المرأة الشرقية١

  • (١)

    ماذا يحسن أن تستبقي من أخلاقها التقليدية؟

  • (٢)

    ماذا يحسن أن تقتبس من شقيقتها الغربية؟

  • (١)

    من الصعب أن تعرف على وجه التحقيق ما هي «الأخلاق» أو الصفات التي اختصت بها المرأة الشرقية دون سائر النساء في العالم؛ فإن كثيرًا من الأخلاق التي تُنسَب إليها، ويُظَن أنها خاصة بها ومقصورة عليها قد وُجِدَتْ من قبل وتوجد الآن في بعض النساء الأوروبيات عند تشابه الأسباب، وهي في الغالب الجهل والاستبداد. غير أننا لا يسعنا إلا أن نعتقد من وجهةٍ عامةٍ أن هناك اختلافًا بين الشرقيات والغربيات مَردُّه فيما نرى إلى فرقٍ واحدٍ: هو أن المرأة الشرقية أحسُّ بطبيعة الأنوثة من صاحبتها الغربية، فهي أوفر منها حظًّا من عنصر النسوية أو أن المرأة الصميمة فيها أكثر من المرأة الصحيحة في تلك، وهي على الجملة أرأم لأبنائها وآلف لزوجها وأسكن إلى المعيشة البيتية من صاحبتها الغربية، وهذه هي الخصلة التي نود أن تستبقيها المرأة الشرقية في أساسها لا في تفاصيلها فتظل كما كانت في كل عصرٍ ملكة البيت الحاكمة المحكومة، يسكن إليها الرجل من متاعب الحياة ولا يزال عندها — صغيرًا كان أو كبيرًا — طفلًا لاعبًا يأوي منها إلى صدر الأمومة الرفيق وأحضانها الناعمة رضيعًا ويافعًا وفتى وكهلًا إلى أن يشيخ ويفنى. ويستدعي ذلك أن تعيش هي في ظله وتعتمد في شئون العالم الخارجية عليه، وتدع له كسب رزقها وتدبير حاجاتها، وتنظر إليه من ناحيتها أيضًا نظرة الابن إلى أبيه لا نظرة المنافس المزاحم إلى مَن يناجزه في ميدانٍ واحدٍ، ولسنا نعني بما نقول أن تكون المعيشة البيتية واجبًا مفروضًا على المرأة كما يُفرَض السجن على السجين، ولكننا نعني أن تكون هذه المعيشة حقًّا من حقوقها المفروضة على المجتمع؛ لأن عملها في البيت — وهو إعداد الجيل القادم — أكبر وأجلُّ من أن تجمع بينه وبين السعي في طلب الرزق والاحتيال على شئون المعاش، فهي تعول المجتمع القادم وتسهر عليه، فمن حقها على المجتمع الحاضر أن يعولها ويسهر عليها، وإلا كان خروجها إلى معترك السعي والجهاد علامة على التقصير والخلل من جانب المجتمع ونذيرًا بالشذوذ عن تقسيم الطبيعة الذي عرفه الشرقيون بالبداهة من قديم العصور. ولا بد للمرأة من أن تبني كل سيرتها في الحياة على الإيمان بهذه الحقيقة التي لا سبيل إلى نكرانها بصفة جديَّة؛ وهي أن الرجل أقوى من المرأة على نضال الحياة مما يدل على أنه قد خُلِقَ له، وأنها قد خُلِقَتْ لتعتمد عليه في هذا الأمر لا لتزاحمه فتُقهَر وتنهزم لا محالة. ولا يغني عن القائلين بغير هذا الرأي قولهم إن المرأة إنما تخلفت عن الرجل في مضمار الحياة العمومية؛ لأنه تغلَّب عليها في عصور الظلم والجهل فإنَّ تَغلُّبه عليها دليل في ذاته على أنه أقوى منها جسدًا وعقلًا، وإلا لما استطاع التغلب عليها بالقوة الجسدية وحدها كما لم يستطع الحيوان أن يتغلب على الإنسان بتفوقه عليه في القوة الجسدية دون العقلية.

    •••

    أما ما يحسن أن تقتبسه المرأة الشرقية من المرأة الغربية فهو الأخلاق أو الصفات التي تعينها على تدبير المنزل وتربية الأبناء وآداب المجالس وحرية اختيار الزوج. فيجب أن تمارس الألعاب الرياضية لتقوى جسدًا وتصحَّ مزاجًا، وأن تتعلم الضروري من أصول الاقتصاد وتقويم الصحة وطرائف الآداب، وأن تحذق فنًّا أو أكثر من الفنون الجميلة ولا سيما الموسيقى، ولا بأس بالرقص في محافل الأسر ولكن على طريقةٍ تناسب عادات المشارقة، وتقتبس من الرقصات الشرقية القديمة والحديثة التي لا تخلُّ بالصيانة والحياء.

  • (٢)

    وننبه بوجهٍ خاصٍ إلى آداب المجالس؛ لأننا نعزو كثيرًا من العيوب التي تَرِين على المجتمع المصري إلى احتجاب الجنس اللطيف عن مجالس الرجال وأنديتهم، وأحسب لو أن الشبان عندنا تعوَّدوا أن يتحدثوا إلى النساء المهذبات، وأن يتحدث النساء إليهم لَعَنَوا بتثقيف عقولهم وأخلاقهم والاطلاع على ما يجمل التحدث به على مسمع من الأوانس والسيدات، ولنزَّهوا نفوسهم وألسنتهم عن اللغو والهجر الذي يقضون به ساعات سمرهم، ولاتخذت المنافسة على المرأة سبيلًا أكرم وألبق من سبيلها المعهود.

    أما حرية اختيار الزوج فحقٌّ للمرأة إن شاءت تولته بنفسها، وإن شاءت تركته لأوليائها. على أنني لا أغالي بهذا الحق مغالاة الذين يحسبونه أس السعادة كلها في الزواج.

    وبعد، فإنني أحب أن تحتفظ المرأة الشرقية ﺑ «أنوثتها» وألا تقتبس من المدنية الغربية إلا ما كان سلاحًا لهذه الأنوثة في أداء وظيفتها وصون حقوقها.

١  كانت مجلة الهلال قد وجهت هذين السؤالين إلي جماعة من الكتاب والأدباء فكتب صاحب المراجعات إليها بهذين الجوابين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤