الفصل السادس والعشرون

جاليو

في أوائل سنة ١٦٦٢ كانت كاترين ظافرة بخصومها. فذهب مونمورانسي إلى شانتيلي، وبقي الماريشال سن أندره في باريس، أما آل جيز فارتحلوا عن البلاط، وقالوا إنهم يفضلون الابتعاد عنه ما دامت كلمة النافار أعلى من كلمتهم، وما دامت الملكة قد انتزعت السلطة من أيديهم، وسلمتها إلى ملك النافار والأميرال دي كوليني وغيرهما، ولما رأت كاترين أنها لا يستتب لها الملك إلا بالانضمام إلى حزب أو طائفة، عمدت إلى كبار أبناء طائفة البروتستانت فاتخذت قوتهم سَندًا لها ليدافعوا عنها وقت حلول الاضطرابات، وكاترين هي التي ذبحتهم بعد ذلك ذبح الأغنام كما سترى، ولقد أحسنت معاملتهم وقتئذٍ وبوأتهم صدور المجالس.

ومن سوء حظ الملكة الوالدة أن سياستها لم تخل من موضع وهن ونقطة ضعف، فإنها قبضت على السلطة، وأشركت فيها ملك النافار وهي غَيْرى منه، ولما آنس هذا الملك شيئًا من القوة ندم على تخليه قبلًا عن الوصاية وهي حق شرعي له، وكان يزعجه تحكم الملكة وأعوانها، ومعظمهم بروتستانتيون. فهمس الهامسون في أذنه يقولون له: إن السلطة بين يدي غلام. فإن الأخ البِكر قد مات لضعف دمه، وربما كان أخواه مثله لاحقين به، ويومئذٍ من يكون الوارث غيرك؟ أنت أول أمير من الدم الملكي، غير أن فرنسا لا تطيق أن يجلس على عرشها رجل بروتستانتي، وهكذا تضمحل خلافة آل فالوي، وتبدل بغيرها، والله أعلم بِمَن.

ثم كانوا يهمسون في أذنه كلمات عن ماري ستوارت، وهم يعلمون أن لجمالها وقعًا عنده، فحسَّنوا له الاقتران بها قبل أن تقترن بغيره، هذا إذا اعتنق المذهب الكاثوليكي علانية، وماري ستوارت ملكة اسكتلندا، ولا يبعد أن تغدو ملكة إنكلترة.

إلا أن ملك النافار ظلَّ مترددًا إلى أن قرأ يومًا إعلانًا كأنه صادر من البروتستانتيين (وقد ظهر تزويره نكاية بهم) وهم يهزءون به، ويتغزلون فيه بجمال ماري ستوارت. فهمهم ودمدم، وقال: سوف يرى البروتستانتيون الملاعين كيف أغيظهم وأسحقهم.

ولما عاد عند المساء إلى فونتنبلو أعلن للجميع أنه اعتنق المذهب الكاثوليكي وطلب من زوجته الاقتداء به. فرفضت وامتنعت، فأمرها بالسفر إلى غاسقونيا. وأما كاترين فأثَّر فيها النبأ، وفكرت في التدابير التي تتخذها لمعارضة أماني ابن عمها.

ولما انعقد مجلس الحكام طرحت أمامه مسألة محاسنة البروتستانتيين وإمتاعهم بالحقوق العادلة التي يطلبونها، وهذه مسألة كانت منبوذة في عهد فرنسوا الثاني، فطلبت إصدار براءة بها.

وفيما كان المجلس منعقدًا والبحث دائر فيه بين الوزراء البروتستانتيين وأمين الأختام، وبعضهم يهنئ بعضًا، أقبلَ ملك النافار مدججًا بسلاحِه والغضب بادٍ على وجهه، فوجَّه خطابه إلى كاترين، وقال بصوت جهوري: لسنا نريد أن تتم هذه المسألة دون مصادقتنا وموافقتنا. إن فرنسا بلاد كاثوليكية، وأنا رجل كاثوليكي فلا أرضى بأن ينعقد مجلس الملك الخاص على هذه الصورة المعيبة.

قالت الملكة: لقد نسيت نفسك يا ابن العم.

قال: كلا، لم أنسَ نفسي. فأنت تدرين أيتها السيدة — كما أدري أنا — أن هؤلاء المتمذهبين بالمذهب الجديد محتالون منافقون، فلا بدَّ من إخراج هذا الوباء من البلاط، وقد آن للمخلصين في خدمة الملك أن يظهروا إخلاصهم!

وأسهب في الكلام، فانحنى بالتعنيف على أمين الأختام وسائر الحضور. إلى أن قال: نعم أيتها الملكة، اطردي هؤلاء القوم أو فانضمي إليهم. أما أنا فإني أنبذهم وأقاومهم، ويحق لي أن أكون الوصيَّ على المملكة، وسأكونه إذا شئت، ولا تنقضي أيام قلائل حتى تري أبناء عمك آل جيز ها هنا، والكردينال أخاه، والماريشال سن أندري، والمسيو دي مونمورانسي، وسائر القوم الكرام الذين رأيتِ إبعادهم عنكِ، فأولئك أقرب الناس مودة إلى الملك.

ولم تستطع الملكة ثباتًا أمام ملك النافار، فلطالما خادعته من قبل. فأتمَّ خطبته قائلًا: إذا لم يرتحل عن البلاط، كوليني ودندلوت البروتستانتيان، فهو يأمر الجيوش بانتشال الملك، ويحق له أن يفعل؛ لأنه نائب الملك وصاحب السلطة على الجند.

فاضطرَّ كوليني ودندلوت إلى الاستقالة، وسافرا إلى باريس لاحقين بأمير دي كوندة.

أما أمير دي كوندة نفسه فكان متململًا متضجرًا من الإقامة في باريس لبعدِه عن بلاط الملك، وكذلك كان جاليو فإنه ملَّ الإقامة بعيدًا عن مرسلين؛ لأنها ما برحت مع زوجها، وقد انضمَّ إلى الكردينال ولاذَ بحمايته.

وكانت المجادلات الدينية في ذلك الوقت تمزِّق وحدة الأمة المنقسمة إلى طائفتين، وتعتقد كل طائفة أنها أفحمت غريمتها بالبراهين الدامغة والحجج القاطعة، وفي أثناء ذلك تلقى أمير كوندة أن آل جيز قد استعادوا سطوتهم ورفعوا رءوسهم وتهيئوا للرجوع إلى البلاط، فعهد إلى جاليو بالمراقبة والاستطلاع، فقال: وافرحتاه بهذه المهمة التي عهدتَ بها إليَّ يا مولاي. فقال له: ألا تزال مقيمًا على هوى زوجة أفنيل؟ أجاب: نعم يا سيدي، فقد تعرضت لهذه الحادثة الغرامية ضاحكًا ماجنًا، أما الآن فلا أضن بحياتي في سبيلها.

قال: إذن سافر يا جاليو وامزج بين الهوى والسياسة كما تشاء، وإنما كن حكيمًا.

فسافر جاليو في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) بعد أن ودَّع أستاذه برنابا، فوصل إلى مدينة جوانفيل حيث يقيم آل جيز والكردينال. فدار في البلد دورة حتى اهتدى إلى منزل المحامي أفنيل. غير أن بيوت البلدة كلها كانت مقفلة، وعلى أبوابها الحراس كأن الحرب قائمة حولها. فأضاع جاليو أسبوعًا كاملًا من غير أن يلتقي بمرسلين، أو يتمكن من إرسال كتاب إليها، وكاد ييأس منها عندما علم أن الدوق عازم على الإياب إلى البلاط، فبعث تقريرًا إلى أمير دي كوندة، ثم لبث محتجبًا في المدينة يقول في نفسه: لا يطيب للعشاق شيء مثل السفر المفاجئ. ولاح له أن الدوق لا يصل إلى باريس إلا بعد أن يحدث حدثًا في طريقه. إلا أنه لما رأى موكب الدوق أحسَّ بكآبةٍ عظيمة؛ لأنه رأى جيشًا حقيقيًّا قد تألف واجتمع في ضواحي جوانفيل، وفيه جنود ألمانيون. فلما كان آخر شهر فبراير (شباط) تحرك ذلك الجيش. فغادر المحامي أفنيل البلد لاحقًا بسيِّديهِ الكردينال والدوق، سائرًا بجانب المركبة التي فيها زوجته وبعض النسوة، فلم يتمكن جاليو من إلقاء كلمة إليها. ووصل الدوق إلى مدينة فاسي في أول مارس (آذار)، فنزل فيها عند والدته العجوز الأميرة دي بوربون، وقال لها: ألا يزال أعداء ديننا كثيرين ها هنا؟ قالت: نعم وا أسفاه، وإني لفي يأس شديد من إصلاح هذه الحالة السيئة؛ لأنني أسمع ترنيمهم وصلواتهم كل يوم من قصري هذا، وسوف ترى بعد هنيهة أننا لا نستطيع الجلوس إلى مائدة العشاء. قال: سوف نكرههم على السكوت!

ولقد رافق جاليو موكب الدوق، ولم يتمكن في أثناء ذلك الوقوف من مراقبة مرسلين؛ لأنها دخلت قصر والدة الدوق. فتجول في المدينة، وكان عارفًا أن أكثر سكانها من البروتستانتيين، وأخذ يفكر في تقرير يكتبه إلى أمير كوندة عما رأى وسمع، وفيما هو كذلك أبصر جمهورًا غفيرًا ذاهبًا لسماع الوعظ، وكان البروتستانتيون يجتمعون في مكدس من مكادس القمح، ويسمعون الوعظ هناك؛ إذ لم تكن لهم معابد يعظون فيها. فقال جاليو في نفسه: لا شك أنهم يمتدحون أمير كوندة، وهذا أمر يعزيني شيئًا عن لقاء مرسلين.

وبدأ البروتستانتيون وكان عددهم ينيف على ألف ومائتي رجل في الترنم بأناشيدهم، وإذا بباب المكدس يقرع، وقائل يقول: افتحوا فإننا نروم سماع الوعظ.

ففتح الباب من كانوا على مقربة منه. ثم تقهقروا مذعورين إذ رأوا جماعات من الأشراف لم يشكوا في أنهم من حاشية الدوق دي جيز. فقال البروتستانتيون لهم: ما حاجتكم؟ قالوا: لا حاجة لنا إلا سماع الوعظ كما أنبأناكم.

وحاول بعضهم الدخول ومزاحمة الحضور، فأدرك البروتستانتيون أن أولئك الأشراف إنما جاءوا ليهزءوا بهم، فأطبقوا الباب وصاح أحدهم متألمًا يقول: ويل لكم فقد سحقتم قدمي، وكان المتكلم ملازمًا من ضباط الدوق دي جيز، وقد حشر مصراع الباب قدمه، ففتحه البروتستانتيون مرة ثانية؛ ليتمكن من تخليص قدمه، فبادرهم الكاثوليكيون بالسباب والشتم.

وإذ ذاك وصل ضابط من ضباط الدوق يقول: حسبكم يا قوم! إن الدوق يطلب منكم أن تسكتوا؛ لأن أناشيدكم تمنعه من تناول عشائه، فأجلوا صلاتكم إلى وقت آخر إن شئتم!

فهاجت هذه الكلمات حنق البروتستانتيين، وصاحوا قائلين: ألا لعنة الله على الدوق وأسرته إنهم لملحدون!

وقلق جاليو وأحسَّ بأنه ارتكب خطأ في دخوله بين القوم، فتزمل (تلفَّفَ) بردائه، وأخذ يتخطى الرقاب إلى ناحية الباب وهو يقول في نفسه: سوف أعلن للقوم أنني كاثوليكي المذهب فأتمكن من الانصراف، وويل لمن يمنعني من المرور!

ومدَّ يده إلى قبضة سيفه وقد وصل إلى الباب، فما لبث أن رأى رجلًا طويل القامة قد وقف أمامه، فتفرس في وجهه، فعرف أنه الدوق دي جيز جاء بنفسه، وقبل أن يحتجب عنه جاليو كان الدوق قد رآه فصاح: هذا وصيف أمير كوندة إذن هي ثورة مدبرة!

على أنه لم يصدر أمرًا، وفي أثناء وقوفه أصابه حجر من داخل المكدس في خده فجرح جرحًا خفيفًا، فسال دمه غزيرًا، فقال: هذا لا يطاق. ألا هجومًا على أولئك الملحدين، اقتلوهم يا أصدقائي، ولا ترحموهم!

وكان البروتستانتيون وقتئذٍ دون سلاح، ولا يكادون يقدرون على جمع الحجارة للدفاع عن أنفسهم، وتواثب رجال الدوق إلى المكدس فقتلوا كل من عجز عن الفرار، وسكر جاليو برائحة البارود ومنظر السيوف، ومع أنه لم يكن بروتستانتيًّا، لكنه كان عدو الدوق دي جيز؛ لأنه وصيف أمير كوندة، وكان الدوق يتقدم ليلحق به وهو في مقدمة بعض الرجال، وقال له: أظننا قابضين عليك في هذه المرة، فلا تنجو منا.

فأجابه: مهلًا يا مولاي.

وجعل يتقهقر باحثًا عن منفذ، وهمَّ أحد الجنود بأن يطعنه بحربة فاجتنب جاليو الطعنة، وضرب الجندي بخنجره فطرحه صريعًا، وفرق الزحام بين جاليو والدوق، فانتهز تلك الفرصة، واختطف غدارتين من أحد الجنود.

وكان البروتستانتيون قد اهتدوا إلى عدة منافذ فنجا بعضهم من باب كبير، وصعد آخرون في سلم كان في داخل المكدس إلى السقف. ففكر جاليو في الفرار من أحد هذين المنفذين، إلا أن الزحام كان شديدًا جدًّا، فخاف أن يلحق به الدوق ويقبض عليه فيأسره أو يقتله، وهو لا يستطيع مقاتلة عشرين أو ثلاثين من المهاجمين المدججين بالسلاح، وكان منهم عشرة رجال هاجمون عليه. فمشى وظهره إلى الجدار، وهو يسأل الله مخرجًا من ذلك الضنك، وإذا بباب وراءه كان مغلقًا ففتحه وخرج منه بأسرع من لحظة. فهدر الدوق وزمجر. أما جاليو فنظر إلى الموضع الذي وصل إليه، فعلم أنه موضع ضيق عند أسفل سلم، فأغلق الباب وصعد في درج السلم، فوصل إلى مكدس صغير كان مشيدًا فوق المكدس الكبير، وله نافذة ضيقة، فقال في نفسه: أهربُ من هذه النافذة إذا ترك لي الدوق الوقت الكافي.

وكانت رائحة التبن والهشيم الجافِّ ملء المكان، فألقى جاليو نظرة إلى ما حوله، فأبصر زكائب الهشيم مجموعة في زاوية، وسمع وقع خطى على السلم، فلم ير بدًّا من العمل، فانحنى على السلم، وأطلق رصاصةً من إحدى غدارتيهِ.

فقال قائل: سلم نفسك فإن رصاصتك لم تصب أحدًا، وإنَّا لقابضون عليك لا محالة!

فضحك، وقال: مهلًا يا مولاي!

وللحال خطر له خاطر عجيب، إذ دنا من إحدى الزكائب فأطلق عليها النار من الغدارة الثانية.

فصاح الدوق وهو على السلم: لقد أخطأ رصاصك المرمى مرة ثانية.

فقال جاليو: كلا يا مولاي، وسوف ترى بعينك.

واشتعل يبيس النبات والهشيم، وكان جاليو يطرح النار على سائر الزكائب، ولما اقتربت الخطى رمى بإحدى الزكائب المشتعلة إلى السلم، فتدحرج الصاعدون عليه، وقال الدوق: قاتل الله اللعين، أتراه ينجو دائمًا؟

ولم يكن من سبيل إلى الوصول إلى جاليو؛ لأن الزكائب اشتعلت وانتشر الدخان حتى امتلأ به السلم. فتسلق جاليو إلى السطح وشاهد من هناك ما جرى. فأبصر رجال الدوق يطاردون البروتستانتيين وهم يفرون منهم في كل مكان، وقد تبعثرت جثثهم الدامية على الكلأ الأخضر، وطلع السيدات والأشراف الذين كانوا يتعشون في قصر الأميرة دي بوربون والدوق دي جيز إلى الشرفات، فكانوا يشاهدون تلك المجزرة، ويرشدون الجنود إلى مكامن البروتستانتيين ليفتكوا بهم!

وكان السطح الذي صعد إليه جاليو في ناحية أخرى فتدلى منه إلى بستانٍ خالٍ، في طرفهِ غيضة، فاجتازها حتى وصل إلى فناء متسع. فارتفعت إذ ذاك صيحات مفزعة فوقه، فرفع رأسه وأدرك أنه رمى نفسه في فم الأسد؛ لأن ذلك الفناء كان فناء قصر والدة الدوق دي جيز. فدمدم وشتم، وصاح الرجال من شرفاتهم ينادون الجند ويرشدونهم إليه ويقولون: تعالوا إلى هنا، يوجد هنا واحد من البروتستانتيين!

وكان هناك سلم يفضي منه إلى الشرفة التي صدرت منها الصرخات، وصعد جاليو في السلم غير متردد فوصل إلى الشرفة، وهناك سمع قائلًا يقول: إنه على السلم، فأطلقوا النار عليه!

فتسلق الجنودُ السلم لاحقين بجاليو، ولما وصل إلى الشرفة أحسَّ باضطراب شديد؛ لأنه رأى جماعات من الأشراف والسيدات والقسيسين هناك، وقد هاجهم التعصب وأسكرهم منظر الدم، ووقع بصره على امرأة بينهم كانت مطرقة والدمع يترقرق في عينيها، ولم يدر في خلد أحد أن الرجل الذي يدلون الجند عليه ليقتلوه قد صار بينهم؛ لأنهم لم يروه حينما دخل الشرفة، فقد كانوا كلهم مطلين على الفناء. فمشى إلى المرأة الباكية وناداها، مرسلين! قالت: أسأل الله أن يقدر لك النجاة مما أنت فيه.

فانثنى الحضور، وكان المحامي أفنيل في جملتهم وهو الذي فضح جاليو؛ لأنه رآه نازلًا عن السطح إلى الفناء، فأرشد إليه الجنود الكاثوليكيين. فنظر إليه جاليو في بدء الأمر نظرة صعقته وسمَّرته في موقفه، إلا أنه تماسك لساعته، وقد شعر بمساعدة حملة البنادق فشتم جاليو، ثم اجتذب مرسلين بعنف، إلا أن هذه تراجعت مرتاعة، فلطمها زوجها وهو يحتدم غيظًا منها. وانتصرت السيدات إذ ذاك لمرسلين، فشهر جاليو سيفه وتقدم إلى المحامي، وقال له: لماذا أهنت هذه السيدة؟

فقال له: ويك! كيف تتجرأ على هذا السؤال يا ابن اللئام؟ هل ظننت أنني نسيت ليلة فونتنبلو؟ أيها الجنود أطلقوا النار على هذا الخائن الذي اجترأ على زوجتي!

فصرخت مرسلين: بل أنا أهواه يا ناس، وأتمنى أن أموت معه، بل أنا أحمرُّ خجلًا من أن أكون زوجة نذل جبان مثل هذا الوحش، ويل لك! أما كان الأجدر بك أن تبارز الرجل بدلًا من أن تأمر الجند باغتياله مع أنه كاثوليكي وأنت بروتستانتي.

واعتراها ارتجاف وارتعاش فأغمي عليها، فتقهقر أفنيل ممتقع اللون مذعورًا، وإذا بأحد الجنود قد دنا من جاليو، فقال له: أكاثوليكي أنت أم بروتستانتي؟

فأجابه: لست أدري يا أخي. غير أن معي أربع غدارات محشوة، فلكل منكم أنتم الأربعة واحدة منها، وفضلًا عنها فهذا سيفي وذاك خنجري، فأنا الأقوى. دعوني أمرُّ وإلَّا فويل لك ولرفاقك!

ولعل الجنود رأوا في كلامه نصحًا صادقًا فابتعدوا عنه، والتفت إلى المحامي وقال: أنت جبان، وكان يحق لي قتلك، ولكنك لا تقوى على حمل سلاح، ولست أريد اغتيالك. فأنا ذاهب، وويل لمن يتجرأ على اللحاق بي.

ثم حمل مرسلين على ساعديه وسار بها قبل أن يتمكن المحامي وأصدقاؤه من إمساكه، فقد تولاهم الدهش والحيرة، وارتدوا عنه لعلمهم أنه كاثوليكي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤