تصدير

هذا كتابٌ مُحدَّد النطاق أرصُد فيه أهمَّ الكلمات الشائعة في اللغة الإنجليزية المعاصرة، والتي تمثِّل صعوبةً خاصة للمترجِم بسبب تغيُّر معانيها وفقًا للسياق؛ وهو لذلك كتابٌ من نوعٍ جديد بالعربية، يُماثل ما يسمَّى بالإنجليزية browser’s guide؛ أي دليل القارئ المتمهِّل. وهذا النوع من الكتب يقع في منزلةٍ وُسطى بين المعاجم وبين كتب الفروق في اللغة، وهو جديدٌ في العربية لأنه يناقش المعاني في السياقات المختلفة من وجهة نظر المترجِم، وهدفه تحرير ذهنه من الفكرة التي أشاعها بعض المحترفين، وآمن بها بعض المبتدئين، من أن لكل كلمةٍ مقابلًا دقيقًا بلغةٍ أخرى لا تخرج عنه ولا تتحوَّل، وهي فكرةٌ دحضها علماء اللغة المحدَثون وأسهبوا في نقضها؛ فأحيانًا ما تتعدَّد معاني الكلمة الواحدة، وأحيانًا ما يختلف تعريفُها من معجمٍ إلى معجم، ومن عصرٍ إلى عصر، ومن سياقٍ إلى سياق، وقد تستعصي المضاهاةُ بينها وبين قرائنها باللغات الأخرى، ممَّا يسبِّب عنَتًا بالغًا للمترجِم.

والمعاجم المُترجمة (ثنائية اللغة) لا تركِّز على صعوبة أكثر الكلمات شيوعًا؛ فهي شاملةٌ ولا تختصُّ كلمةً دون أخرى بالحديث المُفصَّل أو المتعمِّق، كما أن المعاجم الإنجليزية الحديثة تتفاوت في تركيزها على بعض المعاني دون سواها، وبعضها يُغفلها أو يُدرجها دون إفاضة؛ ولذلك رأيت من واجبي أن أجمع — من حصيلة خبرتي المستقاة من النصوص الحية التي ترجمتُها أو راجعتُ ترجمتَها على مدى ربع القرن الماضي أثناء عملي في الوكالات المتخصِّصة للأمم المتحدة وغيرها — بعض الألفاظ ممَّا يَشقُّ وتَعسُر ترجمته بسبب تحوُّلاته الدلالية، ثم أرجع إلى جميع المعاجم الإنجليزية المتاحة لي، وأحدثها صدر عام ٢٠٠٠م (وأنا لا أقصد الطبعات الجديدة فحسب)، ومنها ما هو بريطاني ومنها ما هو أمريكي؛ حتى أُثبت ما أراه صحيحًا، وأُنبِّه إلى ما أراه غير صحيح، مُتوسِّلًا بالأمثلة الواضحة التي تقطع الشك باليقين، وتساعد المترجم المحترف في عمله.

أمَّا المنهج الذي اتبعتُه فهو أقرب ما يكون إلى نهج الجاحظ، ذلك العبقري الذي كان يعمِد إلى الاستطراد عمدًا، تخفيفًا عن القارئ وتسرية؛ فلقد قسَّمت الكتاب إلى أبواب، وجعلت لكل بابٍ فصولًا هي بمثابة الاستطراد الذي يخفِّف ويسرِّي، وإن كان في الواقع يناقش الكلمات ومعانيها أيضًا؛ ولذلك تجد أن باب involve مثلًا ليس مقصورًا عليه، بل هو يتضمَّن فصلًا عن integrate وحديثًا عن التكامل — الكلمة العربية وترجماتها — والْتفاتة إلى كلمة المتغيِّرات ومعانيها بالعربية، كما أن الأمثلة الواردة تتصدَّى لكلماتٍ كثيرة من التي تُرهق القارئ أو المترجم العربي، والترجمة التي تعقب كل مثال تُمهِّد للشرح والإيضاح والتحليل؛ ولذلك فقد أضفت مسردًا يتضمَّن أهم الكلمات التي وردت إمَّا في الأبواب أو في الفصول أو في الأمثلة؛ حتى تكون دليلًا لمن يريد الاطلاع على كلمةٍ غير واردة في رءوس الأبواب، وهي كثيرة. وقد أُقدِّم لمناقشتي بعضها بقولي إنه حديثٌ عارض incidental؛ أي إنه عرض لي فَلَم أشأ إغفاله، ولم أجد ما يستدعي تخصيص باب كامل (أو فصل كامل) له. كما أضفت ثلاثة ملاحق يناقش اثنان منها كلماتٍ أقل شيوعًا، ويتضمَّن الثالث شرحًا لأهم المصطلحات المستخدمة في الدراسة العلمية الحديثة للترجمة، وخصوصًا نظرية الترجمة الوظيفية التي رسخت دعائمها عام ١٩٩٧م.

أمَّا الكلمات العربية فقد استعنت في دراستي لها بالمعاجم الكبرى المتوافرة، وكنت أستشير أستاذي الدكتور حسين نصار في بعضها، وإليه يرجع الفضل في اطلاعي على مقاييس اللغة لابن فارس، كما أفادني في الكشف عن بعض المعاني في تاج العروس (وليس عندي)، أمَّا الكتب الأخرى والمعاجم الأخرى فقد أشرت إليها في أماكنها.

وبعدُ فهذا، كما قلت، كتابٌ مُحدَّد النطاق، ولا شك أن زملائي سوف يُضيفون إليه الكثير، وربما توسَّعت فيه فأصدرت طبعةً مزيدة (ومنقَّحة) بإذن الله، اهتداءً بآرائهم القَيِّمة؛ فهم الممارسون الذين تكتوي أصابعهم بجمر الترجمة.

محمد عناني
القاهرة ٢٠٠٠م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤