قتلى على الطائرة!

لم يفهم «أحمد» ما سمعه من المضيفة … فما تقوله له أكثر من معنى.

فالفاعل لم يعُد مستترًا … تعني أنه الآن معروف … إذَن مَن؟

ولماذا تحدَّثت هامسة … هل لأنه معهم على الطائرة؟

وإن كان كذلك … فهل وجوده مصادفة … أم إنه يتحرك خلفهم؟

وسأل المضيفة هامسًا: هل معنا على الطائرة؟

المضيفة: نعم … هل تريد ما تأكله مع الشاي؟

أحمد: شكرًا … سأذهب إلى الحمَّام وعندما أمرُّ بجواره … أحدثي أيَّ صوت.

المضيفة: اتفقنا.

نهض «أحمد» … وغادر مقعده، وسار بتمهل قاصدًا دورة المياه، وهو يتفحَّص في حذر … مَن يمر بهم من الركاب.

وعندما وقعت عيناه على رأس جرداء لامعة … سمع صوت ارتطام الملعقة بالصينية … فعرف أنه الرجل المقصود … وتأكد من ذلك عندما صوب بصره لعينيه … فقد حاول الرجل أن يتحاشاه.

وقد رفع يده في حركة عصبية … وأخذ يهذِّب شاربًا كثًّا يغطِّي كل فمه.

لم يتوقف «أحمد» عنده كثيرًا، وأكمل طريقه إلى دورة المياه … وغاب بها بعض الوقت … ثم خرج منها غير ما دخل.

فقد أصبح كث الشارب … لامع الرأس ومُخفيًا عينيه خلف نظارة سوداء.

ومن دورة المياه … توجَّه إلى البوفيه … حيث كانت تجلس زميلتهم فقال لها بالإنجليزية: أتسمحين يا آنسة؟

فنظرت له في ريبة. وقالت: هل تناديني؟

أحمد: نعم.

المضيفة: هل تريد شيئًا؟

أحمد: أريد أن أحادثك قليلًا.

ولم تتحرَّك المضيفة من مكانها … إلا بعد أن كشف لها عن شخصيته … وهذا ما كان يريده … فقد ظنَّته رجل المخابرات الأصلع.

وفي جانب من البوفيه … تحادثا همسًا … ثم خرجت المضيفة بعد ذلك … ذاهبة إلى رجل المخابرات … فمالت عليه وقالت له: هناك مَن يريدك على التليفون.

الرجل: وأين التليفون؟

المضيفة: اتبعني.

وما إن بلغا البوفيه … وعبرا بابه … حتى أخرج «أحمد» من خلف الباب قدمه صاروخًا لا يخطئ هدفه … فأصاب صدره … فسقط فاقد النطق.

فجرَّه إلى مؤخرة البوفيه … وتفحَّصه جيدًا … وبيده أدوات المكياج.

فأخذ ينظر في المرآة … ويعدل من مكياجه ليقرب الشبه بينه وبين الرجل.

وبعد ذلك طلب من المضيفة تقييده وغلْق فمه بالبلاستر.

ثم خرج هو وجلس مكانه … وخرجت المضيفة وتحادثت مع «بو عمير» همسًا … فقام معها وذهبا إلى كابينة القيادة … فدخلت هي … ثم لحق بها وبعد لحظات غادرت الكابينة … ولم يخرج هو.

وعادت المضيفة إلى «عثمان» فصحبته إلى درجة رجال الأعمال … فأجلسته على أحد المقاعد المُخصَّصة للطاقم … وتركت «إلهام» في منتصف الطائرة.

كل ما حدث … وما قام به «أحمد» كانت أوامر رقم «صفر».

وقد كانت زميلتهم المضيفة «نيرمين» غاية في البراعة والدقة في تنفيذ الأوامر.

وهي ليست عضوة حديثة بالمنظمة … بل عميلة قديمة وقديرة.

وقد كان الهدف مما حدث … هو تطويق أي عمل إرهابي يقوم به زملاء الأصلع إن كان له زملاء على الطائرة.

وقد صدقت حسابات رقم «صفر» … فقد اقترب رجل من «أحمد» … ومال عليه يحدثه ثم اعتدل وقد أمسك بذراع «أحمد» … فقام معه واقفًا … وقد ألصق بظهره فوهة مسدس … وتوجها إلى البوفيه سويًّا … فغاب للحظات … ثم علت أصوات جلبة للحظات ثم ساد الهدوء … وخرج الرجل الأصلع وحده دون النظارة السوداء.

وعندما رأته «نيرمين» غمغمت قائلة: إنه ليس «أحمد»!

وأسرعت إلى حيث يجلس «عثمان» … فأبلغته بما حدث … فطلب منها العودة … ومراقبة الموقف من بعيد.

ويعد لحظات … اقترب من الأصلع رجل مفتول العضلات ضخم الجثة … أشقر … فمال عليه يحادثه … وعندما اعتدل واقفًا … ارتطمت برأسه كرة «عثمان» الجهنمية … فألقته على الأرض مغشيًّا عليه.

وسمع «أحمد» صوت قرقعة الرجل … فذهب ليحضره … فلم يجد الأصلع في مكانه … رغم أنه هدده … إن لم يلزم مكانه … فسوف يقتل زميله.

وكان قد تركه بعد أن جرَّدَه من أسلحته … ليكون الشمعة التي تحوم حولها الفراشات … فيوقع بكل زملائه … ومن كابينة القيادة … خرج «بو عمير» يجر الرجل فاقد الوعي … إلى حيث يرقد زميلاه في البوفيه … فقيَّده معهما.

وساد الهدوء الطائرة بعد ذلك … إلا من أصوات رقيقة للركاب يشكرون الشياطين ويثنون على براعتهم.

ومن إذاعة الطائرة الداخلية علا صوت قائدها … يحيِّي الشياطين على ما قاموا به … ورغم كل ذلك … لم يطمئن الشياطين … ولم يتركوا الطائرة بلا حراسة.

بل اتخذ كلٌّ منهم مكانًا له … وكان فيه متيقظًا.

واقتربت الطائرة من مطار «هيثرو» وأعلن الطيار أنهم الآن فوق الأجواء الإنجليزية … وأنهم في طريقهم إلى مطار هيثرو.

فسأله الركاب: هل نربط الأحزمة؟

الطيار: ليس الآن … إلا إذا كنتم جائعين.

وعلَت الضحكات بينهم والتعليقات الظريفة.

ونهض أحدهم … وغادر مقعده … متوجِّهًا إلى دورة المياه.

وبعد لحظات …

علا صوت ثلاث رصاصات.

وجرى الشياطين شاهرين أسلحتهم إلى البوفيه.

وهناك علا صوت الرصاصة الرابعة.

وفي حذر دخل «أحمد» … بخطوات بطيئة للغاية.

فوقعت عيناه أول ما وقعت على الأصلع ممددًا قد فارق الحياة.

وعندما أكمل سيره إلى داخل البوفيه، وجد بقية زملائه ممدَّدين إلى جواره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤