في عرين الأسد

عندما التقى الأصدقاء في صباح اليوم التالي قال لهم «تختخ»: إنني الآن عضو في عصابة «القرد»!

ضحك «عاطف» وهو يُعلِّق قائلًا: لقد أصبحت العصابة إذن حديقة حيوانات بعد أن انضم إليها الفيل!

تضايَقَت «لوزة» لأن شقيقها «عاطف» شبَّه «تختخ» بالفيل، وقالت: يبقى أن ينضمَّ الثعلب أيضًا!

قال «تختخ»: لا وقتَ عندنا لإضاعته في المزاح.

محب: المُهم كيف انضممتَ إلى العصابة؟

تختخ: لقد طلب منِّى الرجلان أن أراقبكم، وأقدِّم تقريرًا للأعور عند مرسى القوارب عنكم … فأنتم الآن في أمان من العصابة؟ ولكنِّي قررت أن أدخل عرين الأسد.

نوسة: ماذا تقصد بعرين الأسد؟

تختخ: ما دمت قد أصبحت فردًا في العصابة فسوف أطلب مقابلة الزعيم، وسأقول لهم إن عندي معلومات مهمَّة أريد أن أقولها له، وعندما أدخل مقر العصابة فسوف يكون من السهل معرفة ما يدور هناك.

محب: وماذا ستقول لهم؟

تختخ: هذا ما أريد مُناقشته معكم!

لوزة: إنني غير مُوافقةٍ على أن تذهب إلى مقر العصابة … فلا أحد يَدري ماذا يمكن أن يحدث لك هناك.

تختخ: ولكن يا «لوزة» نحن نعرف أن هذه العصابة تمارس نشاطًا إجراميًّا، ولا نعرف ما هو … بل ليست لدينا معلومات كافية نُقدِّمها إلى رجال الشرطة عنهم … إلَّا الشك في أن «القرد» الميت ما زال حيًّا … وهو كلامٌ خياليٌّ لا يصدقه إنسان، ولا يملك إقامة الدليل عليه.

نوسة: على كلِّ حالٍ … إذا تغيبت طويلًا فسوف نُخطر رجال الشرطة عن «الأعور»، ويمكن عن طريقه الوصول إلى مقر العصابة.

لوزة: قد لا يَعترف!

تختخ: لقد قرَّرت دخول عرين الأسد … أو «القرد»، فلا تُضيِّعوا وقتًا في المناقشة. المهم ماذا أقول له عندما أقابله؟

عاطف: قل إننا سنَقبض عليه!

تختخ: أوضح فكرتك!

عاطف: قل له إنك راقبتَنا، وعرفتَ أننا اتصلنا برجال الشرطة!

تختخ: إنني بهذا أُعرِّضكم لمخاطر لا داعي لها!

محبٌّ: قل له ما قاله «علاء» رئيس قسم الحوادث … وإنك سمعتَنا نتحدث عن زيارة قمت بها أنت … أي «توفيق» … لقسم الحوادث في جريدة الجمهورية، وإنهم هناك اشتبهُوا في الصورة.

تختخ: أي أقول لهم الحقيقة.

محب: نعم … وسنرى كيف سيتصرَّفون.

تختخ: ولكن هذا سيدفعه إلى مزيدٍ من الحذر، وربما اختفى تمامًا!

نوسة: قل له إننا نبحث عن القارب رقم «٦٦»، ونحن نقوم بهذا فعلًا …

تختخ: هذه فكرة معقولة … سأنفذها الليلة … فإذا لم أَعُد حتى صباح الغد فعليكم بإبلاغ الشرطة!

وهكذا افترق الأصدقاء، وقضى «تختخ» بقية النهار شبه نائم في انتظار المساء … فلما قاربت الشمس المغيب، لبس ملابس التنكُّر، ثم حمل صندوق مسح الأحذية، وخرج من الباب الخلفي واتجه إلى الكورنيش.

لم يجد «تختخ» عناءً كبيرًا في العثور على «الأعور» … كان رجلًا ضامرًا يلبس ملابس بالية، ويجلس القرفصاء عند الكورنيش قرب مرسى القوارب، يمدُّ يده إلى المارة يَطلب شيئًا لله … في حين أن عينه السليمة الشديدة اللمعان تَرقُب كل شيءٍ، وتدور في كل اتجاهٍ … اقترب منه «تختخ» وعندما لم يجد أحدًا قريبًا ضرب صندوق الأحذية بالفرشاة، وقال: فتح عينك تاكل ملبن!

ارتفعت عين «الأعور» سريعًا إليه، فكرَّر «تختخ» الجملة: فتح عينك تاكل ملبن.

أشار له «الأعور» إشارة خفية، فاقترب «تختخ» منه وقال: عندي أخبارٌ هامة!

الأعور: ما هي؟

تختخ: لا أستطيع أن أقولها لك، أريد مقابلة الرجل!

الأعور: مُستحيل …

تختخ: لن أقول إلا له!

نظر إليه «الأعور» طويلًا ثم قال له: تعالَ بعد ساعةٍ! انصرف «تختخ» إلى الكازينو، ودار بين الزبائن دون أن يهتمَّ بالاقتراب منهم، وبعد أن قدَّر أن ساعة قد مضت عاد مرة أخرى إلى الأعور الذي قال له: بعد أن يَهبط الظلام تمامًا … تعالَ هنا، ستجد قاربًا في انتظارك، فقل كلمة السر نفسها لمن فيه، وسوف يحملونك إليه.

عندما هبط الظلام كان «تختخ» يركب القارب، ومعه رجلان يقودان القارب الذي مضى يشقُّ النيل مسرعًا متجهًا جنوب المعادي. لم يُحدِّثه أحد، وظل القارب سائرًا، و«تختخ» يحاول قياس الوقت حتى يعرف المدة التي قضاها القارب في الطريق إلى مقر العصابة.

بعد إبحار القارب بنحو ساعة، أخرج أحد الرجلين بطارية من جيبه، وأخذ يطلق شعاعها … ثلاث مرات … مرةً واحدة، ثم مرة أخرى … ونظر «تختخ» أمامه في الظلام فشاهد ضوءًا يأتي من قلب النيل … وليس من الشاطئ … وفكر «تختخ» قليلًا، وتأكَّد أن مقر العصابة إما في قارب أو في جزيرةٍ صغيرةٍ من الجزر الكثيرة التي بالنِّيل في هذه المنطقة. وتذكَّر حذائَي الرجلين اللذين مسحهما … لقد كان عليهما كثير من الطين … إنها جزيرة إذن!

وقد صحَّ استنتاج «تختخ»؛ فقد توقف القارب عند جزيرة صغيرة في وسط النيل، ارتفعت فيها الأعشاب وتكاثفت حتى أخفت ما خلفها … وقاده رجل من ذراعه عبر الأعشاب الكثيفة في الظلام، ثم فُتح باب، ودخل «تختخ» إلى غرفةٍ واسعةٍ، بهر النور عينيه فترة، ثم بدأ يألف ما حوله … كانت الغرفة مغلقةً تمامًا … وقد جلس عدد من الرجال المسلَّحين بالبنادق يشربون الشاي … ونظر «تختخ» في وجوههم جميعًا فلم يجد أحدًا يشبه القرد، وكان بينهم أحد الرجلَين اللذَين كانا في المقهى صباحًا، فقام إلى «تختخ» قائلًا: ماذا وراءك؟

تختخ: إنَّني أريد أن أتحدث إليه!

قال الرجل بصرامة: قل لي ماذا هناك؟ هل حدث شيء مهمٌّ؟

عاد «تختخ» يقول: إنني أريد أن أتحدث إليه.

وتقدم الرجل منه ورفع يده ليَضربه، وفي هذه اللحظة فُتح باب جانبي في الغرفة كان مُغطًّى بستارٍ ثقيلٍ، وسمع «تختخ» صوتًا آمرًا يقول: اتركه!

قال الرجل: إنه لا يُريد أن يتحدث!

قال صاحب الصوت الآمر: لقد كان خطأً منك من البداية أن تضم إلينا ولدًا لا نعرف حقيقته … إنك ستلقى جزاءك يا «حنفي».

ثم التفت إلى «تختخ» قائلًا: ماذا تريد؟

نظر «تختخ» إلى المتحدث، وأحسَّ بقلبِه يكاد يقفز من بين ضلوعه … لقد كان أمام «القرد» … نفس الرجل الذي ظهرت صورته في الفيلم … ولاحظ «تختخ» أن إحدى أذنيه مائلةٌ إلى الأمام قليلًا … وأنه يضعُ شاربًا ولحيةً وشعرًا مُستعارًا، ولم يتركه الرجل يستمر في خواطره طويلًا بل صاح: ماذا تريد؟

ردَّ «تختخ» بصوتٍ لم يستطع قمع ارتجافه: إنَّ الأولاد يبحثون …

القرد: عن أي شيءٍ؟

تختخ: عن القارب رقم «٦٦». لقد حفظوا رقمه وبدءوا يبحثون عنه!

القرد: هل هذا كل ما جئتَ من أجله؟

تختخ: نعم، وقد ظننتُ أنها معلوماتٌ هامةٌ!

القرد: إنه ليس خطأك إنه خطأ الغبيِّ الذي اتَّفق معك!

كان «القرد» يرتدي ملابس فاخرة شديدة الأناقة، ويضع عطرًا قويًّا، وكان مظهره الأنيق غريبًا وسط هؤلاء الرجال … وكان واضحًا من أسلوبه وحركاته أنه رجلٌ مثقفٌ شديدُ الذكاء والبطش، وأن هؤلاء الرجال جميعًا يخشونه.

سار «القرد» خطوات في الغرفة ثم قال: هل تمَّ كل شيءٍ؟

ردَّ أحد الرجال: نعم … وحجزنا الغرفة في فندق «شبرد» كطلبك.

التفت «القرد» إلى «تختخ» قائلًا: كان خطأً منَّا أن نتَّفق معك … وكان خطأ منك أن تأتي إلى هذا المكان … وعلى كلِّ حالٍ لن تُغادرَه أبدًا بعد اليوم … وإذا غادرته فلن تغادره حيًّا مطلقًا.

ثم خطا إلى باب الغرفة قائلًا: هيَّا بنا.

وتبعه الرجال جميعًا، فلم يبقَ في الغرفة سوى «تختخ» وأحد الرجال. وأخذ «تختخ» يفكر بسرعةٍ … هذا «القرد» العجيب يَنزل في فندق «شبرد»! لا بد أن هناك جريمةً هائلةً ستتمُّ … ولكن ماذا يفعل؟ إنه سجين هذه الجزيرة، وهذه الغرفة وهذا الرجل … ولكن الحوادث تحرَّكت أسرع مما توقع «تختخ» بكثير … فبعد فترة سمع طرقًا على الباب … وقال الرجل: من هناك؟

لم يردَّ أحد، فعاد الرجل يقول: من هناك؟

ولم يردَّ أحد، وتقدم الرجل من الباب بظهره، وهو يُسدِّد البندقية إلى «تختخ» قائلًا: إيَّاك أن تتحرك!

وسمع «تختخ» صوت بومةٍ قريبةٍ … وأدرك كل شيءٍ … إنهم الأصدقاء … كيف جاءوا؟ شيء غير معقولٍ …

ومدَّ الرجل يده ليفتح الباب، وكان عليه إما أن يُصوِّب بندقيته إلى القادمين أو إلى «تختخ»، وفضَّل أن يُصوِّبها إلى القادمين … فأدار فوهة البندقية إلى الباب … وكانت لحظات قصيرة، ولكنها كافية ﻟ «تختخ»، فقفَز بسرعة على ظهر الرجل، وكان الباب قد فُتح، ودخل «محب» و«عاطف»، ولم يستمرَّ الصراع طويلًا، فقط سقط الرجل على الأرض، وسرعان ما استطاع الثلاثة شدَّ وثاقه.

قال «تختخ» وهو يشدُّ على يدَي الصديقين: كيف حضرتما؟

ردَّ «محب»: لقد كنا نتبعك منذ خرجت من البيت … فقد اتفقنا على أن نمضيَ خلفك حيثما تذهب … واستطعنا أن نتبع القارب الذي ركبته في قاربٍ آخر استأجَرْناه من عم «دهب» … وانتظرنا حتى انصرفت العصابة وهجمنا.

تختخ: سنُفتِّش هذا المكان بسرعة، ثم نُسرع إلى فندق «شبرد» … إن هناك جريمة سوف ترتكب هناك … لا أعرف ما هي؟ … ولكن علينا أن نتصرَّف بسرعةٍ.

وفتح الأصدقاء الثلاثة باب الغرفة الصغيرة … وفوجئوا بأنها مفروشةٌ بأثاثٍ فاخرٍ … وحافلة بعشرات من الأشياء الثمينة كالسجاجيد وأجهزة التليفزيون والريكوردر وغيرها … ووجدوا بعض العلب المُغلقة ففتحوها … وكانت دهشتهم أكثر … كانت علب مجوهرات وحُليٌّ ذهبية وأشياء أخرى تساوي آلاف الجنيهات.

قال «تختخ»: إننا في وكر عصابةٍ رهيبةٍ … يجب أن يَعرف مكانها رجال الشرطة … هيا بنا!

وخرجوا إلى الظلام مرة أخرى … وعندما أَلِفَته عيونهم قال «تختخ»: إنَّني لا أرى أثرًا للقارب الذي جئتما به …

ردَّ «محب»: لقد رسونا به في الجانب الآخر من الجزيرة حتى لا يراه أحد …!

تختخ: تصرُّف سليم!

واتجه الثلاثة إلى الجانب الآخر من الجزيرة … ولكن لم يكن هناك أثر للقارب …

قال «تختخ»: أين القارب؟

محب: لا أدري … لقد تركناه هنا!

تختخ: هل قُمتما بربطه على الشاطئ؟

سكت «عاطف» و«محب» … لقد نسيا في لحظات التوتُّر والانفعال أن يربطا القارب … فجرفته المياه الجارية …

أخذ «تختخ» يُحدِّق في الظلام لحظات ثم قال: لقد سار القارب بعيدًا واختفى، وأصبحنا سجناء هذه الجزيرة … وستعود العصابة لتجدَنا هنا، وتُوقع انتقامها بنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤