«تختخ» يتحدث

عندما دخل «محب» و«نوسة» المنزل أسرعا إلى غرفتهما ليتحدثا بعيدًا عن والدهما الذي كان يجلس في البهو يقرأ الصحف.

قالت «نوسة»: إن تهديد العصابة جادٌّ يا «محب» … ونحن في موقف خطيرٍ … فماذا تفعل؟

أخذ «محب» يفكر بدون أن يردَّ … لقد أصبح مُقتنعًا أن هذا الفيلم يحمل سرًّا خطيرًا … لكن ما هو؟ ولماذا هذا الإصرار العجيب من جانب عصابة «الغوريلا» على أن تستعيدَه بأيِّ ثمنٍ؟ وكيف يتصرف؟

أسئلة كثيرة بلا أجوبة … وهو يعلم أن المفتش «سامي» في إجازة طويلة يقضيها خارج مصر … واستقر رأي «محب» في النهاية على أن يتصل ﺑ «تختخ» في الإسكندرية، ووافقت «نوسة» على الاقتراح …

وطلب «محب» من السنترال الاتِّصال بالرقم في الإسكندرية، جلس هو وأخته «نوسة» في انتظار الرد … مضت فترةٌ طويلةٌ، ثم دقَّ جرس التليفون دقاته الطويلة التي تدلُّ على أن الاتصال بالإسكندرية قد تمَّ … ورفع «محب» السماعة مُسرعًا … كانت والدة «تختخ» هي التي تتحدث … ولم يكن «تختخ» في المنزل. قال «محب»: أرجوكِ أن تُبلغيه أنني أريده في أمرٍ ضروريٍّ … فإذا عاد إلى المنزل في أي وقتٍ فليتَّصل بي.

قالت والدة «تختخ»: لقد ذهب إلى إحدى السينمات الصيفية، ولن يعود إلا بعد منتصف الليل، فهل يتصل بك بعد عودته؟

محب: نعم … سأحمل التليفون معي إلى غرفتي.

مضت الساعات بطيئةً، و«محب» و«نوسة» يتسليان بالحديث، وببعض الألعاب، وفجأةً رن الجرس رنينه الطويل المتَّصل، فقطع الصمت المخيم على الغرفة … ورفع «محب» السماعة فورًا … وسمع صوت عاملة السنترال وهي تسألُه للتأكد من الرقم، ثم أوصلته بمن يطلبه.

جاء صوت «تختخ» في التليفون واضحًا جليًّا كأنه يتحدث من الغرفة المجاورة وهو يقول: مساء الخير يا «محب» كيف حال المغامرين الخمسة؟ … أقصد الأربعة ما دمت أنا في إجازة!

محب: نحن بخير تقريبًا …

تختخ: ماذا تقصد بقولك تقريبًا؟

محب: أقصد أن «الغوريلا» يُهدِّدنا!

تختخ: تقول مَن؟

محب: «الغوريلا»!

تختخ: هل تقصد أن هناك «غوريلا» في المعادي؟ … من أين جاءت؟ … من حديقة الحيوان أم من السيرك؟

محب: إنها ليست «غوريلا» من غابات أفريقيا … إنه رجلٌ يُشبُه «الغوريلا» يُهدِّدنا بأشد الانتقام.

تختخ: لماذا؟ هل قلتُم له مثلًا إنَّ شكله جميل، ولم يُعجبه الكلام؟!

محب: المسألة بسرعةٍ أن «لوزة» ذهبت لتصوير فيلم في أماكن مختلفة … وعلى الكورنيش صورت صورة لقارب في النيل … ولم تكد تنتهي من تصويرها حتى تعرضت لمطاردة من بعض الناس … وبينهم رجل يشبه «الغوريلا» …

تختخ: وماذا كانوا يُريدون؟

محب: يُريدون الفيلم!

تختخ: لماذا؟

محب: لا نَعرف حتى الآن لأنَّنا لم نُحمِّض الفيلم!

تختخ: وأين الفيلم الآن؟

محب: في أرجوحة في مدينة الملاهي!

تختخ: ماذا تقول؟

محب: أقول في أرجوحة في مدينة الملاهي … لقد اضطررتُ إلى إخفائه هناك؛ لأن العصابة كانت تطاردنا … وما زالت تُطاردنا وتُهدِّدنا حتى الآن.

وانطلقت صفارة متقطعة تدل على أن مدة المكالَمة قد انتهت، ولكن تختخ طلب مدةً أخرى ومضى يسأل: وكيف تستعيدون الفيلم؟

محب: إننا نُريدك أن تحضر؛ لأن العصابة لا تعرفك، ولذلك يُمكنك أن تحاول الحصول على الفيلم، فهم لن يشكُّوا فيك!

تختخ: إنني لن أستطيع الحضور قبل يومين!

محب: سنُحاول إذن الحصول عليه غدًا!

تختخ: إذا لم تتمكَّنوا فاتصلوا بي غدًا في السادسة مساءً بالضبط … سوف أكون بجوار التليفون.

محب: اتفقنا.

تختخ: وكونوا على حذرٍ … فقد فهمتُ أنكم تلقيتم تهديدًا!

محب: هناك موعد حددته العصابة لاستعادة الفيلم، في مُنتصَف نهار الغد في الكازينو.

تختخ: قسِّموا أنفسكم … اثنان يذهبان إلى الكازينو … واثنان يذهبان لاستعادة الفيلم من مدينة الملاهي.

محب: ماذا نقول للعصابة؟

تختخ: قولوا لهم إنَّ الفيلم ضاع منكم، وإنكم تحاولون البحث عنه … حاولوا أن تكسبوا بعض الوقت لحين حضوري.

محب: هل نُبلغ الشاويش «فرقع»؟

تختخ: بالطبع لن يصدقكم، وبخاصة أنه ليست هناك أدلةٌ على تهديد العصابة لكم!

محب: اتفقنا …

تختخ: تحياتي إلى «نوسة» و«لوزة» و«عاطف»، وإنِّي في انتظار مكالمتكم في السادسة مساء غدٍ.

محب: إلى اللقاء …

ووضع «محب» السماعة، وقد رشَح جلده كله عرقًا … لقد أحسَّ كأنه كان يجري مسافة طويلة … ثم ارتاح، والتفت إلى «نوسة» قائلًا: إنَّ «تختخ» لا يُمكِن تعويضه أو استبداله … إنه أكثر المغامرين الخمسة قدرة على التفكير.

نوسة: إنك تشعر بارتياح لأنك أبلغته.

محب: فعلًا … ولأنه سيأتي بعد يومين!

نوسة: وماذا نفعل غدًا؟

محب: سأذهب أنا و«لوزة» إلى مدينة الملاهي لمحاولة استعادة الفيلم، وتذهبِين أنت و«عاطف» إلى الكازينو، فإذا تقدَّم منكم الرجل الذي سيأتي لأخذ الفيلم فقولا له إننا فقدناه، وسنحاول البحث عنه.

نوسة: إنه لن يُصدقنا!

محب: يُصدِّق أو لا يُصدق، إننا نُحاول كسب بعض الوقت حتى نتمكَّن من استعادة الفيلم، ومعرفة ما تبحث عنه العصابة … وعلى كل حالٍ نحن لا نكذب، فالفيلم ليس معنا فعلًا … ونحن نُحاول استعادته.

•••

في صباح اليوم التالي الْتقى الأصدقاء الأربعة، وروى «محب» ﻟ «عاطف» و«لوزة» حديثه الليلة السابقة مع «تختخ». ولم تكد «لوزة» تسمع أن «تختخ» سيعود حتى صفقت بيديها قائلة: سيعود … وتعود معه المغامرات … إنه سوف يحلُّ لغز الفيلم.

عاطف: لقد أصبح لغزَين … لغز الفيلم … ولغز استعادة الفيلم.

محب: سنَنقسِم إلى فريقين … أنا و«لوزة» نذهب إلى مدينة الملاهي، لمُحاولة استعادة الفيلم، و«عاطف» و«نوسة» يذهبان إلى الكازينو لمقابلة مندوب «الغوريلا» ليقولا له إننا نبحث عن الفيلم.

عاطف: لماذا أذهب أنا لمُطالعة وجه «الغوريلا» الجميل؟ لماذا لا تذهب أنت يا «محب»؟

محب: لأنني الذي خبَّأت الفيلم في القارب، أعرف أين أبحث عنه حيث أخفيته.

لم يردَّ «عاطف»، إنما أشار إلى «نوسة» فتبعته في الطريق إلى الكازينو، في حين اتجه «محب» و«لوزة» إلى مدينة الملاهي، وهما يركبان دراجتيهما … وراعى «محب» أن يسيرا في طرق متعرجة لتضليل أي إنسانٍ يكون في أعقابهما … وكان «محب» ينظر خلفه باستمرار … وتأكد أن لا أحد يتبعهما.

وصَل «محب» و«لوزة» إلى مدينة الملاهي … ودخلا مسرعين إلى مكان الأرجوحة الدوَّارة … ولكنهما ما كادا يصلان إليها حتى ذُعرا … كانت الأرجوحة واقفة وليس حولها أحد إلا الرجل الذي يُديرها … لم يكن هناك أطفال … ولا الضجة المعهودة حولها.

اقترب «محب» من الرجل قائلًا: أريد أن أركب الأرجوحة!

قال الرجل بغضبٍ: ليس هناك أرجوحة اليوم!

محب: لماذا؟

الرجل: لأنها كُسرت … لقد انكسر الترس الكبير الذي تدور عليه، وقد أرسلنا في طلب ميكانيكي لإصلاحها.

محب: ومتى يأتي هذا الميكانيكي؟

صاح الرجل في غضب: هل هذا استجواب؟ … إنني لا أدري متى يأتي … ولا متى يصلحها … دعني في غلبي، وابتعد عني!

وعاد «محب» و«لوزة»، والتقيا بعاطف و«نوسة».

قال «محب»: لم نَستطِع الحصول على الفيلم.

عاطف: ونحن قابلنا مندوب «الغوريلا» وأعطانا مُهلة حتى ظهر الغد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤