المطاردة المثيرة

عندما ذهَب «محب» إلى محلِّ التصوير في صباح اليوم التالي كانت في انتظارِه مُفاجأة … فقد وجد أمام المحلِّ عددًا كبيرًا من الناس يقفون يتحدَّثون … وكان صاحب المحل واقفًا يَضرب كفًّا بكفٍّ … وأسرع «محب» إلى النزول من فوق درَّاجته، وانضمَّ إلى الواقفين يَستمع إليهم، فعرف أن المحلَّ قد تعرض للسرقة أمس ليلًا … أدرك «محب» أنه كان مُوفَّقًا في استنتاجِه … فقد تصوَّر أن أحد أعوان الغوريلا كان يُراقبهم في أثناء ذهابهم إلى محلِّ التصوير … وتأكَّد أنهم قد تركُوا الفيلم لتحميضه، فسطا على المحل، ليحصل على الفيلم … ولكن «محب» كان أذكى منه … فلم يترك الفيلم في المحل ليلة أمس … بل احتفظ به في جيبِه.

قفز «محب» إلى درَّاجته مرةً أخرى، وأسرع للقاء الأصدقاء في حديقة منزل «عاطف»، وصاح بهم: لقد وقع سطوٌ على محل التصوير!

صاحت «لوزة»: وأخذوا الفيلم؟!

محب: لا … لقد احتفظتُ به معي … لأنني أحسست أمس أننا مراقبون … ولعلَّكم لاحظتم أنني قبل أن أدخل المحل تلفتُّ حولي … وفعلًا كان هناك رجل يُراقبنا من بعيدٍ!

نوسة: وماذا نفعل الآن؟

عاطف: نُنفِّذ اتفاقنا، ونذهب إلى مدينة الملاهي … فلم يبقَ سوى أيام قلائل وتغلق أبوابها.

لوزة: هيَّا بنا.

قفز الأربعة إلى دراجاتهم، وانطلقوا مُسرعين في اتجاه مدينة الملاهي التي كانت مقامة على مسافةٍ قصيرةٍ من المَعادي … وبعد حوالي نصف ساعة وصلوا إلى المدينة التي كانت مزدحمةً بزوَّارها … ووضعوا دراجاتهم في المكان المخصَّص لها، ثم دخلوا المدينة … كانوا يسيرون معًا يتنقلون من لعبة إلى أخرى عندما مالت «لوزة» على «محب» قائلة: إنني أحسُّ بمن يَتبعنا يا «محب» … وكلَّما ذهبنا إلى مكانٍ جاءوا خلفنا!

محب: استمرِّي في اللعب، وتظاهَري بأنك لم ترَي شيئًا.

وتحسَّس «محب» الفيلم في جيبه … إنه ما زال في مكانه، وأخذ يُفكِّر: هل يُحاولون أخذه منه بالقوة؟! إن المعقول أن يحاولوا نشله في الزحام. ولهذا قرَّر «محب» أن يتخلَّص من الفيلم فورًا … أن يخفيه في أي مكانٍ … فإن «الغوريلا» لن يتردَّد في عمل أيِّ شيءٍ للحصول على الفيلم … وقد لا يتورَّع عن ضربه بنفسِه أو بواسطة أعوانه للحصول على الفيلم.

كانوا جميعًا يقفون أمام المرجيحة … فأشار «محب» إلى الأصدقاء أن يَركبوا كلهم … فقفز كل منهم في القارب الخشبيِّ الصغير … وأخذ الرجل يجمع منهم القروش … ونظر «محب» حوله في حذرٍ، وأدرك أنهم مَتبوعون فعلًا … فقد كانت هناك أربع عيون على الأقل تُراقبه هو شخصيًّا … لا بد أنهم يعرفون أن الفيلم معه …

ودارت الأرجوحة … ودار رأس «محب» معها يفكر، الفيلم … ماذا يصنع به؟ إنهم لن يتركوه يعود به إلى المنزل مرةً أخرى … لا بد أن يُحاولوا الوصول إليه الآن … ولا بد أن يجد طريقة لإخفائه … الفيلم … ومدَّ يده في جيبه خلسة والأرجوحة تدور، وأمسك الفيلم بيده، ثم انحنى إلى الأمام، ومدَّ يده داخل القارب حيث يضع قدميه … وأخذ يتحسَّس الأخشاب بيده … ووجد ما يَبحث عنه … فجوة صغيرة بين الأخشاب … ودسَّ الفيلم في الفجوة … وكانت ضيقةً، فأخذ يضغط بقوةٍ حتى استطاع أن يَحشرَه فيها بحيث لا يقع أبدًا.

أحسَّ «محب» بالراحة بعد أن وضَع الفيلم في مكان أمين … وبدأ يصيح ويضحك مع الأصدقاء … ثم انتهت دورة الأرجوحة … وهدأت من سرعتها، ثم وقفَت … ونزل الأصدقاء وأكملوا جولتهم داخل المدينة، فذهبوا إلى لعبة الأطواق … حيث يُلقي اللاعب بطوقٍ من الخيزران … فإذا استطاع أن يجعله يسقط على إحدى الهدايا التي في الدائرة، ويُحيط بها … فله الحق في أخذها.

كان هناك زحامٌ شديدٌ على اللعبة … واندسَّ الأصدقاء بين اللاعبِين، ليأخذوا دورهم … وأحسَّ «محب» في هذه اللحظة بأنه محاطٌ بشكلٍ غير عاديٍّ ببعض الرجال الذين أخذوا يدفعونه بينهم … وأحسَّ بأيديهم تعبث بجيوبه … وأدرك أنهم يبحثون عن الفيلم معه، وابتسم …

مضى الوقت والأصدقاء يستمتعون بالألعاب المختلفة … في حين كان «محب» يفكر في طريقة يستعيد بها الفيلم … ولكنه كان متأكدًا أن أعوان «الغوريلا» يتبعونه، وأنهم لن يكفُّوا عن متابعته إلا إذا حصلوا على الفيلم … وهكذا قرَّر أن يتركه مكانه في ذلك اليوم على أن يعود في اليوم التالي لاستعادته.

وأخيرًا قرَّر الأصدقاء الرحيل … واتجهوا إلى أماكن الدراجات … وقفزوا عليها، وسرعان ما كانوا يقتربون مرة أخرى من منازلهم بدون أن يقول لهم «محب» شيئًا … واتفقوا على أن يجتمعوا مرةً أخرى مساءً في حديقة منزل «عاطف» حيث اعتادوا.

وعندما اجتمعوا في المساء … سألت «لوزة»: أين الفيلم يا «محب» وماذا نفعل الآن؟

ردَّ «محب»: إنَّ الفيلم ليس معي!

نوسة: ليس معك؟ أين هو إذن؟!

محب: في مكان لا يتصوَّره أحدٌ … لقد لفتت نظري «لوزة» أننا مَتبوعون بأعوان «الغوريلا»، ولم أشأ أن أقول لكم إنهم يُحاولون نشلي، حتى لا أنغِّص عليكم الساعات التي قضيناها في مدينة الملاهي … ولكنِّي أحسستُ بهم طول الوقت، وهم يُحيطون بي من كل جانبٍ … وكان الفيلم في جيبي … فقررتُ إخفاءه في أقرب مكان … في القارب الخشبي الذي كنتُ أركبه في الأرجوحة … وضعته في مقدمة القارب محشورًا بين قطعتي خشب!

لوزة: وهل تَعرف القارب الذي أخفيته فيه؟

محب: ياه! لقد نسيتُ فعلًا أي قاربٍ هو!

نوسة: ستُصبح مشكلة أن نستعيد الفيلم، فلا بد أن نركب كل القوارب، ونبحث فيها.

عاطف: المهم … ألم يرك أحد أعوان «الغوريلا»؟

محب: لا أعتقد … فقد كانت الأرجوحة تدور بسرعةٍ …

نوسة: إن عصابة «الغوريلا» ما زالت تتصوَّر أن الفيلم معك، ولن يكفُّوا عن متابعتك.

محب: إنهم سيتبعوننا جميعًا!

وصمت الأصدقاء … وجلسوا يُفكِّرون في كيفية استعادة الفيلم … وفجأة قالت «لوزة»: هناك حلٌّ واحدٌ معقول!

محب: ما هو؟

لوزة: أن يذهب إنسان نثق به، ولا تَعرفُه العصابة لاستعادة الفيلم من القارب.

محب: معقولٌ جدًّا!

عاطف: المهم … من هذا الإنسان؟

لوزة: هناك واحد فقط يصلح لهذه المهمة!

نوسة: مَن هو؟

لوزة: «تختخ» طبعًا!

نوسة: فعلًا … ليس هناك سوى «تختخ»!

محب: ولكن أين «تختخ»؟ إنه في الإسكندرية!

نوسة: لنتصل به هناك ونطلُب حضوره!

عاطف: وكيف نطلب منه أن يترك البحر والراحة، ويأتي من أجل هذه المهمة الصغيرة … إن علينا أولًا محاولة استعادة الفيلم غدًا، فإذا أخفقْنا فلنتَّصل ﺑ «تختخ» كحلٍّ أخيرٍ.

محب: سأنصرِف أنا و«نوسة» الآن قبل هبوط الظلام؛ فإنني أتوقَّع أن يُحاول رجال «الغوريلا» الاعتداء علينا في الشارع إذا وجدوا الفرصة … وفي الوقت نفسه أتصوَّر أنهم سيُحاولون السطو على منزلنا، أو منزلكم، فكونوا على حذرٍ الليلة، وأبلغوا البواب ذلك.

وانصرف «محب» و«نوسة» معًا … وكانا مراقبَين فعلًا … لقد كان رجال «الغوريلا» مُصرِّين على استعادة الفيلم بأيِّ ثمنٍ … وأحسَّ «محب» و«نوسة» أنهما متبوعان … ولكن ضوء النهار ما زال يَغمر المعادي … والناس تملأ الشوارع … لهذا سارا مطمئنَّين … لكن فجأة أحسَّ «محب» بيد توضع على كتفه … وعندما التفت وجد عينَين شريرتين تنظران إليه في حقدٍ شديدٍ … وكان صاحبهما رجلًا طويلَ القامة، كثيف الشعر بادي القوة … وقبل أن ينطق «محب» بحرف قال الرجل: اسمع … لقد صورت صديقتكم الصغيرة فيلمًا على كورنيش النيل … ونحن نُريد هذا الفيلم بأي ثمنٍ … ونعرف أن الفيلم كان معك عندما ذهبتم إلى محل التصوير … ولكننا لم نعثُر على الفيلم هناك … فكل الأفلام التي وجدناها ليسَت فيها الصورة التي نريدها!

حاول «محب» أن يُخفي رعبه، ويظهر متماسكًا، فقال بصوتٍ لا يبدو عليه أي أثرٍ للاضطراب: وماذا تُريد منِّي؟

الرجل: أن تُعيد الفيلم فورًا … وهذه نصيحة لكم جميعًا قبل أن نضطرَّ إلى استعمال العنف معكم، وموعدنا غدًا صباحًا في الكازينو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤