انفجارات وإشعاع قاتل!

انفجاراتٌ مروعة تصمُّ أصواتُها الآذان … شظايا كثيرة تتناثر هنا وهناك … ألسنة اللهب تتصاعد فتُضيء المكان … هرجٌ ومرجٌ … سيارات تُغادر الموقع وأخرى تحضر إليه … سارينة سيارات الشرطة تزعق في أكثر من مكان لتختلط بصوت أبواق سيارات المطافئ الوافدة للموقع … وسيارات الإسعاف المغادرة له.

وعن بُعد … وقف بعضُ أعضاء جماعة الشياطين يُتابعون ما يحدث وينتظرون ظهور «عثمان»، الذي رفض أن يقف متفرجًا، واندفع يشارك في إنقاذ ما يُمكن إنقاذه.

فالحادث خطيرٌ … والنار قد اضطرمَت في مستودع يحوي موادَّ سريعةَ الاشتعال … وهو واحدٌ من عدة مستودعات تخصُّ إحدى شركات البتروكيماويات.

ورغم أن المسافة بين تلك المستودعات كبيرة نسبيًّا … إلا أنَّ الخطرَ قائمٌ في أن تمتدَّ النيرانُ إليها … وعندها سيكون من الصعب السيطرة عليها.

وقد تؤدي شدةُ الحرارة إلى انفجارها … مما يعني انفجارَ المنطقةِ كلِّها … وتعرُّض المدينة السكنية المجاورة للشركة للدمار … بما فيها من سكان.

وقد لاحظ الشياطين أن عنابر العاملين في الموقع … قد أحاطَتها النيران من كلِّ جانبٍ … فاندفعوا هم أيضًا يساعدون في إخراج مَن تعرَّض منهم للاختناق … ومَن أصابه الإغماء … غير أن ساعاتِهم انطلقَت منها إشاراتُ تنبيهٍ إلى أن المكان به جسمٌ مشعٌّ … وأن مستوى الإشعاع بالمكان خارج حدود الأمان … فغادروا الموقع مسرعين … وتوجَّه «أحمد» إلى أحد ضباط المطافئ المشرفين على عملية الإطفاء … وأخبره بالكارثة … وطلب منه سرعةَ تأمين رجال الإنقاذ قبل دخولهم العنابر.

ولحسنِ الحظِّ كانت سياراتُ المطافئ مجهزة لكل الطوارئ … فقام كبيرُ الضباط باستدعاءِ كلِّ قوة الإنقاذ … وأمرهم بارتداء الملابس الواقية من الإشعاع … في نفس الوقت قام «أحمد» باستدعاء «عثمان» … الذي أتى والإعياءُ بادٍ على وجهه … وقد تحوَّلَت ملابسه إلى اللون الأسود من تأثير الأدخنة التي تعرَّض لها … وقال له وهو يلهث: ماذا تريد يا «أحمد»؟

أحمد: أين تعمل الآن؟

عثمان: في عنابر العاملين بالموقع … لماذا؟

أحمد: لقد اكتشفنا وجودَ أشعة قاتلة في المكان!

عثمان: في الموقع؟

أحمد: في العنابر بالذات.

عثمان: لم تُخبرني الساعة بذلك.

أحمد: ساعتُك ستحتاج لفحص بعدما تعرَّضَت له في هذا الحادث الرهيب.

عثمان: وهل يعني ذلك ألَّا أعودَ لمعاونة رجال الإنقاذ؟

شعر «أحمد» أن لدى «عثمان» رغبةً عارمة في استكمال ما كان يقوم به … فكان لزامًا عليه أن يجدَ له مخرجًا من هذا الموقف … ولم يجد إلَّا ضابط الإطفاء، فقال ﻟ «عثمان»: إن سيارات الإطفاء هنا مجهزةٌ بكل شيء …

نظر له «عثمان» غير مصدق، وقال له: هل سأجد لديهم أردية مقاومة للإشعاع؟

أحمد: نعم … والمسئول عنها هو كبير الضباط …

عثمان: وهل سيوافق على إعطائي إحداها؟

أحمد: سأُحضرها لك أنا …

وتوجَّه «أحمد» إلى كبير ضباط فِرَق الإنقاذ … وشرح له الأمر … وعندما أخبره بحاجتهم إلى بذلة واقية من الإشعاع قال له: الأمر لم يَعُد يحتاج لذلك … فكل العنابر تقريبًا قد تمَّ تفريغها …

والخطورة تكمن الآن في النار المشتعلة في هذا المستودع الضخم … وكلُّنا نشعر بالقلق من أن تمتدَّ النارُ إلى بقية المستودعات … فهذا سيؤدي إلى وقوع انفجارات وحرائق لا يمكننا السيطرة عليها …

أحمد: هل الأمر سيِّئ إلى هذه الدرجة؟

كبير الضباط: أتعرف يا سيد «أحمد» … إنه على بُعد عشرات الأمتار من هنا … توجد مخازن ذخيرة ضخمة تخصُّ الجيش الثالث.

أحمد: في هذه الحالة عليكم أن تقوموا بإبلاغ القوات المسلحة … فلديها ما يمكنها من أن تُعينَكم به.

كبير الضباط: هناك فرقة كاملة من سلاح الحرب الكيماوية في طريقها إلى هنا …

أحمد: أنا الآن مطمئنٌّ على الموقع، فبتعاونِكم سيمرُّ الأمرُ بسلامٍ.

ودَّع الشياطين كبيرَ الضباط واستداروا ليخرجوا من البوابة الرئيسية للموقع … حيث كانت تقف سياراتهم … إلا أنهم قبل أن يستقلُّوا سياراتهم، تلفَّتوا حولهم وهم يبحثون عن المسئولين عن الشركة أو أيِّ موظفٍ بها، ولمحوا مجموعةً من الرجال متفاوتي الأعمار يلتفُّون حول سيارة «جراند شيروكي» ذهبية … يحادثون أحدًا بداخلها … لم يستطعِ الشياطين أن يرَوه من خلف الزجاج الأسود، فاقترح «عثمان» أن تتوجَّه إليهم «إلهام» وتُحادثهم … فنظر إليها «أحمد» مستفسرًا … فقال له موضحًا ما يدور برأسه: «إلهام» ستُحادثهم على أنها صحفيةٌ … ووجود فتاة في هذا الوقت … سيخفِّف كثيرًا من حدة التوتر الذي يُعاني منه الجميع في هذه الظروف … وسينطلق الجميعُ في سردِ كلِّ ما يعرفونه وما لا يعرفونه …

نظر له «أحمد» مبتسمًا ابتسامةً لم تُعجب «إلهام»، فقالت له معاتبةً في هدوء: أقال غير الحقيقة؟

اندهش «أحمد» لنبرةِ الثقة الزائدة في صوتها، فقال لها: لكِ حريةُ التصرف على أن تعودي إلينا بالنتيجة التي ننتظرها.

وبنفس الهدوء والثقة قالت له: سنعرف الكثير عن اللحظات الأخيرة للحريق …

وفي انفعالٍ قال لها: ليس هذا فقط ما نريد معرفته.

إلهام: الأمور الأخرى … لم يُخبرك أحدٌ بحقيقتها.

تدخَّل «عثمان» في الحديث قائلًا: «إلهام» معها حقٌّ … فلن يُخبرَك أحدٌ بشيء لا يريدك أن تعرفه.

إلهام: وعليك أن تعثرَ عليه بنفسك.

أحمد: لم تفهموني … أتعرفون علمَ قراءة ما وراء الكلمات؟

عثمان: أعرفه … ولو أنه ليس علمًا …

أحمد: لا … إنه علم يُدرَّس ضمن ما يُسمَّى بالفراسة.

إلهام: المهم أنك تريدني أن أتحدَّثَ معهم في كلِّ شيء.

أحمد: أريد أن أعرف معلوماتهم عن أسباب الحادث … وتصورهم لمن يكون المتسبب فيه.

إلهام: سأفعل ذلك …

وقبل أن تتحرك … كان أحد موظفي الشركة قد اقترب منهم وحيَّاهم … وفي غمرة دهشتهم ردُّوا تحيتَه … وهم ينظرون له في تساؤل … ولم يتركهم طويلًا لحيرتهم … بل قال لهم: أودُّ أن أشكرَ الأستاذ الأسمر لما قام به.

واندفع «عثمان» يُعرِّفه بنفسه قائلًا: اسمي «عثمان» …

الموظف: شكرًا يا أستاذ «عثمان» …

و أنا «فوزي» … اسمي «فوزي» … مدير عام العلاقات العامة بالشركة.

مدَّ له «عثمان» يدَه وحيَّاه بحرارةٍ، ثم قال له: هل الواقفون معك من موظفي الشركة؟

فوزي: إنه رئيس مجلس الإدارة ورؤساء الأقسام و…

أحمد: أنا «أحمد» من القيادة العامة …

نظر له «فوزي» في تساؤل وقال له: القيادة العامة … لماذا؟

انتاب «إلهام» و«عثمان» القلقُ … فهل سيُصرِّح «أحمد» له بشخصيتهم؟! وحاولوا أن يُثنوه عن استكمال الحديث … إلَّا أن «فوزي» لم يُمهلهم كثيرًا … بل أجاب بنفسه على نفسه قائلًا: تقصد القيادة العامة للمخابرات؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤