الفصل الأول

(المنظر: ساحة عامة في مدينة داهشتان، خان في الشمال، أشجار إلى الخلف ناحية اليمين، بابان في الشمال غير باب الخان، باب في اليمين.)

(تُرفع الستار عن جمع من المغنين والراقصين وهم يغنون ويرقصون وبينهم جلنار.)

الجميع :
يا أيها الإخوانْ
وقتُ الصفا قد حانْ
فامضوا بنا نلهو
بالرقص والألحانْ
جلنار :
يا بلبلَ الفَنَن
حركت من شَجَني
فارفق بِمُفْتَتَنِ
إن الغرامَ هَوَانْ
الجميع :
يا أيها الإخوانْ
وقتُ الصفا قد حانْ
فامضوا بنا نلهو
بالرقص والألحانْ
جلنار :
يا من لها قلبي
أسرفتِ في عَتْبي
رُحماك بالصبِّ
يا ربَّة الإحسانْ
الجميع :
يا أيها الإخوانْ
وقتُ الصفا قد حانْ
فامضوا بنا نلهو
بالرقص والألحانْ
جلنار والجميع :
كُفِّي الملامَ ولا
تصغي لمن عذَلا
وحققي الأمَلَا
إذ حسبيَ الهجرانْ

(قبل نهاية الغناء يدخل الأمير مرتديًا عباءة وملثَّمًا فلا يُرى منه إلا عيناه، وينظر إلى جلنار باهتمام. الوزير بهروز ملثَّمًا يدخل في نفس اللحظة من الباب الأول الشمال، وهو يراقب الأمير عن بعد. جلنار معها طار.)

جلنار (للأمير) : إحسان يا سيدي، إحسان! (الأمير يُخرج كيس نقوده) لَعلِّي قد فقدت خاصِّيتي في إخراج الدراهم من الجيوب! (الأمير يلقي قطعة ذهبية في طارها ويخرج مسرعًا من اليمين) لا لا! ماذا؟! قطعة ذهبية! دينار! نعم، ومع ذلك كنت أخشى أن أقترب من هذا الفارس الشريف؛ لما يلوح عليه من الكآبة والأسى (تلتفت إلى الجمع وتحادثه كأنها تقصُّ عليه حسن حظها).
بهروز (في الشمال وهو ينظر خلف الأمير) : لم تخدعني عيناي، فإنه الأمير، وهذه هي المرة الثالثة التي رأيته فيها يقتفي أثر هذه النَّوَرِيَّة الجميلة، وكأني به وقد فتنته بجمالها الساحر!
جلنار : نعم أيها الأصحاب اليوم هو يوم عيدي؛ ولذلك جعلت هذه الدراهم وقفًا على اللهو والسرور (ترمي إليهم نقودًا) خذوا! خذوا! وسأشاطركم اللهو حالًا (يدخلون الخانْ، أما هي فتتردد لحظة، ثم تفكر قليلًا) قطعة ذهبية! إن غنائي أو رقصي لا يساوي مثل هذا المبلغ العظيم!
بهروز (يقترب منها) : إن سعود طالعك جعلك تفكرين.
جلنار : سيدي! أوه! لا لا.
بهروز : ألم تأخذي قطعة ذهبية؟ (يعطيها قطعة) هذه أختها.
جلنار : لي أنا؟
بهروز : نعم أيتها الجميلة، لك أنت.
جلنار : شكرًا لك يا سيدي، ولكن …
بهروز : ولكن ماذا؟
جلنار : ولكني أخاف بريق هذا الذهب الوهَّاج (تمسك القطعة في يدها) ولما كنت صغيرة، كنت أنقل قدميَّ برشاقة وخفةٍ طبيعيتين، وكان غنائي الشجيُّ مرآةً لقلبي الطروب الفرح. أما الآن، فإن الآمال والمخاوف التي أثقلت قلبي وأثقلت خطواتي جعلت مكافأتي على إنشادي ورقصي أكثر من ذي قبل، وهذا هو ما يخيفني.
بهروز : لست أفهم ما تعنين!
جلنار : ولن تفهمه يا سيدي. ولكن أتظنني وأنا امرأة جميلة أجهل ما أنا عليه من الجمال؟ إن الرجال ليحدثونني عن جمالي ألف مرة في اليوم، وتبعًا لما تقضي به طبيعة المرأة أتقبَّل منهم هذا الثناء، كما أني أحاول أيضًا أن يزيد جمالي؛ ليكون فتنةً للناس ومعبودًا.
بهروز : ما زلت لا أرى لمخاوفك سببًا.
جلنار : آه! ها أنت لم تفهم بعد. اعلم يا سيدي أن هذه الراقصة التي تجوب الطرقات لأجل إدخال السرور على قلب الجماهير لا تجهل منزلتها بين الرجال، فأنا أتصيَّد المال من الجيوب ليكون وسيلة أكسر بها أغلال ضَعَةِ قدري؛ لأني أطمع في مستوًى أرقى مما أنا فيه، وكأن كلَّ كلمةِ مديح أو ثناء، ريحٌ تهبُّ على نار مطامعي فتُذكيها، وكلَّ هِبة أُعطاها ليست إلا وقودًا يزيد تلك النارَ لهيبًا وضرامًا.
بهروز (لنفسه) : تالله إنها لضالتي!
جلنار : أفلا يحق لي إذن أن أخشى عاقبة أمري؟
بهروز : لست أرى ذلك.
جلنار : لستَ ترى ذلك؟ وها أنت تراني أُغرَى بالمال (تُريه القطعة الذهبية) ولي مطامع مستكنِّةٌ في نفسي! إني مذ لَفَتَ جمالي نظر أميرة البلاد، ازدادت آمالي، وقويت أطماعي.
بهروز : دعيني أتنبأ لكِ بما ستنالينه في المستقبل من الرفعة والجاه، إن لكِ كلَّ ما صَبَتْ نفسك إليه.
جلنار : كلَّ ما صبت نفسي إليه؟
بهروز : إني لقادر على أن أجعلَ أحلامَك حقيقةً ملموسة، وأن تُصبحَ رغباتك قانونًا يسري على رقاب الأشراف.
جلنار (على حدة، مبهوتة من السرور) : أكاد أختنق من ضيق أنفاسي!
بهروز : هلمِّي معي، فغدًا سترين مجد هذه الإمارة (يأخذ يدها).
جلنار : لا لا (صوت بوق ناحية الباب الأول الشمال).
أصوات في الخارج : فلتحيا سمو الأميرة! فلتحيا سمو الأميرة!
جلنار : آه! سمو الأميرة! لن أثق إلَّا بها (تخرج مسرعة من الباب الأول الشمال).
بهروز : صدقت أيتها الحسناء! لقد كابدت الدهر، فلم أَرَ أمرًا أشدَّ من محاولة التغلب على المرأة (يفكر) إنها لقطعة من العدم، ولكنَّ الأمير مفتون بها فُتُونًا، ومتى أصبحتْ حظيَّتَه فإنها لا تنسى فضل الرجل الذي رفعها إلى منزلة الأشراف، وليس أمامي إلا عقبة واحدة، وهي أن جلنار وضيعة الأصل، وهذا ما يجب كتمانه، وستعلم الأميرة خطأها، ثم لا تلبث أن تتغلب عليها طبيعتها النسوية فأحظى بجمالها دون ذلك الذي لا يقدرها (يطلع قليلًا) ولكن هل يا ترى أستطيع تحقيق آمالي الهائلة؟!
أصوات في الخارج (ناحية الباب الأول الشمال) : أمسكوه! أمسكوه!
بهروز : ما هذه الضوضاء؟! (ينظر ناحية الضجيج) لعلهم أتباع جلنار؟ هل هي معهم؟ وعندما رأوها التزموا الصمت. (وهو ينظر إلى الخارج) من هذا الشخص الغريب؟!

(يدخل قطبزار من الخان يتبعه جمهور صاخب، وجلنار تحضُّهم على الابتعاد عنه، فيخرجون من حيث دخلوا. تخرج جلنار بعدهم.)

قطبزار (في اليمين) : أوغاد! تالله لولا أني خشيت أن ألوِّثَ سيفي بدمهم النجس، لمزَّقت جمعهم شرَّ ممزق (إلى الخارج ناحية جلنار) ولولا حضورك أيتها الراقصة الجميلة، لتمكَّن ذلك السفل من إغماد خنجره في جسم الفارس قطبزار الشريف النبيل (لنفسه) ولكن أين سبق لي أن رأيت هذه المرأة؟ آهْ تذكَّرت، فقد رأيتها لأول مرة في مدينة سمرقند، وكنت إذ ذاك فتًى متهتكًا مفتونًا بحمرة شفتيها (يخطو شمالًا).
بهروز (لنفسه) : حقًّا لم تخدعني عيناي، فهذا الفارس قطبزار الذي كان زميلي في الدراسة في سمرقند.
قطبزار (يتفقَّد جيوبه) : ولا درهم! لقد جرَّدني أولئك السفلةُ المقامرون من كل دراهمي، كأنهم من الأشراف والنبلاء، فليس لي إذن إلَّا أن أعتمد على السماء في غطائي، وعلى الأرض في فراشي. وعلى ذلك فستكون ليلتي سعيدة.
بهروز : ألست الفارس قطبزار، أم تراني أخطأت (يرفع اللثام)؟
قطبزار : نعم، أنا قطبزار، أوَلست بهروز؟
بهروز (يمد له يده) : نعم أنا بهروز.
قطبزار (على حِدَة) : ملابس فاخرة ثمينة، فماذا عساه يريد مني؟!
بهروز : لقد افترقنا وكنتَ إذ ذاك فتًى شابًّا وأحسنَ حالًا منك الآن!
قطبزار : يظهر أنك لاحظت تغيُّر حالي (ينظر إلى ملابسه) إني دائمًا مغرم بالتغيير والتبديل.
بهروز : ولقد ورثتَ ثروة طائلة وحزتَ لقب الفروسية؟
قطبزار : حقيقةً، فاحتفظت باللقب وأضعتُ الثروة، فهل أنت في حاجة إلى لقبي؟
بهروز : لا شكرًا لك، وإنما أظن أنك قد أتيت أعمالًا عظيمة يا قطبزار!
قطبزار : لقد عملت كثيرًا، وإذا لم تصدقني فاسأل دائنيَّ.
بهروز : ولكن سبق أن أباك دفع عنك ديونك، عندما كنت في سمرقند.
قطبزار : هذا صحيح، فرحمة الله عليه، ولكن تبعًا لحكم العادة استدنت ديونًا جديدة.
بهروز : يظهر أنك اشتريت حياة اللهو بأبهظ الأثمان!
قطبزار : ربما. ولكني قد أرحت بالي من كل ما يشغله، فأنا الآن لا أمتلك مالًا؛ ولذلك لا يضايقني أحد من أقاربي الفقراء، ولا أمتلك أرضًا، فلا يتذمَّر لي المستأجرون، وليس لي وِجهة معينة، فلا أخطئ الطريق، وليس لي من أعوله إلَّا سيفي (يشير إلى غمده المكسور) وهو حاد بطبيعته.
بهروز : ولماذا تركت سمرقند؟
قطبزار (بحنان) : سمرقند! مسقط رأسي، وحيث نشأت وترعرعت، وحيث استمتعت بالسرور واللهو، وحيث أضعت كلَّ شيء (يخفي وجهه بين يديه صامتًا) نعم، تركتها حيث لم يعد لي بها مقام، وأرض الله واسعة.
بهروز : تلك غلطتك.
قطبزار : كلَّا، فقد خدعتني الأيام، وإني وإن كنت قد أضعت كل شيء، فما زلت أحتفظ بمن يذكرونني؛ وأولئك هم الدائنون، والدائنون لا يموتون، بل كل يوم يزيدون.
بهروز : وكيف ذلك؟
قطبزار : إن لأكثرهم أبناءً، وما أكثرَ أبناءَ الدائنين! وهؤلاء يرثون مضايقتي ومطالبتي فيما يرثون عن آبائهم.
بهروز : وعلام عوَّلت للارتزاق؟
قطبزار : لم أعوِّل على شيء قط (يخرج جيوبه الفارغة) وليس معي ما أقامر به حتى المتسولين في الطرقات.
بهروز : إذن فَلَهْوُك الآن قليل؛ لأن اللهو يقتضي النفقة!
قطبزار : إني لقانع بما تصل إليه يدي، فإنه ليس أسهل عليَّ من خلق سبب للمشاحنة مع أي إنسان، والمشاحنة تجر إلى القتال، وفي القتال تسلية لي ولهو (يخطو شمالًا).
بهروز : وفي هذا أيضًا أرى الحظ يعاكسك.
قطبزار : وكيف ذلك؟
بهروز : لأن عندنا هنا في داهشتان لا يجوز القتال، ومن يقاتل رجلًا فيقتله يُحكم عليه بالإعدام.
قطبزار (مندهشًا) : ماذا؟! يُحكم بالإعدام لأجل ضربة سيف! تالله لقد تسفَّل بنو الإنسان.
بهروز : لا لا! فهذا قانون أميرنا هنا في داهشتان.
قطبزار : إنه لقانون جائر حقًّا، لا سيما على من كان حادَّ الطبع، ولا يُهدئ ثورة دمه إلا السيف! ولكن قل لي يا بهروز، فيما تشتغل؟ ما حرفتك؟
بهروز : أنا … أنا … لا شيء (يضع اللثام).
قطبزار : إذن فنحن لا نزال في مستوًى واحد!

(يدخل الفتى بهادر ومعه رجل آخر من الباب الثاني الشمال.)

الرجل : هذا صحيح يا بهادر، فقد أساءوا معاملتك.
بهادر (في الوسط) : شكرًا لك يا أخي، شكرًا لك، ولا تظن أني ناكر فضلك؛ وليس لي إلا أمنية واحدة، وهي أن أموت (يذهب شمالًا. بهروز يفكِّر على حدة).
قطبزار (إلى بهادر) : تتمنى الموت، قبل أن تنبت لحيتك؟
الرجل : نعم يا سيدي؛ فقد حاول أن يلقي بنفسه إلى الماء ليموت غرقًا.
قطبزار (مندهشًا) : يموت غرقًا! ويستبدل بهذه الدنيا الزاهرة ماءً وطينًا؟! إن هذا لمدهش جدًّا! في مثل هذا الشباب، وتتمنى الموت؟! لا أظن أن لك مثلي دائنين حتى تكره الحياة!
بهادر : كلَّا يا سيدي، وإني أشتغل في تنظيف أسلحة حرس الأمير.
قطبزار : هذا لا يدعو لأن تغرق نفسك.
بهادر : نعم يا سيدي، ولكن حدث في هذا الصباح أن قائد الحرس ادَّعى أني أهملت السلاح، وقرر أن أُجلَدَ خمسين جَلدة.
قطبزار (بحدة) : خمسين جَلدة!
بهادر : لا يهمني المقدار يا سيدي؛ لأني لا أكترث للألم، ولكن جَلدة واحدة تكفي لإسقاط شرفي.
قطبزار : ومن أي البلاد أنت يا فتًى؟
بهادر : من سمرقند يا سيدي.
قطبزار : إنك لشريف حقًّا، وقد وجبت علينا معونتك (إلى الوزير، بلا تكليف) يجب أن نتوسَّط له يا بهروز!
بهادر : لقد تدخل أحد الضباط في أمري، ولكن على غير جدوى.
قطبزار (بشيء من الزهو) : يجوز! ولكني لا أظن قائد الحرس يرفض رجاء رجلين من الأشراف مثلنا (يأخذ ذراع بهروز).
بهروز : أرجو أن تعفيني (يسحب ذراعه بلطف) لأن لديَّ من الأسباب ما يمنعني عن التدخُّل في هذا الموضوع.
قطبزار (بثقة) : أوه، لا بأس! ويمكن للغلام أن يعتمد على نفوذي أنا (صوت وقع أقدام ناحية الباب الأعلى الشمال).
بهادر (ينظر ناحية الباب الأعلى الشمال) : آه! إنهم يقتفون أثري، وسيقبضون عليَّ (يحاول الهرب).
قطبزار (يمسك بهادر) : بل ابْقَ هنا! وَقِفْ خلفي، فنحن سندافع عنك (بعظمة).
بهروز (منكرًا) : نحن!
قطبزار : نعم، نحن قطبزار وسيفه (يشرع أن يستل سيفه).
بهروز : وهل نسيت قانون الأمير؟
قطبزار : قبَّح الله …! (يترك السيف.)

(صوت بوق، يدخل القائد وجنود من الباب الثاني الشمال، ويذهبون إلى الخلف ناحية اليمين.)

القائد : ها هو أسيركم، فاقبضوا عليه (يهم الجنود بالتقدم).
قطبزار (يتدخَّل بخضوع) : لحظة واحدة أيها القائد، اسمح لي أن أرجوك بكل خضوع أن تعفو عن هذا الغلام!
القائد (إلى الجنود الذين توقفوا، وبدون اكتراث إلى قطبزار) : لماذا لم تتقدموا أيها الجند؟! (يتقدم الجنود.)
بهادر : الرحمة، الرحمة يا مولاي القائد!
قطبزار : ألا تسمع رجاء الغلام؟ إنه يرجو العفو، واسمح لي أن أضم رجائي إلى رجائه!
القائد (إلى بهادر) : عُد إلى عملك أيها الغلام، فإني لا أكترث لدموعك ولا لتطفُّل هذا السكِّير الوقح.
قطبزار (بحدة) : ماذا؟ (يثوب إلى رشده) لعنة الله على ذلك القانون! حبذا لو لم نكن في داهشتان (بهدوء) ولكن، لو عاد إلى عمله، لا تضر به؟ انظر إلى دموعه، إن هذه الدموع لا تُذرف من العيون بسهولة، لا سيما وأنه غلام شجاع (القائد يذهب يمينًا) فاعفُ عنه (يمسك عباءة القائد من خلف).
القائد (يستخلص عباءته) : دعني (يقطع المسرح).
قطبزار (بغضب) : أتجسر … (يتغلب على عواطفه) القانون! القانون الملعون!
بهروز (إلى قطبزار همسًا) : هذه كلمات جارحة يا قطبزار.
قطبزار (يطلع إلى القائد) : كلمة واحدة! أنت رجل شريف، وجنديٌّ أيضًا، كذلك أنا، ولقد وقفتُ شرفي على حماية هذا الغلام، فهل فهمت؟ ولقد رجوتك وتوسلت إليك أن تعفو عنه.
القائد : وقد أجبتك (يذهب شمالًا).
قطبزار : كلَّا! وما رجوتك لأجله سدًى سأناله بالقوة.
القائد : وقح!
قطبزار : كفى! ورغمًا عن قانون الأمير، يجب أن أصل إلى غرضي أيها القائد.
القائد : كيف؟
قطبزار : كيف؟ بسيفي، سيفي الذي يشرِّف سيفَك بملامسته! فأنا الفارس قطبزار من سمرقند، وقد سارت الركبان بشجاعتي وفعالي، وقد توسَّلت إليك بمذلة وخضوع، فأهنتني وأهنت قانون الأمير (يجرد سيفه).
القائد : أتدعوني إلى القتال؟
قطبزار : نعم، وإذا رفضت دعوتي تكون إما نذلًا أو جبانًا!
القائد : سأجعلك تعترف بشجاعتي، هلمَّ معي أُرِكَ البرهان (يخرج من الباب الثاني الشمال).
بهادر (في اليمين)، (إلى قطبزار) : أتقاتل في سبيلي! لا لا! ها أنا عائد يا قطبزار.
قطبزار (في الوسط إلى اليمين) : عد إلى الضابط الذي توسَّط لأجلك ولم يُرضه أن تُجْلَد فيهان شرفك، واصبر قليلًا؛ إذ بعد عشرة دقائق سأجعله قائد الحرس (يخرجون جميعًا من الباب الثاني الشمال إلا بهروز).
بهروز : لقد كان قطبزار أمهر لاعب بالسيف في سمرقند، فإذا كان محتفظًا بأسبقيته فسيكلَّل مشروعي بالنجاح قريبًا. وما دام القانون نافذًا، فإن شجاعة قطبزار ستكون أهم وسيلة لرقي جلنار ورفعها من هذا المستوى. آه، ها هي قد أقبلت، ها هي فاتنة أمير داهشتان ومعبودته!

(تدخل جلنار من الباب الأول الشمال متشحة بوشاح زاهي اللون.)

جلنار : لقد ابتسمت لي الأميرة مرة أخرى، وليس ما أراه في عالم الآمال بخيالٍ قط، ولا بد أن حادثًا سيرفعني إلى الدرجة التي تشبع مطامعي (ترى بهروز) آه! أنت لا تزال هنا يا سيدي!
بهروز : نعم. وأتمنى لو أن تكاشفيني بما يجيش في صدرك، فجعلك تبتسمين هذه البَسَمات العذبة!
جلنار : الأميرة يا سيدي، الأميرة! انظر يا سيدي (تُريه الوشاح) حتى لا تظن أني ضننتُ على نفسي بما جُدتَ به عليَّ.
بهروز : وهل ترين نفسك سعيدة باقتناء مثل هذا الشيء التافه؟ ثقي بي، وبعد قليل ترين أجمل امرأة في بلاط الأمير تطأطئ لك رأسها.
جلنار : لا أستطيع أن أستمع لك، ولا أجسر على مطاوعة قلبي فيما يوحي به إليَّ.
بهروز : ولماذا؟
جلنار : إن حياة التجوُّل قد علَّمتني حقائق أكثر مما يسمح لي سنِّي بتعلُّمه، فعرفت أن الرجل الغنيَّ ينبذ اليوم ما كان يعبده بالأمس (تصمت قليلًا) لا لا (بحزن) إني لا أجهل مستقبلي.
بهروز : إنك لا تثقين فيما تتنبئين به لنفسك، ولكِ أن تكذِّبي مَن يتنبئون لك بعلم الغيب، إنما اسمحي لي أن أُريَك حِذْقي في معرفة علم الكف، هاتي يدك (يتناول يدها) ستكونين في الغد … ستكونين زوجة فارس عظيم!
جلنار (جَذِلة) : زوجة فارس …(تسكت لحظة) لعل ذلك في الأحلام!
بهروز : كلَّا، بل في اليقظة، إنك لا تعرفينني وإلَّا لما شككت في أن لي من القوة والنفوذ ما هو كفيل بتحقيق ما أحييته فيك من آمالك (يرفع اللثام) أنا بهروز؛ الوزير الأول في بلاط الأمير شهرمان أمير داهشتان.
جلنار (مأخوذة) : أنت!
بهروز : نعم أنا. ولقد أنقذتِ الآن من أيدي عصابتك رجلًا لا تعرفينه.
جلنار : نعم نعم. ولقد سبق له أن دفع عني إهانة كادت تلحق بي؛ ولذلك وفيت ديني له.
بهروز : ولو أنه الآن كما ترين إلَّا أنه نبيل شريف، وهو يحبك يا جلنار.
جلنار (متأثرة) : أتقول حقًّا يا سيدي؟!
بهروز : لقد وعدته أن أكلمك بشأنه، حتى إذا وافقت على أن تحملي اسمه الشريف، فإني أعيد إليه مكانته الأولى.
جلنار : وهل تستطيع ذلك؟
بهروز : ألم أقل لكِ إني الوزير الأول في إمارة داهشتان، أفلا أستطيع أن أفعل ما هو أكثر؟
جلنار (حالمة) : أيمكن أن أصبح …
بهروز (متممًا) : تصبحين في مكانة رفيعة، وفضلًا عن ذلك، فأنا مكلَّف من قِبل مولاتي الأميرة أن أرفع النَّوَرِيَّة جلنار إلى مرتبة الشرف والمجد.
جلنار : أتقول حقًّا؟
بهروز : وقبل أن تشرق شمس الغد سأجعلها حقيقة (يبدو التأثر على جلنار).
جلنار :
أتُرايَ يَقْظَى أم تُراني نائمة؟!
بهروز :
بل أنت يَقْظَى، فانظري! … …
جلنار :
… … … … بل حالمة!
لو أن آمالي جميعًا حُقِّقتْ
وغدوتُ في ظلِّ الحياةِ الناعمة
لاهتز قلبي شاكرًا فضل الذي
أسدى الجميل ولم أكن بالظالمة
بهروز (بهروز ينظر إلى الخارج ناحية الشمال. لنفسه) : آه! لا يزال طالعي سعيدًا، فقد فاز قطبزار، وها هو بين أيدي الجنود (يسرع ويأخذ جلنار ويخرج بها من اليمين) يدك أيتها الحسناء، ودعيني أرقى بك إلى قمة الشرف (في نفس اللحظة يدخل قطبزار بين يدي الجند).
قطبزار :
ماذا جنى
قُطْبُزارْ!
الجنود :
هيا فما
يُجدي اعتذارْ
قطبزار :
إن كان
ذَنْبي نجدتي
للضعيف
ونصرتي
هيا فما
في الموت عار!
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤