الفصل الرابع

(المنظر: قصر خلوي في ضواحي داهشتان، صالون فاخر، شرفة في الخلف، في الوسط وعلى كلٍّ من جانبيها نافذة ووراء ذلك حديقة. الوقت ليل، ونور القمر ساطع. بابان في الشمال، وباب في اليمين، كراسي ومناضد.)

(تُرفع الستار عن بهادر ينظم المناضد في اليمين.)

بهادر : كل شيء مُعَدٌّ لقدوم بهروز. ولكن ما معنى كل هذه الألغاز؟ ومَن تكون هذه السيدة التي يوليها هذا الاحترام الكثير؟ تالله لو سَمعت الأميرة بذلك لنبذته بلا تردد. آه! ها هو قد أقبل (يدخل بهروز من الباب الثاني الشمال).
بهروز : ألم يحضر أحدٌ بعد؟
بهادر : بل حضرت السيدة، وها هي في الغرفة المجاورة.
بهروز : والخدم والخيول؟
بهادر : عادت إلى داهشتان. هل أُخبر السيدة بتشريف مولاي؟
بهروز : كلَّا؛ أتعرف الفارس الذي كان يكلمني بالأمس، عند باب القصر؟
بهادر : نعم يا مولاي. أوَليس هو سمو الأمير؟
بهروز : صهٍ! إنه سيحضر الليلة، ولا يدخل إلى هذا الجناح أحد غيره.
بهادر : وإذا حضر أحد يا مولاي؟
بهروز : لا تسمح بالدخول لأحد قط، وإذا عارضك أحد، فأطلق عليه الرصاص.
بهادر : أمرك يا مولاي.
بهروز : اخرج الآن (يخرج بهادر من الباب الثاني الشمال) لست أدري كيف نجا قطبزار من الموت. وتالله لو حضر هنا الآن لأفسد عليَّ كل شيء. إذن فلأُسْرِعَنَّ ولا أتباطأ، فهذه الليلة ليلة انتصاري، وعما قليل يحضر الأمير. كما أن رسولي إلى الأميرة لا بد أن يكون قد وصل إليها وأخبرها بخيانة الأمير لها، فأقابلها الليلة في القصر الأبيض، وأحدِّثها بسلوك زوجها الأمير، وأثير فيها نار الغيرة وحبَّ الانتقام، ولعلها ترضى بي (صوت بوق بعيد) لقد حضر الأمير!

(تدخل جلنار من الباب الثاني الشمال.)

جلنار : ما معنى ذلك! آه! مولاي الوزير!
بهروز (بحفاوة) : أرجو أن تكون أوامري كلها قد نُفِّذَت، وألَّا تكوني في حاجة إلى شيء ما يا سيدتي!
جلنار : لا شيء، لا شيء. أشكرك.
بهروز : أرأيت يا سيدتي، كيف تحقَّقت أحلامك الذهبية! فأنت الآن تحملين اسمًا شريفًا، ولك عظمة وجلال، وتنحني لك هامات الأشراف؛ أفلا ترين إذن أن نبوءتي قد تحققت يا سيدتي؟ لقد بررت بكل ما وعدت.
جلنار : حقًّا لقد بررت يا بهروز، ولو أن زوجة الفارس قطبزار، تأسف لما كان من مطامع جلنار (تبكي).
بهروز : وعَلَامَ الأسف؟ وما هذه الدموع؟
جلنار : أرجو ألَّا تظن أني جاحدة فضلك أو فضل مولاتي الأميرة، ولكن مع ما يحوطني من الجلال والأبهة آسفة جدًّ؛ لأن تلك الراقصة كانت حرَّةَ الإرادة، طليقةَ الفكر. والحرية هي نعيم الحياة.
بهروز : اسكتي!

(يدخل بهادر من الباب الثاني الشمال.)

بهادر : لقد حضر يا مولاي.
جلنار : مَن؟
بهروز : زوجُك يا سيدتي.
جلنار : زوجي (تبكي. يدخل الأمير من الباب الثاني الشمال، فيحييه بهروز باحترام، ويشير إلى بهادر، ويخرجان من اليمين).
الأمير (على حدة) : ها نحن وحدنا أخيرًا (بصوت عالٍ) جلنار!
جلنار (على حدة) : إني أرتعد حتى من صوته (تبتعد).
الأمير : لماذا لا تجيبين، وأراك تبتعدين عني؟
جلنار : عفوًا سيدي، ولكنِّي …
الأمير : لقد اصفرَّ لونك (يتناول يدها) ويدك باردة كالثلج.
جلنار (تسحب يدها) : إنِّي … إني … (على حدة) لا أستطيع الكلام.
الأمير : لماذا لا تجيبين؟ وما بالك قَلِقة؟
جلنار : كيف أجيبك يا مولاي؟ وكيف تعجب لقلقي، وأنت ترى زواجنا الغريب، والتفاوت الهائل الذي بيننا، فأنت رجل شريف، وأنا … متسولة! إني ما زلت أشعر بما بيننا من البون الشاسع، حتى لا أجسر على أن أرفع عينيَّ إلى عينيك، بل إني … أخافك وأخشاك.
الأمير : تخافينني وتخشَيْنني (بعظمة الإمارة) نحن نعلم … (يسكت) جلنار، إنك تسيئين إليَّ بهذا الشعور! فأنا أحبك، ومستعد لأن أضحِّي بكل شيء في سبيل أن أنال منك الحبَّ والعطف (يقبِّل يدها فتسحبها).
جلنار : أوه!
الأمير : ما هذا؟ لقد أخبرني بهروز بأنك تنتظرين حضوري بفارغ الصبر، فهل خدعني؟
جلنار : إنه لم يخدعك وحدك يا مولاي، بل خدعني أنا أيضًا.
الأمير : وكيف ذلك؟
جلنار : بهذا الزواج؛ لأنه أخبرني أن زوجي فقير معدم، لا يملك إلَّا اسمه.
الأمير : لَن تُخْدَعي بعد ذلك، فاطلبي ما تشائين أُحْضِرْهُ لك؛ لأن حبي يزداد اضطرامًا، فبادليني الحب (يأخذها بين ذراعيه).
جلنار (تتخلص منه) : دعني يا سيدي، دعني!
الأمير (محتدًّا) : لقد فهمت، فأنت تحبين شخصًا آخر يا جلنار، فأنا إذن مخدوع، وقد أخطأت إذ رفعتك إلى هذه الدرجة، فيا لكِ من ناكرةٍ للجميل! ادخلي غرفتك يا سيَّدة! وتعلمي كيف تطيعين زوجك ومولاك!
جلنار : إني مطيعة لك، وأراك محقًّا في غضبك، وها أنا أقدِّم لك طاعتي يا سيدي ومولاي (تخرج يمينًا).
الأمير : لعلها نادمة، فلماذا أتردد (يذهب نحو الباب اليمين) وفي الإمكان التغلُّب عليها.

(يُسمَع صوت عيار ناري ويدخل قطبزار من الشرفة وينزل شمالًا إلى الوسط.)

قطبزار (لنفسه دون أن يرى الأمير) : طريقة غير لطيفة في استقبال الضيوف، وماذا عساني قد ارتكبت لأكون هدفًا للرصاص أَنَّى ذهبت؟!

(الأمير يدخل قليلًا ويراقب. يدخل بهادر خلسةً من الشمال وفي يده غدَّارته.)

بهادر (مندهشًا) : قطبزار (يخرج شمالًا).
قطبزار : يا لله! (يلمح الأمير) عفوًا سيدي، فإني لم أَرَك إلَّا في هذه اللحظة!
الأمير (ينحني قليلًا) : لماذا دخلتَ من هذه الشرفة؟
قطبزار : لأني وجدت الباب مغلقًا!
الأمير : ليس المجالُ مجالَ مزاح. ما هو السبب الذي حملك على ذلك؟
قطبزار : إنه لسبب مقبول، فقد رأيت على ضوء القمر سيدة جميلة جدًّا، فأحببت أن أحادثها.
الأمير : ماذا تقول؟
قطبزار : أقول إني قرعتُ الباب فلم يُسمَحْ لي بالدخول، فكيف يتسنَّى لي إذن أن أدخل؟ لم أرَ إلَّا هذه الشرفة، وما إن شرعت أتسلَّق الجدار حتى فوجئت برصاصة اخترقت عمامتي (يريه أثرها في العمامة) وهذا منتهى المجاملة في إكرام الضيوف، فهل في هذا العمل ما يَمَسُّك؟
الأمير : وما شأنك مع هذه السيدة؟
قطبزار : عفوًا، فإني ما عدت أثق بأحد، وغاية ما هناك أني أردت … أن … أن أراها فقط.
الأمير : يا للوقاحة! اخرجْ من هنا حالًا!
قطبزار : بعد الذي تكبَّدته حتى دخلتُ هنا؟ لعلك …
الأمير : رب هذا البيت.
قطبزار : ربُّ هذا البيت (يسعل بمعنًى) حيث لمحت زوجة الفارس قطبزار.
الأمير : إذن فأنت تعرفها؟
قطبزار : أعرفها قليلًا جدًّا؛ لأني لم أَرَها إلَّا دقائق، وما دامت هي مقيمةً هنا، فهل تسمح لي أن أسألك ما هو اسمك؟
الأمير (بعظمة) : أنا … (يتوقف وينظر نحو غرفة جلنار) أنا الفارس قطبزار (يجلس).
قطبزار : آه؟ قطبزار، الفارس السمرقندي (على حدة) يا للشيطان! لقد خرج من رفاتي رجلان كل منهما قطبزار (يدخل بهادر خلسةً من الباب الثاني الشمال).
الأمير : لقد قلت لك مَن أنا، فقل لي من أنت؟
قطبزار (على حدة) : يَا لقِلَّة حياءِ هذا الوغد!
بهادر (يهمس في أذن قطبزار خفية ثم ينسل خارجًا) : إنه الأمير.
الأمير : أراك مترددًا يا سيدي (يلتفت إليه).
قطبزار (لنفسه) : إنه الأمير، إذن فقد فهمت كل شيء.
الأمير : يظهر أن سؤالي قد أحرجك. أجبني!
قطبزار : بالطبع أجيبك، ما دمتَ أنت قطبزار (يجلس في الشمال الوسط بعظمة ويضع سيفه على ركبتيه) فنحن أمير داهشتان.
الأمير : ماذا؟! الأمير؟!
قطبزار : نعم، أنا الأمير شهرمان، أمير داهشتان!
الأمير : أنت!
قطبزار (بسرور) : نعم، كما أنك قطبزار. آه، يظهر أنه قد أدهشك أن ترى سُمُوَّنا في مثل هذه الساعة من الليل بلا حرس أو حاشية، وفي منزل امرأة جميلة ليست بالأميرة، ولكننا نؤكد لك أنه ليس في هذا ما يدعو للعجب؛ لأن الأمراء أحيانًا يميلون إلى اللهو متنكرين. إنما حذارِ أن تبوح بكلمة عن طيش سُمونا هذا! إني مطمئن إذ بُحْتُ لك بسرِّي يا قطبزار، ولكننا مع ذلك، نحذِّرك من إفشاء سِرِّنا!
الأمير (على حدة) : وقح! مَن تراه يكون هذا الرجل؟
قطبزار : ها! بهذه المناسبة قد تذكرنا، لأننا نعرف كل رعايانا، ونعرف أن قطبزار شجاع، ولو أنه يميل إلى المزاح والضحك، ولقد تقاتل مع قائد حرسنا الملكي وقتله، فخالف بذلك القانون الذي أصدرناه أخيرًا، ثم نُفِّذ فيه الحكم في ساحة الثكنة (يقف ويقترب من الأمير) فإذا كنت قطبزار حقيقةً، فبأي حق لا تزال حيًّا؟ ألا تعلم أننا إذا بُحنا بأمرك، فكل رعايانا المخلصون لنا يتسابقون إلى قتلك (بهدوء) ولكننا لا نبوح بسرِّك.
الأمير (يقف) : سموكم قد نسيتم …
قطبزار : محتَمَل، وكثيرًا ما ننسى، ولكن ما الذي نَسِيَه سُمُوُّنا؟
الأمير : نسيتم أنكم عفوتم عن قطبزار.
قطبزار : حقًّا لقد نسينا (بعد برهة تفكير) ولكننا لا نذكر في أية ساعة عفونا.
الأمير : كان ذلك في الساعة الثامنة من ليلة تنفيذ الحكم.
قطبزار : آه … حقًّا لقد أصدرنا أمرنا بالعفو، في الساعة الثامنة (على حِدة) وأطلقوا الرصاص عليَّ في السابعة (بصوت عالٍ) تذكرنا، ولقد صدر عفونا متأخرًا ساعة بعد تنفيذ الحكم (لنفسه) ومع هذا لا بأس.
الأمير : ولذلك ترون سموكم أنه لا فائدة من إشهار أمري.
قطبزار : كما أنه لا فائدة لي من انتحال لقب ليس لي.
الأمير : إذن فلستَ أمير داهشتان.
قطبزار : كلَّا، وأظنكم لم تجهلوا ذلك.
الأمير : أنت إذن … (يدخل بهادر من الشمال الأول يحمل رسالة).
قطبزار : الرجل الذي لا يخشى رصاصَ ستة من رجال الحرس الأبطال.
بهادر (ينزل ويركع أمام الأمير ليسلمه الرسالة) : مولاي! رسول أتى بهذه الرسالة السِّرِّيَّة.
الأمير (يتناول الرسالة) : ما هذا (يقرأ) خيانة! الأميرة تعلم بغيابي، وموجودة بالقصر الأبيض! حصاني يا غلام! انتظر! (له على حدة) هل أنت في خدمة بهروز؟
بهادر : نعم يا مولاي.
الأمير : إذن عليك مراقبة هذا الرجل، وإخراجه من هنا ومعرفة اسمه (يخرج مسرعًا من الشمال الأول).
بهادر : وأخيرًا، هذا أنت يا قطبزار!
قطبزار : نعم أنا، أنا مَن أنجيته من تلك الميتة المخزية.
بهادر : وكدتُ أن أقتلك منذ لحظة.
قطبزار : وهذا هو البرهان (يريه العمامة).
بهادر : ولكني لم أكن أعرف أنه أنت.
قطبزار : لا شك عندي في ذلك يا بهادر، ولكن قل لي، هل يجب عليَّ أن أغادر هذا المنزل؟
بهادر : هكذا أُمِرْت.
قطبزار : وإذا رفَضتُ أو قاومت؟
بهادر : قاومت؟ ومن يعترضك؟! لا يوجد هنا أحد غيري، وأنا خادم قطبزار.
قطبزار : يا لك من فتًى أمين! تالله لو أصبحتُ ذا ثروة …
بهادر : تبقيني في خدمتك؟
قطبزار : خدمتي؟! بل أجعل في خدمتك اثني عشر فتًى! ولكن قل لي يا بهادر، ألا توجد هنا سيدة؟
بهادر : نعم.
قطبزار : أحب أن أراها، فخذني إليها (تدخل جلنار من اليمين).
بهادر : ها هي يا سيدي.
جلنار : شخص غريب!
قطبزار : اتركنا يا بهادر (يخرج بهادر من الثاني الشمال) ها قد التقينا أخيرًا يا سيدتي (تضطرب لصوته وتنصت بانتباه فتتذكره ويلوح عليها السرور) ولو أني خاطرت بحياتي، وتعبت كثيرًا، فقد أطلق الرصاص عليَّ مرتين حتى تمكنت من هذه المقابلة.
جلنار : هذا الصوت!
قطبزار : ما لي أراك مندهشة؟ ألا تعرفينني يا جلنار؟
جلنار : أنت …
قطبزار : زوجك.
جلنار : الفارس قطبزار؟
قطبزار : نعم أنا.
جلنار : أنت!
قطبزار : جلنار، إني أعرف كل شيء، فإنك ظننتِني قد مِتُّ حقيقة، وعندما تمت صيغة عقد الزواج، انتظرتِ لتسمعي صوت الطلقات التي تقضي عليَّ وتمنحك الحرية.
جلنار (برعب) : ماذا تقول؟
قطبزار : أقول إنك قد نلت اسمًا، بطريقة غير شريفة.
جلنار : هذا كذب! فإني لم أخدش شرف زوجي، حتى في أفكاري (بانعطاف) ولكن، هل أنت زوجي حقيقةً؟ إن شخصًا آخر قد انتحل لنفسه اسم قطبزار، و…
قطبزار (مقاطعًا) : محض اختلاق وسخرية وتزوير! إن الأمير ليس في حاجة لانتحالِ مثل هذا الاسم الحقير.
جلنار : الأمير!
قطبزار : نعم، أمير داهشتان.
جلنار : تمهَّل، وأثبت لي أنك زوجي حقيقةً، وأنا أجيبك على كلِّ شيء. هاتِ برهانك!
قطبزار : برهاني؟ أقسم بشرفي.
جلنار : إنك لم تكلمني إلَّا مرةً واحدةً، فهل تذكر الكلمات التي قلتها لي أثناء عقد الزواج؟
قطبزار : نعم أذكرها بنصِّها، فقد قلت لك: «سيدتي، إني أهبك ما بقي من حياتي، وهو قليل.»
جلنار (بفرح) : أنت زوجي! وهذا ما قلته لي حقًّا (تحاول الاقتراب منه، فيشير لها بالابتعاد).
قطبزار : عفوًا سيدتي، فإنَّ الأمير يهواكِ، وإنه لذو بأسٍ شديد.
جلنار : كلَّا يا قطبزار، بل يا زوجي! أرجو ألَّا تكافئني على آلامي بهذه المكافأة، واستمع لي قليلًا، وبعدها احكمْ عليَّ بما شئت. في اليوم الذي أنقذتك فيه من يد الغوغاء، قابلني شخص لا أعرفه، وتنبأ لي بطالع سعيد، وقال لي إنه موفد من قِبَل الأميرة، ليرفعني إلى الدرجة التي أنا أهلٌ لها، واقترح أن تكون الوسيلة لذلك …
قطبزار (مقاطعًا متهكمًا) : وسيلة شريفة جدًّا بالطبع!
جلنار : إنها لشريفة حقًّا؛ لأني بزواجي منك، اعتقدت أني تزوجت من رجلٍ يكترث بي (بعطف) ويحبني، وأشعر في قلبي بعاطفةٍ تجذبني نحوه.
قطبزار : أتُراكِ تخدعينني؟
جلنار (تبكي) : وهل هذه الدموع خادعة؟ (تمسك يديه وتركع) آه يا زوجي! لقد جوزيت على كبريائي، ولكني احتفظت بشرفك والوفاء لك، وإذا ارتبت فيَّ فاقتلني.
قطبزار : هذا شرط مخيف يا جلنار.
جلنار : آه يا قطبزار! إنك لا تدري مقدار ما أشعر به من الحب الذي ابتدأ في قلبي منذ ساعة الزواج، كما أنك تجهل ما تحمَّلته من الآلام، وقاسيته من الخوف، وتأنيب الضمير حتى أصبح خيالك معبود قلبي.
قطبزار (يأخذها بين ذراعيه) : صدقت يا جلنار، ولن أكون بعد اليوم قطبزار الطريد الشريد، بل إن فارس سمرقند سيعيش محتفظًا بكرامة اسمه الشريف، ما دمت قد قبلت أن تشاركيه الحياة (صوت طبول) آه! جنود يقصدون إلى القصر!
جلنار : إذن فاهرب وانْجُ بنفسك.
قطبزار : أهرب وأنا أرى الأمير يهدد باب غرفةٍ أنت فيها؟
جلنار : لا تخشَ عليَّ، واذهب أنت إلى الأميرة، فإنها في القصر الأبيض القريب من هنا، وأخبرها أن جلنار في خطر؛ فإنها لا محالة تنقذني.
قطبزار : لا أطلب إلى أحد أن يحميك ما دمت أحمل سيفًا.
جلنار : لست أجهل نبالتك، فإنك تفضِّل الاعتماد على زندك عن الالتجاء إلى امرأة، ولكني أرجوك إكرامًا لخاطري، أن تسرع بالذهاب إلى الأميرة.
قطبزار (يقبلها) : إذن فإلى الأميرة (يخرج من الوسط).

(جلنار تركع مبتهلة. يدخل بهادر من الباب الأول الشمال.)

بهادر : سمو الأمير يا سيدتي.
جلنار : ما العمل يا رباه! لا تتركني وحدي يا بهادر!
بهادر : ولكن سيأمرني بالخروج.
جلنار : هذا صحيح، وتجب عليك طاعته، ولكن أرجو ألَّا تتركني بلا حماية (تتناول خنجرًا من حزامه) فهذا الخنجر يكفيني شره (يدخل الأمير من الشمال الأول).
الأمير (إلى بهادر) : أين الرجل الغريب الذي تركته هنا؟
بهادر : خرج يا مولاي.
الأمير : وما الذي حمله على الحضور؟
بهادر : إنه هارب من السجن يا مولاي.
الأمير : اخرج الآن.

(بهادر ينظر إلى جلنار.)

جلنار : بهادر، أطع سمو الأمير (يخرج بهادر من الباب الأول الشمال).
الأمير : من تراه يكون قد خانني؟
جلنار : إن الذي خانك يا مولاي هو نفس الشخص الذي أشار عليك بارتكاب هذا العمل الدنيء، المزري بشرف الأمير.
الأمير : وكيف ذلك يا جارية؟!
جلنار : وهو الذي جعل الروابط المقدسة، هزؤًا وسخرية، وقدَّمك لي باعتبار أنك زوجي، الفارس قطبزار.
الأمير : جلنار، أنا الأمير، وغير مرة شعرت بضميري يخز عزتي وكبريائي، وما دمت الآن قد عرفت مَن أنا فأرجو أن تصغي إليَّ!
جلنار : أتوسل إليك يا مولاي أن تتركني.
الأمير : أتركك! وأنت المرأة الوحيدة التي أحببتها حبًّا صادقًا حارًا؟
جلنار : اتركني يا مولاي من باب الشفقة بي، كن رحيمًا وارحمني!
الأمير : قبلة واحدة، واحدة فقط (يقترب منها).
جلنار (تشهر خنجرها لتضرب نفسها) : خطوة أخرى، وأقتل نفسي!
الأمير : ما هذا يا جلنار؟ هل تكرهينني إلى هذا الحد؟
جلنار : كلَّا يا مولاي، ولكني زوجة لرجل، فإمَّا أن يراني جديرة به، وإما ألَّا يرى لي أثرًا.
الأمير : عمَّن تتكلمين؟
جلنار : أتكلم عن زوجي الفارس قطبزار.
الأمير : لقد مات (يدخل قطبزار من الباب الأول الشمال).
قطبزار : لم يَمُت بعدُ يا مولاي، فشكرًا لكم على كريم عفوكم.
جلنار (ترمي الخنجر وتسرع إليه) : زوجي يحميني!
الأمير : زوجك! (قطبزار يذهب يمينًا ويغلق الباب وسائر الأبواب بسرعة ويأخذ المفاتيح معه) ماذا عملت يا سيدي؟
قطبزار (عند الباب اليمين) : أغلقت الأبواب يا مولاي، حتى لا يدخل أحد فيسمع ما لا يصح أن يسمعه أحد غيرك (يذهب إلى الوسط).
جلنار (لنفسها) : وكيف سينتهي هذا الأمر؟
قطبزار (بوحشية) : لو كان يريد السوء بزوجتي، شريف وجندي مثلي، لاتخذت منه في الحال غمدًا لسيفي؛ لأن المرء في هذه الأحوال لا يرجو صلحًا أو سلامًا، بل يتطلب ثأرًا وانتقامًا، ولكنك أميري يا مولاي (يقدم له سيفه) ولذلك أنزع سلاحي.
الأمير : إنك يا سيدي تكلم أمير داهشتان!
قطبزار : وهل أرى أمامي غيره؟ ولكني لا أستطيع امتلاك زمام يديَّ؛ ولذلك أجردهما من السلاح (يرمي سيفه بعيدًا) إنما يجب التفكير.
الأمير (بإجهاد) : تقدم يا سيدي، فقد راقتني جرأتك.
جلنار : اذكرْ أنه الأمير يا قطبزار.
قطبزار : نعم إنه سمو الأمير. يا مولاي، إن هذه المرأة الضعيفة التي أجمعتم رأيكم ومكائدكم على الإيقاع بها، قد حصلت على حماية سمو الأميرة.
الأمير : الأميرة!
قطبزار : نعم يا مولاي، ولقد كنت رسولها إلى الأميرة في القصر الأبيض.
الأمير : إذن فقد قابلت الأميرة؟
قطبزار : ستسمع كل شيء يا مولاي، فإني لما وصلت إلى القصر لم يسمح لي بالدخول، ورغمًا عن بنادق الحرس ورصاصهم …
جلنار : إذن فقد كنت في خطر!
قطبزار : بالطبع، ولكني ضد الرصاص.
الأمير : أتمم حديثك!
قطبزار : تسلقت جدار البستان حيث تظلله بعض الأشجار، ثم انسللت إلى الداخل حيث سمعت صوت شخصين، أحدهما رجل والآخر امرأة، ولو أن المرأة متأثرة إلَّا أنها كانت تتكلم بعظمة، وأما الرجل فكان يتكلم بصوت مرتعد، وسمعته يقول: «مولاتي إنك مخدوعة، فزوجك سيكون الليلة بين ذراعي عشيقته في قصر في الغابة، وقد كلَّفت بعض رجالي أن يقتفوا أثره ويأتوني ببرهان خيانته.»
الأمير : مَن ذا الذي يجرؤ على أن يضع عليَّ رقيبًا!
قطبزار : أما الرجل فهو وزيرك بهروز، ذلك الوزير المحبوب، وأما السيدة فهي … الأميرة.
الأمير : محض اختلاق! ولو صح ذلك … (يذهب إلى الباب الشمال).
قطبزار (ببرود) : لقد نسيتم سموكم أني قد أغلقت الأبواب!
الأمير (غاضبًا) : قطبزار، افتح ذلك الباب!
قطبزار : إن ما أردت أن تلطِّخ به عرضي من العار، يلطخ به عرضك في هذه اللحظة، ومع ذلك فلا يمكنك الخروج من هذه الغرفة (الأمير يخفي وجهه في يديه ويسقط على مقعد) وكل دقيقة تمر عليك، هي بمثابة دهر من الألم والعذاب، ولا تستطيع الخروج من هنا، لتحقق ظنك وريبتك، فكل ما حملتنيه من الألم، أحمِّلك إيَّاه الآن، وخطواتك رهن أمري.
الأمير (يشير إلى الباب) : هلاكك يتوقف على ترددك لحظة واحدة!
قطبزار : هذا مزعج مخيف، أليس كذلك؟
الأمير : خذ سيفك! (ينهض) فإني لست الآن أميرًا؛ لأن خيانتك تجعلني أقف معك في مستوًى واحد، فدافع عن نفسك حتى لا أُعَدَّ قاتلًا!
جلنار (تذهب إلى الوسط، فيدفعها قطبزار إلى الوراء) : بالله يا مولاي!
الأمير (في الشمال) : خذ سيفك وإلَّا قتلتك!
قطبزار : لقد فاتتك الفرصة.
الأمير : فاتتني الفرصة؟ وكيف؟
قطبزار : متى تردد فارس شريف في الأخذ بثأر أميره؟! أتظن أني أبقيت على الرجل الذي اتخذ من شرفي سلمًا لِهَتْكِ حُرْمَة شرفك؟ كلَّا يا مولاي، فلقد ضربته! نعم ضربته يا مولاي، وصنت لك شرفك. وقد أتى الآن دورك في صَوْنِ شرفي والدفاع عنه (يركع للأمير مشيرًا إلى جلنار).
الأمير (يرفعه) : قم يا قطبزار.

(صوت طبول وصياح في الخارج: «الأمير»، «الأمير»! ثم تُدفع الأبواب مفتوحةً ويتدفق منها الأشراف.)

الضباط : إنه الأمير!
الأمير : نعم أيها السادة، فقد تفضلنا بزيارة قطبزار فارس سمرقند المغوار، وأحد رعايانا الذين امتازوا بالتفاني في الإخلاص لشخصنا (الكل يندهشون) يا أيها الفارس قطبزار، لقد عيَّناك واليًا على العاصمة.
قطبزار : وولاية الحدود خالية أيضًا يا مولاي.
الأمير : ولماذا تطلب ولاية الحدود بدلًا عن العاصمة؟
قطبزار : لأنها تبعد عن داهشتان بنحو مسيرة ليلتين، وهذا (يشير إلى جلنار) يضاعف فضلكم عليَّ يا مولاي، وزيادة على ذلك فليس لي هناك دائنون.
الأمير (مبتسمًا) : فليكن ما طلبت، ولقد عيَّنا تابعنا الوفيَّ الأمين الفارس قطبزار واليًا على ولاية الحدود.
الجميع : فليحيَ الأمير! فليحيَ الأمير! فليحيَ الأمير!
(ستار)
(انتهت الرواية)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤