اختطاف

استطاع «مصباح» أن يرى أخيرًا، إلا أنه شعر بألمٍ في جفون عينَيه من تأثير احتكاك الرمال بها. وما إن رأى احتكاكَ الرمال بها حتى قال له: نحن مطاردون يا رجل …

نظر له «أحمد» مبتسمًا وقال له: أعرف يا صديقي … ولكن منذ متى؟

مصباح: منذ خروجنا من «القاهرة».

رشيد: ولماذا لا يكون منذ محاولتنا إنقاذ مَن بالسيارة؟

وبلهجةِ المكتشفين وحماسهم قالت «إلهام»: مَن كانوا بالسيارة … نعم … هؤلاء هم أول الخيط …

أحمد: أول الخيط لماذا؟

إلهام: أول الخيط للوصول لمَن يطاردوننا ويحاولون قتلنا.

أحمد: سأتصل بالمقر في «السويس»، وأُبلغهم بأننا في الطريق إليهم … ولا داعيَ لإرسال السيارة إلى هنا.

مصباح: وكيف سنذهب إلى «السويس»؟

أحمد: في سيارة أجرة.

ولحسنِ حظِّهم أنهم لم يحتاجوا لسيارة أجرة … فقد تطوَّعَت إحدى المسافرات على الطريق بأخذهم في سيارتها إلى «السويس».

ورغم أنهم شكروها بحرارة … إلا أنها لم تتنازل عمَّا كانت تنويه لهم … فبعد أن قطعوا أكثرَ من نصف المسافة خرج لهم من دواسة الكنبة الأخيرة رجلان مسلَّحان طلبَا منهم التزامَ الهدوء … لأنهم سينحرفون إلى نفق الشهيد «أحمد حمدي» … وعليهم ألَّا يسألوا عمَّا يحدث، وإلى أين هم ذاهبون.

كادَت الحيرة تعصف بالشياطين … فهم حتى الآن مطاردون ومعرَّضون للقتل … وتم تفجيرُ سيارتهم وهم لا يعرفون سببًا لكل هذا.

إلا أنَّ رغبةً ملحةً في أن يعرفوا دفعَت «إلهام» لأن تسأل قائدةَ السيارة قائلةً: هل تعرفوننا؟

وفي عدمِ اكتراثٍ قالت لها: لا.

إلهام: ونحن لا نعرفكم … فلماذا تخطفوننا؟!

الفتاة: إنها أوامر.

إلهام: أوامر من مَن؟

الفتاة: هذا ليس شأني ولا شأنك …

إلهام: ألا تعرفي مع مَن تعملين؟

وفي نفادِ صبرٍ قالت لها: لا مزيد من الأسئلة …

وفي صبرٍ شديدٍ قالت لها «إلهام»: هل أنتم عصابة … أم جهاز مخابرات دولية معادية؟

عند هذا صرخَت الفتاة قائلةً: جيم …

ثم توقَّفَت بالسيارة … ونزل أحدُ الرجال شاهرًا سلاحَه … وظل مصوِّبَه على «إلهام» عن بعد … حتى اقتربَت منها … ففتح الباب … وكأنها اللحظة التي انتظرها الشياطين … فقد دفعَت «إلهام» البابَ بقدمها بقوةٍ … فاصطدم بالرجل … وفي اللحظة التي طوَّح «أحمد» ذراعَه فيها … فأصاب الرجل الجالس خلفه، باختلال في توازنه، وابتعدَت فوهةُ مسدسَيهما عن الشياطين، فطارت أقدامُهم هنا وهناك وانطلقَت قبضاتهم في ضربات ماهرة … قوية … متتالية أسقطَت الرجلين خارج السيارة …

وفي نفس اللحظة انطلقَت الفتاة بها مبتعدةً في سرعة قاسية … غير أنها استدارَت وعادَت كالرصاصة لتخترقَ تجمُّعَ الشياطين … حتى كادَت أن تدهسَهم.

فصوَّب «مصباح» مسدسَه عليها … إلا أنها دارَت دورةً واسعة حولهم … وفي مهارة شيطانية، فأخطأَتها كلُّ الطلقات التي أطلقها.

وبنفس السرعة … عادَت … إلا أنها ومن بين دهشتهم، فتحَت الباب المجاور لها، وقذفَت بنفسها خارج السيارة … فجروا هنا وهناك بعيدًا عن مسار السيارة … ولم يتوقَّفوا. واصلوا الجريَ … فقد عرفوا أن السيارة ستنفجر …

وحين التفتوا ليروا ما حدث … وجدوا الفتاة وقد علَّقَت ملابسَها بباب السيارة … والسيارة تجرُّها خلفها بقسوة …

ولم تمضِ سوى لحظات، ودوَّى في الصحراء صوتُ انفجارٍ مروع …

ووقفوا جميعًا يشاهدون جسدَ الفتاة يطير مشوَّهًا في الهواء … وسط شظايا السيارة …

وتلفَّتوا حولهم … فلم يجدوا الرجلَين، فصاح «أحمد» قائلًا بحزم: «مصباح» … «رشيد» … يجب ألَّا يضيعَ هذين الرجلين …

قفزَت «إلهام» من أعلى التل … قفزاتٍ متتاليةً … حتى صارَت أسفله … ثم جرت إلى الطريق الأسفلتي … فرأتْهما وقد تعلَّقَا بمؤخرة سيارة نقل … ما لبثَت أن اختفَت عن نظرِها … فعادَت مرهقةً إلى زملائها …

وعلى أقربِ صخرةٍ قابلَتها جلسَت … ورأَت عن بُعدٍ زملاءَها قادمين … ومن خلفهم يبدو جبل عتاقة كالمارد … ولونه الأحمر القاتم يختلط بلون الشمس التي تُطلُّ من خلفه … فيُثير في خيالها كثيرًا من الافكار المجنونة.

وبجوارها … وبمجرد أن وصلوا إليها، جلسوا منهكين … فكلُّ هذه المفاجآت … وكل هذه الأحداث وكل هذا الجري … واليوم لم يبدأ بعد …

ونظر لهم «مصباح» مليًّا ثم قال: وماذا بعد؟

إلهام: هناك الكثير …

مصباح: أنا لن أستطيعَ العمل هكذا … أريد أن أستحمَّ … أن أستبدلَ ملابسي … أن أتناول فطوري … أنا جائعٌ جدًّا … ظمآن جدًّا …

وفي هذه اللحظة انتابَت «أحمد» حالةٌ من الضحك الشديد … وصلَت عدواها إلى «رشيد» فحمَّسَا بعضهما … ولم يتوقَّفَا … إلا عندما قالَت لهما «إلهام»: لم يكن الفحصُ بالأمس سلبيًّا … فأكملَت قائلة في جديَّة شديدة: لقد أصابكم فيروس خطير … وسألها «رشيد» وهو غيرُ مصدقٍ: وما هو …

إلهام: جنون البقر …

كاد «رشيد» أن يعودَ للضحك … إلا أنه تذكَّر «عثمان»، فقال لها: لماذا تذكِّريني يا «إلهام»؟

إلهام: بماذا؟

رشيد: ﺑ «عثمان».

ورأى «أحمد» أن الأمور ستخرج عن سيطرته فقال لهم: فلننتبه لما نحن مقدمون عليه … نحن في موقف خطير للغاية … فنحن الآن مستهدَفون ويتمُّ تصفيتُنا، ونحن لا نعرف مَن عدونا؟

مصباح: إنه مقرُّ مستودع الكيماويات.

أحمد: ومَن هو؟

رشيد: إنه مَن قلَب السيارة وبها أثرياء …

إلهام: مَن هو؟

مصباح: إنه مَن لغَّم سيارتنا ليقتلَنا فيها …

أحمد: ومَن هو؟

رشيد: إنه مَن أرسل هذه الفتاة ومعها الرجلان ليخطفانا …

إلهام: مَن هو؟

مصباح: إنه مَن سيقتل «عثمان».

وفي صوت واحد صاح الجميع قائلين: ماذا؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤