الحوادث تجري

أخذ الأصدقاء يتظاهرون بقياس الملعب … في حين انهمك «تختخ» في قياس طول «أبو الهول»، بعد أن قام بعملية حسابية لتحويل الأقدام الى أمتار … وقد واجهته مشكلة واضحة؛ هي أن «أبو الهول» ليس على سطح الأرض تمامًا، وإنما حوله تلال من الرمال … فكيف يقيس …؟

قال «تختخ» في نفسه: إن هذه المشكلة قد واجهت مَن حفر الكنز. ولا بد أنه كان يقيس من خارج منطقة الرمال … فهذا هو الحل الصحيح …

وبعد أن وصل الى نقطة تقريبية من منتصف «أبو الهول» بدأ يَقيس ١٠٠ متر منها مبتعدًا عن التمثال في خط عمودي عليه … كانت الأرض وعرة تملؤها الصخور … وبدا ﻟ «تختخ» أن كلَّ ما يقوم به مجرد عبث … فأين هذا الكنز؟ وما الوسائل التي يُمكن أن تؤدِّي إليه؟ وهل هذه الفأس الصغيرة التي أتوا بها كافية لحفر هذه الأرض … وعلى أيِّ عُمقٍ من سطح الأرض يكون الكنز مدفونًا؟

توقَّف «تختخ» بعد أن وصَل إلى نهاية الأمتار المائة … وقف ينظر إلى الأصدقاء وقد انهمكوا في اللعب فعلًا، ثم أحضر حجرًا كبيرًا وضعه عند النقطة التي وصَل إليها بعد القياس، وطوى المقياس الذي يحمله، ثم تقدَّم نحو الأصدقاء، وعندما شاهدوه مقبلًا توقَّفوا عن اللعب وصاحت «لوزة»: هل انتهيت من القياس؟ هل نبدأ العمل؟

نظر «تختخ» إليها في ضيق، ثم قال: في الحقيقة يجب أن نُعاود النظر في خطتنا … فليس من السهل علينا إجراء عملية الحفر بهذه الفأس الصغيرة … إنَّ الأرض هنا وعرة تملؤها الصخور، واستعمال هذه الفأس الصغيرة في الحفر يشبه مَن يريد أن ينقل ماء البحر بفنجان … أو يثقب الجبل بإبرة … إننا نحتاج إلى أجهزةٍ أكبر.

قالت «لوزة» مُتحمِّسة: لا بد أن نجد الكنز حتى لو اضطررنا أن نحفر الأرض بأيدينا وأظافرنا.

عاطف: في هذه الحالة نَترُك لكِ أنتِ المهمة ونُكمِل نحن اللعب.

محب: لا هذا ولا ذاك … لقد آن الأوان لأن نضع المسألة كلَّها بين يدي المفتش «سامي»، ونعطيه الورقة التي عثرَت عليها «نوسة»، ونروي له القصة كلها، وهو يستطيع بوسائله أن يجد الكنز.

عاطف: هذا إذا كان هناك كنز … فعندي إحساس بأننا صنعنا من الحبة قُبَّة … وهذه الورقة قد تكون تافهةً لا قيمة لها.

نوسة: إنكَ يا «عاطف» تروي أحيانًا نُكتًا ظريفة، لكن هذه «أسخف» نكتة سمعتها منك.

تختخ: لا داعي لهذه المعركة الكلامية، هيا نستمتع بهذا الجو الجميل والشمس الساطعة، ونلعب مباراة في الكرة، وعندما نعود إلى المعادي نُفكِّر في حلٍّ.

سعد الأصدقاء جميعًا بهذا الاقتراح، وسرعان ما انهمكوا في مباراة حامية، وقد انقسموا إلى فريقين: «محب» و«عاطف» في ناحية، و«نوسة» و«تختخ» في ناحية أخرى، وقامت «لوزة» بدور الحَكم … وأخذت تَجري هنا وهناك وهي تَصيح: فاول … هاند …

وقضى الأصدقاء وقتًا ممتعًا، وحان وقت الرحيل، فأسرعوا إلى موقف الأتوبيس الذي كان شديد الازدحام، فاضطروا إلى الوقف في وسط الأتوبيس المُزدحِم، وقد تفرقوا مرغمين.

سار الأتوبيس مسرعًا، وأحس «تختخ» أنه محصور بين عدة رجال حصارًا خانقًا، فحاول أن يخرج من هذا الحصار المُتعِب، لكن هؤلاء الرجال كانوا يُضيِّقُون عليه الخناق. فلا يستطيع حراكًا، وبعد فترة من المحاولة غير المجدية وجد هؤلاء الرجال يتركونه فجأةً، وينزلون في المحطة التالية …

وصل الأصدقاء إلى محطة التحرير مرةً أخرى، ثم ساروا إلى محطة «باب اللوق» ومنها استقلوا القطار إلى المعادي … وقبل أن يَفترقُوا اتفقوا على اللقاء في غرفة العمليات في منزل «تختخ»، وهي الغرفة التي يحتفظ فيها بكل أدوات التنكُّر وغيرها من مستلزمات المغامرات …

عندما عاد «تختخ» إلى المنزل أسرعَ إلى الحمام ليأخذ دشًّا ساخنًا يزيل به أثر العَرق والرمال … وبدأ يُخرج ما في جيوبه … النقود … المنديل … القلم، المقياس … وأخذ يبحث عن الورقة التي سمَّوها «خريطة الكنز»، فلم يجدها … بحث في جيوب القميص والبنطلون، لكن الخريطة لم تكن موجودة. وأخذ يتذكَّر … أظلت معه بعد أن أخرجها عند الهرم … أم أخذها أحد الأصدقاء؟ إنه يتذكَّر جيدًا أنه طواها ووضعها في جيبه … فأين ذهبت؟ وتذكَّر الرجال الذين كانوا يُزاحمُونه في الأتوبيس … وأدرك كل شيء، لقد كانوا يزاحمونه لنشله … وضرب جبهته بيده صائحًا حمار … حمار …!

لقد نشلوا خريطة الكنز. ولا بد أنهم كانوا يراقبونه طول الوقت بدون أن يُحسَّ … وأخذ يُحدِّث نفسه، والماء الساخن ينزل على جسده، وحرارة الماء تزداد بدون أن يدري، حتَّى أحسَّ فجأة أنه يستحمُّ بماء مغلي، فأسرع إلى إغلاق الدش وهو شديد السخط.

عندما خرج «تختخ» من الحمام قرَّر أن يتصل بالأصدقاء، فلعله واهم، ولعلَّ الخريطة مع واحد منهم، ولكنه بعد لحظات عاد فقرَّر انتظار حضورهم.

عندما حضر الأصدقاء في المساء وجدوا «تختخ» واجمًا … ينظر إليهم في جمود، ثم قال: هل الخريطة مع أيِّ واحد منكم؟

لوزة: خريطة الكنز؟

تختخ: نعم!

لوزة: ليست معي!

محب: ولا معي.

نوسة: ولا أنا.

عاطف: وأنا أيضًا ليست معي.

تختخ: آسف أن أبلغكم أنني فقدت الخريطة … إمَّا أنها وقعت مني بدون أن أدري قرب «أبو الهول»، وإما أن يكون قد نشلها منِّي بعض الرجال المجهولين.

وبدا الوجوم على وجوه الأصدقاء … وأحسُّوا بالرهبة أمام ما حدث … ثم قال عاطف: يبدو أن هذه الخريطة لها أجنحة، فهي تَنتقِل من إنسان إلى آخر بسرعة!

تختخ: أرجِّح أنها نُشِلت؛ فقد كان هناك رجال في الأتوبيس يُحيطون بي بطريقة غير عادية … وقد كان من واجبي أن أتنَّبه إلى أنهم يُحاولون نشلي، ولكني لم أتبيَّن هذا إلا بعد أن عُدت إلى البيت وبحثتُ عن الخريطة فلم أجدها.

محب: إنَّ الخريطة لم تَعُد تُهمني كثيرًا، فنحن نَعرف كلَّ ما فيها.

نوسة: هذا صحيح … وإن كان وقوعها في يد هؤلاء الرجال المجهولين يجعلهم يسبقوننا في العثور على الكنز.

عاطف: هناك فائدة واحدة على الأقل من نشلِ الخريطة … إنَّ هذا يعني أنها شيء هام، وأن الكنز أو الشيء المدفون قرب «أبو الهول» شيء ثمين.

تختخ: معك حق؛ فإنني كدتُ أشكُّ في أهمية هذه الخريطة هذا الصباح، ولكنَّنا الآن مُتأكِّدون من أهميتها.

نوسة: والسؤال التقليدي لنا … ماذا نفعل الآن؟

تختخ: نتصل بالمفتش «سامي».

ووافق الأصدقاء جميعًا على الاقتراح، واتصل «تختخ» بالمفتش «سامي» تليفونيًّا، فلم يجده في المكتب، ولكنه لحسن الحظ وجده في المنزل.

قال تختخ: إن عندنا قصة طويلة نريد أن نرويها لك … ومن الصعب أن نرويها تليفونيًّا، فهل في إمكانك أن تَحضُر الآن؟

المفتش: وحول أي شيء تدور القصة؟

تختخ: حول كنز مدفون قرب «أبو الهول».

المفتش: وهل هذا زمن الكنوز المدفونة؟

تختخ: لعلَّه ليس كنزًا بالمعنى الصحيح، ولكنه على كل حال شيء هام تدور حوله معركة عنيفة بيت مجموعتين من الناس!

المفتش: للأسف إنني مرتبط بعشاءٍ الليلة في فندق شيراتون، كما أن عندي عددًا آخرَ من المواعيد، ولن أستطيع الحضور.

تختخ: فليَكُن موعدنا غدًا صباحًا.

المفتش: في العاشرة تمامًا سأمرُّ بك في البيت.

جلس الأصدقاء يتحدثون، وقد أنعشهم وعد المفتش بالحضور بعد صدمتهم بفقد «الخريطة» … قالت «نوسة»: إنَّ نشل الخريطة يعني شيئًا آخر … هو أن «رياض» أو «سيد حسونة» كما هو اسمه الأصلي لم يَعترِف لخاطِفيه بمكان الكنز، وهو بالطبع يحفظ الخريطة.

تختخ: معقول جدًّا.

لوزة: إذا لم يكن قد اعترف، فلماذا جاءت العصابة إلى منطقة الهرم؟

عاطف: لا بد أنهم جاءوا للنزهة في هذا الصباح المشرق!

نوسة: ألا تكفُّ عن مزاحك في وقت الجِد!

عاطف: وهل هناك مانع من أن يتنزَّهوا في منطقة الهرم؟ لقد كان هناك عدد كبير من المتنزهين … فلماذا لا يكون أفراد العصابة قد ذهبوا للنزهة؟

تختخ: هناك احتمالان لحضور العصابة … الأول أن أفرادها يعلمون أن الكنز مدفون في منطقة الأهرام، ولكنهم لا يعرفون المكان بالتأكيد … والثاني أن يكون «سيد حسونة» قد اعترف لهم بأنه مدفون هناك، ولكنه لا يَعرف مكانه بالتحديد.

نوسة: فعلًا … ليس هناك احتمال ثالث … إلا إذا كانوا قد ذهبوا إلى هناك بطريق المصادفة.

محب: إنَّها مصادفة بعيدة جدًّا. المهم أنهم حصلوا على الخريطة، وسوف يبحثون عن الكنز قبلنا، وهكذا يصبح هذا اللغز مجرد ذكرى بدون حلٍّ.

تختخ: قد يحدث هذا فعلًا … ولكني أعتقد أنهم سينتظرون قليلًا … فإنهم بالطبع يتوقَّعون أننا سنكشف ضياع الخريطة، ونعود إلى البحث في منطقة الهرم … وقد نحاول أيضًا الحفر في المنطقة التي حدَّدناها؛ فنحن نعرف المكان أيضًا!

وسكت «تختخ» قليلًا ثم عاد يقول: سنعرف الحقيقة عندما نذهب مرة أخرى إلى هناك، فقد وضعت حجرًا في المكان الذي أتصوَّر أنه مكان الكنز … فإذا وجدنا الحجر في مكانه فهذا يَعني في الغالب أن العصابة لم تبدأ البحث بعد.

في هذه اللحظة دقَّ جرس التليفون … ورفع «تختخ» السماعة وسمع صوتًا يقول: هل هذا منزل «خليل توفيق»؟

تختخ: نعم … مَن تريد؟

الصوت: أُريد «توفيقًا».

تختخ: إنني «توفيق».

الصوت: لفد تبعَك أحد رجالنا في الأتوبيس بعد أن حصلنا على الخريطة منك، وعرفنا عنوان منزلك واسمك، وكل شيء عنك … ونحن نَنصحُك أن تبتعد أنت وهؤلاء الأولاد عنَّا … وإلَّا! …

تختخ: وإلَّا ماذا؟

الصوت: وإلَّا ندمت طول حياتك … إن بقي لك حياة تندم فيها.

ووضع صاحب الصوت السماعة … ونظر «تختخ» إلى الأصدقاء وعلى وجهه سيماء الجِد والخطورة والاهتمام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤