لوزة خائفة

أخذ «عاطف» يُهدِّئ «لوزة» ويُربِّت على كتفها قائلًا:

ما لكِ يا «لوزة»؟! إنك ترتجفين، ونحن في عزِّ الحر … ماذا حدث؟!

لوزة: إنك لا يُمكن أن تتصوَّر!

عاطف: ما هذا الذي لا يُمكن أن أتصوَّره؟

لوزة: كانا يُطاردانني … رجلان كانا يُطاردانني … كانا يحاولان الفتك بي!

عاطف: لماذا؟

لوزة: لا أدري … لا أدري!

وعادت ترتجف من جديدٍ؛ فأخذ «عاطف» بيدها، وقادها في حنانٍ إلى المنزل وصعدا إلى غرفتهما، وأجلسها على الفراش قائلًا: والآن قولي لي ما حدث؟!

كان وجه «لوزة» مصفرًّا، وفي عينيها علامات الذعر الشديد، وهي تتلفَّت حولها، كأن الجدار سوف ينشقُّ، ويخرج منه شبحٌ أو عفريتٌ … وهزَّ «عاطف» رأسه وهو يقول: لا بد أن أحدنا قد فقد عقله … فأنتِ في حالةٍ غير طبيعيةٍ، وأنا لا أفهم ماذا حدث! … أرجوك قولي لي … إنك الآن في البيت، وبه والدنا ووالدتنا والشغَّالة، ولا يستطيع مخلوقٌ أن يضايقك!

بدأت «لوزة» تستردُّ أنفاسها تدريجيًّا ثم أخذت تقول: خرجتُ منذ ساعتَين ومعي «الكاميرا» التي أهداها إليَّ عمِّي في عيد ميلادي الماضي … إنَّني سعيدةٌ بها جدًّا، ومنذ فترةٍ طويلةٍ، وأنا أحلم أن يكون عندي «كاميرا»!

عاطف: أعرف هذا جيدًا … المهم قولي لي ماذا أثار فزعك؟

لوزة: إنني أريد أن أروي القصة من أولها، كما اعتدنا أن نفعل!

عاطف: وأنا مستعدٌّ للإنصات.

لوزة: خرجت فاشتريت «فيلمَين»، وطلبت من صاحب محل التصوير أن يضع لي أحدهما في «الكاميرا».

وأخذت أتجوَّل في المعادي قليلًا … ألتقط الصور … كلما أعجبني منظرٌ، أدرت الفيلم، ثم جعلت الشمس خلفي بحسب ما علَّمني عمِّي، ثم صوَّرت … ووصلتُ إلى الكورنيش … كان هناك قاربٌ صغيرٌ له شراعٌ أبيض يرسو عند مرسى المراكب، وأعجبني المنظر، فاقتربت من الكورنيش، وأخذت أضبط «الكاميرا» جيدًا … وعندما وضعت يدي على زرِّ التصوير، وضغطتُ رأيتُ رجلين …

وسكتت «لوزة» لحظاتٍ وقد عاودها الارتجاف، فقال «عاطف»: استمري … ولا داعيَ للخوف.

لوزة: ولم يَكد الرجلان يَشعران أنِّي التقطت صورةً حتى اتجها إليَّ في ذُعرٍ وغضبٍ لم أشهد لهما مثيلًا في حياتي … ووجدتُهما يَتقدمان نحوي يُريدان البطش بي … وكان أحدهما رجلًا قبيح المنظر يُشبه الغوريلا … ضخمًا كأنه شجرة … قاسي النظرات كأنه ذئبٌ … وهجم عليَّ الرجل يريد انتزاع «الكاميرا» منِّي … وتنبهَّتُ في الوقت المناسب … واستطعت أن أزوغ منه … وحاول الهجوم مرةً أخرى فجريتُ … ولدهشتي الشديدة وجدته يجري خلفي … ومعه الآخر … ولا أدري لماذا يُطاردني الرجل وزميله حتى وصلتُ إلى هنا!

عاطف: إنه لغزٌ صغيرٌ يستحقُّ الحل!

لوزة: علينا أن نجمع الأصدقاء فورًا!

عاطف: إن «تختخ» كما تعلمين مسافرٌ في الإسكندرية، ولن يَحضر إلا بعد أسبوعٍ … تعالي نتصل ﺑ «نوسة» و«محب» …

لم تكن «نوسة» و«محب» قد عادا إلى المنزل بعد … فجلس «عاطف» بعد أن وضع سماعة التليفون في مكانها، وأمسك «بالكاميرا»، وأخذ يُقلِّبها، ثم قال: في هذه «الكاميرا» فيلمٌ به صورةٌ تهمُّ هذا الرجل … فماذا تتصوَّرين أنه سيفعل؟!

لوزة: لا أدري … ربما يُحاول الحصول على الفيلم!

عاطف: تمامًا … ليتمتَّع برؤية المنظر الجميل في الصورة!

لوزة: دعْك من هذا المزاح الآن، فإني ما أزال خائفةً!

عاطف: هل تعلَّمت كيف تُخرِجين الفيلم من «الكاميرا»؟

لوزة: لقد شرَح لي عمِّي كيف أخرجه … ولكنِّي أُفضِّل أن أشاهد طريقة إخراجه عمليًّا عند المصور!

عاطف: «محب» و«تختخ» يُجيدان التصوير … وما دام «تختخ» مسافرًا، فعلينا انتظار «محب»، فمن الخطورة أن نَذهب «بالكاميرا» الآن إلى محلِّ التصوير.

لوزة: ولكن كيف نُحمِّض الفيلم ونَطبعه؟! إنَّ هذا يَحتاج أن نذهب إلى المحل.

عاطف: معك حقٌّ … ولكِن من السهل بعد إخراج الفيلم أن يأخذه أحدُنا، ويذهب به إلى محل التصوير.

لوزة: لنَنتظِر عودة «محب» إذن، فأنا أخشى إذا حاولتُ إخراج الفيلم أن أُعرِّضه للضوء فيفسد!

عاطف: سنُعاود الاتصال بهما في المساء.

وظل «عاطف» و«لوزة» يتحدَّثان عن الرجل الغوريلا طوال النهار، حتى إذا آذنتِ الشمس بالمغيب، اتصلا «بنوسة» و«محب» فوجداهما قد عادا إلى البيت، فطلبا منهما الحضور إلى الحديقة.

اجتمع الأصدقاء الأربعة في حديقة «عاطف» كالمعتاد، وروت «لوزة» مرة أخرى ما حدث ومطاردة الرجل الغوريلا لها … والذُّعر الذي استولى عليها …

قال «محب»: هل كان في القارب أيُّ شيء مريب؟

لوزة: لا أدري … لقد أعجبني المنظر فقط فصوَّرته. بدون أن أهتم بشيءٍ آخر. ولم أفكر مطلقًا أن تصوير قارب في النيل يُمكن أن يؤدي إلى هذه المطاردة.

نوسة: من المهم أن نقوم بتحميض الفيلم وطبعه، حتى نرى القارب الذي أثار الرجل الغوريلا … وكل قاربٍ في النيل له رقمٌ، ويُمكننا عن طريق هذا الرقم أن نصل إلى القارب ونعرف كل شيءٍ عنه.

عاطف: هاتي «الكاميرا»؛ ليقوم «محب» بإخراج الفيلم منها، ثم نذهب به إلى محل التصوير لتحميضه وطبعه.

وأمسك «محب» بالكاميرا، ثم فتح الغطاء الجلدي الذي يغطيها وقال: والآن سنُعيد لفَّ الفيلم على البكرة الأصلية له، وهو داخل الكاميرا، بواسطة هذه الذراع.

وأخذ «محب» يدير الذراع بضع مرات حتى توقفت الذراع عن الدوران وقال: لقد عاد الفيلم الآن إلى البكرة، ويُمكن إخراجه بدون الخوف عليه من التعرض للضوء.

فتح «محب» الكاميرا، وأخرج الفيلم منها، واستكمل لفَّ طرفه على البكرة، وأعاد إغلاق الكاميرا وتغطيتها، ثم قدَّم الفيلم إلى «لوزة»، ولكن «لوزة» قالت: أُفضِّل أن تحتفظ به حتى تذهب إلى المحلِّ لتحميضه.

وأضاف «عاطف» باسمًا: وحتى تتعرض للاختطاف … فلا شك أن العصابة تُراقبنا الآن، وتعرف أنك تحمل الفيلم.

كان «عاطف» يقول هذا كنُكتةٍ مضحكةٍ، ولكن الحقيقة أنها لم تكن نكتة على الإطلاق؛ فقد كان هناك رجلان يُراقبان كلَّ شيءٍ من بعيدٍ … وشاهدا الفيلم وهو ينتقل إلى جيب «محب».

قال «محب» ردًّا على «عاطف»: هل اختطاف إنسان من الشارع مسألة سهلة؟ … إنك تهذي!

قالت «لوزة»: إنَّ الرجل الغوريلا في مُنتهى الجرأة!

محب: هيَّا بنا نَذهب إلى محلِّ التصوير الآن، ونترك الفيلم لنأخذَه في الصباح. وسار الأصدقاء دون أن ينتبهوا إلى من يتبعهم … وظلُّوا سائرين يتحدَّثون حتى وصلوا إلى محلِّ التصوير، وقبل أن يدخلوا وقف «محب» لحظاتٍ يرقب الطريق … ثم دخل المحل.

قابلهم صاحب المحل بالترحاب … فقد كان يعرف «محب» … وأخذا يتحدَّثان معًا عن التصوير، وعن أسعار الأفلام … وأحدث الكاميرات … ووقف بقية الأصدقاء يتفرَّجون على المعروضات في المحل.

وبعد فترةٍ غادر الأصدقاء المحل … ووقف الرجلان يُراقبانهم من بعيدٍ … مرة أخرى التفت «محب» إلى الخلف … ثم مضى مع الأصدقاء حيث تفرقوا … فذهب «محب» و«نوسة» إلى منزلهما … وتابع «عاطف» و«لوزة» سيرهما بعد أن اتفقا مع «محب» و«نوسة» على اللقاء في اليوم التالي.

عندما وصلا إلى البيت قالت «لوزة»: هل نُرسل ﻟ «تختخ» رسالة بما حدث … فقد يكون له رأي فيه؟

ردَّ «عاطف»: وهل حدث شيءٌ يمكن أن نرويه ﻟ «تختخ»؟ لننتظر حتى نرى الفيلم … ونبحث عن القارب … ونعرف ما هي حكايته، ثم نُرسل ﻟ «تختخ» معلوماتٍ كاملةً.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤