مع الخطر وجهًا لوجه

لاحظ الأصدقاء جميعًا أن المكالمة لم تكن عادية، وأن «تختخ» تغيَّر كثيرًا في أثناء الحديث فقالت «لوزة»: ماذا حدث؟ … إن شكلك تغيَّر كثيرًا يا «تختخ»!

ردَّ «تختخ» بهدوء: لقد دخلنا في الجِد … فقد أنذرتني العصابة الآن ألَّا أتدخَّل في موضوع الكنز … ومن الواضح الآن … بل من المؤكَّد أن المسألة ليست لعبًا كما تصوَّرت للحظات … إنها مسألة على جانب كبير من الأهمية، وإلَّا لما أنذرتني العصابة بهذه الطريقة.

عاطف: سنتحدَّاهم … فإننا لا نخاف أحدًا!

تختخ: بدون تحديات أو غيرها … يجب أن نكون على حذرٍ من الآن، وكما نصحَنا المفتش «سامي» مرة قبل الآن … علينا ألَّا نَفترق … وألَّا يسير واحد وحدَه … وأن يكون بعضنا على اتصال دائم ببعض.

نوسة: على كل حال سوف يأتي المفتش غدًا … ونطرح القضية كلَّها أمامه … وسنستمع إلى نصيحته.

محب: المشكلة أن الدليل الوحيد الذي كان بيدنا، والذي يدل على أنَّ المسألة حقيقة وليست مجرد خيال، قد ضاع منَّا.

لوزة: المفتِّش سيُصدِّقنا على كل حال!

تختخ: سأخرج معكم الآن لأوصلكم.

نوسة: وتعود وحدك؟

تختخ: لا تخافي … سآخذ معي «زنجر»، وهو حماية كافية.

خرج الأصدقاء جميعًا من منزل «تختخ»، وكان ليل الشتاء الثقيل قد أرخى سدوله على الكون، وكان الجو باردًا، لكن بلا مطر. ساروا معًا يتحدثون. و«زنجر» يمشي خلفهم … كانوا جميعًا يُفكرون في إنذار العصابة … هل العصابة جادةٌ في هذا الإنذار … أو هو مجرد تهويش؟! وماذا تفعل العصابة إذا تأكَّدَت أنهم سيستمرون في مغامرتهم … ووصلوا إلى منزل «عاطف» و«لوزة»، فدخلا، ثم أكمل «تختخ» توصيل «نوسة» و«محب»، وأصبح وحيدًا هو و«زنجر»، وكأنما أحسَّ «زنجر» أنهما أصبح وحدهما فتقدم يسير بجوار «تختخ»، وكأنه يقول له: أنا هنا.

أخذ «تختخ» يُفكر في اللغز … وفي الكنز … وفي الساق الخشبية … وتذكَّر القطط المحبوسة في شقة «سيد حسونة» وشعر بأسف عميق لأنها قد تكون حتى الآن محبوسة جائعة … وقرَّر أن يتصل ﺑ «نوسة» تليفونيًّا بعد عودته إلى البيت، لتتصل بصديقتها التي تسكن العمارة التي بها القطط لتعرف مصيرها …

كان «تختخ» مستغرقًا في أفكاره تمامًا … فلم يلحظ أن رجلَين كانا يتبعانه عن قرب، وانتهزا فرصة دخوله أحد الشوارع المظلمة، ثم تقدَّما سريعًا منه، وأحاطا به من اليمين والشمال …

أحس «تختخ» فجأةً أنه محاصَر … ونبَّهه «زنجر» بزمجرة قوية، ولكن بعد أن مدَّ كلٌّ من الرجلين يده وأمسك بذراع «تختخ»، وسمع أحدهما يقول: انظر أمامك وسِرْ معنا … إننا لا نَقصِد بك شرًّا إلا إذا قاوَمْتنا. نفَّذَ «تختخ» التعليمات، ثم قال: ماذا تُريدان منِّي؟

الرجل: كيف عثرت على الخريطة؟

أخذ «تختخ» يُفكِّر في إجابة مناسبة، وفي النهاية قال: لقد عثرتْ عليها إحدى زميلاتي في الشارع!

الرجل: وماذا تعني «الخريطة» بالنسبة لكم؟

تظاهر «تختخ» بالغباء، وقال: ماذا تقصد؟

الرجل: أقصد ماذا فهمتُم من الخريطة … ولماذا ذهبتم إلى الهرم، وأخذتم تقيسون الأرض بجوار «أبو الهول»؟

تختخ: وماذا يُهمك أنت من كل هذا؟

فلم يُجِب الرجل، ولكنه ضغط على ذراع «تختخ» بقسوة، وقال: إنك لا توجِّه أسئلة، نحن الذين نوجِّه الأسئلة، وعليك أن تجيب فقط!

تختخ: ولكنَّ هناك سؤالًا ضروريًّا: أين تذهب بي؟

الرجل: ستسير معنا إلى مكان قريب … ونَنصحُك ألا تقاوم!

تختخ: وبعد ذلك؟

الرجل: بعد أن تعدَنا ألا تُطْلعَ أحدًا على سِرِّنا، نُطلق سراحك!

تختخ: وماذا تريدان مني … لقد قلت لكما كلَّ ما أعرف؟

الرجل: هل تظن أننا صدقناك … وهل تظنُّ أننا أغبياء لنُصدِّق أنكم وجدتم الخريطة في الشارع؟

تختخ: هذه هي الحقيقة.

الرجل: سنَعرف الحقيقة حالًا!

عاد «زنجر» يُزمجر … وقد ضايقه وجود هذين الرجلين، ولكنه وجد «تختخ» يسير معهما في هدوء فلم يشأ أن يتدخَّل.

عاد «تختخ» يسأل: وهل المكان الذي سنذهب إليه خارج المعادي؟

الرجل: إنه على بُعدِ خطوات من هنا … ولكن مُرْ كلبك هذا أن ينصرف الآن.

كان «تختخ» يحس بالأمان في وجود «زنجر» … فهو يعرف بسالته وشجاعته … فماذا يفعل؟ أخذ يُفكِّر بسرعة … واستهوته المغامرة والجو … والليل … وقُرْبه من العصابة، فقرَّر أن يطلب من «زنجر» الانصراف، ويُلقِي بنفسِه في قلب المغامرة.

توقَّف «تختخ» ثمَّ قال ﻟ «زنجر» وهو يَنحني إليه برغم إمساك الرجلين به: عُد الآن إلى البيت!

فَهِم «زنجر» المطلوب فورًا، ولكنَّه تكاسَلَ قليلًا لعلَّ صاحبَه يرجع في كلامه، غير أن «تختخ» قال: عُد إلى البيت ولا تقف.

هزَّ «زنجر» ذيله ثم انصرف … كان أَسودَ كقطعة من الليل فلم يرَه أحد وهو ينصرف … ولا علم أحد إلى أين ذهب.

لم يبتعد الثلاثة كثيرًا؛ فبعد أن انحرفوا في شارعٍ ضيِّق ساروا قليلًا ثم دخلوا عمارة … وتذكَّر «تختخ» «أمينة» صديقة «نوسة» … إنها تسكن في هذه العمارة … إذن فهم ذاهبون إلى شقة «سيد حسونة» أو «رياض» … الشقة التي بها القطط … ولا بد أن «سيد حسونة» هناك … وأحسَّ بقلبه يدقُّ سريعًا … إنه مُقبل على مغامرة هائلة!

صدَقت ظنون «تختخ» كلها … فقد صعدوا إلى سطح العمارة، ثم دقَّ أحد الرجلين الباب دقةً خاصة، وسرعان ما فُتح الباب … ودخل الثلاثة … كان الضوء في الشقة قويًّا آذى عينَي «تختخ» لأول وهلة، ثم بدأت عيناه تألفان الضوء … وسرعان ما رأى القطط «السيامي» تقفز هنا وهناك … وأدرك أن استنتاجاته كلها كانت صحيحة.

وكان ثمَّة رجل يقف في وسط الصالة … ورجل آخر يجلس على مقعدٍ وعلى ذراعه قطة يداعبها … وأيقن «تختخ» أن الجالس هذا لا بد أن يكون «سيد حسونة»، ونظر إلى ساقه … كان واضحًا أنها ساق صناعية … الساق الخشبية!

التقت عينا «تختخ» بعينَي «سيد حسونة»، كان رجلًا شاحب اللون أنيقًا. ثم حوَّل «تختخ» عينَيه إلى الثلاثة الآخرين … كانوا جميعًا من نوع مختلف … أشرار تبدو عليهم علامات القوة والوحشية، وقد لوَّحت وجوههم الشمس مما يدلُّ على أنهم يعملون في العراء.

قال أحدهم موجِّهًا الكلام إلى «تختخ»، ومشيرًا إلى «حسونة»: هل تعرف هذا الرجل؟

عاود «تختخ» النظر إلى «حسونة» والتقت عيونهما مرة أخرى، وردَّ في صدق: هذه أولُ مرةٍ أراه فيها.

أحسَّ «تختخ» بيد الرجل تُمسِك بذراعه وتعتصرها، وسمع صوته يقول: قُل الحقيقة، فلن تستطيع الإنكار طويلًا.

تختخ: لقد قلت لك الحقيقة.

وجَّه الرجل حديثه إلى «حسونة»، وسأله: هل تعرف هذا الولد؟

قال «حسونة» بصوتٍ هادئ واثق: كما أنه لم يَرني من قبل؛ فأنا لم أرَه قبل الآن!

قال الرجل بخشونة: إنه الولد الذي وجَدْنا معه الخريطة، فكيف وصلت إليه؟

حسونة: كما قلت لك مائة مرة، إنها سقطت منِّي دون أن أدري، ولعله وجدها هنا أو هناك.

رجل: إذن فأنتما لم تَشترِكا معًا في البحث عن …

وقبل أن يتمَّ جملته قال الرجل الذي كان يَحرس «حسونة» — وكان واضحًا أنه زعيم العصابة — يكفي هذا … إن ما يهمنا هو ألا تكون الشُّرطة قد علمت بشيء، أمَّا «حسونة» وهذا الولد، فمن السهل التخلُّص منهما، ثم نَذهب للبحث عن …

ومرة أخرى صمت، فقال «تختخ»: ما هو الشيء الذي تبحثُون عنه؟

لم يردَّ أحد … ثم قال رئيس العصابة: إنه نفس الشيء الذي تبحثُ عنه أنت … ألا تَعرِف ما تبحث عنه؟

تختخ: الحقيقة أنني لا أعرف!

زعيم العصابة: هذا أفضَل لك ولنا.

قال أحد الرجلين: يجب ألا نضيع وقتًا أكثر من هذا … إن معنا الخريطة، وعلينا أن نبدأ الحفر فورًا قبل أن تتدخَّل الشرطة.

سأل الرجل الآخر: وماذا نَفعل ﺑ «حسونة»، وهذا الولد؟

ساد الصمت فترة، وكان من الواضح أن الثلاثة يُحاولون البحث عن طريقةٍ للتخلص من «حسونة» و«تختخ». ثم قال الزعيم: إنني أفضِّل الاحتفاظَ ﺑ «حسونة» حيًّا حتى نجد ما نبحث عنه … فقد يكون في الأمر خدعة … لهذا نشدُّ وثاقه في مقعد، وكذلك هذا الولد، ثم نعود لهما بعد أن نعثر على … وسكت قبل أن يُتمَّ جملته، ثم عاد يقول: فإذا لم نجدْه … فمعنى هذا أن «حسونة» خدعنا … وعلينا أن نَجعله يعترف.

أسرع الرجلان الآخران بإحضار بعض الحبال، وشدَّا وثاق «حسونة» إلى كرسيِّه، وكذلك فعلا ﺑ «تختخ»، وكمَّما فمَ كلٍّ منهما تكميمًا مُحكمًا حتى لا يصيحا في طلب النجدة، ثم قال زعيم العصابة، وهم يتَّجهون إلى الباب، موجِّهًا كلامه إلى «حسونة»: إذا لم نجد الشيء الذي تَعرفه، فسوف نعود لك … وحذارِ أن تكون قد ضحكت علينا.

نظر «تختخ» إلى عيني «حسونة» فوجدهما تبرقان في ثِقة برغم الموقف الحرج الخطير … ثم التفت إلى الرجال الثلاثة فوجدهم يتحدثون في ركن «الصالة» حديثًا خافتًا، ثم أغلقوا الباب وانصرفوا.

نسيَ الرجال الثلاثة أن يطفئوا النور … فأحس «تختخ» ببعض الراحة، وأخذ يتلفت حوله بحثًا عن حلٍّ لهذا الموقف … كانت الشقة مقلوبة رأسًا على عقب، مما يدلُّ على أن الرجال الثلاثة قد فتَّشوها تفتيشًا دقيقًا … وكانت القطط تجري هنا وهناك تلعب وتموء لا تعرف الذي حدث … ثم نظر «تختخ» إلى «حسونة» فوجَدَه ينظر إليه … وبرغم الكمامة التي كانت تُخفي فمه أحس «تختخ» أنه يبتسم، وأدهشه أن يبتسم في هذا الموقف المزعج … وكان واضحًا أن «حسونة» قد استعدَّ لهذه اللحظة … فأخذ «تختخ» يراقبه ليرى ماذا يفعل. وسرعان ما وجده يبدأ مُحاولةً للتحرُّك بكرسيه … لقد كان مربوط الساقين إلى رِجلي المقعد الأماميتين، وذراعاه مربوطتان خلف المقعد، ولكنه بعزيمة جبَّارة بدأ يُحاول تحريك المقعد مقتربًا من «تختخ».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤