الدساتير الطبية – البرديات المصرية القديمة – الدساتير الحديثة

(١) كشف الكتابة وأوراق البردي عند قدماء المصريين

قبل أن نبدأ الكلام عن البرديات الطبية يجب أن نعرف على أي مادة كتب قدماء المصريين علومهم وأحداثهم، وكيف كتبوا وبأي لغة.

لقد كان قدماء المصريين أول مَن اخترع الكتابة للتعبير عن أفكارهم، ولهم الفضل الأول على العالم أجمع في الكشف عن طريقة خطية للتفاهم وتدوينها على مواد مختلفة، وأهم هذه المواد هي حسب الترتيب التاريخي تقريبًا:
  • العظم.

  • الطين: وقد وُجِد كثير من صحائف الطين المكتوبة يرجع تاريخها إلى الأسرة ١١.

  • الطين المحروق: منذ الأسرة ١٨ بالخط المسماري ولوحات تل العمارنة.

  • الجلد: محفوظ بعض صحائفه بالمتحف البريطاني والمتحف المصري.

  • الكتان: استعمل في مختلف العصور.

  • المعادن: وأهمها البرونز.

  • الحجر: وقد استعمل في الكتابة في المعابد والمقابر والتوابيت.

  • الخشب: كذلك.

  • البردي: وكان هذا أهم صحفهم للكتابة، وكان كشف أوراق البردي أهم كشف في تاريخ الكتابة؛ إذ إنه الحلقة الأولى للكشف عن الورق.

وقد كان لهم لغة عالية رفيعة، لها نحوها وصرفها، ولها أسماؤها وأفعالها وضمائرها وصفاتها، وقد بلغت هذه اللغة القمة من حيث الفقه والنحو، ووضع كثير من العلماء لها مؤلفات ذات قيمة علمية مثل جاردنر، كما وضع لها علماء الألمان معجمًا في عشرة مجلدات كبيرة، حواها قاموس برلين العظيم W. B.، ولم يضع هؤلاء العلماء كتاباتهم أو مؤلفاتهم عن الهيروغليفية إلا بعد أن كشفت البعثة الفرنسية التي أحضرها معه نابليون أيام حملته على مصر عن حجر رشيد عام ١٧٩٩، وقد كشف بوسرد أحد قواد الحملة عندما كان يحفر أساس بيتٍ قرب رشيد، وكان هذا الحجر كبيرًا أسود اللون وهو محفوظ الآن في المتحف البريطاني، وقد وُجِدت على هذا الحجر كتابة ظلَّتْ غامضة فترة من الزمن حتى حاوَلَ لأول مرة حلَّ رموزها العالمُ الفرنسي شمبليون.

ويوجد على الحجر ثلاث أنواع من الكتابة المختلفة تحت بعضها، عبارة عن أمر ملكي صدر أيام بطليموس الثاني؛ الكتابة العليا بالهيروغليفية، والوسطى بالديموتيقية (كتابة الكهنة)، أو كتابة العامة، والثالثة أو السفلى باليونانية القديمة.

وبعد محاولات عنيفة جبَّارة أمكن العلماء أن يعرفوا أن هذه الكتابة هي ثلاث تراجم مختلفة بثلاث كتابات لأمر ملكي واحد صدر أيام بطليموس الثاني عام ١٩٨ق.م، وبمقارنة هذه التراجم الثلاث كشفوا المفتاح الأول للكتابة الهيروغليفية.

وتُعتبَر الكتابة الهيروغليفية من أقوى الحجج على حضارة مصر الطبية؛ إذ إن أجزاء جسم الإنسان وجسم الحيوان التي استعملها الخطاطون الهيروغليفيون تدل على أن المصري أجاد التشريح إلى حدٍّ بعيدٍ، ومن أروع الحقائق أن الأجزاء المستعملة للإشارة عن الأعضاء الداخلية جميعها أجزاء أجسام للحيوانات الثديية، وليست للإنسان كما يقول بذلك علماء التشريح، وهذا يقطع بأن الفراعنة قد أجادوا تشريح الحيوان قبل الإنسان بزمانٍ بعيدٍ جدًّا، وأن التشريح البشري والجراحة البشرية ظهَرَا متأخرين؛ وذلك لتقديس الجسم البشري.

أما صناعة العقاقير ومعرفة خواص النباتات فهي أقدم بكثير من صناعة التشريح والجراحة، وتبعًا لذلك تكون الصيدلة أقدم المهن الطبية، ويكون متعاطي هذه الصناعة الطبية في العصور السحيقة عشابًا كما ذكرنا قبل أن يكون طبيبًا وجرَّاحًا.١

(٢) كيف صنع المصريون أوراق البردي (Cyperus Papyrus: F. Cyperaceae)

نبات البردي من عائلة الحلفاء، وكان هذا النبات ينمو في مناقع الدلتا ثم حج بحكم الظروف الجوية والطبيعية إلى جنوب السودان والحبشة. وقد استعمل قدماء المصريين نبات البردي في أغراض كثيرة ذكر هيرودوتس بعضها، وكذلك ثيوفراست وبليني، ولكن أهمها صناعة شرائح الورق للكتابة. وسُمِّيت بالعربية قراطيس البردي أو البرديات، وهذه أول محاولة للإنسان لصناعة الورق.

وقد اشتُقَّتْ من كلمة بابيروس Papyrus التي أطلقت لتسمية النبات الكلمات الإفرنجية الدالة على اسم الورق وهي Paper & Papier.

ويتفاوت طول نبات البردي الحديث بين ٧–١٠ أقدام عدا القمة المزهرة والجذر، وقطر الساق ١٫٥ بوصة، والقطاع العرضي من الساق مثلث الشكل، ويتكون من قشرة ولب داخلي هو الذي استُعمِل لصناعة البردي.

وقد وصف بليني طريقةَ صناعة ورق البردي كما يأتي:

أما الساق فيُشَقُّ شرائح طويلة رقيقة، وكانت هذه الشرائح تُوضَع بجوار بعضها على مائدة كبيرة في وضع طولي ثم تُوضَع فوقها شرائح أخرى عرضية، وتندى بماء النيل، وتُضغط فوق بعضها، وتُجفف في الشمس.

وقد ناقش مول Molle٢ طريقة صناعة الورق، وقال إن قدماء المصريين كانوا ينزعون القشرة الخارجية للساق، ويستعملونها في صناعة الحبال، أما اللب فكانوا يشقونه شرائح ويضعونها فوق بعضها متقاطعة وبينها مادة لاصقة، ثم يدقونها ويضغطونها ويتركونها حتى تجف، ثم يستعملون هذه الشرائح الطويلة للكتابة عليها.
ولا يمكننا على وجه التحقيق إثبات تاريخ العصر الذي استُعمِلت فيه أوراق البردي، ولكن يوجد في متحف القاهرة قطع صغيرة من ملفات البردي يرجع تاريخها إلى الأسرة الخامسة، كما وُجِد في مقبرة حماكا٣ من الأسرة الأولى ملف من البردي لم يُستعمَل. وقد كانت كل أجزاء النبات ذات فائدة اقتصادية لمصر في ذلك الوقت؛ فكانت الجذور تُستعمَل وقودًا، وكانت السيقان تُستعمَل في صناعة القوارب الصغيرة، كما يذكر هيرودوتس أنهم كانوا يجمعون الأغصان الصغيرة ويطبخونها.
ويقولون إن البردي الذي ينمو الآن في جزيرة صقلية كثير الشبه بالبردي المصري القديم. وأطول ورقة بردية هي بردية هاريس Harris المحفوظة بالمتحف البريطاني، ويبلغ طولها ١٣٥ قدمًا.

وكانت هذه الأوراق البردية تلف على شكل أسطواني وتُربط في الوسط، وأصبح لها في الكتابة الهيروغليفية رمزًا خاصًّا للدلالة عليها يشير إلى ملف أسطواني في وسطه عقدة.

وكان من أهم أدوات الكتابة الحبرُ، يصنعه قدماء المصريين أقراصًا جافةً تشبه أقراص الألوان الحديثة، وقد تميز من ألوان الحبر ألوان كثيرة أهمها الأحمر والأسود، وكان اللون الأحمر أو الحبر الأحمر عبارة عن مركبات الحديد، واللون الأسود أو الحبر الأسود عبارة عن الكربون. وكانت أقلام الكتابة تُصنع في الأزمان القديمة من نبات الأسل، وهو من عائلة السمار، وكان ينمو كثيرًا في مصر، كما استُعمِلت أقلام من الغاب في العصور الرومانية. وقد رمزوا إلى كلمة يكتب الهيروغليفية بالرمز الآتي، وهو عبارة عن أسطوانة لحفظ الألوان، وكيس لألوان الحبر، ولوحة حجرية لإذابة الحبر عليها.

(٣) البرديات الطبية

  • (١)
    بردية إيبرس The Ebers Papyrus: أطول وأشهر المستندات التاريخية الطبية، وُجِدت عام ١٨٦٢ في حالة جيدة نوعًا، اشتراها العالم إيبرس عام ١٨٧٢م وسُمِّيت باسمه، محفوظة الآن في جامعة ليبزج، تحوي على كثير من التذاكر الطبية وبعض التعاويذ السحرية. يُظن أن هذا المستند الطبي المصري القديم قد كُتِب في بداية الأسرة ١٨، يكاد يكون من المقطوع به أنها نُسِخت من مخطوط قديم، طبع جورج إيبرس عنها مجلدين عام ١٨٧٥، تعرضت هذه البردية لدراسة كثير من العلماء بعد إيبرس وهم:
    • H. Grebow & J. Lieblein.
    • W. R. Dayson & H. Schqefor & H. Liwing.

    وفي عام ١٩١٣ طبع فرشنكسكي ترجمة هيروغليفية قيمة لهذه البردية، وقد حاول جواشيم عام ١٨٩٠ ترجمة هذه البردية وطبعها في كتابٍ خاصٍّ، ولكنه في الواقع لا يفي بالغرض المطلوب. ثم ترجمتها فيها بعدُ إييل ترجمة أحسن من الأولى.

    كُتِبت هذه البردية أصلًا باللغة الهيراطيقية وكانت واضحة تمام الوضوح، وكانت رءوس الموضوعات وما شابهها مكتوبة بالحبر الأحمر.

    طول البردية ٢٠٫٢٣ مترًا، النصوص موزَّعة على ١٠٨ أعمدة، كل منها بين ٢٠ و٢٢ سطرًا، وقد ترك الكاتب عند وضع النمر الرقمين ٢٨ و٢٩، وفي ظهر البردية كتب تقويمًا (نتيجة) مصحوبًا باسم ملك، وأمكن من دراسة هذا التقويم أن تحدد تاريخ كتابتها بأنه عام ١٥٥٠ قبل الميلاد.

    والبردية وجدها فلاح مصري في مدينة الأقصر مدفونة في بعض كفان الموميات وموضوعة في خزانة من المعدن، وهي عبارة عن ملف واحد من البردي، ومن أحسن أنواع القراطيس البردية صناعةً. تحوي البردية مجموعة كبيرة من الوصفات لكثير من الأمراض، لا زالت هذه البردية مجالًا واسعًا للبحث العلمي مما قد يستغرق عشرات السنين.

  • (٢)

    بردية هيرست: وُجِدت هذه البردية في دير البلاص من صعيد مصر عام ١٨٩٩ ميلادية، وهي محفوظة الآن في متحف كاليفورنيا، وكانت الطبقات الخارجية من هذا الملف البردي متكسرة بالية، وأما الطبقات الداخلية فكانت في حالة جيدة، ويرجع تاريخ هذه البردية إلى ما بعد بردية إيبرس، كما يظهر من كتابتها أن تاريخها يرجع إلى السنة التاسعة لحكم الملك أمنيوفيس الأول.

    وقد لاحظ بورخارد أوجه شبه كثيرة بين هذا القرطاس وقرطاس برلين، كما قام بدراسته كثير من العلماء مثل: بورخارد، وشيفر، وريزنر، ولاحظوا ما يأتي:
    • (أ)

      تشابه في وصفات قرطاس هيرست وإيبرس.

    • (ب)

      بعض الوصفات ذُكرت حرفيًّا في الاثنتين.

    • (جـ)

      وجود بعض وصفات متكررة في كلٍّ منهما، وقد عثرَتْ على هذا القرطاس بعثةُ هيرست سنة ١٩٠١.

  • (٣)
    بردية أدون سميث الجراحية The Edwin Smith Surgical Papyrus: محفوظة في الجمعية التاريخية بنيويورك، نقلها وترجمها وعلَّق عليها العلَّامة برستد، أغلبها لعلاج الحالات الجراحية، كما تحوي بعض التعاويذ السحرية. كشف لنا هذا المستند عن مدى ما وصل إليه العقل البشري الجبَّار؛ إذ قد بدأ يتطلَّع إلى خفايا الجسم الإنساني، كما يرينا مدى ما وصل إليه قدماء المصريين من ترتيبٍ في دراسة الحالات الجراحية بوصفها والكشف عليها وتشخيصها، ووصف الدواء وطريقة صناعته، وطريقة استعماله.
  • (٤)
    بردية شستر بيتي رقم ١٠٦٨٦ بالمتحف البريطاني The Chester Beathy Papyrus: يرجع تاريخها إلى الأسرة ١٩، تحوي الكثير من الوصفات لعلاج المستقيم والشرج، وبها كثير من التعاويذ الشعبية، محفوظة بالمتحف البريطاني.
  • (٥)
    بردية برلين رقم ٣٠٣٨ The Berlin Medical Papyrus: محفوظة في متحف برلين، تشبه في كثيرٍ برديةَ إيبرس وهيرست.
  • (٦)
    بردية كاهون Kahûn Papyrus: ووُجِدت في اللاهون من أعمال مديرية الفيوم عام ١٨٨٩ ميلادية، تُعتبَر أقدم بردية طبية يرجع تاريخها إلى عصر الدولة المتوسطة بين الأسرتين ١٢ و١٣، وهي بردية خاصة بأمراض النساء، وفيها كثير من الوصفات التي تشبه ما جاء في بردية إيبرس وأدون سميث، مما يدل على أن هاتين البرديتين قد أخذتا الكثيرَ من البرديات السابقة لهما في العصور التاريخية، كما تحوي هذه البردية على كثير من الوصفات الطبية السحرية.
  • (٧)
    بردية لندن رقم ١٠٠٥٩ The London Medical Papyrus: كُتِبت في غير عناية، يرجع تاريخها إلى نهاية الأسرة ١٩، وهي بردية طبية سحرية.
  • (٨)

    برديات شستر بيتي رقم ١٠، ١٥، ١٨: وهي محفوظة بالمتحف البريطاني تحت رقم ١٠٦٩٠، ١٠٦٩٥، ١٠٦٩٨.

    وبردية شستر بيتي رقم ١٠ أي الأولى، كل ما جاء فيها عن وصفات للتقوية الجنسية، وأما البرديتان ١٥ و١٨ فهما للطب والسحر.

  • (٩)
    بردية لندن الديموتيقية The London Demotic P.: كُتبت بالخط الديموتيقي من القرن الثالث بعد الميلاد، وتحتوي على مجموعة لا بأس بها من المعلومات الطبية القديمة.
  • (١٠)
    بردية جولنشيف Gol enishchef Papyrus: يرجع تاريخها إلى العصر اليوناني حوالي القرن الثالث للميلاد، وهي لطب أمراض النساء.
  • (١١)
    بردية قطاوي Cattawi Papyrus: بردية جراحية يونانية يرجع تاريخها إلى العصر اليوناني، حوالي القرن الثالث للميلاد.
  • (١٢)
    البرديات القبطية: وهي برديات أو أجزاء من كتب على البارشيما وُجِدت في أماكن مختلفة من مصر، بها كثير من الوصفات الطبية، وهي تعطينا فكرة عما وصل إليه الطب في العصور القبطية الثلاثة، وهي: العصر القبطي اليوناني، والعصر القبطي المسيحي، والعصر القبطي العربي، كُتِب جميعها باللغة القبطية، وأهم هذه البرديات أو المخطوطات هي:
    • (أ)

      بردية المشايخ: وهي من أهم المراجع في علوم العقاقير والعلاج في العصور القبطية، وجدها فلاح في جرجا كان يجمع السباخ بالقرب من بلدة مشايخ، داخل إناء من الفخار واشتراها بوريان، وأهداها للمعهد الفرنسي بالقاهرة سنة ١٨٩٢. طول البردية ٢٫٤٨ مترًا، وعرضها ٢٧سم، مجموع سطورها ٢٤٠ سطرًا، بها ٢٣٧ تذكرة. جميع المقارنات تدل على أنها كُتِبت بين القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. البردية في مجموعها تشبه في كثير البرديات الفرعونية، فوق أنها حوت الكثير مما تأثَّرت به من الحضارة اليونانية، كما تأثَّرت أيضًا بالحضارة العربية، فاستعملت الكثير من أسماء الأدوية العربية. ترجمها العلَّامة أميل شاسيناه وعلَّق عليها.

    • (ب)

      ورقة زويجه الطبية: وهي من مجموعة الأوراق الطبية المحفوظة في الفاتيكان، وتتكون من ورقتين من البارشيما يتكونان من أربع صفحات، وتحتوي على ٤٥ تذكرة لأمراض الجلد، وهي جزء من كتاب يحتوي على ٢٤٥ صفحة، وعلى ٢٨٠٠ تذكرة، مكتوب باللغة القبطية الصعيدية، ويقول في إحدى تذاكره أنه مترجم عن الورقة الطبية التي كانت محفوظة في مكتبة إيمحتب بمنف، ويمتاز هذا الكتاب بظهور تأثير المسيحية فيه تأثيرًا واضحًا؛ إذ قد تغيَّرت أسماء الآلهة المصرية في التمائم والتعاويذ بأسماء الملائكة المسيحية.

  • (١٣)

    برديات أخرى: وهناك كثير من البرديات الأخرى الطبية الموزعة في متاحف باريس ولندن وتورين وبرلين وبودابست والفاتيكان، التي قد تلقي ضوءًا كثيرًا على بعض العادات والتقاليد العلاجية، وعلى كثير من أنواع الطب الشعبي الذي لا زال مستعملًا في مصر حتى الآن بنفس وصفاته، وفي قلب أوروبا أيضًا.

ويمكننا عمل مقارنة بين هذه البرديات نوجزها في الجدول المبيَّن ١ ، وخلال دراسة هذه البرديات دراسة دقيقة يمكننا أن نخرج بالنتائج الآتية:
  • أولًا: أن هذه البرديات الطبية الدوائية التي وُجِدت وكُتِبت في مختلف العصور هي عبارة عن مستندات أو مراجع دوائية طبية شبه رسمية، أو تكاد تكون رسمية منقولة عن مراجع أخرى سابقة كما تنص بذلك جميع البرديات، أو قد تكون منقولة مع بعض التعديل.

    ويتضح من النصوص التي تدلنا على أنها نُقِلت من مستندات أقدم منها، أن هذه المراجع أو البرديات قد اتخذت صفة رسمية تعليمية أجبرت المصريين القدماء على تدوينها، حتى تضع أسسًا ثقافيةً ثابتة لمهنتَي الطب والصيدلة بمختلف فروعهما. كما أُضِيف إلى بعض هذه البرديات ملاحق خاصة كما حدث في بردية أيدون سميث.

    اسم البردية تاريخ كتابتها عدد أعمدتها عدد سطورها عدد تذاكرها كيف وصلتنا أين هي الآن السحر
    كاهون لأمراض النساء ٢٠٠٠–١٨٥٠ق.م ٣ ١٥٤ ٣٤ وجدها بيتري عام ١٨٨٩ في مدينة اللاهون خالية من السحر
    كاهون للطب البيطري ٢٠٠٠–١٨٥٠ق.م وجدها بيتري عام ١٨٨٩ في مدينة اللاهون خالية من السحر
    جاردنر ٢٠٠٠ق.م ٢٩
    أدوين سميث ١٧٠٠ق.م ١١٢٫٥ ٤٦٩ وجدت في طيبة واشتراها إدوين سميث من الأقصر عام ١٨٦٢، وأهدتها كريمته عام ١٩٠٦م بالجمعية التاريخية بنيويورك لها ملحق سحري
    ١٧ ٣٧٧
    إيبرس ١٥٥٠–١٥٠٠ق.م ١١٠ ٢٢٨٨ ٨٧٧ وجدت في طيبة واشتراها إيبرس جامعة ليبزج قليل من التمائم
    هيرست ١٥٠٠ق.م بعضها تألف ١٥–١٦٥ ٢٧٣ ٦٦٠ + س تعويذة وجدت في دير البلاص عام ١٨٩٩م واشتراها ريزنر عام ١٩٠١ جامعة كاليفورنيا
    برلين رقم ٣٠٢٧ ١٤٥٠ق.م ١٥ ٣٠ تعويذة + ٣ تذاكر أهدتها مدام وستكار عام ١٨٨٦م متحف برلين ملآنة بالسحر
    برلين رقم ٣٠٣٨ عصر رمسيس الثاني ١٢٩٦–١٢٧٠ق.م ١٥ ٢٧٩ ٢٠٤ وجدت في سقارة متحف برلين
    لندن رقم ١٠٠٥٩ بين الأسرتين ١٧–١٩ (؟) ١ ٢٥٣ ٦٣ قدمت إلى متحف لندن من المعهد الملكي عام ١٨٦٠ متحف لندن
    أوكسيرنكوس يونانية في أوائل القرن الأول الميلادي قطع وجدت في أوكسيرنكسوس متحف لندن
    شاسيناه القبطية بين القرنين العاشر والتاسع الميلاديين ٣٣٧ وجدت في بلدة المشايخ معهد المتحف الفرنسي للآثار بالقاهرة
    ويمكن اعتبار هذه البرديات أنها هي دساتير الأدوية في تلك العصور أو كما نسميها نحن الفرماكوبيات Pharmacopeia.
  • ثانيًا: بعض هذه البرديات دوائي خالص كإيبرس، وبضعها دوائي جراحي كأيدون سميث، وبعضها علاجي سحري كبرلين.
  • ثالثًا: بعض هذه البرديات رُتِّب ترتيبًا دقيقًا رائعًا؛ إذ تذكر البردية في كل وصفة:
    • نوع المرض.
    • طريقة الفحص.
    • التشخيص.
    • وصف العلاج.
    • طريقة التحضير.
    • طريقة تعاطي الدواء.

    ونظرة واحدة إلى أي حالة من حالات أيدون سميث الجراحية ترينا روعة هذا الترتيب، ودقة هذا العلم عندهم.

  • رابعًا: أن هذه البرديات قد حوت مجموعة من العقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية، وأن نسبة العقاقير النباتية فيها مرتفعة إلى ٦ / ٥.
  • خامسًا: أن الكثير من العقاقير النباتية التي ذكرت في هذه البرديات يحتاج إلى دراسة طويلة لتحقيقه، ومعرفة اسمه وأصله، وذلك لعدة أسباب:
    • (١) صعوبة هذا البحث الدقيق الشائك إذا لم تتوفر للمشتغل به ثقافةٌ مزدوجة بأن يجمع بين الثقافة الطبية العلمية والثقافة الأثرية العلمية.
    • (٢) أن هذه البرديات ملآنة بالأسماء والمصطلحات الغريبة التي تحتاج إلى جهد عنيف لتحقيقها؛ إذ إن كثيرًا من النباتات الطبية قد اختفى من مصر بمرور الزمن، وقد تكون هذه العقاقير مما استجلبه المصريون من الأقطار الأخرى، وقد تكون من النباتات المصرية التي نبتت في ظروف جغرافية مناسبة ثم اختفت أو انتقلت إلى مناطق أخرى باختفاء أو انتقال تلك الظروف الجوية من مصر، ومن أكبر الأدلة على ذلك نبات البردي الذي كان يكسو مناقع الدلتا، ثم أصبح الآن يكسو مناقع أواسط أفريقيا.
  • سادسًا: تجد في بعض البرديات بعض العقاقير غير المصرية، والواقع أن المصريين لم يكتفوا بما نبت في أرضهم بل حاول بعض الملوك والأمراء استجلاب الكثير من النباتات الطبية وغير الطبية وأقلمتها في مصر، وقد أرسلت الملكة حتشبسوت بعثتها المعروفة التي أحضرت فيما أحضرت المر واللبان. ويمكننا أن نحقق ذلك في مقبرة رخمي رع الذي كان الوزير الأول للملك تحتمس الثالث وخلفه أمنحتب الثاني خلال عشرين عامًا بين ١٤٧٠–١٤٤٥ قبل الميلاد؛ إذ نجد في هذه المقبرة صورة لاثنين من سكان بلاد بونت يحملون بين الهدايا شجرة اقتلعوها من أرضها وأعدوها للنقل والزراعة.

    هذه البرديات الطبية جميعها تراث خالد رائع يدلنا على ما وصل إليه قدماء المصريين من مجدٍ في حضارتهم الطبية في عصور سحيقة القدم، بينما كان أجداد الغرب يتعاقبون بأذنابهم في فروع الشجر. هذه الحظوة الطبية الخالدة ترينا نوعًا رائعًا من التخصص في تعاطي المهنة وفي الكتابة الطبية، كم ترينا تقدمًا كبيرًا في علوم الجراحة عندهم، وقد كان بفضل هذه الحضارة الطبية التي دونتها بردياتهم وبقيت مع الزمن الخالدة. كان لها الفضل في أن تقف بها من جاورها من الأقطار ثم ساحلت منها عبر شواطئ البحر الأبيض حتى توغلت في قلب أوروبا الوسطى تشبه في كثيرٍ الوصفات المصرية القديمة، هذه البرديات جميعها تشهد فضل مصر والمصريين على العالم أجمع.

(٤) الدساتير العربية

ويُعتبَر طب أبوقراط وطب اليونان عمومًا هو المورد الذي نهج منه العرب بعد أن تُرجِم للعبرية، فأخذوا عن اليونان الكثير من علم الدواء وصناعة العطارة، ويرجع إليهم الفضل في معرفة الراوند، والسنامكي، والمن، والكافور، والمسك، وجوز الطيب، وهم أول من قطر ماء الورد، وقد ظهر في أيام العرب كثير من الكتب الدوائية التي شاعت شيوعًا كبيرًا حتى أصبحت كدساتير طبية، وأهمها:
  • (١)

    مؤلفات ابن سينا: وضعها الحسين بن عبد الله بن سينا في القرن الحادي عشر للميلاد.

  • (٢)

    مفردات ابن البيطار.

  • (٣)

    كرابادن: وهو اسم دستور طبي وضعه صابر بن سهل رئيس المدرسة الطبية في بغداد بأمرٍ من الخليفة هارون الرشيد الذي سنَّ قانونًا لتعاطي مهنة الصيدلة، وآخَر بأسماء العقاقير والأدوية وأثمانها.

  • (٤)

    خواص الرازي.

(٥) الدساتير الحديثة

وسار العالم على هذا النحو يتخبط بين هذه الدساتير الطبية الكثيرة العدد حتى القرن الرابع عشر للميلاد، وقد بدأت كل دولة تفكِّر تفكيرًا جديًّا في وضع دستور طبي جامع يستعمل في جميع أنحائها بأمر من حكومتها وتحت سلطانها.

وظهر كثير منها لم يُكتَب له البقاء، فدالت وتلتها غيرها، وهكذا حتى القرن التاسع عشر الميلادي حين ظهرت عدة دساتير في كثير من أقطار العالم، بلغ مجموعها ٢٦ دستورًا، وهي:
  • الدستور البريطاني عام ١٨٦٤.

  • الدستور البرتغالي عام ١٨٧٦.

  • دستور شيلي عام ١٨٨٦.

  • كووانيا ١٨٨٨.

  • دستور رومانيا عام ١٨٩٣.

  • دستور المكسيك سنة ١٩٠٤.

  • دستور نيوزيلاند عام ١٩٠٥.

  • دستور إسبانيا ١٩٠٥.

  • دستور أستراليا عام ١٩٠٦.

  • دستور الدانمارك ١٩٠٧.

  • دستور سويسرا عام ١٩٠٧.

  • دستور فرنسا ١٩٠٨.

وهذه أول دساتير رسمية ظهرت في العالم، وجاء القرن العشرين فشهدت الست سنوات الأخيرة من بين عامَيْ ١٩٢٩ و١٩٣٤ همةً ونشاطًا كبيرين في مراجعة وتجديد الدساتير الدوائية، فقد جُدِّدَ منها ثمانية هي:
  • الدستور الإيطالي سنة ١٩٢٩.

  • الدستور الأسباني سنة ١٩٣٠.

  • الدستور الدانماركي ١٩٣٣.

  • الدستور السويسري ١٩٣٣.

  • الدستور البلجيكي سنة ١٩٣٠.

  • الدستورالإنجليزي ١٩٣٢.

  • الدستور اليوغسلافي ١٩٣٣.

  • الدستور الهنغاري سنة ١٩٣٤.

وقد كان إصدار دستور دولي أمنية عالمية تحققت في السنوات الأخيرة، فصدر دستور الأدوية الدولي عام ١٩٥٤ محققًا لرغبات جميع الشعوب والأمم، وموحدًا للمصطلحات العلمية، ومما يشرف مصر أنه كان من بين أعضاء اللجنة الدولية الدائمة لوضع دستور الأدوية الدولي الأستاذ الدكتور إبراهيم رجب فهمي.

كما كان إصدار دستور مصري رغبة ملحة تراود جميع نفوس الأطباء والصيادلة، وقد شُكِّلت لجنة تحضيرية في عام ١٩٣٧ لوضع أسس هذا الدستور.

وقد عملت بجد ونشاط حتى صدرت الطبعة الأولى منه عام ١٩٥٥.

١  Wilkinson III, 474, Dawson: Migcian & Leach 90.
٢  Molle: In Memoire sur Le Papyrus ét la fabrication du papier chez les Anciens 1850.
٣  W. B. Emery: The tomb of Hemaka 1938, p. 14.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤