الباب السابع: agreement

هذه كلمة من أصعب الكلمات في الترجمة، لا بسبب تعدُّد معانيها فحسب، بل بسبب عدم «الاتفاق» على الكلمات العربية التي تنقل هذه المعاني؛ لأنها في معظمها حديثة النشأة حتى في اللغات الأوربية.

(١-٧) أمَّا المعنى الأول الذي ألمحت إليه في العبارة السابقة، وهو الاتفاق على شيءٍ ما، وهو المعنى الذي يجعل الكلمة من المجرَّدات التي لا تُجمع، فهو يسير، والأمثلة التالية تؤكِّده:

(1) We are in agreement on that point.
= I agree with you …

(١) نحن متفقون (متفقان) على هذه المسألة (النقطة؟)

(2) I’m quite in agreement with what you say.

(٢) إنني أوافق تمامًا على ما تقول.

(3) There is no agreement upon/about what should be done.

(٣) لا تتفق الآراء حول ما ينبغي القيام به.

(أ-٣) اختلفت الآراء حول ما يجب علينا أن نفعله.

(ب-٣) لم نتفق على الخطوة الواجب اتخاذها.

(ﺟ-٣) لا اتفاق على ما ينبغي فعله.

وتدل الفروق بين هذه الصور على مدى التفسير المسموح به للمترجم عند تناول نص صريح لا «خلاف» عليه، وهنا لا بد من مناقشة الفرق بين التعبير الإيجابي الصريح والتعبير بنفي النفي، وهو ما تتميَّز به الإنجليزية، ونجده أيضًا في العربية ولو بصورةٍ أخرى.

(٢-٧) تلجأ الإنجليزية في وضع الكلمات إلى إضافة سوابق ولواحق؛ أي مقاطع ذات معانٍ معروفة تلتصق بالكلمة وتصبح جزءًا لا يتجزَّأ منها، وتؤدِّي إلى تغيير معناها؛ فالاسم الذي نحن بصدده ونتفق على أنه يعني «الاتفاق» مشتقٌّ من (agree) بإضافة لاحقة هي (-ment)، وعكس معناها أي «الخلاف» (disagreement) اسمٌ مشتق من الفعل الذي تحوَّل إلى المعنى العكسي بإضافة سابقة هي (dis-)، ولكن العربية لا تفعل ذلك، بل تحوِّل الصيغة أو البِنية الصرفية للكلمة paradigm، فتُخرج لنا «اتفاق» من «وفق»، مثلما تُخرج لنا «اتحاد» و«توحيد» من «وحد»، و«اتقاء» و«تقوى» من «وقى». وإذا كان المبحث الصرفي لا يعنينا إلا في حدود مساعدته المترجمَ في الكشف عن الكلمة في أصلها أي «مادتها» المفترضة في المعجم، فإنه يُفيدنا في إدراج المعاني التي تكتسبها هذه الكلمات المشتقة، والتي يجب على المترجِم أن يُلم بها؛ فكلمة اختلاف المقابلة للإنجليزية disagreement تختلف عن الكلمة ذات المعنى الإيجابي في أنها قد تعني «الخلاف» أيضًا، وهو ما يمكن تفسيره عندما يجمع بالمنازعات أو المشاحنات؛ أي إن disagreement قد تعني المعنى المجرَّد الذي لا يُجمع، ولنقل إنه يوازي «الافتراق» بالعربية، مثلما تعني agreement معنًى مجرَّدًا لا يُجمع، ولنقل إنه يوازي «التلاقي» بالعربية؛ فالمعاني المجرَّدة لا تُجمع لأنها لا تشير إلى أشياءَ يمكن تصوُّر تعدُّدها، أمَّا المعاني المجسَّدة أو المحدَّدة فتُجمع بالإنجليزية بسهولة. ومن ثم فإن جمع عكس الكلمة يحيلها ضمنًا من معنًى مجرَّد إلى معنًى مجسَّد أو محدَّد؛ ولذلك فنحن حين نسمع عن disagreements نميل إلى تصوُّر وجود نقاط خلاف محدَّدة، وحين نسمع عن agreements نُدرك فورًا أن المقصود ليس التلاقي في الرأي بل «الاتفاقيات»، وهي العقود المبرمة بين طرفَين أو أطرافٍ معيَّنة محدَّدة، ومن الطبيعي أن جمع الكلمة السالبة disagreements لا يعني مطلقًا عكس جمع الكلمة المجسَّدة الموجبة. ونلخِّص ذلك فيما يلي:
disagree هي عكس agree
disagreement قد تعني عكس agreement المجرَّدة، أو معنًى جديدًا يقبل الجمع، ويختلف عن معنى جمع الكلمة الموجبة الذي يُشير إلى معاهداتٍ ومواثيق محدَّدة

وسوف توضِّح الأمثلة ذلك:

(4) There was no disagreement at the council meeting on the need to enlarge the library.

(٤) لم ينشأ أي خلاف في اجتماع المجلس حول ضرورة توسيع المكتبة.

(5) All the disagreements regarding the implementation of the plan were settled except for the question of funding.

(٥) تمكَّن «المجتمِعون» من تسوية جميع نقاط الخلاف الخاصة بتنفيذ الخطة باستثناء مسألة التمويل.

(6) There was agreement on the principle of transparency.

(٦) اتُّفِق على مبدأ الشفافية.

(7) The Uruguay Round Agreements, subsumed in the 1994 GATT and the WTO Agreement, have never been translated into all the working languages of the contracting parties.

(٧) لم تُترجَم حتى الآن اتفاقيات جولة أوروغواي، التابعة لاتفاقية الجات لعام ١٩٩٤م واتفاقية مُنظَّمة التجارة العالمية، إلى جميع لغات العمل للأطراف المتعاقدة.

ومعنى هذا أن للمترجم أن يستعيض بالفعل agree عن الاسم agreement إن كان يعني المعنى المجرَّد الذي لا يُجمع (تلاقي الآراء)، ولكنه لا بد أن يستعمل الاسم (اتفاقية) عند ترجمة الكلمة، إذا كانت تشير إلى المعنى المجسَّد المحدَّد. ويترجمها البعض بالاتفاق لا الاتفاقية، قائلين إننا في حاجةٍ إلى كلمةٍ جديدة، وإن كل اتفاقية تعني الاتفاق على بعض الأشياء، ولكن القضية هنا قضية اصطلاحية في المقام الأول، وما دامت اتفاقيات منظَّمة التجارة العالمية تنطبق عليها كل شروط الاتفاقيات الدولية، فلا معنى لتسميتها بالاتفاق وحسب، فما هي تلك الشروط؟
(٣-٧) نسمع أحيانًا كلمة accord(s) في سياق الاتفاقيات الدولية؛ إذ يُطلق رجال السياسة على اتفاقيات كامب ديفيد تعبير Camp David Accords، ونادرًا ما يشيرون إليها باسم agreements، كما يشير الجميع إلى اتفاقيات جنيف باسم The Geneva Conventions، ولم نسمع أبدًا أنها agreements، كما يشير الخبراء إلى جميع هذه الاتفاقيات بلفظ treaty الذي جرى العرف على ترجمته بالمعاهدة. وقد يتضمَّن معناها ما يُسمَّى بالعهد الدولي International Covenant، أو البروتوكول الملحق باتفاقيةٍ ما، فما الفرق بين هذه وتلك؟
الشرط الأساسي الذي يميِّز الاتفاقية الرسمية هو اتخاذها شكل العقد contract/compact المبرم بين طرفَين أو عدة أطراف، ولا بد أن يتضمَّن العقد التزاماتٍ من الأطراف الموقِّعة عليه commitments تتضمَّن حقوقًا rights وواجبات لا مناص منها obligations (وتُترجم أحيانًا بالالتزامات أيضًا)، كما قد يتضمَّن العقد شروطًا جزائية penal clauses في حالة عدم الوفاء بالالتزامات الفردية أو الإخلال به فيما يتعلَّق بحقوق الموقِّعين signatories أو أطرافٍ أخرى غير موقِّعة يشار إليها بتعبير «الغير» third party rights، ويكون لأطراف العقد حق فسخه في العادة حتى دون موافقة الأطراف الأخرى فيه إذا نشأت ظروف تبرِّر ذلك، وهو ما يُنَص عليه عادةً في صلب العقد؛ أي في البنود العاملة فيه operative clauses التي تترجم عادةً بالمنطوق، تفريقًا لها عن الديباجة preamble. واتفاقيات منظَّمة التجارة العالمية التي توصَّلت الأطراف الموقِّعة عليها بعد مفاوضاتٍ طويلة lengthy negotiations تنطبق عليها شروط هذا التعاقد الرسمي، وهي ملزِمة قانونًا؛ أي legally binding، وقد تُعتبر من عقود الإذعان contract in set form؛ أي التي إمَّا أن تُقبل كما هي دون تعديل، أو تُرفض دون تعديل. وتُعتبر هذه الاتفاقيات فريدةً في تاريخ القانون الدولي؛ لأنها جعلت القانون الدولي يقترب من القانون العام public law والقانون المدني civil law في إمكان فرض العقوبات sanctions، ولو أنها في الغالب اقتصادية.
وتختلف هذه الاتفاقيات عن اتفاقيات السلام المشار إليها accords مثلًا في هذه المسألة على وجه التحديد؛ إذ لا توجد نصوص على عقاب مَن يتخلَّف عن الوفاء بالالتزامات الواردة فيها، وتختلف عن اتفاقيات جنيف مثلًا، أو الاتفاقيات الدولية الكثيرة (حول حقوق الطفل أو حقوق المرأة … إلخ)، في غياب قوة الإلزام المدعومة بسلطة العقوبة، ولو أن مُنظَّمة حلف شمال الأطلسي، التي يشار إليها اختصارًا باسم الناتو — وهو اختصار لعبارة North Atlantic Treaty Organization — قد اضطلعت مؤخَّرًا بدور القاضي والجَلَّاد في أزمة كوسوفو، فاستحدثت قوة عقاب لم يألفها العالم من قبل، كما تختلف اتفاقيات الجات ١٩٩٤م ومنظَّمة التجارة العالمية عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مثلًا The International Covenant for Civil and Political Rights (ICCPR) في أنها ملزمة بقوة العقوبات التجارية.
ويبدأ الانضمام (accession) إلى إحدى الاتفاقيات بتوقيعها signing، إمَّا بالحروف الأولى initialling أو بالاسم الكامل، ثم يتلو ذلك المصادقة عليها ratification من جانب الهيئة التشريعية في البلد، وذلك حتى تُدرج الموافقة عليها في نصوص قوانين البلد، وذلك يختلف عن الانضمام إلى المعاهدات أو العهود أو الاتفاقيات الدولية القديمة فيما أسميناه بطابع عقد الإذعان؛ فبعض الدول قد انضمَّت إلى العهد الدولي المذكور بشرط التحلُّل أو التنصُّل derogation من بعض بنوده؛ أي عدم التقيُّد بها أو الالتزام بتنفيذها، مثل فقرة Paragraph في إحدى المواد article قد تراها ماسةً بسيادتها prejudicial to its sovereignty، أو بعقيدتها الدينية وما إلى ذلك، وقد تقبله مع إبداء التحفُّظ reservations إزاء بند item أو بندَين، ممَّا قد يتعارض مع قوانينها الوطنية أو أنظمتها. ويكفي ختامًا لهذا العرض الموجز أن نذكر أن عقد الإيجار في بريطانيا يُسمَّى rent agreement، والتعريف الرسمي للاتفاقية إذن يتخطَّى مجرَّد «الاتفاق» ليكتسب طابع التعاقد القانوني.
(٤-٧) القاعدة إذن هو أن agreements (في الجمع) تعني الاتفاقيات محليةً كانت أم دولية، وأمَّا الكلمة المفردة فقد تنصرف إلى الاتفاق دون الاتفاقية، وإذا كان من المسموح به في بداية وضع المصطلحات العربية أن نخلط بينهما، فلم يعد ذلك مقبولًا في عصر التخصُّص الدقيق. وأنا من أشد المعجبين بجهود أساتذتنا من أبناء الجيل الماضي الذين ابتدعوا هذه الكلمة (مصدر صناعي)، ولا أرى ما يدعو إلى الاستعاضة عنها باتفاقات بسبب تحذلق مَن يكرهون المصدر الصناعي من الأساتذة، وسواء استُخدمت كلمة اتفاق أو اتفاقية فيجب كما قلت ألَّا يغيب عن أذهاننا ما أوضحتُه من فروق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤