كنز أبو الهول

بعد لحظات أخذ الأصدقاء جميعًا يتحدَّثون، كلٌّ منهم يُبدي وجهة نظر في المعلومات التي حصلوا عليها، وبخاصة بعد معرفة معنى كلمة «بوحول» التي أوحت لكلٍّ منهم برأي مختلف … وبعد فترة من المناقشات الحامية قالت «نوسة»: إنني تابعت القصة من أولها … وتابعت المعلومات كلها. ومناقشاتكم المثيرة. وأستطيع أن ألخِّص لكم القصة كلها … فهل تسمعون لي؟

صمت الأصدقاء جميعًا، وقال «تختخ»: إننا دائمًا نقع في الخطأ نفسه: أن نتحدَّث جميعًا في وقت واحد … وهي طريقة خاطئة لا تؤدِّي إلى رأي صحيح … سنَستمِع إليكِ يا «نوسة».

نوسة: أتصور أن هناك شيئًا هامًّا وثمينًا موجودًا في مكانٍ ما … وهناك أشخاص يحاولون معرفة هذا المكان للاستيلاء على هذا الشيء الثمين … وقد استطاع «قابيل» أن يَعرف مكانه … لكنه تُوفِّيَ قبل أن يصل إلى هذا الشيء … وربما حاول — قبل أن يموت — أن يكشف المكان، ولكن بطريقة سرِّية، فكتب المعلومات على ورقة المُستشفى، وهي أقرب ورقة له، واستطاع «رياض» أن يحصل على هذه الورقة، وقبل أن يحلَّ رموزها طارَدَه الذين يُهمهم الوصول إلى هذا الشيء الثمين — ولنقلْ إنه كنز مثلًا — … واختطفوه للحصول على هذه الورقة … لكن «رياض» أسقط الورقة حتى لا يَعثُر عليها هؤلاء الرجال معه … هذه الورقة التي وقعت في أيدينا بطريق المصادفة … هل هذا معقول؟

محب: إنَّها قصة محبوكة الأطراف … ومعقولة جدًّا.

تختخ: فعلًا … ويُمكن أن نبدأ الآن عملنا … لقد عرفنا أن المكان الذي أُخفي فيه الكنز عند «أبو الهول» … وهناك أرقام توضِّح مسافات معينة لعلها تدلُّ على هذا المكان بالتحديد!

نوسة: إنني أذكر أنني قرأت أمس في كتاب «أهرام مصر»، أن طول «أبو الهول» هو حوالي ٢٤٠ قدمًا … والرقم الذي عندنا هو ١٢٠، وهذا يعني أن مكان الكنز عند مُنتصَف «أبو الهول» … أو على امتداد خط من مُنتصَف التمثال الكبير.

تختخ: إنكِ ممتازة «يا نوسة»، لقد قدمت ملخَّصًا محبوكًا للقصة، ثم قدمت استنتاجًا آخر عن مكان الكنز.

لوزة: وما القَدم؟

تختخ: إنه قياس إنجليزي للأطوال، والياردة ٣ أقدام، والمتر من الياردة، وبحسبة تستغرق بعض الوقت يُمكننا أن نعرف أن «أبو الهول» طوله ٧٣ مترًا تقريبًا، أو بالتحديد ٧٣ مترًا و١٤ سنتيمترًا، وجزءٌ من السنتيمتر يساوي .

عاطف: حسبة دقيقة حقًّا يا حضرة العلَّامة «أينشتين»!

تختخ: إن الإنسان لا يكون علَّامة لمجردِ أنه يعرف حسبة معقَّدة نوعًا كهذه، فلا داعي للسخرية، وفكِّرْ معنا في الخطوة التالية.

عاطف: إنها خطوة بسيطة مثل العملية الحسابية التي أجريتها حالًا … فما علينا إلا أن نرفع «أبو الهول» من مكانه برافعة بسيطة من الدرجة الأولى، ثم نحفر الرمال فنجد الكنز!

لوزة: إنك لا تكفُّ عن الهزار … ولا تساعدنا بشيء!

عاطف: المسألة واضحة جدًّا … فعلينا أن نَرحل فورًا إلى منطقة الأهرام ومعنا مقياس لقياس الأبعاد المكتوبة في هذه الورقة، ثم نبحث عن الكنز في المكان المُحدَّد.

محب: إنها رحلة طويلة تَستدعي الاستعداد التام … أقترح أن تُؤجَّل إلى اليوم التالي.

تختخ: معقول جدًّا … وفي هذه الفترة قد نَحصُل على معلومات جديدة تُساعدنا أكثرَ على الوصول إلى الكنز.

وافترق الأصدقاء، وكلٌّ منهم يفكر ويحلم … أين الكنز؟ وما هو وما حكاية «قابيل» هذا … وهل هو الذي دفَنَ الكنز مكانه؟ أو هو مِلك لآخرين، وعرف هو مكانه؟ وكيف تَنتهي هذه المغامرة؟

لقد أثارت خيالهم فكرة الكنز … فهل هو ذهبٌ أو مجوهرات؟ أو لعلَّه شيء أهم من الذهب والمُجوهَرات … المُهم أنَّ في باطن الأرض في مكانٍ ما قرب «أبو الهول» كنزًا يَصطرع عليه عددٌ كبير من الناس، ولكنَّ المُغامرين يؤملون أن يصلُوا أولًا ويَحصُلوا على الكنز ويُسلِّموه للمسئولين.

وقاموا جميعًا وهذه الأحلام تُداعب خيالاتهم.

في صباح اليوم التالي، رنَّ جرس التليفون في منزل «عاطف»، وكان المتحدث هو الدكتور «مختار» الذي كان قد وعدَهم بمُساعدتهم في معرفة شخصية «قابيل» من مستشفى أم المصريين … وفعلًا قال الدكتور «مختار»: لقد استطعت بواسطة بعض مَن أعرف في مستشفى أم المصريين أن أحصل لكم على المعلومات اللازمة عن «عبد الغفور قابيل»، وهذا هو اسمه … وزميله الذي دخل معه المستشفى في الوقت نفسه، ويُدعى «سيد حسونة».

قاطع «عاطف» الدكتور «مختار» قائلًا: ولكنَّ الرجل الذي نعرفه اسمه «رياض»!

الدكتور «مختار»: إنَّ اسمه في سجلات المُستشفى «سيد حسونة»، وقد أُجريت له عملية بتر الساق اليُمنى.

عاطف: إذن فإنَّ «سيد حسونة» و«رياض» شخص واحد، ولكنه كان مُتخفيًا تحت اسم «رياض» خوفًا من الذين خطفوه.

مختار: على كل حالٍ، هذه الاستنتاجات من اختصاصكم. ما يُهمني أن أبلغه لكم أن هذين الرجلين دخلا المستشفى على إثر حادث تصادُم سيارة بسيارة أخرى في نهاية شارع الهرم … فنقلتْهما سيارة إسعاف إلى مُستشفَى أم المصريين، وكانت إصابة «عبد الغفور قابيل» شديدة فمات بعد ثلاثة أيام، أما «سيد حسونة» فقد بتَرَ الأطباء ساقَه فقط، ونجا بحياته.

عاطف: إنها معلومات هامَّة تُلائم تمامًا ما تصورناه.

مختار: هناك شيء آخر … إنَّ رجال الشرطة لم يستطيعُوا القبض على مُرتكبي هذا الحادث.

عاطف: إذن فالأرجح أن يكونوا هم الرجال المجهولين الذين خطفُوا «سيد حسونة» أو «رياض» كما كان يُسمِّي نفسه.

مختار: أكثر من هذا … أنَّ بعض الرجال قد حاوَلُوا مهاجمة «سيد حسونة» هذا في المُستشفى، ولكنهم لم ينجحوا في محاولتهم، واضطرُّوا إلى الفرار … وقد كانوا متنكِّرين في ثياب الممرِّضين حتى لا يعرفهم أحد.

عاطف: يا لها من قصة مشوقة! … إنها تُضفي كثيرًا من المعلومات على ما نعرفه، فشكرًا لك يا عمي العزيز.

مختار: إنني لا أنسى أنكم ساعدتم في حلِّ لغز «الشيء المجهول» ببراعة فائقة، وكلُّ ما أرجوه أن تكونوا على حذر!

عاطف: لا تَخشَ شيئًا؛ فليسَت هذه المُغامَرة هي أخطر مغامرة اشتركنا فيها!

بعد نصف ساعة من هذه المكالمة الهامة … كان الأصدقاء قد اجتمعوا في حديقة منزل «عاطف»، وقد استعدُّوا جميعًا للرحلة، وجلسُوا يستمعون إلى «عاطف» وهو يروي لهم تفاصيل المحادثة التي جرت بينه وبين الدكتور «مختار».

قال «تختخ» مُعلِّقًا: إننا أمام عصابة خطيرة حقًّا، لقد حاولت العصابة في حادث السيارة الحصولَ على المعلومات الخاصة بمكان الكنز … ولما لم تستطِع حاولت ذلك عن طريق مهاجمة «سيد» في المستشفى، وأفرادها متخفُّون في ثياب الممرضين.

لوزة: إنني أذوب شوقًا للذهاب إلى «أبو الهول»، لعلنا نصل إلى مكان الكنز قبل أن تصل العصابة.

تختخ: هيا بنا.

وأسرع الأصدقاء إلى القطار، وعندما وصلوا إلى محطة «باب اللوق» اتجهوا يسارًا إلى «ميدان التحرير»، حيث ركبوا «الأتوبيس» رقم ٨ الذي حملهم إلى الهرم.

كان يومًا جميلًا، والشمس الدافئة تَسكُب أشعتها على منطقة «الأهرام» و«أبو الهول»، وقد انتشر السياح حول الهرم يستمتعون بأشعة الشمس وركوب الجِمال والخيل، فقالت «لوزة»: إنه يوم مثالي للنزهة هنا … لكنَّنا للأسف جئنا لغرضٍ آخر، فلن نستطيع الجري أو اللعب.

عاطف: مَن يدري، لعلنا لا نصل إلى شيء إلَّا الجري واللعب.

نظرت إليه «لوزة» نظرةَ عتاب، لكنه سبقها جريًا، وتبِعه الأصدقاء فمرُّوا بجوار الهرم الأكبر الضخم … ثمَّ أشرفوا على المُنحدَر المؤدي إلى تمثال «أبو الهول».

كان التمثال الكبير رابضًا في مكانه كما كان منذ آلاف السنين … الجسم جسمُ أسد والرأس رأس إنسان … القوة والحكمة معًا …

قالت «نوسة»: إنَّ التمثال غائص في الأرض، ولا ندري من أيِّ اتجاه نبدأ العمل.

تختخ: إنَّ الرقم الذي عندنا يدلُّ على منتصف طول «أبو الهول»، ونحن كما ترين واقفون في مواجهة التمثال، والجهة اليسرى محدودة بالطريق الأسفلتي … ومن غير المعقول أن يَحفر الإنسان فيه ليُخفي شيئًا، والمعقول أن يحفر في الجهة الأخرى الرملية … فاتجاهنا إذن محدَّد.

وعاود الأصدقاء السيرَ وهم ينظرون حولهم في اهتمام؛ فقد كانوا يتوقعون في كل لحظة أن يَحدُث شيء مثير … لكن كل شيء مضى بهدوء حتَّى وقفُوا قرب الجانب الأيمن للتمثال.

وقال «محب»: المفروض أن نبدأ بالقياس الآن. لكن أيُّ منظر ملفت للأنظار أن يقوم بعض الأولاد بقياس «أبو الهول» … ولا شكَّ أننا سنكون موضع دهشة وتساؤل الناس.

نوسة: معك حق … فما الحل إذن؟

لوزة: أقترح أن نتظاهر باللعب … فمثلًا نُعِدُّ ملعبًا للكرة … وبالطبع هذا شيء يمكن أن نقيسه دون أن نلفت الأنظار.

عاطف: ولكن أين الكرة التي سنلعب بها؟

لوزة: إننا سنتظاهر فقط.

تختخ: لا … من الأفضل فعلًا أن يكون معنا كرة … وعليك يا «محب» أن تُسرِع إلى نزلة السمان، وهي أقرب مكان به دكاكين، وتشتري لنا كرة فورًا.

وهكذا أسرع «محب» يجري، في حين وقف الأصدقاء في انتظاره … وانتهَزَ «تختخ» الفرصة ليُخرِج الورقة التي عثَرَت عليها «نوسة»، وكانت بداية اللغز.

وقف الأصدقاء جميعًا في دائرةٍ يَنظُرون إلى الورقة باهتمام و«تختخ» يشرح لهم مرة أخرى المعلومات التي عليها … ولم يُلاحظ الأصدقاء أن رجلًا غريبًا كان يَستمِع إلى حديثهم … واقترب منهم في هدوء وأخذ يُصغي إلى ما يقولون … وألقى نظرة على الورقة، ثم ابتعد مُسرعًا …

مضى الأصدقاء في حديثهم حتى حضر «محب» ومعه الكرة، وبدأ الأصدقاء يَقيسون، والرجل المجهول يرقبهم من بعيد، وقد انضمَّ إليه رجل آخر، وأخذا يتحدثان، وهما يرقبان ما يفعله الأصدقاء باهتمام، ثم قال أحدهما هامسًا: يجب أن نحصل على هذه الورقة بأية طريقة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤