويص التركيب، الذي لا ينير علم النفس ناحية منه، إلا غابت سائر نواحيه في «ما وراء الطبيعة» وهو موضوع الشعر. وماذا عليَّ إذا كانت تلك الآراء تبدو لي الآن في سذاجتها عريانة كالتمثال على قارعة الطريق، في نتوء يكاد يقلع العين؟ ففي ضميري نحوها شعور غامض مختلط، لا أعرف له تأويلًا يرضيني كل الرضى، (أو هي حكاية أخرى كما يقولون) لكنه أشبه ما يكون بعدم المبالاة في شيء من الغيظ، كأن تلك الآراء أولاد مما رزقني الله، غابوا عني سنين معدودات في ذلك العالم العجيب القائم على تخوم الواقع والأبجدية، فأنا أكاد أنكر منهم بعد هذا العمر أنهم لا يزالون كما أُنشئوا أول مرة، أقزامًا مسوخًا، أو أطفالًا شيوخًا. دع إذن هذه الوحدة المزعومة أو المتوهمة، وتعالَ حدثني عما في تضاعيف الكتاب، بل بين سطوره، من ترجمة حال شاعر لم يعرف الناس أنَّ له قصيدة واحدة، ولم يعرف هو أكثر مما عرفه الناس، ولنقلْ إنها قصة الشاعرية المكبوتة أو الخرساء.

يرى جمهرة مؤرخي الأدب الفرنسي أنَّ سنت بوف لم يعدَّ بين كبار نقدة الكلام الذين وفقوا في بحوثهم عن الشعر والشعراء إلى حد بعيد، إلا لأنه كان من قبل شاعرًا غير موفق إلى حدٍّ ما. وأذكر اليوم على طول العهد أني كنت أعتذر لنفسي عن هجر القريض، بأن الشعر لا يحتمل أوساط الأمور، فإما أن يكون بالغًا مرتبة الكمال، وإما أن لا يكون البتة، وأنه دون النثر حينما ينحط عن تلك المرتبة. قد يكون هذا الاعتذار من باب التعلل في «قضيتي» الخاصة، لكنه على كلٍّ الرأيُ الأصوب في قضية الشعر العامة، لو أخذ به «أكثرهم» لوفروا على نفسهم كثيرًا من الهراء، وعلينا كثيرًا من العناء.

من حق القارئ أن يسأل: ماذا عنيت بالعالم «القائم على تخوم الواقع والأبجدية»؟ دون أن يطالبني بمخطط هذا العالم العجيب الذي لم تدرس بعد جغرافيته، ولم يتح له الحظ من يعنى بإحصاء عدد أجرامه وقياس مدى أبعاده، ووصف مختلف أطواره، رغم أنه عالم قديم، أقدم من العالم الذي نحن فيه، على ما أرجح. وأنا منذ أرسلت كلمتي عن ذلك العالم، كمن انطلقتْ — عن غير قصد — رصاصة من بندقيته، أتساءل «في حيرة» مثل هذا السؤال، ولا يُفتح عليَّ بجواب قاطع من نوعه، أو تعريف جامع مانع، ككل التعاريف التي تحترم ذاتها. أقول «في حيرة»، والأصح أن يقال «في بَهر»، كأني أتيت أمرًا عظيمًا لا أجد منه مخرجًا، أو يقدِّر الله، فيفغر ذلك العالم العجيب فاه فيبتلعني. وحينئذ أعرف من جغرافيته، على الأقل، فكيه وحيزومه. ولكن حتى يحين ذلك، لا أحب أن أقف حائرًا بائرًا في منتصف الطريق. وإذا كان العلم الحديث قد بنى على الفرض صرحه الممرد، فلا بأس بأن نلجأ إلى الفرض فيما نحن بصدده، فنضرب مثلًا وإِن بعيدًا، يقرب من الأذهان صورة ذلك العالم العجيب، راضين بظل الظل أو خيال الخيال: لو أنَّ الله سبحانه لم يخلق هذه الدنيا التي نحسها ونعيش فيها، من تراب وماء ونار وهواء، وهي العناصر الأربعة التي يروي أغلب مؤرخي الخليقة أنها مادة خلقه، بل كان تعالى شكسبيرًا أو بلزاكًا اللذين يزعم بعضهم أنهما، بعد الله، أكثرنا مخلوقات — يريدون الأشخاص الذين تعج بهم مؤلفات الشاعر الإنكليزي والقصاص الفرنسي من رجال ونساء، أو أرواح سفلية وعلوية — وقد أنف هذا الإله الأبجدي، إذ شاءت مشيئته وقدرت قدرته أن يلطخ يديه بالعناصر الأربعة، وآثر الحبر، فخلق الكون أبجديًّا من نوع العالم الذي يخلقه الشاعر أو القصاص، ألا يحق لنا القول إذن إنَّ هذا العالم مما تصح مقارنته بعوالم الجن والملائكة والأحلام، بل إنه يقوم — كاللوح المحفوظ — على تخوم الواقع والأبجدية؟! وقديمًا قال الإغريق: «لا خالق إلا شاعر أو إله.»

الشاعر أو الإله الأبجدي …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤