القارب رقم «٦٦»

في الثامنة صباحًا دقَّ جرس التليفون في منزل «محب»، فأسرع إليه، وسمع صوت «تختخ» على الطرف الآخر يتحدث.

قال «تختخ»: صباح الخير يا «محب» … لقد حصلت على الفيلم!

قال «محب» في صوتٍ منفعلٍ: حقًّا!

تختخ: طبعًا، ولكن بعد مغامرةٍ مضحكةٍ … مع صاحب الأرجوحة … والميكانيكي وقطة وسيدة لم أرَ سوى يدها.

محب: لقد قضيتَ ليلة مثيرة!

تختخ: فعلًا … والآن ما هي خطتكم؟

محب: نرى من الضروري أن نُحمِّض الفيلم، ونطبع منه نسخة من صورة القارب، لنرى ماذا يهم العصابة في هذا القارب.

تختخ: سأذهب الآن إلى القاهرة، فلي صديقٌ يعمل في قسم التصوير بجريدة الجمهورية … وهو يستطيع أن يحمِّض الفيلم، ويُجفِّفه ويطبعه في نحو ساعة … وأعود لكم بين التاسعة والعاشرة صباحًا.

محب: وهل نُسلِّم الفيلم للعصابة بعد ذلك؟

تختخ: بعد أن أعود سوف نتحدَّث في هذا … الساعة الآن الثامنة، وموعدكم مع العصابة الثانية عشرة … أمامنا أربع ساعات!

محب: خذ بالك … إن هذا الفيلم له أجنحةٌ … فقد يَطير من بين يديك كما طار من قبل.

تختخ: لا تخف … لقد قصصتُ أجنحته، ولن يستطيع الطيران بعد الآن.

وأغلق «تختخ» التليفون ثم قفز من فراشه مبتهجًا … كان وحده في المنزل، فأسرع إلى المطبخ حيث أعد إفطارًا خفيفًا، وكوبًا من الشاي، وارتدى ثيابه، وطار إلى محطة القطار.

بعد نصف ساعة تقريبًا كان «تختخ» يدخل جريدة الجمهورية حيث يعمل صديقه «حبشي» … الذي استقبله مُرحِّبًا قائلًا: لم يكن من الممكن أن تجدني في هذه الساعة المبكرة لولا أن عندي عملًا كثيرًا وقد حضرت لإنجازه … هل ثمة خدمة أؤديها لك؟

مدَّ «تختخ» يده إلى جيبه وقال: هذا الفيلم صوَّرتْه صديقتي الصغيرة «لوزة» ونُريد تحميضه وطبعه.

حبشي: اتركه، وتعال بعد الظهر لتأخذه … فإنني مشغولٌ جدًّا.

تختخ: لا يُمكن … لقد دارت حول هذا الفيلم مغامراتٌ طويلةٌ … ونحن نريد أن نعرف ماذا فيه؟!

حبشي: أهو مُهمٌّ إلى هذا الحد؟!

تختخ: أكثر مما تتصور!

حبشي: سنُطفئ النور، ونضعه في الأحماض.

وأطفأ «حبشي» النور العادي، وأضاء نورًا أحمر، وأخذ يفكُّ الفيلم ثم وضعه في الأحماض وتركه فترة، وأخذ يتحدث إلى «تختخ» قائلًا: بعد هذا نضع الفيلم في الماء لغسله من الأحماض … وبعدها نطبعُه.

ووقف «تختخ» قلقًا ينتظر … وانتهى تحميض الفيلم، ثم غسله، ثم وضعه «حبشي» في مجففٍ كهربائيٍّ، وبعد فترة أخرجه ووضعه تحت جهاز الطبع، ووضع الورق الحساس وبدأت عملية الطبع.

بعد حوالي ساعة، كان «تختخ» يجلس بجوار «حبشي» في المعمل، وهو يتأمل الصور … كانت المجموعة كلها لمشاهد طبيعية صوَّرتها «لوزة» في أماكن متفرقة من المعادي، وقال «حبشي» معلقًا: إنه تصوير شخصٍ مبتدئ … فالضوء قليل في بعض الصور. وكثير في صور أخرى … كما أن بعض الصور مهزوزةٌ.

كان «تختخ» مهتمًّا بالصورة الأخيرة في الفيلم … الصورة التي يدور حولها كل هذا الصراع … وأخذ يتأملها متمهلًا … كانت صورة لقارب من قوارب النزهة في النيل … يبدو واضحًا وبه الملاح يقوده، وبعض الناس يَركبونه، وكان اسم القارب ورقمه واضحًا على جانبه … كان اسمه «القمر» ورقمه «٦٦».

قال «تختخ» ﻟ «حبشي»: آسف أن أتعبك مرة أخرى … ولكن هل من الممكن أن تكبر هذه الصورة؟ إن في جانبها رجلين ينظران إلى الكاميرا … وفي الحجم الصغير لا أراهما جيدًا.

أمسك «حبشي» بالصورة يتأملها وقال: نعم، هناك رجلان في جانب الصورة، ومن الواضح أنهما دخلا الصورة في أثناء التصوير … أي إن المصور لم يقصد تصويرهما.

ردَّ «تختخ»: هذا صحيحٌ … لقد كانت «لوزة» تُصوِّر القارب وقد أعجبها منظره، وإذا بهذين الرجلين يدخلان «الكادر» دون أن تنتبه.

وأطفأ «حبشي» الضوء مرة أخرى، وأخذ يُكبِّر الصورة بحجم ١٣ × ١٨ سنتيمترًا … وانتهى منها في لحظات، ثم سلَّمها إلى «تختخ» الذي شكر صديقه، وحاول أن يدفع تكاليف الطبع والتحميض، ولكن صديقه رفض أن يقبل منه شيئًا، وصمَّم على أن يتحمَّل هو هذه المصاريف هدية منه لصديقه، وتعبيرًا عن إعجابه بالمغامرين الخمسة.

وانطلق «تختخ» عائدًا إلى المعادي، وفي الطريق أخذ يتأمل الصورة الكبيرة مرة أخرى … وتذكر أنه نسيَ نسختها الصغيرة عند «حبشي» … ولكنه لم يهتم … فمعه الفيلم والصورة الكبيرة معًا … وهذا هو المُهم.

لما وصل «تختخ» المعادي اتجه فورًا إلى منزله … كانت الساعة العاشرة والنصف، وكان الأصدقاء جميعًا في انتظاره في حديقة «عاطف» كالمعتاد … فاتصل بمنزل «عاطف» تليفونيًّا، وطلب منهم الحضور إلى منزله.

كانت هذه أول مرةٍ منذ شهر تقريبًا يَلتقي فيها الأصدقاء ﺑ «تختخ»، وكان لقاء حارًّا، لكن فترة الترحيب لم تستمرَّ طويلًا؛ فقد كانوا جميعًا يُريدون رؤية الفيلم. وبعد أن ألقوا نظرةً سريعةً على الصور الصغيرة، توقفوا عند الصورة الكبيرة، وصاحت «لوزة»: هذا هو القارب الذي صورته … إنها صورة جميلة، أليس كذلك؟

ردَّ «عاطف» بسخريةٍ: صورة جميلة جرَّت علينا المشاكل!

قال «تختخ»: والآن ما رأيكم؟

ردَّ «محب»: علينا أولًا أن نُسلِّم الفيلم إلى العصابة، فنحن لم نعد في حاجة إليه.

لوزة: ثم نبحث عن القارب رقم «٦٦» المُسمَّى القمر، ونتحرَّى عنه، ونعرف لماذا اهتمت العصابة بصورته.

نظر «تختخ» إلى ساعته وقال: الساعة الآن الحادية عشرة تقريبًا … بقي نحو ساعة حتى نُسلِّم الفيلم للعصابة … فهل تحتاجون إلى شيءٍ آخر قبل أن نسلِّمه؟

نوسة: نحتاج إلى أن ترويَ لنا مغامرة الأمس، وكيف حصلت على الفيلم.

تختخ: إنها قصةٌ مثيرة … ومضحكة في الوقت نفسه … وتصوروا أن قطة صغيرة كادت تجعل الفيلم يهرب من يدنا إلى الأبد …

وصاحت «لوزة» التي تحب الحيوانات قائلة: قطة! … وكيف حدث هذا؟

ومضى «تختخ» يروي لهم قصة الأمس … وهو ينظر بين لحظةٍ وأخرى إلى ساعته، حتى إذا انتهى من حديثه كانت الساعة قد أشرفت على مُنتصَف الثانية عشرة، فقال ﻟ «محب»: خذ الفيلم وانطلق الآن إلى الكازينو أنت و«لوزة» … وأرجو أن تُراقبا جيدًا الرجل الذي سيتسلَّمه … فقد نحتاج إلى التعرف عليه مستقبلًا … وخذا حذركما.

وانطلق «محب» و«لوزة» معًا، وبقيَ الأصدقاء الثلاثة يتحدثون، عن الشخص الذي شبهته «لوزة» ﺑ «الغوريلا»، ولاحَظُوا أن أحد الشخصين اللذَين في الصورة يشبه «الغوريلا» فعلًا.

نوسة: لقد نسينا أن نسألها عنه، ولكن سوف نسألها عندما تعود.

مضى الوقت، ودقَّ جرس الباب، وأسرع «تختخ» يفتحه، ودخل «محب» و«لوزة» وقد بدا عليهما الاضطراب.

قال «تختخ» وهو يغلق الباب: ماذا حدث … يبدو عليكما الاضطراب الشديد!

ردَّ «محب»: لقد فتح الرجل الفيلم، وعندما اكتشف أننا قمنا بتحميضه ثار ثورةً هائلةً، وقال إنه طلب منَّا ألَّا نحمِّضه.

تختخ: وهل طلب منكم هذا فعلًا؟

محب: لا … قطُّ …

تختخ: وماذا قلت له؟

محب: قلت له إننا حمَّضناه لنرى نتيجة تصوير «لوزة»، ولكنه لم يقتنع، وطلب منَّا جميع النسخ التي طُبعت من الفيلم.

تختخ: إننا لا نستطيع أن نسلِّمَه الصورة الكبيرة … لا بد أن تَبقى عندنا … لكن … لكن …

وتذكَّر «تختخ» النسخة الثانية الصغيرة التي كانت ضمن المجموعة، والتي نسيَها عند صديقه «حبشي»، فأسرع إلى التليفون يطلب «حبشي»، وطلب منه أن يبحث في المعمل عن الصورة.

ردَّ «حبشي» بعد لحظاتٍ: إنها موجودة، فقد وجدتُها موضوعةً بجانب جهاز التكبير.

تختخ: أرجو أن تحافظ عليها حتى أحضر إليك.

والتفت «تختخ» إلى «محب» قائلًا: هل هناك موعد للردِّ على العصابة؟!

محب: لقد قلت لهم إنني لا أعرف أين هذه الصور، فقالوا إنهم لا يُصدقونني، وأمهلوني حتى السادسة مساء اليوم لأُحضر لهم الصور.

تختخ: عندنا وقتٌ كافٍ.

لوزة: هناك شيءٌ آخر … إننا مراقبون طول الوقت، لقد عرفوا أننا حضرنا إليك هذا الصباح، وسألونا عنك.

تختخ: وماذا قلت لهم؟

لوزة: قلنا إنك صديقٌ لنا كنتَ مُسافرًا وعدت!

تختخ: إنهم أغبياء … لقد طلبوا الصور التي طبعناها من الفيلم … ولم يسألوا أطبعنا أكثر من نسخة أم لا؟

عاطف: لقد كانت مصادفة أن تطبع من الصورة المهمَّة نسختين.

تختخ: فعلًا … كانت مصادفةً طيبة … وسأذهب بعد قليلٍ إلى «حبشي»، لأستعيد منه الصورة الصغيرة، ثم نُسلِّمَهم كل الصور.

صاحت «لوزة» في ضيق: وتذهب نتيجة أول فيلم أُصوِّره هباء!

وابتسم «عاطف» في هذا الجو المشحون بالانفعال وقال: لقد صورت القمر، وهو سبق علمي كبير!

وبرغم الموقف الحرج، ضحك الأصدقاء جميعًا.

قال «تختخ»: ستذهبون الآن إلى حديقة «عاطف»، وعليكم أن تتظاهروا بأنكم لا تهتمون بكل ما حدث … اضحكوا والعبوا في مرح؛ فالعصابة تراقبنا، ويجب أن نتظاهر بأن هذه الحكاية لا تهمنا في شيءٍ.

لوزة: وأنت؟

تختخ: سأذهب إلى صديقي «حبشي»، لأستردَّ الصورة منه، وأعود إليكم، إنني سأغيب عنكم نحو ساعة، فاستمتعوا بوقتكم.

محب: ألا نبحث عن القارب رقم «٦٦»، أقصد «القمر»؟

تختخ: ليس الآن … وإلا أدركت العصابة أننا خلفها … نريدهم أن ينصرفوا عنا ثم نعمل.

وخرجوا جميعًا، وأغلق «تختخ» باب منزله، ثم انطلق هو إلى محطة القطار مرة أخرى، في حين ركب بقية الأصدقاء دراجاتهم، وانطلقوا إلى حديقة منزل «عاطف».

وصل «تختخ» إلى مبنى جريدة الجمهورية، وصعد إلى قسم التصوير حيث وجد «حبشي» يجلس مع رجل آخر يتحدثان … وعندما شاهد «حبشي» «تختخ» قال: تعال … إن صديقي يُريد أن يتحدث إليك في شيءٍ مهمٍّ.

تبادل «تختخ» والرجل الآخر السلام، وقال «حبشي»: إنه الأستاذ «علاء» رئيس قسم الحوادث في الجريدة، وهو يُريد أن يسألك بعض الأسئلة عن هذه الصورة.

التفتَ «تختخ» إلى «علاء» الذي قال له: أريدك أن تتذكر جيدًا الموعد الذي سأسألك عنه … متى تم تصوير هذه الصورة؟

فكر «تختخ» قليلًا ثم قال: منذ أربعة أيام.

قال «علاء» وهو يهزُّ رأسه: مستحيل!

فكر «تختخ» قليلًا ثم عاد يقول: ربما منذ خمسة أيام.

ومرَّة أخرى هزَّ «علاء» رأسه قائلًا: مستحيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤