نتر حزت (وفيما بعد) نب حبت رع منتو حتب «الثاني» (٢٠٧٠–٢٠١٩ق.م)

في عام ٢٠٧٠ق.م، ذهب سعنخ أب تاوى إلى الأفق (أي تُوفي كما يعبر المصريون عن موت الفرعون)، وخلفه على أريكة الملك أسن أولاده الذي اختار لنفسه اسم «حور نتر-حزت» (السيد المقدس للتاج الأبيض) ملك الوجهين القبلي والبحري ابن الشمس «منتو حتب»، وهذه التسمية كان قد راعى فيها التقليد الذي سار عليه أجداده منذ أربعة أجيال (Vandier; Ordre de Succession des dernier Rois de la XI Dynastie, Studia Aegyptiaca (1938) P. 39) وكان حديث السن؛ ولذا ظل في الحكم واحدًا وخمسين عامًا. ويظهر أن أملاكه لم تكن واسعة في مستهل حكمه؛ لأن والده كان قد فقد «طينة» والعرابة، وقد كانتا من أملاك أمراء «طيبة» منذ أيام جده الأكبر «واح عنخ».

(١) حربه مع ملك إهناسية المدينة وأمير أسيوط

ولم يهنأ هذا الأمير الفتى بهدوء البال طويلًا، فإن كثيرًا من المناوشات بدأ على أثر تسلمه زمام الملك، ولم تعمر الحرب التي اندلع لهيبها، بعد، أمدًا طويلًا؛ لأن «تف إب» أمير أسيوط الذي كان أكبر عضد للفرعون في إهناسية المدينة غاله الموت، وتولى ابنه خيتي مكانه، كل ما نعلمه بعد ذلك أنه لم يمضِ زمن يسير حتى رأينا حدود مملكة طيبة قد انتقلت إلى «شاسحتب» وتقع الآن مكان «شطب» الحالية القريبة من «دير ريفه» على نفس حدود أسيوط، ويظهر أن «خيتي» أخذ يتسلى ويغطي موقفه بالكلمات الحماسية والجمل الطنانة، يرددها عسى أن تخفي الحقيقة المرة التي كانت تواجهه وتنذره بأن حربًا شعواء على الأبواب تندلع في عهد مليكه «مري كارع»؛ فتراه يقول مفاخرًا: «إنك قد نشرت الرعب في كل البلاد، وإنك بمفردك أخضعت مصر العليا للملك وجعلته يذهب نحو الجنوب، في حين أنك جعلت السماء خالية من السحاب.» وكانت الأرض كلها مع الملك: أمراء الوجه القبلي وأشراف هيراكليو بوليس.

على أنه لم يحدث قط أن كانت أول سفينة من الأسطول تصل إلى «شاسحتب» في حين أن آخر سفينة منه كانت «في قرية ما على مسافة عدة أميال في أسفل النهر.»

أما الجيش فقد عاد بالنهر ورسا عند «هيراكليو بوليس» وفرحت المدينة بسيدها وابن سيدها وكذلك النساء والرجال والشيوخ والأطفال، وقد وصل ابن السيد المدينة ودخل بلاط والده وعاد ثانية من كانوا قد هجروا وطنهم، ودفن أولئك الذين ليس لهم أبناء، سيد الأرضين الملك مري كارع (Brunner Ibid Tomb IV 1, 10).

ومما يؤسف له أننا لا نعرف من النقوش حتى الآن من الذي كان يحكم طيبة وقتئذ، ولا نشك في أنه كان «حور نتر حزت» «منتو حتب».

ولم يمكث «مري كارع» على عرش الملك بعد ذلك إلا سنين قلائل، وتدل الآثار المكشوفة على أنه دفن في منف بالقرب من هرم الملك «تيتي» في هرم يدعى «أماكن مري كارع مزدهرة» (Quibell, Saqqara 1905-1906 Pl. XIII, XV, 1906-1907 Pl. VI; Firth and Gunn, Teti Pyramid Cemeteries PP. 187, 202, 257).

والظاهر أن كهنة هذا الهرم قد مكثوا مدة يزاولون مهمتهم؛ لأننا نعرف أكثر من ستة منهم.

(٢) الملك نب-كاو-رع آخر ملوك إهناسية المدينة

ويقال إنه بعد موت «مري كارع» قد تولى الحكم بعده الفرعون «نب-كاو-رع» وهو الفرعون التي تنسب إلى عصره قصة الفلاح الفصيح،١ غير أنه لم يحكم إلا عهدًا قصيرًا؛ ويرجع السبب في ذلك إلى أن «هيراكليو بوليس» آل أمرها إلى السقوط نهائيًّا وحلت محلها طيبة عاصمة لعرش البلاد من أقصاها إلى أقصاها (Scharff, Merikare P. 51).

(٣) توحيد البلاد

وليس هناك ما يدعو إلى الدهشة من أننا لا نعرف شيئًا قط عن الحروب التي أدت إلى القضاء الأخير على سلطان ملوك «هيراكليو بوليس» بعد مضي ١٨٠ سنة من بداية تربعهم على عرش البلاد. والدليل المعاصر الوحيد الذي يمكننا أن نقدمه في هذا الصدد هو الأسلوب الذي أصبح يُعرف به حاكم طيبة، ففي بادئ الأمر كان يحمل اسمين يكتب ثانيهما في طغراء (Bissing-Bruckmann, Denkmaler Aegytische Sculptur, Pl. 33 A).
وفي هذه الطغراء كان يكتب قبل الاسم النعت «ابن الشمس» كما كانت الحال غالبًا في عهد الأسرة السادسة، وكان الملك يضيف إلى هذا الأسلوب لقبًا كتب أولًا [«نب حبت» ويجوز أن يكون «حبت» فقط] على آثاره المبكرة جدًّا في الجبلين، وعلى نقش في الصخر في طيبة، حيث يقرأ الإنسان «حور نتر حزت» ملك الوجه القبلي والبحري «حبت» (؟) ابن الشمس «منتو حتب» (Winlock, A. J. S. L. 1941, P. 144) ثم نجده فيما بعد يلقب اللقب بإيضاح أكثر «نب-حبت-رع» (Louvre Stela C 252; Meyer, Gesch. Ibid. Par. 277, Winlock, A. J. S. L. 1915 P. 12).
أي «سيد المربع المقدس هو رع» ثم يضاف اسم إلهتين وُحِّد مع «حور» على أنه يوجد على جزيرة «كونوسو» الواقعة عند الشلال الأول نقشان على الصخر يجوز أنهما نُحتا هناك قبل أن يكون «نب حبت رع» قد أتم فتح البلاد كلها (Lepsius, Denkmaler, Pl. 150 a; De Morgan, “Catalogue des Monuments”; Vol. 1, 71, No. 31, P. 73, No. 44).
وفي كل نقش يلاحظ رسم صورة للإله «مين» إله التناسل، وهو واقف بين الإلهة «ساتت» إلهة الشلال، والإله «منتو» والإله «خنوم» الذين يقدمون له الحياة، وفي إحدى النقوش نرى الملك غير قانع برسم تسعة الأقواس التي اعتاد المصريون أن يرمزوا بها للأقوام الهمج الذين يطؤهم الفرعون بقدميه، فرسمهم خمسة عشر قوسًا، يضاف إلى ذلك أنه عثر على نقش في صخرة في «وادي الحمامات» كتب فيه ابن الشمس «منتو حتب» كل ذلك في طغراء واحدة، محبوب «مين» إله «قفط» مثل رع في الخلود (Couyat & Montet, Inscriptions Hieroglyphiques du Ouadi Hammamat No. 112).

(٤) آثاره وأعماله

وفي تل الشيخ موسى في الجبلين على مسافة بضعة أميال من «أرمنت» أقيم معبد صغير احتفالًا بإقامة باب عظيم لمعبد ما محلي ولإظهار الفرح بإحدى انتصارات الملك الأولى (Bissing-Bruckmann, Ibid Pl. 33 A; Maspero Ibid. P. 459, Breasted, A. R. Vol. I Par. 423 ff).
وقطع الأحجار التي بقيت من هذا المعبد الصغير موجودة الآن في المتحف المصري، وقد حُفظت لنا من يد المخربين الحاليين؛ لأنها كانت قد استعملت ثانية في إقامة جدار لمعبد من عهد البطالمة، وهذه البقايا لها أهمية بالغة، فعلى قطعة منها نشاهد الملك «نتر حزت» يقرب أمير لوبيا المسمى «حز-وواش»، وعلى الأخرى يشاهَد وهو يذبح أربعة من الأسرى البائسين وهو يقول: إنه مسيطر على رؤساء الأرضين، الصعيد والدلتا والأجانب وشاطئ النيل والأقواس التسعة وكل المصريين، وهؤلاء الذين يصب عليهم جام غضبه هم أسرى مجهولو الاسم، ويقول عنهم البعض إنهم: مصري، و«سيتيو» من بلاد النوبة، و«سيتيو» أسيوي، و«تحنو» من لوبيا. وقد كان من الطبعي أن نجد معلومات كثيرة عن هذا الفرعون في «طيبة»، غير أن التغيرات التي حدثت في المباني بسبب تغير الدول منذ الأسرة الحادية عشرة كانت عظيمة جدًّا لدرجة أنه لم يبقَ لنا من آثارها شيء في الجهة الشرقية، أما في الجهة الغربية من «طيبة» على ضفة النيل اليسرى؛ أي في مدينة الأموات، فكانت الأحوال تختلف اختلافًا عظيمًا؛ إذ قد بقي لنا بعض الآثار الهامة عن هذه الأسرة الغامضة. ففي متحف القاهرة توجد لوحة عثر عليها في «ذرع أبو النجا» نقش عليها «حور نتر حزت» ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب حبت رع منتو حتب»٢  (Daressy, A. S. (1907) P. 242).

(٤-١) بدء العمل في بناء معبد «منتو حتب الثاني»

وقد انتخبت نقطة على هذا الشاطئ الغربي نفسه على مسافة ستة كيلومترات من الجنوب الغربي لمعبد «منتو» عند سفح الصخرة وعند رأس الوادي جنوب مقابر الدولة القديمة، وقد بدأ العمل في هذه النقطة على أثر تولية هذا الملك ليجعل منها أثرًا ضخمًا لنفسه، وقد كان أول شيء وضع تصميمه مهندسو هذا الفرعون الشاب هو ردهة ضخمة على هيئة درقة؛ تمشيًا مع روح العصر الفنية، فكانت قاعدتها متجهة نحو معبد «منتو» بالكرنك، وقد بنى من جدارها الشرقي ما لا يقل عن ٢٣٠ مترًا، وترك فيها فتحة اتساعها ٤٠ مترًا عند رأس الوادي، غير أننا لا نعرف مقدار تصميم علو الجدار أو طوله؛ لأن الجدار نفسه قد استعمل في العصر التالي محجرًا تؤخذ الأحجار منه لأعمال البناء حتى اندثرت خرائبه كلية (Winlock, Dier el Bahri P. 203 Pl. 3)، وهذا التغيير في تصميم المبنى الأصلي قد أجبر عليه مهندس البناء بسبب كومة من الشظايا الضخمة نحتت من التلال الواقعة في الجنوب وتراكمت هناك، وسواء أكان هذا الجدار قد عمل تصميمه لتشييد طريق من الردهة يتجه مباشرة نحو معبد منتو أم لغرض آخر، فإن الفكرة قد عدل عنها إلى إقامة بناء يتجه بعيدًا نحو الجنوب.

(٤-٢) مقابر زوجات الملك

وأول ما عمل في هذا البناء مسطح في الشظايا الواقعة عند سفح الصخرة أقيم على ظهره ستة هياكل مكعبة الشكل فوق ست مقابر منحوتة في جوف الصخر، لستٍّ من زوجات الملك «نب حبت رع» (Naville; XI Dyn. Temple, 1, 7, 30, 47, 53, Pls. XI, XVII, XXIII.: III, 9 Pls. II, III; Winlock; Dier eI Bahari P. 35, Fig 4).
وقد أقيمت هذه الهياكل الست في صف خلف الموقع الذي كان مخصصًا لإقامة أثر الفرعون نفسه، ولم يكن قد أقيم بعد (شكل رقم ١)، وهذه الهياكل كانت تتألف من مجموعتين كل مجموعة ثلاثة هياكل، ويفصلهما فتحة طولها نحو عشرة أمتار، وكان كل هيكل يبعد عن الآخر بنحو ثلاثة أمتار.

ويوجد في الجهة الشرقية باب ذو مصراع يؤدي إلى حجرة تمثال ضيقة فيها باب وهمي في جدارها الخلفي.

fig2
شكل ١

وكانت الأركان الخارجية لكل هيكل أو محراب مزينة بعمود على شكل زهرة اللوتس، كما كانت الجدران الخارجية منحوتة نحتًا متقنًا يزينها نقوش معتنى بصنعها، غير أنها كانت ريفية الذوق، والجزء الأمامي يمثل خدور النساء والأميرة، وهي تتحدث إلى الملك زوجها أو تتقبل ما تقدّمه لها وصيفتها من الخدمات، أما الأجزاء التي لم تحلَّ بصور ومناظر فكان منقوشًا عليها صلوات وأدعية للملكة، وكانت كل أميرة من هؤلاء الأميرات تنتحل لنفسها لقب الحظية الملكية الفريدة، وكذلك كانت تلقب كل منهن بكاهنة الإله «حتحور»، ولا غرابة في ذلك فإن «حتحور» كانت تلقب بإلهة الغرب في هذه الجبانة، وكذلك كان من ألقابها أنها إلهة الحسن.

(٤-٣) عبادة الإلهة حتحور

والظاهر أنه كان يوجد بالمعبد جزء خاص بعبادة هذه الإلهة يقع في الجزء الخلفي منه الملاصق للصخر، ويعزز هذا الرأي محراب «منتو حتب» نفسه، وكان يسمى «أنت» (الوادي)، ويستبعد أن الإله «آمون» كان يُعبد هنا وحده في عهد الأسرة الحادية عشرة، وبخاصة أن لفظة «أنت» معناها الوادي الذي تخرج منه الإلهة «حتحور» من جبل الغرب، ويعتبرها المصريون إلهة الجبل؛ إذ كان يظن أنها تخرج من كهفها وتذهب نحو النهر إلى الأراضي المستنقعة حيث كان يعتقد أنها قد أرضعت «حور»، كما سنشاهد ذلك في معبدها العظيم الذي أقامه لها تحتمس الثالث في عهد الأسرة الثامنة عشرة.

والواقع أن تمثيل البقرة بهذه الكيفية كان الغرض منه إظهار «حتحور» بصفتها الأم الإلهية للملك، كما كانت من قبل أم «حور» التي أرضعته في مناقع الدلتا (أي إنها تمثل الإلهة إيزيس) والرسم الذي وضعه الأستاذ «نافيل» لمعبد «منتو حتب» الثاني يشاهد في نهاية دورانه أسس ستة المحاريب أو المقاصير الصغيرة التي بُنيت لتوضع فيها التماثيل الجنازية للأميرات الست اللائي كن يتألف منهن «الحريم الملكي». وقد عثر على أجزاء كثيرة من جدرانها تكفي للدلالة على أن المحاريب الستة الواقعة جنوب الباب من الدوران إلى الردهة كانت مخصصة لمكان «هنهنيت» و«كمسيت» و«كاويت».

(٤-٤) مقابر الملكات ووصف محتوياتها

أما المحاريب الثلاثة التي في الشمال فكانت للأميرات «ساده» و«عاشيت» وأميرة لم يكُن قد عُرف اسمها بعدُ إلى أن كشف الأستاذ «ونلك» في موسم ١٩٢٠-١٩٢١ عن حجرة دفن هذه الأميرة المجهولة، وهي «مايت» (القطة)، كما كشف عن حجرة دفن الملكة «عاشيت» وبذلك تم الكشف عن مقابر هؤلاء الأميرات جميعًا، وأهم ما يلفت النظر من الوجهتين الفنية والدينية محتويات حجرتي دفن الملكتين «كاويت» و«عاشيت»، وبقايا تابوت الملكة «كمسيت»، فحجرة دفن الملكة «كاويت» وجدت منهوبة، غير أن اللصوص قد تركوا الجثة في تابوتها الذي يعد قطعة فنية من تحف هذا العصر البالغة حد الجمال، وهي الآن بين نفائس المتحف المصري، وقد ألفت من عدة قطع من الحجر الجيري رُكبت معًا بحذق ومهارة حتى إن الناظر إليها يعتقد أنها قطعة واحدة، أما المناظر والرسوم التي وُجدت على هذه التوابيت فإنها ترجع بذاكرتنا إلى ما وجدناه على جدران مقابر الدولة القديمة ومعابدها مما كان ينقله المصري من مناظر الحياة الدنيا إلى قبره، فهناك نرى الرجل الثري وقد جهز نفسه بكل ما يحتاج إليه الشريف في حياته وما كان يملكه، فيشاهد وهو يشرف على عماله وصياديه الذين يمدونه بأنواع لحوم الصيد كلها، وخدمه يقوم كل بعمله … إلخ، فهذه المناظر التي كنا نجدها على جدران المقابر قد شاهدناها لأول مرة مضافًا إليها الصيغ الدينية على ما نعلم على جوانب التابوت في عهد الأسرة الحادية عشرة؛ إذ كل ما كنا نجده مكتوبًا على التوابيت صيغ دينية وأدعية أو بعض ألقاب المُتوفَّى، ويمكننا أن نفرض هنا أن القرابين التي كانت تقدَّم للأميرة، ومخازن الغلال التي كان يخزَّن فيها غذاؤها، والبقرات التي كانت تدر لبنًا سائغًا؛ كل ذلك كان جزءًا من الخيرات التي يعتقد أن الأميرة ستتمتع بها في الحياة الآخرة.

fig3
(أ) منظر من تابوت الملكة كاويت.
fig3
(ب) منظر من تابوت الملكة كاويت.
شكل ٢

وصف تابوت كاويت

والواقع أننا إذا استثنينا الصيغ الدينية والأدعية الإلهية التي على تابوت الأميرة «كاويت»؛ وجدنا صورة مختصرة عن مسكن الأميرة في الحياة الآخرة، وهو في الوقت نفسه تابوتها؛ لأن العينين اللتين نراهما مرسومتين على الجانب الأيسر للتابوت قد فُرض فيهما أنهما عينا المُتوفَّى ينظر بهما إلى ما يجري في عالم الدنيا،٣ وعلى كلا الجانبين نجد أبوابًا تؤدي إلى أجزاء مسكن الأميرة، وعلى الجانب الصغير للتابوت الذي يسبق الجانب الطويل من جهة اليسار نشاهد قربانًا يقدَّم في حجرة «بردوات» وهي حجرة تكون صغيرة أحيانًا يرتدي الإله فيها ملابسه، ويُؤتى له فيها بالعطور والزيوت «حجرة زينة الصباح» (Blackman, J. E. A. Vol. V, P. 148 ff.) فنرى الخادم واقفًا أمام صندوق ربما كان يضم ملابس الأميرة وحليها، ونرى بقية الخدم يحمل كل منهم نوعًا من العطور.

ويظهر أن الباب الكبير الذي على يسار الداخل يؤدي إلى حجرة كانت تتزين فيها الأميرة؛ فنشاهد خادمًا تضع دبوسًا في شعرها، وفي إحدى يدي الأميرة مرآة وفي الأخرى قدح قد ملأته خادم أمامها وهي تقول: «إنه لحضرتك أيتها الأميرة، اشربي ما أعطيك إياه»، ويظهر أنه قدح من لبن بقرة يحلبها خادم بالقرب منها (في المنظر) وقد ربط صغيرها بساقها الأمامي، وكأن هذه البقرة تذرف دمعة حسرة على درِّها الذي حُرمه ابنها. ونشاهد اثنتين من هذه البقرات على هذا الجانب وأخريين على الجانب الآخر من سلالتين مختلفتين، فواحدة منها بلا قرن وهي من سلالة لا تزال موجودة للآن في أفريقية، ويمكن أن تُعرف من بقايا تابوت الأميرة «كمسيت» أن هذه السلالة كانت بيضاء اللون ذات بقع سوداء، وقد استعمل اللون الأزرق هنا للأسود، أما البقرة ذات القرن الكبير فجلها أسمر.

وعلى الجانب الأيمن من التابوت نشاهد ثانية بابًا ذا مصراعين محلَّى بإشارات دينية. ونشاهد كذلك الأميرة تزين نفسها فتأخذ بيدها بعض زيوت معطرة تقدِّمها لها خادمتها التي تحمل في يدها ما يشبه جناح إوزة لتروِّح به على الأميرة، وفي الحجرة نشاهد حليها؛ ويشتمل على صدرية وقلائد وسوار، ثم الجعبة التي تحتوي كل هذا، وعلى يمين الباب تظهر الأميرة تتناول الطعام، وقد أخذت بيدها كعكة أو رغيفًا من قدر عظيم من الطعام مكدس أمامها على مائدة القربان. ولما كانت الأميرة تأكل ولا تشرب فلم يكن هناك داعٍ لحلب البقرات، وعلى أحد جانبي التابوت الصغير بجوار القدمين قد مثلت مخازن الغلال والحقائب التي تفرغ فيها، وهناك كاتب يقيد الكميات التي تُجلب، وعلى مقربة منه مشرف يدعى «أنتف» يلاحظ ما يجري، ويوجد سلم يؤدي إلى الإيوان التي تجلس فيه الأميرة كما يفعل الفرعون في عيد «سد» (L. D. III, Pls. 76, 77) وذلك عندما يحضر مزارعوها وأتباعها ضرائبَهم ومحاصيلهم مما ينتجونه، وكانوا يؤدُّونها لها في أوقات معينة من السنة.

تابوت الأميرة كمسيت

وعلى غطاء التابوت قد نُقشت أدعية للإله «أنوب».

وما بقي لنا من تابوت الأميرة «كمسيت» يجعلنا نضعه في منزلة أهم وأعظم من تابوت الأميرة «كاويت»، غير أنه لم يوجد كاملًا (Deir el Bahri II Dyn XI, Pls. XXII, XXIII).
فقد كان غاية في الإتقان وكان منحوتًا، وملوَّنا وقد لوِّن داخله كذلك، وما وجد منه قطع صغيرة مركب بعضها مع بعض، وهو الآن في المتحف البريطاني، وقد بقي رسم الأميرة على قطعة من الداخل (Ibid, Pl. XXXIII) ولونها أسود، ويظهر أنها كانت سودانية الأصل، وقد عثر على جمجمة في حجرة دفنها تُنسب إلى الجنس الأسود، ومن المحتمل أنها جمجمة الأميرة، وعلى هذه القطعة نشاهد خادمين تحضران لها قدحين قد يحتويان لبنًا، وتخاطبها إحدى الخادمتين قائلة: «إن هذا لكِ أيتها الأميرة اشربي وكوني مسرورة.» وفوق رأسها كتبت ألقابها فهي «كاهنة حتحور» التي تحب والدها وهي حظيته كل يوم.
ومناظر التابوت كمناظر الأميرة «كاويت» وليس فيها ما يلفت النظر إلا ألوان الخدم؛ إذ نجد بعضهم ملوَّنًا باللون البني المائل للاحمرار، وهو اللون العادي الذي يلوَّن به الرجال المصريون، وبعضهم قد لوِّن بلون أصفر خفيف وهو اللون الذي يدل على السيدات، ويلاحظ بقدر ما تسمح به حالة الأحجار المهشمة أن رؤساء الخدم وهم الذين يشغلون أعلى الوظائف مثل المشرف على المخازن أو الرجل الذي يحضر الجعبتين اللتين ربما كانتا تحتويان على أحجار كريمة أو معدن ثمين، كانوا مصريين ملونين باللون الأحمر، أما الملونون باللون الأصفر فهم الذين يحضرون الزيوت والعطور إلى «بيت الصباح»؛ ذلك البيت الذي يتزين فيه المُتوفَّى عقيب استيقاظه من النوم، ويلاحظ بكثرة في قبور الدولة القديمة أن النسوة تلوَّن باللون الأصفر الخفيف مثل هؤلاء الرجال، وقد فسر ذلك علماء الآثار بأن النسوة يمكثن في عقر دورهن أكثر من الرجال، فجاء لون جسمهن أفتح من لون زملائهن. ولكن هذا التفسير لا يمكن أن ينطبق هنا على هؤلاء الرجال، وربما كان الحل الحقيقي لذلك أننا نشاهد هنا جنسين من الناس، فالحمر هم المصريون الغزاة، أما الصفر فهم اللوبيون الأفريقيون القدامى. واللون الأصفر كما ذكر «لبسيوس» يمثل «التحنو» الذي حاربهم «منتو حتب الثاني» الذي نحن بصدده. والظاهر أن هذه الصورة التي على تابوت الأميرة «كمسيت» هي ذكرى تدل على أن المصريين كانوا مؤلفين من أفريقيين وعنصر أجنبي غزا البلاد.٤
أما التابوت الثالث فهو بسيط الصنع جدًّا عارٍ عن أية زينة اللهم إلا الصيغ الدينية التي نُحتت عليه، والنقوش صورة من نقوش تابوت الأميرة «كاويت» وهو للحظية الملكية الوحيدة كاهنة «حتحور: هنهنيت»، وأغرب ما يبدو في نقوش هذا التابوت أن رسم الأفعي « » وهو يمثل حرف «ف» قد وجد رأسه مقطوعًا ومفصولًا عن الجسم، وهذه الظاهرة نجدها في نقوش متون الأهرام منذ الدولة القديمة، ويعزو بعض العلماء السبب في ذلك إلى أن المُتوفَّى كان يخاف شر هذه الحشرات، وأنها ربما انقلبت إلى صورتها الحقيقية فتضر بالمُتوفَّى في حجرة دفنه، ولكن الغريب هنا أنَّا نجد ذلك فقط في مقبرة إحدى الأميرات دون سواها مما يبرهن على أنه ربما كان لكل منهن عقائد خاصة في السحر وتأثيره، أو قد يجوز أن هذا يرجع إلى الحفار الذي نَقش هذه الأشكال.

مقبرة عاشيت

كشف عن حجرة دفن الأميرتين «عاشيت» و«مايت» الأستاذ «ونلك» في موسم عام ١٩٢٠-١٩٢١ من مواسم الحفر في جهة الدير البحري.

أما «عاشيت» فكانت على ما يظهر ملكة حقيقية رغم أنها ماتت ولم تبلغ بعد الثالثة والعشرين، وقد وجد في قبرها شعرها مصفوفًا في هيئة جدائل بكل عناية ودقة وتدل موميتها على أنها كانت صغيرة الجسم، ولا شك في أن الصانع المتفنن الذي نحت تابوت الملكة «كاويت» الفاخر الذي سبق الكلام عليه، والذي يعد أجمل قطعة منحوتة وصلت إلينا من عهد الأسرة الحادية عشرة، هو نفس الذي نحت تابوت «عاشيت»، والواقع أن فن هذين التابوتين يعد مثلًا رائعًا في النحت لمدرسة كانت لا تزال قديمة في طرازها، غير أن ما ظهر من المهارة الفنية في صنع التابوت الأخير يكاد يكون منقطع القرين بالنسبة لهذا العصر، فنشاهد على جانبه الشرقي ممثلًا صورة باب القصر تعلوه شرفة افترض في إقامتها أن تطل عاشيت من نوافذها بعينين حُفرتا لذلك بخاصة، وإن كان هذا التفسير للعينين أصبح غير مقبول عند بعض العلماء كما ذكرنا آنفًا، وفي داخل القصر ترى أكوامًا متراكمة من لذيذ الطعام أمامها، وتُرى هي جالسة وكلبها يُقعي تحت عرشها، وخلفها وصيفة تروِّح عليها بجناح إوزة، وهي تشرب لبنًا سائغًا يقدِّمه لها لبَّان من بقرتين قد أحضرتا لها مع صغيريهما.

fig4
شكل ٣: منظر من تابوت الملكة عاشيت.

وترى في منظر آخر وهي تزور مزارعها فتشاهد مدير بيتها مشرفًا على المزارعين وهم يحملون حقائب الغلال ليضعوها في المخازن، وفي منظر آخر تبدو وصيفتها تقدِّم لها زجاجات العطور من صناديق في خزانتها، وكذلك ترى جزاريها يذبحون ثورًا ويكدسون كومة من اللحم فوق مائدة مرتفعة وضعت أمامها، وفي داخل التابوت نشاهد نفس المناظر بالألوان الزاهية، وتلك كانت صفحة من أعمال الأميرة اليومية كما سبق شرحه في وصف تابوت الأميرة «كاويت». أما التابوت الخشبي الذي وُجد داخل التابوت الحجري فإن ما رُسم عليه من الزينة كان خاصًّا بعالم السحر، والتابوت من الظاهر خلو من كل حلية غير إطار ذهبي حول حافته، حُفرت فيه صلوات ودعوات دينية بحروف غائرة، وغير عينين تنظران بهما إلى عالم الأحياء، أما الداخل فقد زُين جميعه بالتعاويذ البراقة التي تنتمي إلى عالم السحر، فغطاء التابوت يمثل السماء وقد نُقش عليه بالألوان تقويم فلكي في شكل قائمة تبين لنا مطلع النجوم والأبراج مدة الاثنتي عشرة ساعة التي يتكون منها الليل، وصلوات طويلة للكائنات السماوية، فالدب الأكبر قد مثل بساق ثور، وغُطي جانبا التابوت ونهايتاه بمتون سحرية، وفوق هذه المتون صفوف مرتبة من الصيغ المأخوذة من قوائم التعاويذ والصيغ الدينية اللازمة لروح المُتوفَّى حتى تفلت من الأخطار والشراك التي نُصبت لها في العالم السفلي، على أن الباحثين في العلوم الدينية والسحرية سيجدون في هذه النقوش مقدمات غزيرة تدل على حذق الإنسان في اختراع التعاويذ السحرية الغامضة، وقد وجد في داخل التابوت الخشبي مومية «عاشيت» في صندوق من النسيج المقوَّى، ويعد رغم بلاه وتمزقه وثيقة مصرية هامة عن العادات الجنازية؛ إذ وجد مكدسًا فوق الجثة عدد عظيم من الجلابيب المصنوعة من الكتان، وعلى الكتان علامات تدل على أنه من النوع الذي كان يستعمله القصر الملكي منذ أربعة آلاف عام، فنجد على قطعة مثلًا «الملك منتو حتب» أو «مخزن الكتان الجميل» أو نجد اسم مدير القصر الذي كان يشرف على صناعة هذه الجلابيب أو الحصول عليها، وبجانب الملكة وجد تمثال صغير يمثلها، صُنع من الخشب الصلب، وقد حُليت يداه بسوارين من الذهب وقميص أحمر على جسمها مرفوع بحمالة بيضاء، وقد وُجد معها كذلك بعض حلي وأشياء أخرى قليلة.

تابوت مايت

أما تابوت «مايت» التي يظن أنها كانت من صغيرات بنات الملك فلم يوجد معها أشياء كثيرة تستحق الذكر اللهم إلا بعض حلي من حبات الذهب المفرغة وقلادة من الكرنالين وأخرى من الخرز، وقد وجد اسمها مكتوبًا على موميتها، ومعظم هذا الأثاث الآن في متحف المتروبوليتان بنيويورك إلا الأشياء التي ذكرنا أن المتحف البريطاني أو المتحف المصري٥ أُعْطِيَها.

(٤-٥) آثار الفرعون خارج طيبة

أما آثار هذا الفرعون خارج «طيبة» فكثيرة؛ إذ عثر له في دندرة على طغراء نُقشت على قطعة حجر (Petrie, Dendereh Pl. XII) ولكن أهم أثر للملك «نب حبت-رع» في هذه الجهة هو محراب صغير مهدى للإلهة «حتحور» والإله «حور-أختي» والإله «مين».
(Daressy, A. S. 1917, P. 226; Petrie, “History of Egypt” Vol. I. P. 139; Evers, Ibid Pl. 9).

وفي هذا الأثر يُرى الملك لابسًا التاج المزدوج للوجه القبلي والوجه البحري ورافعًا يده قابضة على صولجانه، وباليد الأخرى يقبض على نباتي البردي والبشنين المتعانقين كأنه يريد أن يضربهما، وقد كتب أمامه: محبوب «حتحور» سيدة «دندرة» ابن الشمس «منتو حتب» المنتصر، القابض على البلاد الشرقية وهازم الأصقاع الجبلية، والخائض قلوب النوبيين، والذي يدفع له النوبيون الجزية … والمازوي و«أرض الواوات»، و«اللوبيون» و«الأسيويون» بوساطة حور صاحب التاج المقدس ملك الوجه القبلي والبحري «نب حبت».

وتحت قدميه نشاهد الأرضين مربوطتين معًا بواسطة إلهين يمثلان النيل: أحدهما يمثل نيل الوجه القبلي، والآخر نيل الوجه البحري وتقف خلفهما الإلهة «مرت»،٦ ويرى على جدار أحد جانبي المحراب «حور نتر حزت» «لقب الملك» محبوب «حتحور» سيدة «دندرة» ملك الوجه القبلي والبحري «نب حبت رع» الإله الطيب سيد الأرضين ابن الشمس «منتو حتب»، وعلى الجانب المقابل من المحراب يري الملك مع الآلهة ويتبعه حامل المروحة، ويرى ثانية وهو جالس على عرشه يقدَّم له اللبن والطعام، وهذا المحراب لا يتسع إلا لتمثال واحد والنقوش بارزة وعتيقة جدًّا مثل نقوش الجبلين، وتشبه التي على محاريب تماثيل معبد الدير البحري، ويرجع تاريخها للأسرة الحادية عشرة.

(٥) نهاية الحروب بين هيراكليو بوليس وطيبة

وتدل قرائن الأحوال على أن ختام الحروب بين طيبة وهيراكليو بوليس كانت السنة التاسعة من حكم «نب حبت رع»؛ أي سنة ٢٠٦١ق.م، وكانت قد حلت. وقد دامت هذه الحرب مدة طويلة بين جنود من طراز أولئك الذين نشاهد تماثيلهم النادرة في مقبرة مسحيتي في فرق كل واحدة منها أربعون.

(Porter and Moss, Bibliography IV. 265, Meyer, Ibid Par. 274).

وكان معظم الجنود في ذلك الوقت يحملون قوسًا بسيطًا طويلًا، أما القوس المركب فقد جلبه الهكسوس معهم، ومع هذا القوس كان الجندي يسلح بقبضة من السهام؛ لأن الكنانة كانت غير عادية بشكل مدهش.

(Newberry, Beni Hassan, Vol I, Pls. XIV-XVI, Vol II, Pls. V, XV; Naville, Ibid, Vol I Pls. XIIb, XIV d. F., X. V. C. d. Winlock Dier el Bahri PP. 72, 127 Pl. 20).
وكان بعض الجنود يتسلح لحماية نفسه بدروع ضخمة من جلد الثور، وينتخب الجلد ذا شعر كثيف بقدر ما تجود به الطبيعة، وقد عثر على جثث نحو ستين جنديًّا ممن حاربوا مع جيش هيراكليو بوليس في مقبرة من أوائل المقابر التي تشرف على مقبرة «نب حبت رع» نفسه، وتدل أجسامهم على أنهم قُتلوا عندما كانوا يهاجمون حصنًا (Winlock; Dier el Bahari P. 123, Pl. 19). وبعضهم قُتل في ساحة الوغى فعلًا، أما البعض الآخر فقد جرحه المدافعون فوق الأسوار، ولما هرب المهاجمون نزل رجال الحامية من معقلهم وجمعوا من تبقى من المهاجمين على قيد الحياة وضربوهم بالعصي حتى قضوا نحبهم، والظاهر أنهم بقوا في ساحة القتال مدة طويلة قبل أن يُدفنوا؛ بدليل أن أجسامهم قد نهشتها طيور السماء، ولكن لم يمضِ طويل وقت حتى كان النصر حليف «نب حبت رع»، فجمع موتاه وحملهم إلى قبر على مقربة من المدفن الذي كان يجهزه لنفسه، وهناك واراهم التراب إلى أن كشف عن جثتهم معول الحفار الحديث. وليس لدينا معلومات صريحة مباشرة عن سير القتال منذ أن استطاع أمراء طيبة ضم مقاطعة «طينة» إلى ملكهم، ولذلك لا نعلم شيئًا على وجه التحقيق قبل الهجوم العام الذي قام به «منتو حتب» الثاني، وهو الهجوم الذي أدى إلى توحيد البلاد كلها وجعلها تحت سلطانه، اللهم إلا حادثًا واحدًا وهو الثورة التي قام بها أهل «طيبة» في السنة الرابعة عشرة من حكم «منتو حتب» الأول، ولكن من جهة أخرى لدينا شواهد غير مباشرة تشير إلى الحالة التعسة التي سادت البلاد خلال تلك الفترة، مما يؤكد لنا ما جاء في الوثائق التاريخية النادرة الخاصة بهذا العهد. ومن بين هذه أسعفنا الحظ ببعض مصادر أثرية لم تفهم قيمتها الحقيقية من حيث إنها تلقي ضوءًا على حالة البلاد الجنوبية (الصعيد) في هذه الآونة من الناحية الحربية، وهذه المصادر تنحصر في بعض لوحات كانت تهدَى للجنود بعد وفاتهم فتنصب على قبورهم لتكون تذكارًا لما قاموا به في سبيل الدفاع عن مملكتهم الجنوبية، وهو ذلك الدفاع الذي أدى إلى تغلب أمراء «طيبة» على ملوك «هيراكليو بوليس» واعتلائهم عرش البلاد كلها، وهذه اللوحات قد وجدت مبعثرة في المتاحف الأوروبية، وقد جمعها الأستاذ «فنديه»٧ وأظهر ما لها من قيمة تاريخية حربية هامة في هذه الفترة من تاريخ البلاد الغامض.
وعدد هذه اللوحات اثنتا عشرة لوحة يرجع تاريخ معظمها إلى ما قبل حكم الفرعون «منتو حتب» الثاني، ولا بد أن الكثير من بينها يرجع إلى عهد «أنتف واح عنخ» ومعظم هذه اللوحات مصدرها مدينة «نقاده» أو مدينة الجبلين، وهما مدينتان تقعان في شمالي وجنوبي طيبة على التوالي، وهي عاصمة مملكة الجنوب التي كان يحارب في صفوف جيشها هؤلاء الجنود، على أن ذلك لا يحتم أن الملوك الأول للأسرة الحادية عشرة قد حصروا انتخاب أحسن جنودهم في هاتين البلدتين، بل قد يعزى ذلك لمجرد الصدفة، وربما تجود الحفائر المقبلة في جهات أخرى بالكشف عن لوحات تشبه التي سنفحصها الآن، ويلاحظ أن هذه اللوحات تتفق جميعًا في شيء واحد وهو تمثيل الجندي عليها. وليس من السهل دائمًا أن يميز الإنسان بين الجندي والمدني في الرسوم المصرية، ولكن في معظم الأحيان يمكننا تمييز الجندي بأسلحته؛ لأنه يُشاهَد حاملًا قوسه وسهامه بدلًا من العصا الطويلة والصولجان اللذين كانا يحملهما الرجل المدني في معظم الأحيان، ففي الاثنتي عشرة لوحة التي عثر عليها لجنود؛ نجد هذه الميزة شائعة في عشر منها، ومن الجائز أن نتعرف على صورة الجندي أحيانًا بميزة خاصة في هندمة ملابسه؛ والظاهر أن جنود جيش مملكة الجنوب الصغيرة لم يلبسوا حللًا عسكرية نظامية معينة على أن معظم الجنود كانوا يعصبون رءوسهم بشرائط يدلى طرفها على الظهر، وهذه الشرائط تختلف عن أختها المحلاة بالأزهار، التي كان يلبسها عِلية القوم رجالًا ونساء في عصور التاريخ المصري كلها، وقد كانت هذه الشرائط من خصائص هذا العهد الإقطاعي الأول لرجال الجيش، ويحتمل كذلك أن البحارة كانوا يربطونها، والرماة الذين نشاهدهم في مقبرة «عنختفي نخت» يلبسونها أيضًا، كما أننا نجد في نفس هذا العصر المحارب الذي يدل عليه في كانوا يرتدون جلبابًا بسيطًا، وقد يستبدلون به جلد حيوان (شكل ٣) (Ibid Fig. 9, Stele Turin II. 115).
وقد يلف الجندي حول وسطه شريطًا من النسيج معقودًا بطريقة تترك حافة النسيج الخارجية ظاهرة من الأمام مكونة شريطًا متدليًا يكون له أحيانًا هدَّابات وينتهي طرفه عند الركبة، ومن النادر أن تكون الملابس الحربية على أتمها إلا عندما نشاهد الجندي يحمل نجادًا يمر فوق كتفه وعلى صدره (Ibid Fig. 8 & Fig. 12) والمتوفى من الجنود كان يصحبه كلب أو عدة كلاب (Ibid Figs. 2, 3, 4, 8, 10).

(٦) استعمال الكلاب في الحروب

وكان الكلب في مصر القديمة كعادته حيوانًا أليفًا كما كان يدرب على فنون الحرب، والمناظر المهشمة التي بقيت لنا على جدران مقبرة «عنختفي» بالمعلَّة٨ برهان صادق على صحة ما نقول؛ إذ نجد أن الرسام قد نقش على أحد جدران هذه المقبرة صفًّا من الجنود الرماة يسير الواحد منهم في أثر الآخر، وكل منهم بيده مقود كلب، وهذا المنظر يمثل حربًا من غير شك ولا دخل للرياضة فيه. والكلب هنا كان يساعد سيده في الموقعة فيُستخدم لاقتفاء أثر العدو أو مهاجمته، وهذا الاستنتاج يخوِّل لنا أن نفسر بطريقة مقنعة فاصلة سبب وجود الكلاب بكثرة على لوحات العهد الإقطاعي الأول؛ إذ الحقيقة أن الجندي القديم عندما كان يرجع إلى حياته المدنية العادية لم يكن لينسى صديقه القديم وساعده في ساحة القتال؛ فكان يرغب عن طيب خاطر في أن تمثل صورته بجانبه على الأثر الذي كان يهدى إلى ذكراه. ويلاحظ أن نوع الكلاب الذي كان يستعمل في هذه الحروب هو من فصيلة الكلاب السلوقية التي كانت توجد في مصر بكثرة، ويتعرَّف عليها المرء بمخالبها العالية وخرطومها المدبب وأذنها المنتصبة، وذيلها المقوَّس، ومما يؤسف له أن معظم ما رُسم من الكلاب على اللوحات التي نحن بصددها قد رُسم رسمًا رديئًا، وسبب ذلك أنها لم تكن لأفراد من عِلية القوم ووجهائهم، وليس في المناظر الأخرى التي مثلت على هذه اللوحات ما يسترعي النظر إلا القليل؛ إذ هي في الواقع من نوع اللوحات الجنازية الكلاسيكية؛ ولذلك يندر رسم المُتوفَّى عليها منفردًا (Ibid Fig. 4) بل كان العرف أن يُرسم مع المُتوفَّى واحد أو أكثر من أفراد أسرته، وكان المُتوفَّى يُرسم دائمًا واقفًا، وفي أغلب الأحيان تكون أمامه مائدة قربان، كما كان وضع الأشخاص في اللوحة كلاسيكيًّا فلا تتطلب إلا إيضاحًا قليلًا جدًّا، ولذلك سنقصر الوصف هنا على اللوحات الثلاث التي وجدنا فيها بعض تفاصيل غريبة.
  • لوحة الجنود النوبيين: فلوحة «تحنو» راجع (Ibid Fig. 8) تمثل اللوحات الأسرية التي تسودها روح المحبة الخالصة وأفرادها كلهم جنود من النوبيين؛ فيشاهد صاحب اللوحة مرتديًا ملابسه العسكرية وإلى جانبه زوجه وهو يتقبل تحيات إخوته الأربعة، وكلهم جنود مثله كل منهم يقبض على أسلحته بيديه، ويشاهد كذلك ساقٍ بيده قدح يقدمه لسيده وهو من الشراب الذي تصبو إليه نفسه، كما يُرى كلبه الأليف باسطًا ذراعيه عند قدميه.
    أما اللوحة الثانية وهي الآن بمتحف تورين فقد عثر عليها في الجبلين (Ibid Fig. 9) ويجد المرء في تفسيرها صعوبة بالغة، فالنقوش التي عليها تذكر فقط أسماء الأشخاص المرسومين دون أن تشير إلى العلاقة الأسرية التي تربط بعضهم ببعض، غير أننا رغم ذلك نتعرَّف على اثنين منهم كانا على ما يبدو رفيقين في ساحة القتال؛ إذ نشاهد كلًّا منهما يمسك بذراع رفيقه كما يحدث ذلك كثيرًا بين الجنود المتحابين. وكان يلبس كل منهما جلد حيوان بسيط ويقبض بيده على الأسلحة التي امتاز بحملها في ساحة الوغى، وهناك اثنان آخران كان يقبض كل منهما على يد زميله، يرتديان جلبابين قصيرين يستقبلان المحاربين السالفي الذكر.
  • لوحة «إتي» قائد الجيش: أما اللوحة الثالثة فهي لشخص يدعى «إتي» وربما كانت أهم هذه اللوحات وأكثرها إيضاحًا وحيوية (Ibid Fig. 10)، وقد كان «إتي» هذا يحمل لقب قائد الجيش ولقب «حامل الخاتم الإلهي» ويرتدي جلبابًا مقوًّى (منشيًا) ويمسك بيده اليمنى عصا طويلة، وقد زين شعره شريط وفي صحبته زوجه التي تضمه بشغف، وكان يسير بجواره كلباه، ويلاحظ أنه يضغط بيده اليسرى بحرارة على يد أخيه الذي كان يتقدم نحوه، ويشغل بقية رقعة اللوحة القرابين المختلفة وصف من الخدم يتألف من امرأتين ورجلين، والأخيران يحملان على محفة قطعًا من اللحم.

    وقد كان بودِّنا أن نجد بعض تفاصيل ثمينة عن الحياة الحربية في تلك الفترة من حياة الأمة، ولكن لسوء الحظ كان المصري وقتئذ يعتبر أن مثل تلك التفاصيل لا قيمة لها عنده؛ لأنها شيء عادي رتيب لا يحتاج إلى شرح أو تفصيل، بل إنه يعد تناولها بالإسهاب من العبث وفضول القول، وكانت غاية همه أن يدوِّن على مثل هذه اللوحات الصيغ الدينية التي يظن أنها كفيلة بحفظ كيانه في الحياة الآخرة، وتقدم له الطعام والشراب كلما احتاج إليهما، ونجد أحيانًا فضلًا عن ذلك نداء للأحياء كما في اللوحة رقم عشرة.

  • لوحة حقا إب: وقد نجد على اللوحة تاريخ حياة المُتوفَّى منقوشًا على الطريقة المصرية المألوفة التي كانت سائدة في هذا العصر، وهي التي لا تبرز لنا شيئًا عن شخصية صاحب اللوحة ومميزاته كما نجد في لوحة «حقا اب (Ibid Fig. 6)» فإنه لم يذكر لنا شيئًا مطلقًا عن حياته الحربية وما قام من ضروب الشجاعة في ساحة القتال، في حين أننا نجده من جهة أخرى يقص علينا شجاعته وفضائله المدنية والمنزلية حتى كان من المحتمل أن نجهل إلى الأبد مقدرته الحربية التي جعلته يخوض معارك عنيفة لولا بعض الظواهر البادية في ملابسه الحربية ومعدات القتال التي كان يحملها، ولكن رغم كل ذلك فإنه يوجد على بعض هذه اللوحات سطر من النقوش يلقي ضوءًا جديدًا على محتوياتها ويبرز قيمتها من ناحية خاصة؛ وأعني بذلك عبارة الإهداء التي نجدها على هذه اللوحات؛ إذ نجد خلافًا للقاعدة المتبَعَة أن الابن تولى الإهداء في حال واحدة فقط من ست حالات مع أن المُتوفَّى قد ترك خلفه ذرية من الذكور؛ بدليل أننا نرى معه في بعض اللوحات ولدًا أو أكثر.
    والعادة جرت على أن المُتوفَّى إذا خلف من بعده ذُكرانًا قام أكبرهم بدور الكاهن؛ فيقدم القرابين ويؤدي الطقوس الدينية، وقد يحدث أن يقوم بذلك أبو المُتوفَّى أو أخوه بدلًا من الابن باعتبارهما متوليين أمره ومشرفين عليه، وقد يقومان بذلك لأن المُتوفَّى قد عاجلته المنية في ساحة القتال، ولم يعقب ذكورًا تقوم له بما يجب مما جرى به العرف منذ أقدم العهود؛ فإذا اتفق أن لوحة من اللوحات لم تُذكر في نقوشها عبارة الإهداء ولم يمثل عليها أولاد للمتوفى فليس ذلك لمجرد الصدفة، بل لأنه لم يترك أولادًا فعلًا، أو قد هصر عوده في ساحة القتال قبل أن ينجب ذكورًا؛ ولذلك نجد المُتوفَّى ممثلًا في هذه الحالة منفردًا أحيانًا مع زوجه (راجع Ibid Figs. 2, 7, 11) وأحيانًا محاطًا بإخوته (راجع Ibid Figs. 9, 10, 8) وفي هذه الحالة الأخيرة يقوم بطبيعة الحال أحد الإخوة بإهداء اللوحة لنفس السبب السالف الذكر، وإن لم يُذكر اسمه على اللوحة بأنه هو المهدى.

    ومن كل ما سبق من الملاحظات التي أوردناها عن هذه اللوحات نعلم أنها قد أهديت إلى جنود احتضروا في ريعان شبابهم؛ من أجل ذلك يجوز لنا أن نستنبط أن أصحابها قد لاقوا حتفهم في ساحة الشرف والفخار وماتوا ميتة الشجعان! وقد احتفظوا بنفس الأسلحة التي لم يتخلوا عنها في ساحة التضحية السامية فخلد رسمها معهم. والآن نعود إلى الحالة الشاذة التي أشرنا إليها فيما سبق، وأعني بذلك لوحة الجندي «حقا اب» وهي التي أهداها له ابنه الأكبر «إتي»، ومن البدهي أنه ليس من المستحيل أن «حقا اب» كان قد قُتل في ساحة الوغى بعد أن رزق أولادًا ذكورًا بلغوا سن الرشد، ولكن إذا أمعنا في النظر إلى لوحة هذا الجندي نجد فيها حلًّا آخر مقبولًا أكثر من السابق؛ إذ يلاحظ أنه قد رسم على هذه اللوحة شخصية واحدة تحمل السلاح، وهذه الشخصية ليست «حقا اب» المُتوفَّى ولا ابنه «إتي» بل هو ابن آخر للمتوفى اسمه «أقر»، ولا نزاع في أن هذا الابن هو الذي قد لاقى حتفه في ساحة الشرف لا «حقا اب» المهدى إليه اللوحة، وحقيقة الأمر إذن أن «إتي» كانت فكرته المؤثرة هي إقامة هذه اللوحة التي تمجد في وقت واحد ذكرى والده وموت أخيه الأكبر مستشهدًا في ساحة الشرف، والوضع الذي نشاهد فيه هؤلاء الأشخاص في اللوحة يؤكد لنا هذا التفسير؛ إذ نجد أن كلًّا من «حقا اب» و«أقر» يدير وجهه نحو اليمين ويتسلم في الوقت نفسه القربان والخضوع من مهدي اللوحة.

    أما اللوحة الأخيرة في هذه المجموعة فهي لشخص يدعى «نختي» ويرجع تاريخها إلى الأسرة الثانية عشرة، ويلاحظ في صناعتها تقدُّم عظيم عن اللوحات السابقة، ورغم أنها تختلف عنها إلا أنها يوجد وجه شبه بينهما؛ إذ نجد بين الصف الذي يضم أفراد هذه الأسرة ممن رُسموا في أعلى هذه اللوحة شخصًا يدعى «وبوات نخت» قد زين رأسه بشريط ويقبض بيده على قوس وسهام، وكذلك نلاحظ أن «نختي» المهدى إليه اللوحة قد زين رأسه بشريط فلا بد أن يكون كذلك من رجال الجيش، وقد أهدى أباه هذه اللوحة ابنه الأكبر وهو الذي يشاهَد سائرًا في مقدِّمة أعضاء الأسرة، وإذا اقتصرنا على الشخصيات الثلاث الأولى الموجودة في هذا الصف وجد نفس الممثلين الذين وجدناهم على اللوحة السالفة الذكر؛ أي نجد الوالد وهو محارب قديم، وأخوين أحدهما جندي وهو الذي يقبض بيده على القوس والسهام، أما الثاني وهو الذي يقدِّم لوالده فخذ ثور فهو مُهدي اللوحة، والواقع أنه لا يوجد أي اختلاف بين هاتين اللوحتين إلا في توزيع رسم الأشخاص، مما يجعل بعض الشك يخالج نفوسنا في تفسيرها، ولكن الحقيقة أننا نشاهد الأولاد الآخرين الثلاثة، وحفيد المُتوفَّى يقدِّم له كل منهم قربانًا، وفي هذه الحالة ألا يجوز لنا أن نفرض أن الأسلحة التي يحملها ابنه الثاني ليست إلا قربانًا أيضًا، أو بعبارة أخرى أن الابن الذي اعتنق مهنة الجندية التي كان والده قد انخرط في سلكها من قبل قد جاء ليقدِّم واجبات الاحترام لوالده وهو بملابس الجندية، والواقع أننا لا يمكننا أن نرفض مثل هذه النظرية جملة، ولكن مع ذلك لا نستبعد أن يكون هذا المنظر شبيهًا بمنظر اللوحة السابقة (Ibid Fig. 8) ويفسر بنفس الروح الذي فسر به زميله، وقد كان المهدي يريد في هذه الحالة أن يمجد ذكرى أخيه الأكبر الذي مات في ساحة الشرف في نفس الوقت الذي كان يمجد فيه ذكرى والده.

    ومما سبق يتضح أن العادة التي كانت مستعملة في نقش الألواح في العهد الأول من العصر الإقطاعي، وبخاصة في أوائله، للمحاربين لم تستمر عظيمة الانتشار في العهد الذي جاء بعده، ولكنها لم تختفِ نهائيًّا بانتهاء العصر الذي نشأت فيه؛ ولذلك لن نكون متجاوزين حدود الموضوع الذي نحن بصدده الآن إذا فحصنا لوحتين يرجع تاريخهما للدولة الوسطى.

  • لوحتان لجنود من الأسرة الثانية عشرة: وهما اللوحتان الوحيدتان على ما يظهر اللتان لهما علاقة باللوحات التي فحصناها فيما سبق: وأولى هاتين اللوحتين يرجع عهدها إلى باكورة الأسرة الثانية عشرة (Ibid Fig. 12) وقد أقيمت تذكارًا لموظف كبير وُكِّل إليه القيام بأعمال الشرطة في الصحراء الغربية، وقد كانت الصحراء في هذا الوقت، كما هي الحال في عصرنا، مأوًى للمجرمين، وقد كان عمل الشرطة أن يبحث عن هؤلاء المجرمين في هذا المكان؛ فنشاهد المهدى إليه وقد تسلح بالقوس والسهام ويصحبه كلبه، وقد رُسم في هيئة تدل على أنه يقوم بواجبات وظيفته (Ibid Fig. 12) وليس ببعيد أنه قد امتاز بميتة شريفة؛ لأن حرفته لم تكُ خالية من الأخطار، وليس الجنود المحاربون هم الذين وحدهم كانوا يموتون شهداء الواجب.
    أما الأثر الثاني فهو أحدث عهدًا من سابقه (Ibid Fig. 13)؛ لأنه ينسب إلى العهد الإقطاعي الثاني، ومما يؤسف له أن النقوش لم تعطِنا أية معلومات عن شخصية المهدى إليه، اللهم إلا رسمه الذي جعلنا نؤكد أنه كان يحترف الجندية، فهو يلبس جلبابًا غريبًا في هيئته، يتألف من قطعتين من النسيج لكل منهما لون خاص يختلف عن لون الأخرى؛ ولذلك لا يبعد أن يكون هذا الجلباب هو اللباس العسكري في هذا العهد، ويشاهَد بيده اليسرى القوس والكنانة معًا، ومن المحتمل أن الشيء الذي بيده اليسرى هو مضرب «بومرانج»، ورغم أوجه الشبه المحققة التي نجدها بين منظر هذه اللوحة ومناظر اللوحات الأخرى التي فحصناها، فإنه من خطل الرأي؛ الجزم بأن المهدى إليه هنا قد لاقى في ساحة الوغى ميتة مجيدة.

(٧) الحياة الحربية في هذا العصر

وعلى أية حال فإن فحص هذه اللوحات قد وضع أمامنا صفحة جديدة في تاريخ الحياة الحربية في هذا العصر؛ إذ قد صورت لنا الجندي في ملابسه وأسلحته، وكذلك الكلاب والدور الذي كانت تلعبه في ساحة القتال، هذا فضلًا عن العلاقات الأسرية التي كانت تربط بين أفراد الأسرة وما يكنه كل منهم للآخر من الألفة والمحبة التي تجلت بكل معانيها في مناظر تلك اللوحات، يضاف إلى ذلك أنه كان يوجد في هذا العصر أسر بأكملها من النوبيين يعملون في الجيش المصري في المملكة الجنوبية، وبينهم من الود والإخاء ما نطقت به أوضاع صورهم على اللوحة التي مثلوا عليها.

(٧-١) منتو حتب الثاني موحد الأرضين

ومن المؤكد أن شجاعة مثل هؤلاء الجنود الذين عثرنا على لوحاتهم كانت تجعل النصر يقترب من الأبواب؛ إذ إنهم كانوا يؤمنون بحق أمرائهم في طيبة، ويضحون من أجل قائدهم الأعلى بأغلى شيء لديهم وهي حياتهم، وقد كان أميرهم وقائدهم على يقين من عدالة قضيته، كما كان يثق بأن الغلبة في النهاية ستكون له، وأنه سيصبح حاكم البلاد المصرية كلها؛ ولذلك بادر فأعلن نفسه فعلًا ملك مصر الحقيقي، واتخذ لنفسه اسم «حور-سام-تاوى» (أي الملك موحد الأرضين) وصاحب الإلهتين سام-تاوى وحور الذهبي «قا-شوتي» ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب حبت رع» ابن الشمس «منتو حتب» وهذه هي الألقاب الفرعونية الخمسة الكاملة. (L. D. Vol. II, Pl. 149 b in Aswan & Daressy, A. S. 1907 P. 244; Bisson de La Roque, Ibid. P. 67, Naville ibid, I, 3; II, 21).
وقد كُتب كلا الاسمين الأخيرين في داخل طغرائين في حين أن ملك الجنوب كان لا يوضع في الطغراء إلا اسمًا واحدًا، وعلى أية حال فإن عبارة «سام تاوى» (موحد القطرين) كانت ترتكز على حقيقة تاريخية حتى ولو كانت الاسم الذي يطلق على صورة من صور «حور» (Lanzone Dizionario di Mitologia egizio P. 600) (حور سماتاوي).
أما عبارة «قا-شوتي» رفيع الريشتين؛ فإنها كانت كذلك نعتًا يليق به لدرجة عظيمة، والواقع أن الأسلوب الذي استحدثه هذا الفرعون في كتابة لقبه كان يعد من وجوه كثيرة تغييرًا هامًّا، وذلك أنه منذ هذه اللحظة كان يكتبه دائمًا بعلامة «المجداف» بدلًا من الإشارة التي تدل على حروفها، وهي الإشارة التي كانت تستعمل في الرقص المقدس، فعلامة المجداف تكتب هكذا « » وتنطق «حبت» والعلامة٩ « » تنطق = «حبت» أيضًا فنجد أن «منتو حتب» أصبح يكتب لقبه «نب حبت رع» بعلامة المجداف بدلًا من العلامة الثانية التي كان يستعملها من قبل. ولزمن قريب جدًّا كان يعتبر التغيير في الاسم علامة على أنه كان يوجد ملكان كل منهما يسمى «منتو حتب» عند هذه الفترة في تاريخ الأسرة الحادية عشرة؛ غير أن الرواية التي وصلت إلينا عن طريق ورقة «تورين» تدعو إلى اعتبارهما ملكًا واحدًا؛ وهذا ما سنتبعه هنا، وقد اعترف كاتب قائمة الكرنك بالمركز الهام الذي ناله هذا الفرعون بوصفه ملكًا على مصر كلها؛ وذلك أنه لم يكتفِ بوضع اسمه في جزء آخر من قاعة الأجداد الصغيرة غير الذي كان في أجداده الذين سبقوه مباشرة، بل نعته كذلك بأنه «الإله الطيب» رب الأرضين ملك الوجهين القبلي والبحري سيد القربان «نب حبت-رع» المبرأ (Prisse Ibid Pl. I; Sethe Urkunden IV P. 609).
ونجد اسمه كذلك في قائمة الملوك التي نُقشت في مقبرة «نتري» بسقارة، أما في الرمسيوم فنجد (Porter & Moss, Ibid III, 192)، أن مكانته قد ظهرت بصورة بارزة جدًّا، فهناك نجد الملك «مينا» والملك «نب-حبت-رع» والملك «أحمس» يظهرون بوصفهم المؤسسين للدولة القديمة، والدولة الوسطى، فالدولة الحديثة؛ على التوالي (L. D. Vol. II, Pl. III, Pl. 163).
والظاهر أن الكُتاب كانوا يعلمون أن من واجبهم تعلم كتابة أسماء الملوك بسرعة دون ارتكاب أخطاء في كتابتها، ولكن قد وجدنا خطأ رغم ذلك في العرابة المدفونة، وذلك عندما نقش حفار ما: «يعيش طويلًا حور سام تاوى ملك الوجه القبلي والوجه البحري» ابن الشمس «منتو حتب» دون أن يكتب أي لقب للفرعون (Petrie, Abydos Vol. II Pl. XXIV.) ويوجد في متحف اللوفر لوحة قبر يرى فيها الإنسان آثار الرجوع للقديم بوضوح، هذا رغم رسمها الممتاز، وكان يعتبر بمثابة تاريخ فيها الاسم «حور» واسم الملك الذي يكتب بالإلهتين «نبتي» وقد كتب ذلك دون ارتكاب أخطاء، ثم نجد أنه يأتي بعد ذلك فجأة «ملك الوجه القبلي والبحري» ابن الشمس «في الطغراء» منتو حتب، كما كان يكتبه الإنسان عادة في أوائل حكمه (Louvre C. 14, Prisse, Ibid Pl. VII; Maspero, “Transactions of the Society of Biblical Archaeology,” 1877, P. 555; Petrie, History, P. 142).

وهذا الاقتباس هو من لوحة مَثَّال يدعى «يرتسن» الذي وضعته «ادت» وزوجته «حيو» وقد رُسما مع أولادهما «سنوسرت» و«منتو حتب» و«سي منتو» وابنتهما «قم» وابنها «تم نك»، ويخبرنا «يرتسن» أنه عرف كيف يصور الخروج والعودة … وحركات صورة الإنسان وهيئة المرأة وتوازن الذراع لصيد فرس البحر وحركات العدَّاء، ولا يفلح أحد في كل هذا غيري أنا وبكر أولادي من جسمي، ويقصد من هذا أنه كان منقطع النظير في فنون الحفر التي لقنها ابنه.

على أن الإنسان قد يشك بحق إذا كان كل ما قاله طبعيًّا كما فكر هذا المثال، غير أنه في مقدورنا أن نرى في بعض القطع المنحوتة في هذا العصر تهذيبًا عظيمًا ورقة بالنسبة للإنتاج الساذج الذي كان ينتجه رجال الفن الطيبيون في الأزمان السابقة، وذلك مما يبشر بفن أرقى ينتظر ظهوره في القريب العاجل في عهد الأسرة الثانية عشرة.

(٧-٢) استمرار الحروب بين الشمال والجنوب

fig5
شكل ٤: تمثال الملك منتو حتب الثاني.
ورغم كل هذه الادِّعاءات الطنانة الرنانة التي يدَّعيها «نب حبت رع» فإنه لم يجنِ للآن انتصارًا حاسمًا على أعدائه، فقد ترك لنا موظف عظيم يدعى «ريمو» في «إبسكو» الواقعة على بعد ٢٧ أو ٢٨ كيلومترًا جنوب الفيلة ثمانية نقوش على الصخور هناك تبرهن على أن الحرب كانت لا تزال مستمرة وإن كانت سائرة ببطء (Roeder, Debod bis Bab Kalabsche, P. 103; Meyer, Ibid par. 277 Drioton & Vandier, Ibid, P. 252).

فقد جاء في إحدى هذه اللوحات على لسان «زامو» ما يأتي: لقد بدأت أذهب إلى ميدان القتال جنديًّا في عهد «نب حبت رع» عندما ذهب مصعدًا في النيل إلى الجبلين، وعدنا إلى الملك بعد أن اخترقنا كل البلاد، وفكرنا في قتل متوحشي «زاتي» الذين كانوا مستولين على المحاجر، ولكنهم ولوا الأدبار وهزمتهم.

وفي نقش آخر نرى أنه يتعدَّى الحديث عن حرب الجنوب ويحدثنا كيف بدأ الموقعة في الشمال (الدلتا) منحدرين في النهر في كل البلاد و«زيمو» مقتفٍ أثرهم، وقد ذهب نحو الشمال مثل الأسد في إثر ابن ملك الوجه القبلي والبحري مع جمعه هذا، وبعد ذلك مات العدو في الواقعة؛ لأني كنت قويًّا ضد ما فعله أهل الشمال، ومن ذلك نستنبط أن مصر لم تكن قد وضعت السلاح مباشرة بعد أن سمي «نب حبت رع» باللقب الرنان «موحد الأرضين».

ولا يمكننا أن نمر مر الكرام على لوحة «منتو حتب» بن «حابو» فطرازها وتاريخها لا يمكنانا من نسبتها إلى حكم هذا الفرعون؛ إذ نقرأ فيها ما يأتي:

وبعد ذلك أتي نيل منخفض — السنة الخامسة والعشرون.

ومن ذلك نعلم أنه حتى بعد السنين الطوال التي قضتها مصر في حروب داخلية، والتي أخذت البلاد تنسى بعدها ويلاتها نجد أن الطبيعة قد غضبت عليهم لتذيق الأهلين الويل، وتلحق بهم العذاب، فقد انخفض النيل مما زاد الحالة في البلاد ضغثًا على إباله.

(٨) الاحتفال بعيد سد

وبعد ذلك تمر أيام من حكم هذا الفرعون دون أن يصادفنا شيء هام يمكن تأريخه بصفة قاطعة، وكان أول تاريخ يصادفنا بعد ما ذكرنا آنفًا هو تاريخ احتفال هذا الفرعون بعيد «سد» (عيد الثلاثين)، ونحن نعلم أنه احتفل به على التحقيق، والمرجح أنه كان في السنة التاسعة والثلاثين من حكمه؛ أي بعد مرور ثلاثين عامًا على توحيد القطرين، أو بعبارة أخرى بعد أن انتصر على الشمال انتصارًا جعله يؤمن بالنصر النهائي وإحرازه السيادة التامة الفعلية على كل البلاد ريفها وصعيدها (Naville Ibid I, 40)، وتدل الشواهد على أنه عند الاحتفال بهذا العيد أمر الفرعون بنحت تماثيل لنفسه بالملابس العتيقة الغريبة التي كانت تحتم التقاليد لبسها في الاحتفالات المقدسة لهذا العيد، وقد أمر بأن يوضع واحد منها تحت كل شجرة في ردهة معبده، وكذلك أمر بنصب طائفة منها على طول الطريق الذي يؤدي للمعبد، هذا إلى إقامة تمثالين في الردهة نفسها، وبالرغم من أن هذا الفرعون قد شرع يحفر لنفسه مقرَّه الأخير في داخل المعبد نفسه فإنه ابتدأ بنحت مقبرة ضخمة أخرى، وهي المعروفة الآن بباب الحصان، ونعلم أن كل ما كان عليه أن يفعله ليجعل هذا الضريح قابلًا للاستعمال أن يسدَّ الحجرة التي لم يتم حفرها في نهاية البئر، ثم يردم هذه البئر نفسها (Winlock J. E. A. 1940 P. 118; A. J. S. L. P. 143 & 147, 153, Fig. 8) وبعد ذلك جاء بتمثال ثالث (انظر شكل رقم ٤) ولفه بنسيج من الكتان الجميل، ووضعه في الحجرة الآنفة الذكر عند رأس البئر المردومة بجوار تابوت خالٍ، وهذا التمثال عارٍ عن كل نقش، وقد وُضع بجواره بطتان وفخذا ثور وعدد من الأواني، وقد وجد في كوَّة يظهر أنها كانت بداية لحجرة في المنزلق المؤدي إلى البئر تابوت لتمثال «مجاوب» كتب عليه صلوات «لأنوبيس» و«أوزير» ليقدِّما قربانًا للإله الطيب «نب حبت» … «ابن رع منتو حتب» وبعد انتهاء هذه الاحتفالات والمراسيم الدينية ملئ مدخل المقبرة حتى أصبح بمستوى سطح رقعة الردهة، وقد شاءت الأقدار أن يبقى هذا القبر بعيدًا عن الأنظار مدة تقرب من أربعة آلاف سنة إلى أن كُشف عنه حديثًا.
(Carter A. S. 1901, P. 201 Pls. 1, 2; Naville, Ibid, 1, 9, 26 Pl. XIII g, Budge Ibid Pl. VI; Bonnet A. Z. 1925 Pl. 41; Evers. Ibid Pls. 12, 13 Fig. 54; Winlock, Deir el Bahari P. 130, pl. 12).

(٩) الملك نب حبت رع منتو حتب وزيارته مع بلاطه لشط الرجال

fig6
شكل ٥: منظر لزيارة منتو حتب الثاني لشط الرجال مع ابنه وزوجه وحامل ختمه «خيتي».
لقد تضاربت الأقوال والآراء في اللوحة التي نُقش عليها رسم الملك «منتو حتب» الثاني والأشخاص الثلاثة الذين معه، والواقع أن المجموعة التي على هذه اللوحة (شكل رقم ٥) غريبة في بابها حتى إنه لم يصل أحد إلى حل رموزها للآن حلًّا شافيًا، ولا نزاع في أنها من أهم اللوحات التي نُقشت على الصخر في هذا الوادي المهجور، ولم يعرف أحد للآن لماذا اختير ذلك المكان لحفر هذا النقش وغيره من النقوش التي ترجع على ما يظهر إلى الأسرة الحادية عشرة، من أجل ذلك سنبحث هنا اللوحات التي وجدت في هذا المكان؛ لأن ذلك سيلقي ضوءًا عظيمًا على تاريخ الملك «منتو حتب» الثاني وحاشيته وعظماء رجال دولته.

(٩-١) وادي شط الرجال

وشط الرجال الذي وجدت فيه هذه اللوحة وادٍ صغير يقع على حافة الصحراء الغربية على بعد ٣٥ كيلومترًا جنوب «إدفو» وعلى بعد ٤ كيلومترات شمال جبل السلسلة، وأقرب محط له هو محط «كاجوج» على الشاطئ المقابل للنيل.

وتوجد على الصخر «جرافيتي» في هذا الوادي عدة نقوش تعزي إلى عصر ما قبل التاريخ، وعلى بضعة أمتار من فوهة هذا الوادي كان يوجد محط لصيادي عصر ما قبل التاريخ [على ما يظهر] قبل تحوُّل هذه البقعة إلى صحراء، وربما كان ذلك في العصر الذي كان النيل فيه لا يزال يجري شرق جبل السلسلة، فيشاهد على الصخرة مناظر حيوان كالزراف سائرة١٠ قطعانًا، ومن بينها نلاحظ نعامة وفيلًا، ولا نعرف على وجه اليقين وجود نقش آثار لبعض من ارتادوا هذا المكان بين عصر ما قبل التاريخ وعصر الأسرة الحادية عشرة، وكل ما نعرفه نقش لملك يدعى «حور-وار».
وقد ظن بعض الأثريين أنه من العصر الطيني كما ظن أنه هو الملك ثعبان،١١ ويعتبره بعض المؤرخين أحد الملوك الذين حكموا بين عهد الدولة الوسطى والدولة والحديثة،١٢ ومن المحتمل أن الرأي الثاني أكثر رجحانًا؛ لأن شكل الكتابة التي كُتب بها الاسم يؤيده، يضاف إلى ذلك أنه عثر على ملك يسمى «خيتي» في خرطوش وقد قرئ بطرق مختلفة، وقد ذهب البعض إلى أنه في العصر الذي سبق الدولة الوسطى أو العصر الذي أعقبها،١٣ جريًا وراء الحدس لا اليقين.

(٩-٢) وصف لوحة منتو حتب الثاني

وإنه لمن خطل الرأي أن يستنتج الإنسان من اسم هذين الملكين شيئًا عن تاريخ «شط الرجال»؛ على أننا لم نعثر حتى الآن على أسماء أفراد من عهد الدولة القديمة في هذه المنطقة، والحقيقة أن تاريخ «شط الرجال» قد عُرف فقط من النقوش التي نُحتت على صخور الوادي الملساء، وأول ما يشاهده زائر هذه الجهة عندما يدخل الوادي نقشًا جميلًا قد نُحت فوق النقوش التي من عصر ما قبل التاريخ في شكل لوحة، صور فيها أربعة أشخاص أطولها رُسم بالحجم الطبعي، ونُقش أمام وجهه «حور» موحد الأرضين ملك الوجه القبلي والبحري «نب حبت رع» عاش مخلدًا وعلى رأسه التاج المزدوج، وقد ارتدى الجلباب القصير المحلى بذيل الأسد، وفي يده عصا وبالأخرى «مضرب الحرب» وقد رسم خلفه أم الملك التي يحبها «اعح» وتتحلى بصورة عقاب على رأسها، وتحمل في يدها عصا وفي الأخرى زهرة بشنين، وأمام الملك رُسم شخصان، الأول كُتب فوقه «الوالد المقدس» المحبوب من الملك ابن الشمس «أنتف» عاش مخلدًا، وهو يلبس زي الملوك، فعلى جبهته الصل والكوفية (نمس) ويلبس جلبابًا ملكيًّا وذيل أسد كالذي يلبسه «نب-حبت-رع» وذراعاه متدليتان على جانبيه، ويقف خلفه شخص يحمل لقب مدير الخزانة الشمالية حامل الخاتم «خيتي»، وقد وقف بوضع يدل على الخضوع لابسًا الجلباب الطويل الذي يرتديه العظماء، وبطنه قد ظهر فيه الثنايات التي تُشعر بالأبهة وعيشة الترف والنعيم، وعلى نحو ستة خطوات غربي هذا النقش يوجد نقش آخر على صخرة مفصولة عن الجبل، وهي لوحة تمثل الملك «نب حبت رع» وأمامه حامل الختم «خيتي» فقط.

والملك «منتو حتب» الثاني الذي لا يحتاج إلى تعريف قد حكم البلاد على أقل تقدير نحو ٥١ عامًا، ويعد حكمه أطول حكم في هذه الأسرة، وفي عهده توحد القطران ثانية كما أسلفنا، أما الصورة التي ظهرت خلفه فموضوع إشكال عند المؤرخين، فقال بعضهم إنها زوجة «منتو حتب» الثاني، وأم «أنتف» وهذه فكرة في ظاهرها خلابة، ولكن يعترضها أن قد كتب فوق هذه السيدة أم الملك لا زوجته، ووضعها بهذه الكيفية يدل على أنها كانت تنسب إليه، ويجب أن تكون والدته،١٤ ويحتمل أنها إحدى حظيات والده لا زوجته الشرعية، كما يحتمل أنها أم «نفرو» التي أصبحت زوجة أخيها الملك «منتو حتب الثاني»، وقد دفنت بجواره بالدير البحري كما سنرى، ورغم أن «اعح» كانت في هذه الفترة متقدمة في السن فإن ذلك لا يمنع زيارتها مع ابنها هذا المكان.
على أن «أنتف» ابن الشمس كان كذلك موضوع حدس كبير فقد قيل عنه إنه أمير نوبي من أتباع الملك «منتو حتب الثاني» جاء ليقدم خضوعه لسيده (Meyer Ibid I. P. 277) ولم نجد اسم أمير نوبي يحمل لقب «ابن الشمس عاش مخلدًا» يقف في حضرة الفرعون نفسه، وهو الممثل لإله الشمس على الأرض ومن جهة أخرى قال عنه «برستد»: إنه سلف مخلوع للملك «منتو حتب الثاني» وقد تُرك حيًّا إلى عهد هذا الملك (Breasted, A. R. I. P. 418, 424-25)، أو أحد مع أناتفة آخرين من النصف الأول من عهد الأسرة الحادية عشرة.
(Steindorff A. Z. XXXIII, P. 88 & Petrie History I, (1923) P. 141).
كذلك عدَّ من هؤلاء الأناتفة١٥ (المتوفين) في حضرة «منتو حتب الثاني» حسب رأي «فندييه» (Vandier B. I. F. A. O, Vol. XXXVI P. 114).
ومن جهة أخرى قد سمي «أنتف» ابن «منتو حتب الثاني» ووارثه (Maspero, Dawn of Civilisation P. 462-63 & Naville, “XI Dynasty Temple”, I. P. 7, Gauthier, B. I. F. A. O, Vol. V, P. 30 & 35).
وربما كان هذا الرأي هو التفسير المعقول لمنظر «شط الرجال»، وبهذه الصفة يكون لأنتف كل الحق في أن يسمى «ابن الشمس» «عاش مخلدًا»، كما يجوز له أن يكتب اسمه في طغراء ويلبس النمس والصل الملكيين … إلخ، غير أنه لم يكن ملكًا حاكمًا؛ لأنه لم يلقب بلقب التاج «ملك الوجه القبلي والوجه البحري» ولكنه كان يحمل مع ذلك اللقب الأكثر انتشارًا وهو: «الوالد المقدس؛ المحبوب من الإله»، ونحن نعلم أن الذي خلف «نب حبت رع» كان يطلق عليه «منتو حتب» أيضًا، فيحتمل أن الابن الأكبر الذي كان يحمل اسم «أنتف» وهو اسم أجداد الأسرة، قد مات قبل والده، وأنه دُفن في الدير البحري في مقبرة عظيمة لا تبعد كثيرًا عن قبر والده الملك وبالقرب من مقبرة الملكة «نفرو» كما سنرى (Winlock, M. M. A., Ibid) وقد كُتب فوق ذلك القبر على سور معبد الأسرة الحادية عشرة عدَّة مرات اسم «أنتف معطي الحياة»! والظاهر أن الذين كتبوا ذلك كانوا من المعاصرين له، وقد عرفوا حقًّا الفرد الذي أقام هذا القبر.

شخصية «خيتي» المرسوم على اللوحة

وكذلك نعرف شيئًا عن رابع أشخاص هذه المجموعة وهو «خيتي» حامل الختم، فقد كان من أكبر شخصيات البلاط، ولكنه كان يلعب هنا دورًا هامًّا غير عادي، ففي اللوحة الأولى نراه مرسومًا بنفس حجم ولي العهد، وفي اللوحة الثانية نجده واقفًا أمام الملك وحده، وأهم من ذلك نراه قد رُسم بحجم الملك نفسه، ونحن نعلم من نقش في «أسوان» أن أمه تسمى «سات رع» وقد ذكر «برستد» أنه من أسرة أسيوطية، وأنه التحق بخدمة «منتو حتب الثاني» (Breasted “Ancient Records”, I, 414)، بعد أن استولى الطيبيون على الشمال. وفكرة «برستد» لا يوجد ما يناقضها، بل تتفق تمام الاتفاق مع دليل آخر؛ ذلك أن اسم «خيتي» كان يكتب عادة على نسيج الكتان الذي يُنسج للبلاط الطيني، ولكن ذلك على ما يظهر قبل اتحاد القطرين؛ فلم يوجد اسمه على أكفان الطفلة «مايت» التي يظن أنها ماتت قبل توحيد البلاد، ودفنت بين أميرات البلاط في الدير البحري، ولكن من جهة أخرى وجد اسم «خيتي» على لفائف «عاشيت» و«هنهنيت» اللتين يحتمل موتهما بعد اتحاد البلاد، وكذلك وجد على لفائف امرأة بتاريخ السنة الأربعين؛ أي بعد هزيمة الإهناسيين (Winlock M. M. A. Nov. Part II, P. 13-14)؛ وقد نحت «خيتي» لنفسه مقبرة تشرف على معبد الدير البحري في نقطة من أهم نقط جبانة الأسرة الحادية عشرة كما سيجيء ذلك بعد (Winlock, Ibid 1923 Part II P. 14)؛ وقد وضع تمثالًا لنفسه في معبد آمون بالكرنك، ومن المحتمل أنه قرب مذبحًا من الجرانيت (Mariette, Karnak Pl. 5 j Text P. 44 No. 12 Moharram Kamal, A. S. XXXVIII, P. 158).
وفي نقوش معبد الدير البحري ظهر يقدم الخضوع «لمنتو حتب» الثاني في عيد «سد» (Naville, XI Dyn. Temple I, 40 No. 1) كما يشاهد في منظر «شط الرجال» ونعرف من نقوش في «أسوان» أنه قام بحملة إلى «واوات» في بلاد النوبة في السنة الحادية والأربعين من حكم هذا الملك (Petrie, Ibid P. VIII, No. 213).

وفي هذه المناظر المختلفة نلحظ أنه يحمل نفس اللقب الذي يحمله في «شط الرجال» حامل الختم؛ أما على تمثال الكرنك فيلقب «حامل الخاتم في كل الأرض حتى آخر حدودها»، وعلى نقوش قبره يحمل لقب الأمير الوراثي، وحاكم المقاطعة، ويحمل كذلك لقب حامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير الوحيد (على نقوش قبره ونقوش أسوان وعلى التمثال)؛ وكذلك يلقَّب المشرف على أمناء الخزانة (في نقوش أسوان) والوالد المقدس (على التمثال).

وحوالي منتصف الطريق توجد بين اللوحتين اللتين في شط الرجال على الجانب الجنوبي لهذا الوادي الصغير مجموعة من النقوش الضخمة طولها نحو ثمانية أمتار، (Winlock, M. M. A. Feb. 1928 Part II, Fig. 24).

نقوش لشخصيات أخرى في وسط الرجال

ومن المحتمل أنها كانت أكثر عددًا مما وُجد وضاعت لتآكل الصخر، ومع ذلك فلا يزال موجودًا ثمانية نقوش منحوتة نحتًا متقنًا واثنان نُقشًا على عجل. ويخيل للإنسان أن جماعة من المفتنين قاموا بهذا العمل تحت إشراف الحفار «وسر-إنر» الذي ذكر اسمه على أحسنها نقشًا وموضوعًا وحجمًا وسنبتدئ بنقشه وهو كما يأتي:
  • (١)

    الكاهن المطهر المشرف في «حتنوب» (محاجر المرمر) حفار القصر والمشرف على الحفارين «وسر-إنر» ابن «أنتف».

    (Eisenlohre, Ibid P. 102, Pl. II. I. I. & Petrie Ibid No. 473 & Bissing Ibid P. 20.)

    وحفر هذا النقش يشبه كثيرًا حفر النقش الأول مما يبرر أنه هو الذي كان مسئولًا عن كليهما.

  • (٢)
    المشرف … التابع «سبك حتبو» (Petrie, Ibid No. 487).
  • (٣)
    مدير البيت …؟ ﺣ (Petrie, Ibid).
    والنقشان الأخيران وُجدا مشوهين بعض الشيء في الأعصر القديمة بنقرهما، وقد وجد اسم مدير بيت يدعى «حنون» على قطعة من تابوته ولوحته ومصراعي بابه في الدير البحري (Winlock, A. J. S. L. (1940) P. 149)، ويقع قبره في الصف الذي فيه حامل الخاتم «خيتي» ومدير المالية «مرو» وهو عظيم الحجم كالمقابر التي تجاوره ويحتمل إذن أن «حنون» هذا هو الشخص المقصود هنا.
  • (٤)
    المحبوب حقًّا من سيده «مكت رع» مدير المحاكم الست العظيمة (Eisenlohre, Ibid, Pl. II, 1. 7. & Petrie, Ibid No. 455) وأول ما ظهر اسم «مكت رع» كان في معبد الملك «منتو حتب الثاني» حيث ذكر في مكان بلقب «السمير الوحيد» وحامل الخاتم «مكت رع»، ومن المحتمل في مكان آخر «حاكم المقاطعة» وحامل الخاتم «مكت رع» (Naville, XI Dyn, Temple, Vol. II, IX, D) ويحتمل أن نقش «شط الرجال» كان بعد هذه بزمن قصير، وقد عثر على قبره بين رجال بلاط الملك «سعنخ كارع» (منتو حتب الثالث) وهو يشرف على معبده كما سيجيء بعد (M. M. A. Dec. 1922, Part II, P. 19). وعلى جدرانه كان يلقب: الأمير الوراثي، حاكم المقاطعة، حامل خاتم ملك الوجه البحري والأمير الوراثي لباب [جب]، ويحتمل أن أحد هذين اللقبين كان لابنه «أنتف»، وكذلك كان يلقب «المدير العظيم للبيت»، وقد وجد هذا اللقب على قطعة حجر من حفائر قام بها «درسي» عام ١٨٩٥ وهي الآن بمتحف القاهرة، وكذلك ظهر على قاربين من النماذج التي وجدت في سرداب قبره أنه كان يلقب «الأمير الوراثي» فقط، وعلى قطعة حجر وجدت بالقرب من قبره كان يلقب فقط «حامل الخاتم» (A. J. S. L. 1940, April P. 150).
  • (٥)

    حاجب الملك المتصرف لدى الإله، والذي يسمع اسمه في الجنوب، وفي الشمال المحبوب حقًّا من سيده «محيسا» بن «دجا» وأمه تدعى «نزمت»؛ ونحن لا نعرف اسم زوجة الوزير «دجا» ولا أولاده، وقبره قد بني في عهد ذلك الملك بالقرب من المعبد، ولذلك لا يمكن أن يوحَّد «دجا» المذكور هنا و«دجا» الوزير.

  • (٦)

    قريب الملك حقا حاكم الأرض الشمالية «اتو».

  • (٧)
    حامل خاتم ملك الوجه القبلي، السمير الوحيد وحاكم الصحراء الغربية الذي يأتي إليه الأمراء مسلمين عند باب قصر الملك، المحبوب من سيده المشرف على أمناء الخزانة «مرو» (Eisenlohre, Ibid P. 102, Pl. II; II, 10-11 X. & Petrie, Ibid No. 459) وهناك نقش آخر لم تنقشه يد متفنن على قطعة منفردة وجد عليها كذلك: المشرف على أمناء الخزانة «مرو»، وتوجد آثار أخرى ﻟ «مرو» هذا١٦ في المقبرة رقم ٢٤٠ في الدير البحري عليها لقبه «المشرف على أمناء الخزانة»، وعلى لوحة يحتمل أنها من «العرابة» هي الآن في متحف تورين (Gauthier, Livres des Rois I, 232) وهي مؤرخة في السنة السادسة والأربعين من عهد الملك «نب حبت رع»؛ أي بعد نقوش شط الرجال بسبع سنين، وقد ذكر فيها اسم والد «مرو» وهو «اكو» وأمه «ختيتي» وألقابه كالآتي: حامل خاتم ملك الوجه البحري، السمير الوحيد، والمشرف على أمناء الخزانة، كما جاء ذلك في نقوش «شط الرجال»، وقد أضيف إليها نعوت أخرى مثل «الذي كسب محبة سيده» «المحبوب والممدوح من سيده».
  • (٨)

    حامل خاتم ملك الوجه البحري السمير الوحيد كاتب سجل الملك «إيا» ويوجد نقش بهذا الاسم «إيا» ربما كتبه صاحبه بيده على مسافة ١٠٠ خطوة في داخل الوادي — وقد كتب حروف اسمه هجاء وبعدها «الحياة والسعادة والعافية! الممدوح حقًّا من سيده.» وقد عثر الأستاذ «نيو بري» على قطعة حجر لم تنشر بعد في معبد الدير البحري عليها كاتب الملك «إيا».

  • (٩)
    ضام أقطار الملك في كل ممتلكاته، المحبوب حقًّا من سيده، حامل خاتم ملك الوجه البحري المشرف على أمناء الخزانة «مرو» (Eisenlohre, Pl. II, 11 3-4 & Petrie, Ibid, No. 475, 474)، ومن المحتمل أن «مرو» هذا هو الشخص المذكور في نقش أسوان سنة ٤١ (Petrie, Ibid Pl. VIII No. 243) عندما كان حامل الخاتم «خيتي» عائدًا من واوات، ويجب أن تقرأ كالآتي: السنة الحادية والأربعون من حكم ملك الوجه القبلي والبحري «نب حبت رع» عاش مخلدًا مثل رع، إني معروف لدى الملك، وحاكم مقاطعة، والمراقب على الجزء الشرقي من مقاطعة عين شمس، وهذه الألقاب لا تنتزع منه شخصية «مري» الذي كان في «شط الرجال» منذ عامين مضيا.
  • (١٠)
    المدير الملكي «حبي» الممدوح حقًّا من سيده (Petrie, Ibid, 468) وقد عثر «نيو بري» على قطعة حجر في الدير البحري لم تنشر بعد، ذُكر عليها اسم هذا الموظف الملكي «حبي».

    وهناك نقشان ليسا في المجموعة التي نحن بصددها، ولكن يظهر أنهما ينسبان إليها وهما: الأمير الوراثي كبير المرتلين، وكاتب الكلمات المقدسة «خيتي»؛ وخيتي هذا كذلك معروف من قطعة حجر عثر عليها في الدير البحري كتب عليها: كبير المرتلين «خيتي».

  • (١١)
    المشرف على أمناء الخزانة «سبك حتب» (Petrie, Ibid No. 586).
    ومما يلفت النظر أنه على مسافة خمس عشرة خطوة من اللوحة الأولى، وعلى مقربة من اللوحة الثانية من الجهة الغربية قد كتب شخص ما بسرعة على الصخور التاريخ سنة ٣٩، ففي المرة الأولى كتب التاريخ في سطر واحد من الشمال إلى اليمين أو اتجاه اللوحة عندما يدير الإنسان وجهه لهما … (Petrie, Ibid 542)، وفي المرة الثانية كُتب بنفس اليد التي كتبت الأولى ولكن بالعكس،١٧ ومن وضع هذين التاريخين يظهر جليًّا أنه يقصد بهما حصر اللوحتين، ومجموعة النقوش التي بينهما، يضاف إلى ذلك أن تاريخًا مدته كبيرة كهذه لا يمكن أن يكون لملك آخر غير «منتو حتب الثاني» نفسه، وعلى ذلك يظهر أن السائح الذي كتبهما كان يعرف زيارة البلاط لهذا المكان فكتبهما هناك وكأنه يريد أن يقول: «هذه الأسماء التي بين هذا المكان وذاك هي للملك وحاشيته الذين كانوا هنا في السنة التاسعة والثلاثين من حكم الملك.»

(١٠) زيارة شط الرجال بعد عهد منتو حتب الثاني

ويظهر أن وادي «شط الرجال» كان يقصد كثيرًا بعد زيارة الملك «نب حبت رع» وحاشيته؛ وفي خلال السنين القلائل التي تلت هذه الزيارة قصد هذا المكان أكثر من مائة شخص وكتبوا بعض كتابات بالقرب من نقوش عام ٣٩ على طول الوادي، وبعض هذه النقوش مؤرخ في أواخر الأسرة الحادية عشرة، وكذلك توجد طغراء للملك «منتو حتب» الثاني كُتبت على عجل في الجزء العلوي من هذا الوادي (Petrie, Ibid No. 394)، وغربي ذلك يوجد رسم تخطيطي للملك «سعنخ كارع» منتو حتب الثالث في ملابس عيد «سد» يتقبل قربانًا من الغزلان حمله إليه رجلان أحدهما يسمى «منتو حتب»، وترى اثنين من حاشيته يركعان خلفه (Petrie, Ibid 359) وقد خلد ذكر هذا الملك في نقش يقع بين نقوش رجال البلاط واللوحة الأولى؛ حيث يوجد اسمه على لوحة سقطت من الصخر وعليها «حور سعنخ» وهي مقلوبة الآن، ولهذا الملك نقش ثالث على قطعة منفصلة من الصخر الرملي في الجانب الجنوبي لمدخل الوادي (Sayce, Ibid P. 171) وتقرأ: ملك الوجهين القبلي والبحري «سعنخ كارع» المحبوب من «حور» و«سبك» رب «خارو» الذي خدم حور (الملك) منذ شبابه: الكاهن المطهر «إني» أو يحتمل «أنتفي» ويمكن أن تستنبط مما سبق أن معظم أسماء الأفراد التي عثر عليها في الوادي تقريبًا كلها من هذا العصر فنجد بينها تسعة باسم «منتو حتب» وسبعة باسم «خيتي» وأربعة باسم «أنتف» وثلاثة باسم «منتو أوي» (Petrie, Ibid No. 464, 465, 467) وكلها أسماء خاصة يتميز بها العصر الأول من عهد الدولة الوسطى؛ وبعض هؤلاء الذين كتبوا أسماءهم يمكن أن يكونوا من حاشية «نب حبت رع»، وإذا كان الأمر كذلك فليسوا إذن من ذوي الحيثيات؛ لأن أسماءهم كُتبت بخط صغير بغير اعتناء على الصخر، ولا يبعد أن يكونوا من هؤلاء الزوَّار الذين مروا بهذا المكان بعد زيارة الفرعون له بسنين قلائل، ومما يلفت النظر بين هذه الأسماء شخص يدعى «مكتو» وكان يلقب حامل الخاتم، كتب اسمه ثلاث مرات، وربما كان الحافز له على ذلك رؤيته اسم سميه «مكت رع» حامل خاتم الوجه البحري (Petrie, Ibid No. 409, 475) وفي خلال السنين الأخيرة من ختام الدولة الوسطى كان يمر بهذا الوادي بعض الزوَّار، ولكنهم كانوا قلائل فنجد بجوار اللوحة الثانية تاريخ السنة الثالثة من حكم «أمنمحات الرابع».
ومن عهد الأسرة الثالثة عشرة نجد نقشًا باسم الملك «نفر حتب» وضعته أم الملك «كمي» (Petrie, Ibid 479).
وبعد عدَّة سنين وقف أحد السياح وكتب تحت اللوحة الكبيرة اسم الملك «سبك أم ساف» (Petrie, Ibid No. 490).
وقد وجد كذلك نفس هذا الاسم «سبك أم ساف» في هذا الوادي لكاتب لم يدونه «بتري» في نقوشه، وقد قصد هذا الوادي سياح من العصر الذي بين الأسرة الثالثة عشرة والأسرة الثامنة عشرة، فعلى مسافة قريبة من اللوحة الصغيرة كتب بخط جميل المحنَّط: «بام» ابن «رن-سنب» المرحومة، وعلى مسافة قريبة نقشت أسماء جماعة كبيرة من الرجال والنساء (Winlock A. J. S. L. Vol. LVII).
(April 1940, P. 156, and Fig. 14).

(١١) زوَّار شط الرجال في عهد الأسرة الثامنة عشرة

وإذا كان أسماء زوَّار «شط الرجال» في العصر الإقطاعي قليلين فإنهم كانوا أندر في عهد الأسرة الثامنة عشرة رغم النشاط العظيم في محاجر الحجر الرملي العظيمة القرب من هذا الوادي في جبل السلسلة وفي أسفل النهر عند الحوش، ومنهما كان يأتي الزوار القليلون للوادي، فقد عثر على نقش من عهد «أمنحوتب الأوَّل» (Petrie, Ibid 480)، وبعد انقضاء جيل على ذلك نجد «بتباتي» المشرف على الأعمال في معبد آمون في عهد المرحوم «أمنحوتب الأوَّل» والمرحوم «تحتمس الأوَّل» والملك الحاكم «تحتمس الثاني» قد زار الوادي ونقش اسمه على الصخور التي على يمين اللوحة الكبيرة (Petrie, Ibid 476) والظاهر أن «بتباتي» هذا قد قضى حياته في المحاجر؛ لأنه في عصر الحكم المزدوج لكل من «حتشبسوت» و«تحتمس الثالث» قد جاء ثانية وترك اسمه عند رأس الوادي (Petrie, Ibid P. 14, No. 357)؛ والواضح أن الزوَّار كانوا يأتون إلى هذه البقعة ليروا اللوحة الكبيرة، ومن المحتمل جدًّا أنهم يحجون لاسم هذا الملك الذي أصبح مؤلهًا، فقد كتب تحتها أحد الزوار ما يأتي:

زيارة قام بها الكاتب «أب» ليرى الآثار.

(١٢) شط الرجال لم يستعمل محجرًا

ومن كل ما سبق يتضح أن «شط الرجال» كان مقصد الزوار في عهد أواخر الأسرة الحادية عشرة، ومن المحتمل في أوائل الأسرة الثانية عشرة، وبعد قرن أو قرنين من ذلك العهد كان بعض السابلة ينقش اسمه عليه اعتباطًا أو مصادفة، ولكن في عهد الأسرة الثامنة عشرة كان زوار هذا الوادي منحصرين في رجال المحاجر القريبة من شط الرجال، وكانوا متفرجين على الآثار فحسب؛ وعلى ذلك يمكن القول بأن شط الرجال لم يكن قط يومًا ما محجرًا رغم أن سايس (Sayce, Ibid. 171) قد ذكر أنه وجد نقوشًا من عهد الأسرة الحادية عشرة لموظفين وعمال قد أتوا ليبحثوا عن أحجار في هضبة فوق شط الرجال، ولكن البحوث تدل أن أحجار مباني الأسرة الحادية عشرة المأخوذة من الحجر الرملي كانت من النوع الأزرق والأرجواني الرمادي كالتي توجد في «أسوان» وليس من بينها النوع المائل للصفرة الذي يوجد في محاجر السلسلة، وعلى هذا تكون النقوش التي يشير إليها «سايس» ليست لعمال محاجر أو كانت من عهد غير عهد الأسرة الحادية عشرة، وليس في شط الرجال أثر لمحاجر أكثر من ثلاثة أحجار من الحجر الرملي في الوادي، ولا بد أنها قطعت في عهد الدولة الحديثة، وسنرى بعد سر الشهرة التي خلقت فجأة لهذه البقعة، وبعد اتحاد البلاد بفترة قصيرة في عهد الأسرة الحادية عشرة، والتي أصبحت في زوايا النسيان بعد بضعة أجيال.

والواقع أن المسافر الصاعد في النيل قبل أن يصل إلى شط الرجال يجد نفسه قد دخل في الأقطار النوبية الصبغة، ويلاحظ حتى يومنا أن البيوت في «الكاب» التي تبعد نحو ٦٠ كيلومترًا فيها ذكريات البيوت النوبية، هذا إلى أن اللغة النوبية متداولة في «دراو» التي تبعد نحو ٢٥ كيلومترًا جنوبي جبل السلسلة، وهذا المضيق لم يكن قط عقبة للملاحة كالشلالات التي في جنوبه، ولكن كان هناك منحدرات وعقبات كان يضطر معها الملاحون أن يجروا السفن للخروج من المضيق وبخاصة في زمن التحاريق، وحتى اليوم لا تزال هناك بعض شعاب وأماكن ضحضاحة. وعند «كوم أمبو» يوجد منحنى في النيل صعب اجتيازه بدون ريح رخاء، ولا نزاع في أنه منذ أربعة آلاف سنة لم يكن النيل قد اختط لنفسه مجرًى عميقًا في وسط التلال كما هي الحال اليوم، ولا بد أن سفن الدولة الوسطى كانت تجد مشقة في اجتياز هذا المضيق، وإذا كانت الألواح والنقوش التي في شط الرجال هي نصب تذكارية كما يظهر منها — والواقع أنها كذلك — عملت لزيارة الملك «منتو حتب» وحاشيته في هذه البقعة، فإنه يمكننا أن نفهم في الحال السبب الذي من أجله حط الفرعون رحاله هنا إذا فرضنا أنه صعد في النهر من عاصمة ملكه «طيبة»، فقد كان عند وصوله إلى هذا المكان قد اجتاز حدود مصر، وكانت المسافة التالية من النهر صعبة الملاحة، ولهذا السبب بلا شك كان قد ضرب موعدًا عند جنادل جبل السلسلة حيث كان الأمير «أنتف» وحامل الخاتم «خيتي» ينتظران المثول بين يدي الملك.

ولما كان الراجح أنهما لم يكلفا الهيمنة على بعثة في جوار جبل السلسلة فلا نستطيع القول بأنهما كانا في مكان آخر بعيدًا عن هذه البقعة، وأنهما كانا عائدين ليقدّما تقريرهما عن بعثتهما، وإذا فرضنا أنهما قد حضرا بطريق النهر في السفن النيلية فإن المعقول أنهما يتشرفان بالمقابلة عند شاطئ النهر، وفي هذه الحالة كانت النقوش التذكارية لا بد تنحت على بعض الصخور المطلة على النهر حتى يمكن رؤيتها من النيل، ولكن النقوش التي لدينا كلها في وادي «شط الرجال» بعيدة عن النهر، ولا يمكن رؤيتها منه، ومن هنا يصعب على الإنسان أن يعتبرها تسجيلًا لرحلات نهرية.

(١٣) الغرض من نقوش شط الرجال

وعلى ذلك يمكن تفسير نقوش وادي «شط الرجال» الخاصة بالملك «منتو حتب» وحاشيته بأنها تسجل قافلة صحراوية كالتي قام بها «حرخوف» و«بيبي نخت» و«سبني» في عهد الدولة القديمة (راجع مصر القديمة جزء أول) أما الواحات فلم يكن لها أهمية تذكر ليذهب إليها الأمير وحامل الخاتم، وإذا كانت قد أرسلت فعلًا بعثة إلى هذه الجهات فإن المعقول أن يسلك رجالها الطريق السهل القصير من بلدة «هو»، وعلى ذلك يكون من المحتمل جدًّا أن تكون البعثة عائدة بطريق واحة كركور.

ومما لا نزاع فيه أنه في أوائل حكم هذا الملك في سنة ضرب الأراضي الأجنبية … في عهد «نب-حبت-رع» قام الملك «منتو حتب» بحملة بنفسه بين الشلال «وكلبشة» حسبما جاء في نقوش «دهميت» التي نقشها «ثيهامو» وكان ضمن رجال الجيش المصري في ذلك العهد١٨  (Weigall, “Antiquities of Lower Nubia, P. 61, Pl. XIX & Roeder, Debod Bis Kalabsche 280 ff Pls. 106–8).

قبل سنة ٣٩؛ ورغم أنه ليست هناك نقوش تثبت ذلك فإننا نظن أن أعالي النهر على الأقل حتى وادي حلفا قد اعترفت بسلطان ملك مصر، ومن المحتمل أن «أنتف» و«خيتي» قد قاما برحلتهما لتفقد أحوال الأقاليم التي أخضعت حوالي ٢٠٢٠ق.م، وإنه لمن الأمور المغرية التي يحيطها الشك الكبير أن يرى الإنسان وثائق عن رحلة قام بها «أنتف» إلى بلاد النوبة في ثلاثة عشر نقشًا تقع على مسافات متقاربة على طول شاطئ النيل من كلبشة حتى أبو سنبل ذكر فيها: «حور سنفر-تاوى-اف» السيدتان «تاوى-اف حور الذهبي» «نفر» ملك الوجهين القبلي والبحري «كع-كا-رع إن» سلالة رع أبديًّا.

(Roeder, Ibid, 456, 458, & Weiga 11, Ibid, Pl. XXXIV, LII, LIV, LXII, LXIV. LXV, P. 138).
وكان يسمى في العادة «أنتف» وإن كان اسمه لم يكتب قط بهذه الكيفية، ولا شك في أن اسمه الحوري من طراز «سعنخ تاوى-اف» وهو الاسم الحوري للملك «سعنخ كارع» (منتو حتب الثالث)، كما أن النقش الذي يشمل كتابة اللقب «ابن الشمس» في داخل خرطوش؛ هو على وجه عام يمثل نفس الحالة المتبعة في عهد الأسرة الحادية عشرة، وليس هناك اتفاق بين علماء الآثار على توحيد شخصيته، فنجد الأستاذ «مير» (Meyer, Ibid 277) يقتبس من «جوتييه» ويعتبره حاكمًا نوبيًّا محليًّا، وقد ذكر كل من «دريتون» و«فندييه» حديثًا (Droiton, Les Peuples de l’Orient Mediterraéen II. L’Egypte)، أنه ملك نوبي مستقل معاصر لملوك الأسرة الحادية عشرة أو يحتمل قبل ذلك.
ويعتبره بورخاردت (Borchardt Ibid, P. 23 No. 114) أنه ملك مصري جاء في النصف الأول من عهد الأسرة الحادية عشرة، وقد اعترض على هذه الآراء «ونلك» (A. J. S. L. XXX (1915) 6 No. 3) قائلًا: إن خرطوشيه يدلان على أنه لا بد قد أتى بعد «منتو حتب الأول»، ولا شك في أن رحلتهما كانت آخر رحلة مثل التي كانت ترسل في عهد الدولة القديمة. وانتهاؤها عند شط الرجال يمكن تفسيره بأن الرحلة من هناك نحو طيبة كانت قصيرة وسهلة لا يعترضها شلالات أو جنادل.

(١٤) بعض آثار من عهد الملك منتو حتب الثاني

وبعد الرحلة التي قام بها هذا الفرعون إلى «شط الرجال» نجد منقوشًا على صخور أسوان: السنة الواحدة والأربعون في عهد «نب حبت رع» أتى حامل خاتم الملك ورئيس الخزانة خيتي [الذي وضعته «ست رع» المبرأة]، إلى «واوات» بسفن … ونجد كذلك نقشًا آخر يقول: السنة الواحدة والأربعون في عهد ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب حبت رع» عاش مثل رع مخلدًا، لقد كنت مراقبًا في مقاطعة عين شمس الشرقية، وموضع ثقة مليكي في العرابة، الحاكم «مري-ثني» (Petrie, Season Pl. VIII. Nos. 213, 243: Maspero, Ibid P. 462; Breasted, A. R, 1, Par. 426, Deir el Bahari P. 117).
ثم بعد ذلك بخمسة أعوام مات حامل الخاتم «مرو» في السنة السادسة والأربعين من عهد هذا الفرعون (Lanzone, Catalogo P. 117, Farina II Regio Museo di Torino, P. 13. Pl. 40).

الذي كان بدوره طاعنًا في السن وقتئذ، وبعد انقضاء خمسة أعوام قضى الفرعون نحبه و«ذهب إلى الأفق».

ولسوء الحظ ليس لدينا تفاصيل عن الحروب التي دارت على أطراف الدلتا مع الأقوام المعادين من «العامو» و«المنتو» ومن المحتمل أن اللوبيين كانوا يناصرونهم في تلك الحروب (Naville, Ibid I. 5 Pl, XIV: Petrie, History I P. 141).
على أنه حتى في الأمور الداخلية التي لها اتصال وثيق بحالة البلاد الاجتماعية ليست لدينا معلومات ذات شأن إلا نتفًا ضئيلة نعثر عليها الفينة بعد الفينة، فمثلًا نقرأ على لوحة في متحف نيويورك (M. M. A. 14. 2. 7. & Winlock, A. J. S. L. 1915 P. 15 No. 2). أن موظفًا يدعى «ماعت» يشير إلى أن صديق الملك ومدير ماليته «ببي» هو الذي ستؤول إليه أملاكي، ولا بد أن «ماعت» هذا قد وصى بأملاكه له، ومن المحتمل أن «ببي» هذا هو الرجل الذي نسمع عنه في تاريخ متأخر عن هذا، وهو الذي أصبح وزيرًا كما نشاهد ذلك في نقوش معبد الدير البحري (Davies, Five Theban Tombs, P. 39).

ولدينا عدة لوحات جنازية عن عصر هذا الفرعون، ولكنا لا نستطيع أن نحدد لها تواريخ معينة، ومن أهم هذه اللوحات وأقربها عهدًا إلى العصر الثاني لحكم هذا الفرعون؛ أي وقت أن انتحل لنفسه ألقابه الجديدة، ثلاث لوحات تحمل اسم «أنتف» بن «مايت» الذي كان يلقب بالأمير والحاكم وحامل خاتم ملك الوجه البحري، وتوجد واحدة من هذه اللوحات بكل من لندن وبرلين وكوبنهاجن، فالأولى منها قد أحصى فيها ملكيته.

(Peet, “Liverpool Annals Archaeology” 1914-1915 P. 82 & Winlock, A. J. S. L. 1915 P. 5, 18).
ويقول فيها:

هذا كل ما أمتلك أصلًا وما أكسبنيه «نب-حبت-رع»؛ لأنه كان يحبني حبًّا عظيمًا.

وهو يلتمس في نقوشها خبزًا نقيًّا في معبد «منتو» وموائد قربان في معبد «أوزير» ثم يتلو علينا شروط عقد أبرم مع الكاهنين» «نختيو» Nekhtui و«أنتف» للاعتناء بروحه.
أما اللوحتان الأخريان فتذكران كيف أنه وجد المزار الجنازي لمقبرة الحاكم «نختي أقر» ويحتمل أن يكون قبره قد خرب … وليس هناك من يفكر في شأنه، وعلى ذلك يقول:

أمرت ببنائه من جديد … حتى يصبح اسمي طيبًا على الأرض وذكراي حسنة في القبر.

لوحتا «خيتي»: وتوجد كذلك لوحتان أخريان لم يدوَّن عليهما تاريخ، وهما لموظف يدعى «خيتي» وقد عاش في حكم ملك يدعى «منتو حتب» ولا شك في أن المقصود هنا هو «نب حبت رع»، (Gardiner J. E. A. 1917 P. 28 ff).
وتمتاز واحدة منهما بما جاء فيها من الأسماء الجغرافية الجديدة التي ذُكرت عليها، وبأنواع المعادن التي جلبها معه الفرعون، على أن الغريب في ذلك أن من يقرأ محتويات هذه اللوحة لا يشعر بأن «خيتي» هذا قد تجاوز في رحلته هذه حدود شبه جزيرة سينا، وهاك النص الذي جاء بعد الصيغة الدينية المعتادة يقول فيها:
لقد كنت حامل خاتم الإله١٩ «أرسلت» لأجل أن أضعف قوَّة البلاد الأجنبية، وعندما كنت في إقليم المعادن فحصته وسحت حول أقاليم «ثنهت» Thenhet وعندما كنت في بيوت «رجل» الشمال ختمت خزائنه التي في جبل «بيت حور في مدرج الفيروز» بعد أن أخذت فيروزًا من منجم «برشمع» وقد حاولت كرة أخرى في منجم آخر يسمى منجم … وهو منجم قد عمل لحور (الملك) نفسه، ولما كنت قد خرجت في هذه البعثة بأمر سيدي هذا فإني فعلت ما أراده، ولقد كنت مبعوثه والمماثل لقلبه وصورة صدره، ولقد أدَّيت له ما أراد كأن ما فعل كان للإله نفسه، ولقد عاقبت الأسيويين في بلادهم، ولقد كان الخوف منه هو الذي نشر هيبتي، ونفوذه هو الذي بث الرعب مني، حتى إن البلاد التي وصلت إليها صاحت قائلة: مرحى مرحى بقوَّته، إن حبه هو الذي جعل الأرضين تتحدان له والآلهة تسعد زمنه، وعدت في سلام إلى قصره وأحضرت له طرائف البلاد الأجنبية من معدن جديد من «بات» ومعدن لماع من «إهوياو» ومعدن صلب من «منكاو» وفيروز «حروتت» ولازورد «تفررت» ومعدن «ساهرت» من فوق الجبال «وخت عوا» من جبال مستيو، ورننثث من «باوق» من الأرض الحمراء، وعصي من «رشاوت» ومزمت من «كهبو».

ومن ذلك نستخلص أن هذا الموظف الكبير (إذا كان كل ما قاله صحيحًا) يعتبر من أعظم المبعوثين الذين ذهبوا إلى «سينا» وتوغلوا في مختلف مجاهلها ومهدوا الطريق لجعلها تحت سلطان مصر في عهد الدولة الوسطى وما بعدها، ومن جهة أخرى تكشف لنا هذه اللوحة عن أسماء أماكن فيها وأسماء معادن لا زلنا نجهلها تمامًا.

أما اللوحة الثانية لهذا الموظف فليس فيها ما يلفت النظر غير أن «خيتي» كان يشغل وظيفة بحرية ربما كانت خاصة بالنقل.

هذا؛ ولدينا عدد من الآثار المختلفة الأنواع قد نقش عليها اسم «منتو حتب»، وكل الدلائل تشير إلى أنها للفرعون «نب-حبت-رع» «منتو حتب» الذي نحن بصدده، فمنها قطعة من الحجر الجيري كانت في «برلين» منذ ستين سنة مضت، وقطعة من الحجر الجيري الملون في «ميرامار» Miramar بالقرب من تريستة ورأس تمثال في متحف الفاتيكان (Wiedemann, Agyptische Geschichte P. 229) وكذلك عثر على جزء من لوحة لموظف يدعى «أنتف نخت» في جبانة أمراء الأسرة الحادية عشرة في «طيبة» الغربية، ويحتمل جدًّا أنها من عهد هذا الملك، وقد ذكر في نقوشها «بيت خيتي» الذي حاربه الطيبيون مدة طويلة.

(١٤-١) مباني هذا الفرعون في «طود»

وتدل الآثار الباقية على أن هذا الفرعون (A. S. (1907) P. 244) كان سخيًّا في إنشاء مبانٍ عدة بعد أن ملك البلاد من أقطارها، ويلاحظ أن معظم هذه المباني كانت في الصعيد موطنه الأصلي، وليس هذا بالأمر المستغرب، «ولا يبعد أنه أقام مباني عدة أيضًا في الوجه البحري قضت عليها يد التدمير ومياه النيل، كما قضت على معظم الآثار الأخرى التي تُنسب إلى غير هذا العصر في تلك الجهة.» ففي بلدة «طود» الصغيرة التي تقع على ما يقرب من ثلاثين كيلومترًا على شاطئ النيل الشرقي جنوبي «طيبة» كان قد أقيم معبد صغير من اللبن وعمده من الجرانيت «لثورمنتو» ويرجع تاريخه على أقل تقدير للأسرة الخامسة، فلما تولى «نب حبت رع» أعاد بناء هذا المعبد المتهدم للإله «منتو» الذي كان يمثل رأسه برأس صقر ولزوجه «تننت» وقد كانت مساحته ١٧ × ٢٣ مترًا وجدرانه من الحجر الرملي والحجر الجيري ووضع فيه تمثال من الجرانيت، وقد نقش على عمده المؤلف كل منها من قطعة واحدة: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب حبت رع» محبوب «منتو» رب طود».
وبنفس الطريقة كتب ابن الشمس «منتو حتب» وكان سقف هذا المعبد من الحجر الرملي، وقد نقش كذلك على ثلاثة من إطارات الأبواب سطران أو ثلاثة من الكتابة على قممها، وعلى عمودين في أسفل مصاريع الأبواب، أما جدران المعبد فقد نقش عليها مناظر تمثل الفرعون واقفًا أمام الإله «منتو» والإلهة «ساتت» ثم الإلهة «نخبت» والإلهة نيت ربة «سايس»، وأحيانًا تمثل الإله «منتو» وزوجه تننت يتوجان «نب حبت رع» ملك الوجه القبلي، وأهم منظر في هذا المعبد الصغير هو الذي يظهر فيه «نب حبت رع» وأجداده الثلاثة من الأناتفة وهم يقدمون قربانًا للإله المحلي «منتو»، وهذه النقوش كلها يظهر فيها القوة والخشونة معًا، وليس ذلك لأنها قد مثلت في معبد صغير مثل معبد بلدة طود الصغيرة، بل الواقع أن هذا يرجع إلى فن العصر وأسلوبه الذي ينم عن القوة والخشونة كما سنرى بعد (F. Bisson de la Roque, Ibid PP. 1, 10, 14, 25, 62, 79).

(١٤-٢) آثاره في «طيبة»

أما في مدينة «طيبة» فكان يوجد معبد للإله «منتو» ومعبد للإله «أوزير»، ومن المحتمل أنهما كانا قائمين على موقع المحراب الحالي (Winlock, A. J. S. L. (1915) P. 522) الصغير في الجنوب الشرقي من معبد منتو، غير أنه لا يوجد أي أثر منهما الآن، وقد عثر «في طيبة» على مائدة قربان غاية في خشونة الصنعة قدمها الفرعون «نب حبت رع» إلى «رب العرابة» (A. Kamal, Tables d’Offrandes No. 23007).
هذا إلى مذبح آخر رُسم عليه صورتان لإله النيل يقدِّمان القربان، ونُقش عليه: حور موحد الأرضين «نب حبت رع» بن الشمس «منتو حتب» (Chabas, in Congrés Oriental St. Etienne II, 78).

وهذه الندرة في آثار هذا العهد في مدينة «طيبة» يرجع سببها طبعًا إلى تكرار تجديد معبدي الإله «منتو» والإله «أوزير» ولذلك فإن أقدم آثار لهما تنسب إلى قرون بعد هذا العهد الذي نبحث فيه، فمعبد «آمون» لا يمكن أن يكون قد ظهر في عالم الوجود بناء متقنًا إلا بعد عهد «أمنمحات» الأول، وهو الإله الذي كان قد احتل مكانه «منتو» في الأسرة الثانية عشرة.

(١٤-٣) آثاره في بلدة «دير البلاص»

وفي الموقع الذي تقوم عليه قرية دير البلاص الواقعة على الشاطئ الغربي للنيل قبالة قفط تقريبًا؛ يحتمل أنه كانت توجد هناك بلدة صغيرة يحترف أهلها صناعة الفخار منذ عهد الدولة القديمة، وكان أهلها على ما يظهر في فقر مدقع، وليس في مقدورهم أن ينفقوا على نحاتين أو مثالين من أصحاب الكفايات، ولذلك يحتمل أنه قد وفد عليهم مفتنون من غير أهل قريتهم أرسلوا بخاصة لبناء هيكل، ولينحتوا نقشًا لملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب حبت رع» وهو يقدم قربانًا لبعض الآلهة (Lutz, Egyptian Tomb steles, Pl. 32).
مقابر هذا العصر: ومما هو جدير بالملاحظة هنا أنه قد عُثر على طول المنحنى العظيم للنهر، عند دندرة عند الحد الفاصل بين الشمال والجنوب، على مقابر للقوم من هذا العصر، وقد كانت طريقة دفن الأهلين فيها كما كانوا يُدفنون منذ قرون من قبل (Petrie, Denderah P. 10) فلم يتغير طراز مقابرهم من أجيال عدة، بل كانوا يقيمون مصاطب من اللبن مستطيلة الشكل، وأمام كل منها «مركن» للقربان، أو يقيمون فيها حجرات ضيقة جدًّا كانت تسقَّف باللبن على هيئة قباب، وكل شيء في هذه المقابر حتى أسماء الذين دفنوا فيها يدل على أنهم من هذا العهد؛ إذ نجد من بينها «ببي» و«أنتف» و«أنتف عا» و«أنتف أقر» و«منتو حتب».

وقد عثر هنا على قطعة حجر نُقش عليها اسم «سعنخ أب تاوى» منتو حتب الأول. وكذلك وجدت قطعة أخرى من أثر قديم للملك «نب حبت رع» منتو حتب الثاني.

هذا؛ وقد عَثر المسمدون على أسطوانة كانت تستعمل خاتمًا منقوشة نقشًا عتيقًا، فقد دوِّن عليها اسما «ملك الوجه القبلي والوجه البحري» «نب حبت رع» والإلهة «حتحور».

(١٤-٤) آثاره في العرابة المدفونة

أما في العرابة المدفونة التي حارب من أجلها ملوك هذه الأسرة حروبًا طاحنة فقد وجد اسم هذا الفرعون مرات عدة، مما يدل على احترامه وتقديسه لها؛ ولذلك فإنه على أثر تقلده لقب حور موحد الأرضين أخذ يقيم فيها المباني (Petrie, Abydos, II 14, 33, 43, Pls. XXIV, LIV).

وقد كان معبد أوزير الذي أقامه له الملك «بيبي» منذ قرنين ونصف قرن من هذا العهد؛ لا يزال في حالة لا بأس بها لم تنَله يد التخريب تمامًا، فلما جاء «نب حبت رع» وضع على جانبي مدخل هذا المعبد مائدتي قربان من الجرانيت الأحمر صناعتهما خشنة، وأقام بدلًا من بعض الجدران المقامة من اللبن أخرى من الحجر، وكذلك أقام محرابًا لتمثال الملك، وبنى رواقًا ذا عمد مختلفة أحجامها في الصف نفسه، هذا بالإضافة إلى حجرة زُينت بمتون تدعو آلافًا من كل المواد الغذائية لتمثال ملك الوجه القبلي والبحري «نب حبت رع»، ونقوش أخرى تعلن أن الملك «منتو حتب» هو الذي أقام هذا ليكون أثره، وقد وجد على جدران الحجرة كذلك صور الآلهة «وبوات» «وخنتي أمنتي» (أوزير) و«حور» و«خنوم» و«تحوت» و«أنحور».

ولا بد للإنسان بعد «العرابة» من أن ينحدر في النيل مسافة حتى يصل إلى «حتنوب»؛ حيث يجد آثارًا يمكن أن تُنسب إلى عهد هذا الفرعون على وجه التقريب؛ إذ ليس لدينا برهان قاطع على أنها من عهد «نب حبت رع».

وذلك لأنه لم يكن من المرغوب فيه أن يكتب أي إنسان (كما كانت الحال في كل مصر السفلى) اسم ملك من ملوك الجنوب، استمر ذلك إلى ما بعد انتقال حكومة الأسرة الثانية عشرة إلى «إثتوي» (اللشت)؛ أي في عهد «أمنمحات الأول» مؤسس الأسرة الثانية عشرة.

وقد حدث أننا نعرف فعلًا أخ حاكم المقاطعة «نحوتي نخت الثاني» في البرشه، ومن المحتمل أن حاكم المقاطعة نفسه كان لا يزال على قيد الحياة في السنة الواحدة والثلاثين من عهد «سنوسرت الأول»؛ أي حوالي عام ١٩٥٠ق.م. (Anthes, Hatnub P. 76; Baly J. E. A. (1932) P. 173).

ومنذ أربعة أجيال من هذا التاريخ إلى الوراء كان «نحري» الأول قد تولى حكم المقاطعة (مقاطعة الأرنب) فإذا قدَّرنا ربع قرن لكل جيل من الحكام، فإنا نجد ابنه «نحري» هذا كان قد تسلم حكم مقاطعته في عهد «نب حبت رع»؛ أي حوالي ٢٠٥٠ق.م، ولا نعلم من كان يعمل في هذه المحاجر قبل ذلك العهد غير أننا نعلم أن الفراعنة أنفسهم في معظم الأحوال هم الذين يأخذون منها لمبانيهم.

ولا يدهشنا ألا نجد أثرًا لمعبد قائم في هذه العاصمة العظيمة قبل الأسرة الثانية عشرة؛ فإن الفاتحين من أهل الجنوب قد خربوا كل شيء في المدينة عندما سقطت في أيديهم، وعندما أراد خلف «أمنمحات الأول» بناء معابد لآلهتهم اختاروا لها أماكن أخرى مختلفة (Petrie Ehnasya P. 3 Pl. IV).

(١٤-٥) إقامة المعبد الجنازي بالدير البحري

شرع الملك «نب حبت رع» قبل توحيد الأرضين في بناء معبده الجنازي في سفح الصخور الواقعة في «طيبة» الغربية، وقد كان في عزمه أن يتسع في عمارته ليكون أعظم معبد قام ببنائه واحد من أسرته؛ غير أنه إلى وقت فتحه للدلتا والاستيلاء عليها لم يكن أقام في بناء هذا المعبد إلا جدارًا عظيمًا أمام ردهته وشيد ستة محاريب فوق المقابر الست التي نُحتت لنسائه، ولكنه بعد فتح الدلتا أحدث تغييرات أساسية في تصميم هذا المعبد، وهذه التغييرات لم ينقطع معينها مدة الأربعين عامًا التالية من حكمه.

وقد كان أول عمل وجه نظره إليه هو أن يبني طريقًا عرضه نحو ٧٠ ذراعًا من المعبد إلى الأرض المنزرعة، يبتدئ من فتحة تركت في الجهة الشرقية الأصلية من جدار ردهة المعبد، وبعد أن تم تمهيد هذا الشارع أُحيط بجدار حجري من كلا جانبيه ليضارع الجدران التي حول الردهة العليا، ثم رُصف باللبن وغُطي بملاط من الطين (Winlock, Deir El Bahari PP. 9, 72, 203) ويلاحظ أن الطرق المسقوفة التي كانت تستعمل في مثل هذه الأحوال في معابد الدولة القديمة في سقارة مثل طريق «وناس» المسقوف لم يتردد صداها في طيبة وطرقها الخاصة بالمعابد، وعند موقع المعبد كان الوادي الصحراوي يُسوى سطحه كما كانت الأماكن الجبلية تُقطع، وبعد دك المستويات كان يُحفر نحو اثنتي عشرة ثغرة على خط واحد بمثابة علامة تبين محور المعبد، وكان يوضع في كل ثغرة أرغفة ثلاثية الشكل (Ibid, P. 101)، وبعد ذلك كان يذبح ثور لروح «نب حبت رع» على مسافة عشر خطوات شمالي هذا الخط، ومن المحتمل كذلك أن هذه العملية كانت تُكرر على بُعد المسافة السابقة جنوبًا، والخط الذي أسس محورًا يكوِّن زوايا قائمة مع الجدار المؤلف من الصخور المنفصلة التي يجوز أن تكون قد دُفنت في وقتها، وبعد أن عُملت هذه الأشياء لتقدِّس المكان وتباركه غابت عن ذاكرة كل إنسان بعد تركها في مكانها، ولما كان الجدار الشرقي للردهة قد دُفن على عمق بعيد، فإنه قد بُني جدار آخر على بُعد أكثر من ٤٠ مترًا غربًا عند طرفها الجنوبي غير أنه ينتهي تقريبًا عند نفس النقطة التي ينتهي عندها الجدار الأصلي في نهايته من جهة الشمال.

وبعد ذلك عمل تصميم مستوي السطح على هيئة درقة عظيمة عرضه عند القاعدة ٤٥٠ مترًا، ثم سوِّر بجدار من الأحجار الخشنة يرتكز على حُفر كانت تُعمل في الصحراء، وفي داخل هذا السور حُفر خندق لإقامة حائط من الحجر الجيري الأبيض وقاعدته من الحجر الرملي، ولقد أصبح من المستحيل علينا أن نعرف مدى امتداد هذا الحائط، ولكننا وجدنا بعض أحجاره في مكانها لا تزال علامات النشر عليها مما يدل على أن هذا الحائط قد أقيم بعضه، ويلاحظ أنها قد أزيلت كلية فيما بعد في خلال حكم هذا الفرعون.

ولا نزاع في أنه عند هذه المرحلة من عمليات البناء بدأ يظهر نهائيًّا تصميم الرصيف الذي أقيم عليه مقابر الأميرات الست، فقد وضعت ودائع قربان الأساس في الردهة السفلية في أركانها الأربعة، وقد ابتُدِئ بالركن الشمالي، وعندما كان واضعو قربان الأساس يمرُّون بالركن الشمالي الشرقي لوحظ أن واحدًا منهم وطئت قدمه عفوًا بعض اللبنات التي كانت لا تزال لينة، وقد كانت هذه النقطة تحتوي على عينات من المواد التي هُيئت لبناء المعبد، وكذلك قد لوحظ في الركن الجنوبي الغربي أن الطين الذي تخلف من صنع اللبنات قد كُوِّم في الثغرة التي فيها طعام القربان فوق الأوساخ التي كانت قد وضعت من قبل. وبعد ذلك جاء دور الحجَّارين ليقيموا كسوة من الأحجار حول الرصيف، ثم جاء غيرهم ليبنوا الردهة التي أمام الرصيف بأحجار كُتب عليها بالمداد: بيت «الكا» (Naville, Ibid I, 19n) وبعد الفراغ من هذا أقيم حائط من اللبن حول الحائط المصنوع من الحجر وبنفس ارتفاعه، وقد غُطي بطبقة من الجير، وخلف ذلك أقيم حائط آخر أقل ارتفاعًا، وعلى كل هذه الحوائط قد أقيمت على خطوط مستقيمة في المكان الذي كان يرغب أن يقام فيه حائط محني من الحجر، وقد نُقش على كل من الباب الخلفي الذي أقيم في شمال الردهة وفي جنوبها ألقاب الفرعون الخمسة، وبطبيعة الحال كان الباب الرئيسي الذي أقيم في البوابة السميكة المقامة في الشرق قد زُيِّن بمثل هذه النقوش.
أما في داخل الردهة نفسها فإن سطحها مُهد على شكل مدرجات، وأخيرًا غرست أشجار الجميز أربع على كل جانب من جانبي الطريق في حفر ملئت بغرين النيل، وخلف شجر الجميز زُرعت أشجار الخروب، وقد كان زرعها بمناسبة الاحتفال بعيد «سد» أو العيد الثلاثيني للفرعون «نب حبت رع»، ومن المحتمل أن شجر الخروب لم يزرع في الوقت نفسه الذي زرعت فيه أشجار الجميز، ويحتمل أنها زرعت بعد دفن الفرعون (Winlock, Deir el Bahari, PP. 49; 72, Pls. 2. 5).
وكان المعبد ذاته يسمى «أخت أسوت»؛ أي المساكن الممتازة أو كان يسمى مساكن «نب حبت رع» الممتازة (Maspero, Ibid p, 482; Lange und Schafer; Grab und Denkstein, No. 20088 & Naville Ibid I, 10).
وإذا أنعم الإنسان النظر في هذا المعبد وتصميمه بعد الانتهاء من إقامته يجد أنه قد حدث فيه عدة تغييرات (Naville, Ibid I, 27 ff, & Vol. II, Pls. 1, XXI, XXIII; Bonnet, A. Z. 1925, P. 40).
ففي النهاية نلاحظ وجود مساحة غير مسقوفة تبلغ نحو ٥ أمتار عرضًا فوق الرصيف الذي على جانبه الشمالي، وبعد ذلك نجد المعبد نفسه، والظاهر أنه قد أقيم هرم أمام المحاريب التي كانت قد بنيت من قبل لنساء الفرعون في وسط غابة من الدعامات والأعمدة الثمينة الشكل كما ذكرنا، (انظر الشكل رقم ١) وقد وجدنا في ورقة «أبوت» اقتباسًا يدل على أن هرم الملك «نب حبت رع بن الشمس منتو حتب» الذي في «جسر» (المكان العالي؛ أي الجبانة) وجد سليمًا (Peet, Tomb Robberies P. 39) وبدهي أن هذا الهرم لم يكن في الحسبان إقامته اقتصادًا لولا أنه كانت توجد صخرة طبعية اتخذت نواة وشُكلت بشكل هرمي، ثم بُنيت بالحجر، ومن المحتمل أنه قد عمل تصميم حجرة في داخل هذا الهرم مثل التي نُحتت لجدِّه «واح عنخ» غير أن هذا التصميم لم ينفذ قط.
ومن المحتمل أن السور السميك الذي أقيم حول قاعة العمد العليا التي يشرف من فوق سطحها الهرم كانت في بادئ الأمر مقصورة، غير أن التصميم الأخير قد اتخذ منها قاعدة محاطة بعمد من كل جهاتها، وفي الغرب قاعة عمد مسقوفة أخرى خلف هذه، أما المدخل الذي كان يُؤدي إلى المبنى الأخير فكان موضعه الجدار الخلفي، وقد كانت رقعة هذه الأجزاء الحديثة في المعبد من الحجر الجيري والجدران من الحجر الرملي اللهم إلا الغطاء الذي حول المذبح في الخلف، فإنه كان قد نقش نقشًا جميلًا، ومن المحتمل أن الكوَّة الصغيرة التي في نهاية المعبد كانت قد صنعت خاصة لتمثال الفرعون، ويجب أن لا ننسى هنا أن اللورد «دفرين» قد قام بحفائر بالقرب من هذا المكان. ويقال: إن من بين القطع التي في مجموعته تمثال للملك «نب حبت رع» (Naville, Ibid II, 21, Pl. x) ومن النقط الهامة التي تسترعي الأنظار أن مرور الاحتفال بقارب آمون المقدس كان يعرقله وجود الهرم في وسط قاعة العمد المسقوفة، علاوة على الطرق الضيقة التي تقع بين العمد وكذلك الأبواب الضيقة، وفضلًا عن ذلك فإنه (Winlock, A. J. S. L. 1941 P. 146) مما يلفت النظر أن المبنى كله كان غير صالح للاحتفالات، وأن تصميمه كان يفتقر إلى مكان يوضع فيه القارب المقدس. وفيما بعد؛ أي عندما وضعت الأسرة الثانية عشرة النظام لحج الإله عندما تسلم أمنمحات الأول مقاليد الحكم كان الدير البحري مسرحًا لهذا الاحتفال، وقد كان «أمنمحات» متأثرًا تأثرًا عميقًا بتصميم هذا المعبد؛ ولذلك نجد أن هرمه في اللشت قد وضع على رصيف مقصورته الأصلية، التي كانت عبارة عن مبنى صغير من اللبن في أسفل جانب الهرم الشرقي.

أما ضريح هذا الفرعون فيظهر أنه في بادئ الأمر قد شرع في نحت تصميمه تحت الجدار الشمالي للردهة، وقد وضعت فعلًا لبنات لتعلم المدخل، ولكن هذا التصميم قد أُلغي لسبب ما، وعلى بُعد عدة أمتار جنوبًا وشرقًا نحت مدخل باب الحصان وله ممر تحت الأرض، وقد كان تصميمه يؤدي إلى حجرة تحت الهرم على مسافة ١٤٠ مترًا نحو الغرب.

وقد ذكرنا من قبل أن هذه المقبرة قد استُعملت لتمثال الملك في عيد «سد» عام ٢٠٣١ق.م، ومن ثم أخذ الفرعون ينحت لنفسه قبرًا آخر مدخله في قاعة عمد معبده (Naville, Ibid, 4, 5, 18, 21, Pls. VII, XXI, XXII, XXIV; Vol III, PP. 24, 31 Pl. XIX) وهنا يجد الإنسان ممرًّا منزلقًا طوله ١٥٠ مترًا، ويلاحظ أنه مستقيم تمامًا، وينتهي بحجرة من الجرانيت ليوضع فيها التابوت، وقد وجد «نافيل» التابوت الذي لا يزال في الحجرة خاليًا وقد صنع من المرمر، ولم يجد شيئًا فيه إلا بقايا نماذج قوارب ورءوس من الخشب تشبه الرءوس التي تكون عادة على غطاء أواني الأحشاء، هذا إلى عصي مكسرة وصولجانات وأقواس مهشمة أيضًا.

محتويات المعبد

وقد كان يوجد في داخل هذا المعبد نحو من ٢٣ مدفنًا، منها ثلاثة لم يكن قد تم صنعها بعد (Ibid I, 43, 47. Pits 1, 6, 8) ومن بينها أربعة لرجال واثنا عشر لنساء، ويحتمل أن المدافن الباقية كانت لنساء أيضًا، وكان أحد هؤلاء الرجال يدعى «سي أعح» بن «رن-أقر» وقد وجد تمثاله «المجاوب» بالقرب من مدفنه في الردهة المثلثة الشكل الواقعة جنوبًا (Winlock, Deir el Bahari P. 56) وفي الردهة الشمالية المثلثة الشكل يوجد مدفنان لرجلين أحدهما في مقتبل العمر، وقد لوحظ أن قصبتي رجليه منتفختان بصورة تسترعي النظر (Winlock, J. N. E. S. P. 274) (1943) وحفرة رابعة كانت لموظف مالية يدعى «منتو حتب» ويسمى كذلك «بواي»، وتوجد حجرة دفنه تحت محراب «حتحور» في معبد «حتشبسوت» المجاور، وقد وجد معه قلادة من الخرز ولباس رأس مذهب ونعلان ومقبض مرآة، ونموذج مخزن غلال، ومصنع خبز، ومجزرة، وقاربان، وأربع من حاملات القرابين (Cairo Museum Livre d’entrée Nos. 31342–51, 54; Naville, Archeological Report 1895-96 P. 3; XI Dyn. Temple I. 14, 44; Lacau, Sarcophages Anterieur au Nouvel Empire; No. 28027).
أما النساء اللائي دُفنَّ داخل حدود المعبد فقد نُهبت مقابرهن إلا واحدة عثر عليها «دارسي» وكانت مدفونة بلا شك في أقصى الركن الشمالي من الردهة المثلثة الشكل الشمالية، وهذه المقبرة كانت لحظية الفرعون «آمونت» وقد وجد على جسمها وشم، ويحلى جيدها بالقلائد، وقد كتب على لفائفها «ملك الوجه القبلي والبحري ابن الشمس «منتو حتب» وكذلك اسم ابنته «ادح» وزوجاته «منت» Ment و«تننت» Tennet و«تم» Tem وكذلك تواريخ من السنة الثامنة والعشرين والخامسة والثلاثين والثانية والأربعين من حكمه، وقد كانت كل من «آمونت» وحظية أخرى تسمى «آس» مرسومة في نقوش معبده ومعهما أخريات من نوعهما (Daressy, “Recueil de Travaux” (1893) P. 166; A. S. 1900 P. 141 No. 1. Sphinx XVII, P. 99, Lacau, Ibid, No. 28025-26, Winlock, Deir el Bahari P. 85 & Naville, XI Dyn. Temple I, Pl. XVII b, II, 6) ويحتمل أن «تم» Tem كانت الملكة، وقد دُفنت في أكبر المقابر التي حُفرت في أقصى الركن الغربي من المعبد» حيث لا يزال في استطاعة الإنسان أن يرى تابوتها الضخم المصنوع من المرمر (Maspero Trois Annees de Fouilles, P. 134; Struggle of the Nations P. 240; N. 3; Naville, XI Dyn, I, 51; II 3, 21 Pl. VIII) ووجدنا في قبرين امرأتين قد وُشم كل جسميهما (Pits 23 & 26 Winlock, Deir el Bahari PP. 74, 129) وقد كان مع كل منهما وكذلك مع النسوة اللائي كن معهما نموذج قارب أو قاربين، ومن المحتمل أنه كان معهما نماذج مخازن للغلال أيضًا أو مخابز (Pits, 2, 3, 4, 5, 20, 22, 23, 26, 29; Naville, XI Dyn. I. P. 43 ff; III, 24 Pl. XX).
ومن أغرب ما عثر عليه هنا قاعدة إناء من المرمر قد نقش على سطحه كله نسور وصقور مفرغة، وقد عثر «نافيل» على جزء من هذا الإناء، أما الباقي فوجده «ونلك» وقد أهدى الإناء إلى المتحف البريطاني (Ibid I, P. 46)، وأحيانًا كان يعثر على بقايا وجوه من الجبس، وكانت بعض المدافن تحتوي على توابيت من الحجر الجيري أو قطع من التوابيت المصنوعة من الخشب (Pits, 4, 5, 20, 22, 26, 29) وفي حالة أو حالتين وجدنا عيدان قش من مكنسة سحرية كانت تُكنس بها آثار أقدام من كان يوكل إليهم أمر الدفن (Pits, 21, 23, 27, & The Tombs of wah and Hesem Winlock, Deir el Bahari P. 55, Pl. 14).
  • مقبرة الأميرة «نفرو»: وفضلًا عن الأمير «أنتف» الذي كان مدفونًا خارج الردهة الشمالية؛ كان يوجد عضو آخر من الأسرة المالكة قد حفر قبره في الصخرة الشمالية قبل أن يقام أي جدار من الجدران المصنوعة من اللبن وهو «الأميرة» أكبر بنات الملك من جسده، زوج الملك المسماة «نفرو» التي وضعتها «أعح»، فلم تكن بنت الملك «سعنخ أب تاوى» وشقيقه «نب حبت رع» وحسب بل تزوجت هذا الأخير أيضًا (Newberry, A. Z. 1936, P. 120; Winlock, Deir el Bahari PP. 56, 87, 101 Fig. 8 Pls, 13-14) وفي شمال جدار الردهة المقامة من اللبن، وعلى مقربة من وسطها أقيمت ردهة ضيقة لمقبرة لها ممر قصير مؤدٍّ إلى مقصورة مربعة قد زينت بإتقان، ويوجد ممر خارج من الركن الشمالي لهذه المقصورة يؤدي إلى حجرة دفن كاذبة، ومن رقعة هذه الحجرة الأخيرة يتفرع ممر سفلي يؤدي إلى باب على بعد ٤٠ مترًا من السطح، وخلف الحجر الرملي الضخم الذي يسد الباب حجرة الدفن وفيها التابوت، ولم يعثر فيها إلا على نحو اثني عشر تمثالًا مجاوبين، وهم مصنوعون من الشمع أو الطين في توابيتهم ومغطون بأكفان من نسيج الكتان.
    وكذلك عثر على خيط منفرد من الخرز، سقط من اللصوص وكانت الحجرة بعد ذلك خاوية تمامًا، ومن الجائز أن نجد اسم «نفرو» ثانية على لوحة مدير البيت «خنوم أردو» باسم آخر هو «نفرو كايت» محبوبة الفرعون، ووارثة الصعيد وبنت الملك وزوج الملك المحبوبة التي ورثت عن أمها ثروة طائلة مما جعلها سيدة القوم من إلفنتين حتى «أشقاو» (أفروديتو بوليس) ومن المحتمل أن «خنوم أردو» قد مات في أوائل حكم «نب حبت رع» عندما كانت «افروديتو بوليس» لا تزال الحد الشمالي لمملكة الجنوب، أما الملكة نفسها فيجوز أنها قد عاشت بعد ذلك لتدفن أخيرًا في قبرها الواقع خارج معبد الملك مباشرة بالدير البحري كما ذكرنا (Griffith in Petrie Denderah P. 52., Pl. XV; Lange und Schafer Ibid No. 20543; Newberry. P. S. B. A. 1913, P. 121 No. 20; and A. Z. 1936 P. 119).
    fig7
    شكل ٦: معبد منتو حتب الثاني كما كان في الأصل (رسم نافيل).
  • لوحة «خنوم أردو»: ولما كانت لوحة «خنوم أردو» لها أهمية تاريخية وأدبية أردنا أن نورد ترجمتها هنا رغم ما فيها من العقد اللغوية التي امتاز بها هذا العصر:

    قربان يقدمه الملك إلى «أوزير» سيد «بوصير» وإلى «خنتي أمنتي» رب العرابة في … ومر، وألف من كل شيء طيب إلى حامل الخاتم والسمير الوحيد وثقة سيدته العظيمة، والذي أتى على الدوام ليبرِّد … والذي تعرف مواقفه، ثابت الخاتم، جميل المحصول، ممتاز المعاملة في كل خطوة، رب الاحترام عظيم اليد، ناجح … ناصع الثوب، شريف الجسم، قدسي المنظر، عليم بطرق التنفيذ، مهذب القلب، كتلة أشراف، فهام القلب، ومسيطر على ما في الجوف، طلق المحيا، ممن لا يسأل حتى يقول ما في صدره، والذي يدخل قلب سيدته وحبيبها وقد وهبته كأنه مجلس عظيم في النصح، وهو إنسان محبوب في فم الناس، عظيم المكانة في البيت العظيم، مدير البيت، المحترم «خنوم أردو».

    يقول: لقد كنت محبوبًا من سيدتي وممدوحًا منها في شأن اليوم وكل يوم، لقد أمضيت حقبة طويلة من السنين مع سيدتي المحبوبة الملكة «نفرو كايت»، ولقد كانت عظيمة في قواها، مقدَّمة في مركزها، عظيمة الأب، كريمة الأم، عماد هذه السماء لآبائها الأمجاد، أبرز من في هذه الأرض الشمالية (؟) الوارثة بين أهل الصعيد. تأمل إنها كانت بنت ملك، وزوج ملك كان يحبها، ولقد ورثت عن أمها كل أرض مصر ريفها وصعيدها (؟)، أميرة القوم من أول إلفنتين إلى نهاية «أفروديتو بوليس» (المقاطعة العاشرة) من نساء وحكام فلاحين وأشراف من كل الأرض، ولقد أصبحت تحت سلطة بيت سيدتي … حقارة أصلي؟ لأنها عرفت تفوق عمل يدي وكيف أني مهدت طريق الأشراف، ولذلك وضعتني في دندرة في مكتبة (؟) والدتها العظيمة المخطوطات، البارزة في معلوماتها، وعلى حجرة المشاورة العظيمة في الجنوب، ولقد عملت فيها توسيعات، وجمعت أكوامًا من الثورة لها ولم ينقصها أي شيء لعظم معلوماتي بالأشياء، وقد نظمتها، وجعلتها أحسن حالًا مما كانت عليه من قبل، وقويت ما وجدت متداعيًا، وحزمت ما وجدت مفككًا، وأتممت ما وجدت ناقصًا، ولم أهمل كل الأعياد التي وجدتها في هذه الضيعة (في هذا البيت) فأسست الضحايا اليومية، وأقيم كل عيد في وقته لأجل صحة سيدتي «نفرو كايت» أبد الآبدين، ونظمت بيتي على طراز حسن، فوسعت كل ردهة فيه، وأعطيت المئونة من يسألها، والكلأ لمن لا أعرف مثل من أعرف؛ رغبة في أن يكون اسمي حسنًا في فم من على الأرض، وكنت في الواقع شريفًا عظيمًا في قلبه، وثابتًا، حلو الرغبة، ولم أكن سكيرًا، ولم ينسَ قلبي، ولم ينقم عليَّ بسبب ما وضع في يدي.

    وإن قلبي هو الذي جعل مكاني بارزًا، وكان خلقي هو الذي جعلني أستمر في المقدمة، ولقد فعلت وحقًّا فعلت كل هذه الأشياء، تأمل! لقد كنت إنسانًا في قلب سيدته، وكنت جادًّا، ومكنت ما يحيط بي، وتعلمت كل عمل تنظم به الضيعة، وأرسلت المدد لما وجدته قد تداعى قائلًا: تأمل! إنه لحسن جدًّا أن يعمل الإنسان أحسن الأشياء التي في قلبه لسيدته وهي أفخر آثاره، ولقد أقمت لها هرمًا عظيمًا من كل الأشياء الغالية التي تعمل في وقتها، ولقد أظهرت كل حسن في هذا المكان، ولقد فقت كل أقراني، وإذا كان قد شرع في أي شيء في هذه الضيعة فإني أنا الذي فهمته، وإني على رأس القوم وشجرة شريفة صنعها الله، فقد جعلني ممتازًا بتدبيره، وعظيم الشرف بعمل يده (؟) وكانت رئيستي سيدة أرض الجنوب بمثابة أساس عظيم لهذه الأرض (؟) ليت روحها يبقى طويلًا على العرش العظيم، وليتها تعيش ملايين السنين مثل رع خالدة مخلدة.

    قربان للمستحق «خنوم أردو» في عيد «واح» وعيد «تحوت» وفي … وفي عيد سوكار (؟) وفي عيد الحرارة، وفي عيد أول السنة، وفي العيد الكبير، وفي عيد الخروج وفي كل الأعياد، دع اليد تمد له بالقربان الذي يوضع أمام «حتحور»، وليت المنعمين في «بِروِر» يجعلونه مقدسًا وكهنة السلم المفخم، وليت الطرق التي نحتها تفتح له في سلام، المحترم «خنوم أردو» يقول: «لقد كنت إنسانًا أدَّى واجبه، وكنت محبوبًا من بني الإنسان فيما خص اليوم وكل يوم.»

    ولنتساءل عن مضمون هذه اللوحة الفذة في ألفاظها الغامضة في معانيها هل ما يشير هنا إليه صاحب هذه اللوحة من أنه كان أمين مكتبة هذه الملكة، التي قد ورثتها عن أمها … حق؟ إذا كان الأمر كذلك وإذا كان هذا هو المضمون الحقيقي لهذا النقش؛ فإنه قد أصبح لدينا كشف جديد عن المرأة المصرية وقيمتها الأدبية في هذا العصر الذي كان قد بدأ الكُتاب يتسابقون فيه بتنسيق الألفاظ من جهة والدعاية إلى عهد جديد قوامه العدالة الاجتماعية من جهة أخرى. وبذلك يمكننا أن نقول بحق: إن المرأة قد أسهمت في هذه النهضة، بل أكثر من ذلك، كانت من العمد التي قامت عليها النهضة؛ وذلك بتسهيل البحث للكُتاب الاجتماعيين الذين أشرنا إليهم في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

  • مقابر الأشراف: وتدل الحفائر التي عملت حديثًا على أن وادي الدير البحري كان مقسمًا بين أشراف هذا العصر بما يحتويه من مقابر عدة منحوتة في الصخر، ففي الجانب الجنوبي منه كان مدخل مقبرة الأمير والحاكم، وحامل الخاتم الملكي، وخازن المالية والمشرف على مدينة الأهرام … «داجي» وقد كان يحمل طائفة أخرى من الألقاب التي تدرج في مدارجها، حتى وصل في النهاية إلى الوزارة. (Davies, Five Theban Tombs P. 28, Pls. XXIX-XXXVIII).
    وقد ظن البعض أن هناك وزيرين بهذا الاسم وذلك خطأ. (Naville, XI Dyn, Temple I, 6. Brit, Mus. 43, 123).
    وفي وادي العساسيف توجد عشرة مقابر بدون رواق أمامها غير أنها لا تقل في فخامتها وعظمتها عن مقبرة «داجي» فمقبرة حامل الخاتم ورئيس الخزانة «خيتي»٢٠ كانت في الجهة الغربية، ومقبرة خازن المالية «مرو»٢١ كانت في الجهة الشرقية، وبين هاتين المقبرتين كانت المقابر الأخرى؛ فثلاث منها تحمل الأسماء التالية على التوالي: مدير البيت «حنو» وخازن المالية «حور حتب»٢٢ والوزير «إبي»٢٣ وكان «خيتي» يعمل في وظيفته طوال حكم هذا الفرعون؛ لأن اسمه وجد على لفائف «عاشيت» وكذلك على لفائف «أمونيت» «وببي» وكان يشغل وظيفة قاضٍ ووزير، وقد وجد حجر في المعبد عليه اسمه بلقب وزير! (Naville, IX Dyn. Temple I, 7).

    ومن الجائز أنه قد دُفن في قبر آخر من المقابر العظيمة التي في هذه الجهة. ونجد أسماء معاصرة في مقابر هؤلاء العظماء، وبخاصة في المدافن الصغيرة، فنجد اسم «منتو حتب» واسم «أنتف» وهو ما ننتظره في هذه الفترة تيمنًا بأسماء الملوك، وهذه عادة شائعة في كل عصر وفي كل بلاد العالم على وجه التقريب، وكذلك نجد اسم «حننو» يطلق على الرجال والنساء، ونجد النساء يتسمين باسم «حني» و«حتبي» و«إت» و«إت سنب» و«إيوِي» و«مريت» و«نِبِت يونِت» و«نِبِت أوتِف» و«ننوس» و«رِرِهنو» و«سِت إشتِك»، أما أسماء الرجال فكان من بينها اسم «ددو» و«حابي» و«حتب» و«حتبي» و«حسم» و«أنحور حتِب» و«إحي» و«ماجاجي» و«نب أوتف» «نب سني» و«نفرحتب الرامي» و«نِسوِ أقِر» و«بيبي» و«سي حابي» و«سبك حتب» و«سبك نخت».

    (Winlock, Deir el Bahari P. P. 55, 72, 129, PIs. 14, 35; Carnavon & Carter, Five Years Explorations P. 80 Pls. LXXV-LXXVI).
    على أن أهم طائفة من الأسماء هي التي وجدت مكتوبة على أكفان الجنود الذين وجدوا مدفونين معًا حوالي سنة ٢٠٦٠ق.م (Winlock, Deir el Bahari P. 123 Pl. 21).
    فمثلًا نجد هناك الاسم «أموني» والاسم «سنوسرت» قبل عدة أجيال من ظهور الأسرة الثانية عشرة حينما سادت التسمية بهما، وكذلك نجد أن الأسماء المركبة تركيبًا مزجيًّا باسم الإله سبك قد عُرفت منذ قرنين قبل أن يدخل اسم هذا الإله في تسمية الملوك — «سبك نخت»، «سبك حتب» و«سبك رع» — هذا؛ ونجد الأسماء «أنتف» و«إنتف إقر» و«منتو» و«شماي» و«سي أب» على أكفان أولئك الجنود، وأخيرًا نجد على أحجار من المعبد أسماء خازني المال «نخت» و«مسي» و«قريري» و«أببت» و«خيتي» آخر (Naville, XI. Dyn Temple I, 6).
    وقد نُحت قبر «داجي» في النهاية الشمالية من تل «الشيخ عبد القرنة»، (راجع شكل ١) حيث نجد الصخرة قد مُزقت بسبب عيب فيها، لدرجة أنه قد اضطر إلى تسقيف جزء من الردهة بالخشب، كما أن المزار قد غطيت جدرانه بالمباني، ويظهر أن حجرة الدفن كانت قد تمت، وتابوته الذي كان قد نُحت قبل أن يصير «داجي» هذا وزيرًا وضع في حجرة لا تتفق مع مظهر القبر الخارجي.
  • وصف مقبرة «خيتي»: وقد كانت مقبرة «خيتي» التي تقع في عرض الوادي مشهورة لذاتها، وكذلك لصاحبها وبقيت مشهورة حتى عهد «رعمسيس الثاني».
    (Winlock, Deir el Bahari P. 68 Fig. 7. Pls. 15, 16; Steindorff & Wolff, Ibid 26; Brunner, Die Anlagen der Agyptischen Felsgraber PP. 70, 87).
    وكان على الإنسان ليصل إلى هذه المقبرة أن يتسلق منزلقًا مائلًا يكتنفه جدار من كلا الجانبين، وعلى هذه المقبرة صفان من المخاريط المصنوعة من الفخار لتمثل نهاية قطع خشب السقف (Winlock, Deir el Bahari P. 127 Pl. 12) وفي وسط المدرج المصنوع من اللبن المؤدي للمزار وضعت مائدة قربان من الجرانيت حتى يستطيع المارُّ أن يصب للمُتوفى شرابًا، أو يترك له رغيفًا من الخبز، ولو كان باب المزار مغلقًا، وإذا فتح استطاع الإنسان أن يسير في ممر ضيق أحكم نقشه مؤدٍّ إلى مزارٍ مزينٍ بالألوان، ولقد كان من النادر أن يزين الجزء الخاص بعامة الزوار، وإذا اتفق أن رجلًا مثل المشرف على الحرم المسمى «زار» الذي كان يتمسك بأهداب القديم زين قبره بالألوان أحدث ذلك ضجة وتأثيرًا رديئًا في الرأي العام (Ibid P. 204, Fig. 11 Pl. 17) وكان يضع آخرون لوحات كبيرة من الحجر الجيري في جدران الممرات، فإذا كان صاحبها من أهل اليسار مثل «حننو» وضع أربعًا منها.

    وتدل الظواهر على أنه كان لا يوجد بعد مزار القبر شيء، غير أن اللصوص الذين نهبوا قبر خيتي كسروا الجدار الخلفي ومروا في حجرتين وهميتين للدفن، وأخيرًا نزلوا من الحجرة الثانية في ممر ملتوٍّ على نفسه ثانية؛ حيث كانت حجرة الدفن، وقد كانت هذه الحجرة مكسوَّة بالأحجار ومزينة بدقة، وكان التابوت مختبئًا فيها تحت رقعتها.

  • مقبرة «حور حتب»: أما في مقبرة «حور حتب» فإن الحجارين الذين كانوا ينحتونها قد صادفتهم صخرة معيبة فتلافوها وقطعوا ممرًّا جديدًا تحت المزار، وفي نهايته نحتوا حجرة زُينت بالنقوش (Lacau, Ibid No. 28023) وقد دفن «مرو» في حجرة مزينة على مستوى الممر، ولكن معظم المقابر كانت طرق الدفن فيها أبسط بكثير من ذلك، تشبه طريقة دفن الوزير «إبي»، ولا يوجد في بعض القبور إلا خبيئة واحدة أو بعبارة أخرى حجرة دفن واحدة، على حين أن مقابر أخرى تحتوي على نحو عشرين، ويظهر أنها كانت أضرحة عدة أجيال لأشخاص من الطبقة الوسطى. وكانت توجد مقابر أخرى مثل مقابر الجنود أو الخدم الممتازين من خدَّام البلاط، وهي سراديب تحت الأرض كان يحتوي كل منها على نحو عشر حجرات للدفن، وكلها من العصر نفسه.

(١٤-٦) التماثيل الخشبية

وكانت التماثيل المصنوعة من الخشب توجد في هذا العصر في كل مكان، غير أنها ليست ذات قاعدة من الحجر، كما لوحظ ذلك في قبر «خيتي»، وقد عثر على آثار خمسة تماثيل في هذا القبر كذلك، غير أن بعضها كان صغيرًا جدًّا؛ يصح أن يطلق عليه لفظة تصغير تمثال (تُميثيل) (Winlock, Deir el Bahari P. 130 Pl. 36) وفي ثلاث حالات كان يخصص قبر قائم بذاته لمثل هذه الدمي، وموضعه فوق المدخل المؤدِّي إلى حجرة الدفن الرئيسية؛ ونجد في مقبرة «نفر حتب» الرامي تمثالين جالسين (Ibid, P. 71, Pl. 35) وقد بقي لنا تماثيل ثلاثة من الحجر الجيري اثنان منها لمدير البيت «مري» ويلاحظ أن أحدهما قد وضع ذراعيه متقاطعتين على صدره، أما الثاني فقد وضع يديه على ركبتيه، وهناك تمثال ثالث لشخص يدعى «أقر» نُحت في وضع مثل الأول، وكلها مستخرجة من جانب الجبل الواقع شمالي العساسيف (راجع: (British Museum, Third and Fourth Egyptian Rooms (1904) P. 92, Hall & King, Egypt and Western Asia P. 320; Carnavon & Carter Ibid P. 23 Pl. XVIII)).
ومن الآثار التي تُنسب إلى عهد هذا الفرعون كذلك قاعدة تمثال لشخص يدعى «منتونخت» حسبما جاء في النقوش التي سُجلت فيها، وكذلك عثر على عدد من اللوحات في هذه الجهة كشفت عنها بعثة طليانية (Schiaparelli, Museo Archeologie di Firenze, No. 1710, 1767, 1770, 1773, 1774).

(١٥) التحنيط في هذا العصر

وقد كشفت لنا محتويات بعض مقابر هذا العصر عن ناحية هامة في عادات الدفن والمراسيم الجنازية، بقيت بعدها مستعملة طوال العهد الفرعوني، وذلك أن أهم ما كان يصبو إليه المصري حتى العهد الذي نحن بصدده هو أن يحافظ على جسمه في القبر ليحيا حياة ثانية في عالم الآخرة، فكان يعمل مدة حياته ما يضمن له ذلك في آخرته، وبخاصة أنه كان يأخذ العدة لتحنيط الجسم، فكانت حرفة التحنيط رغم اعتبار محترفها نجسًا من أهم الحرف؛ لأن ما يقوم به صاحبها من العمل كان وسيلة تؤدي إلى الحياة الأبدية؛ إذ كان يخاف المصري انحلال جسمه فتُترك روحه المادية لا مأوى لها. وقد دلت الحفائر التي عملت في الدير البحري من عهد الأسرة الحادية عشرة على تأييد ذلك، فقد عُثر على حجرة تحنيط الوزير «إبي» مختومة لم تُمس بعد وتقع بالقرب من قبره، وقد بقي لنا منها بعض أشياء تعد فريدة في بابها.

فلقد جهز هذا الوزير هذه الحجرة بكل سخاء من منسوجات، وعقاقير، وزيوت عطرية، ونشارة وأوانٍ من الفخار عديدة تفوق ما يحتاج إليه عادة لتحنيط الجسم، وقد استحضر كل ذلك في هذه الحجرة استعدادًا لليوم الذي سيحنَّط فيه، يضاف إلى ذلك أنه وجدت كذلك مغسلة من الخشب طولها سبع أقدام وعرضها أربع أقدام، وهي في شكلها تشبه المشرحة الحديثة، وقد حُليت أركانها الأربعة بتعاويذ أربع تمثل كل منها علامة الحياة. وكذلك وجدت ضمن محتويات الحجرة آلة سحرية لم نصل إلى معرفة كنهها بعد، ويعتقد أنها ذات مفعول سحري عظيم، وقد كانت العادة أن تُقرأ بعض التعاويذ السحرية المخصصة لهذا المقام، ويدلَّك الجسم بالزيوت ويُمسح بالأملاح التي وجدنا آثارها لا تزال على المشرحة، وبعد تحنيط الجثة (جثة «إبي»)٢٤ وتكفينها يجمع كل ما لامسها اعتقادًا منهم بأن استيلاء العدو على شيء من ذلك وإن كان شعرة من رأس يعتبر سلاحًا سحريًّا يُؤذي المُتوفَّى، من أجل ذلك كانت كل الخِرق القذرة والفخار المهشم وما تبقي من الأملاح والخشب وعلامة الحياة والآلة السحرية تجمع كلها وتوضع في نحو ٦٧ جرة كبيرة، ثم تختم وتوضع في حجرة تحنيط الوزير. وتدل ظواهر الأمور على أنه كان لزامًا على القائمين بهذه العملية أن يحضروا هذه المواد على أربع دفعات من الحاضرة إلى المقبرة؛ إذ وجد ثمانية عشر حبلًا لحمل هذه الجرار، وذلك يقتضي قطع المسافة على أربع مرات، وقد وجد مثل هذه الحجرة في عهد الأسرة الثامنة عشرة، ووجدت فيها كل هذه الأنواع التي ذكرناها، وزيد عليها أن كل آنية قد كُتب عليها بالمداد الأسود محتوياتها.

وكان يعتقد أن ما يعسر على المحنط القيام به وتعجز عنه مقدرته ومهارته يستطيع الكهنة أن يدركوا تحقيقه بما لديهم من التعاويذ السحرية، فمثلًا كان يمكن الساحر في هذا العصر أن يصنع مومية سحرية من الشمع ويقرأ عليها تعاويذ خاصة فتنقلب إلى الصورة الحقيقية التي تمثلها؛ وبذلك يمكن أن تحل محل الجسم إذا كان قد هُشم رغم الاحتياطات التي اتخذت لحفظه. وقد عثر فعلًا على مومية من الشمع موضوعة في صندوق صغير من الخشب لرجل يدعى «سيوه» عاش في خلال الأسرة الحادية عشرة، وقد عثر على هذا التابوت الصغير في ردهة معبد الملك «منتو حتب». ويجدر بنا أن نلفت النظر هنا إلى أن هذه التماثيل الصغيرة المصنوعة من الشمع هي السابقة لتماثيل المجاوبين التي انتشرت فيما بعد مع فارق؛ هو أن الأولى كانت تصنع لتمثل المُتوفَّى نفسه، أما الثانية فكانت لتمثل خُدَّامه الذين كانوا يقومون بالعمل المفروض على الشريف للإله «أوزير» في عالم الآخرة، ولذلك سمي كل منها «مجاوبًا»؛ لأنه يحل محل سيده في القيام بما فُرض عليه من الأعمال التي تحتاج إلى عناء ومتاعب جثمانية، فكأن الشريف كان ينطبق عليه قول الشاعر:

علوٌّ في الحياة وفي الممات
لحق تلك إحدى المعجزات

(١٦) ما يوضع مع المُتوفَّى

أما القربان التي كانت توضع في المقابر فكانت تحتوي على رءوس وأفحاذ وضلوع من لحم البقر، وكذلك كانت توضع في المقبرة نماذج للنساء حاملات القربان، آتيات بالمؤن في سلات، كما كان يوضع أيضًا مجازر ومخابز؛ حيث كان يجهز القربان، كما كانت تعد نماذج قوارب ليقوم المُتوفَّى بسياحاته حتى لا يُحبس الروح في القبر طويلًا.

وكان طيبيو هذا العصر قومًا مارسوا الحروب نحو قرن من الزمان، ولذلك وجد في معظم مدافنهم القوس والسهم الطويلان، وقد وجدنا أحيانًا نحو اثني عشر قوسًا وأكثر من مائة وأربعة وأربعين سهمًا، وإن كان المصري يعتقد أن وجود ستة أسهم معه في قبره كافية لحاجته، ولم نعثر إلا على كنانتين، وكانت الكنانة مصنوعة على هيئة أسطوانة من الخشب الخفيف المغطى بالجلد، وكذلك عثر على سيور القوس، وهي مصنوعة من الأمعاء المفتولة، وكانت توجد عادة ملفوفة مهيئة للاستعمال، وقد عثرنا على سهم واحد له زر مصنوع من الكتان، يحتمل أنه كان مصنوعًا لصيد الطيور الصغيرة بخاصة، وكذلك عثر مع القوس والسهم على درقة من الجلد، وقد وجد أحيانًا ثمانو درقات كما هي الحال في مقبرة «خيتي»، هذا إلى قضب وعصي رماية وقبضة بُرْت (بلطة) نادرة.

وأحيانًا كان يعثر على دمية من الخشب مسطحة مثل المجداف وعليها نقط مستديرة من الطين على خيطان لتمثل الشعر (Ibid, P. 207 PI. 38) وكانت تدفن هذه الدمية أحيانًا مع الطفل، وفي هذه الحالة كانت توجد بكل أسف متآكلة بدرجة عظيمة مما يدل على أن الطفل كان قد استعملها كثيرًا في حياته. وعندما نجد عشر دميات أو عرائس جديدة لم يصبها إلا تلف يسير نرجح أنها كانت تعتبر حظيات، ونجزم بصحة هذه الحقيقة عندما نجد دمية واحدة فقط أو اثنتين مصنوعتين من الطين المحروق أو المطلي بالأزرق، وقد كانت تدفن مع رجل كامل الرجولة كما هي الحال مع «نفر حتب» الرامي الذي عثرنا على مثل هذه الدمى مدفونة معه في القبر (Ibid, P. 72, Pl. 35).
هذا؛ وقد عثر على نماذج آلات وإزميل حقيقي تركه حجَّار خطأ، وكذلك عثر على أداة «خرج» مصنوعة من الحبال ذات ناحيتين توضع على جانبي الحمار (Ibid, P. 123, Pl. 21).

ومن الأدوات الخاصة بالرجال التي عثر عليها في هذه المقابر المحبرة والورق، وكذلك جعارين نادرة وأشكال أخرى للأختام.

أما أدوات النساء فقد عثرنا منها على صاجات على هيئة العصا السحرية نُحتت من أسنان فرس البحر.

وكذلك عثر على حيوانات خرافية لتطرد الشياطين الذين جبلوا على مهاجمة الأطفال (Ibid, PP. 14, 207, Pls. 37. 39).

وقد كان كل من الرجال والنساء والأطفال أحيانًا في حاجة إلى النعال المصنوعة من الجلد الغفل أو نماذج نعال مصنوعة من الخشب، ومن الأشياء التي وجدت خلال هذا العصر في مقابر الجنسين المرايا التي كانت في العادة بدون مقبض، ونماذج جعب المرايا وصناديق للزينة والعطور وأواني الكحل وسلات صغيرة؛ ليوضع فيها كل ما كان المُتوفَّى في حاجة إليه، وكذلك وسادات الرأس أو سرير عليه وسادته، وأدوات الكاتب، وقد رسم عليها صور خشنة للحفار.

(Ibid, P. 129, Pl. 37; Carnavon & Carter. Ibid, P. 89 Pls. LXXV-LXXVI).

هذا إلى أخشاب عطرية كانت تطحن لتكون عطورًا، ومناشف كتان، ورقع لعب.

(Winlock, Deir el Bahri PP. 129, 206, Pls, 36, 37).
١  راجع كتاب الأدب المصري القديم ص٥٤ … إلخ.
٢  ويقول «دارسي»: إن الآثار التي عثر عليها في هذا المكان من عهد الأسرة الحادية عشرة قد وجد معظمها مهشمًا من عهد قدماء المصريين أنفسهم، ويظن أنه لا بد قد حدثت ثورة سياسية ضد ملوك هذه الأسرة مما أدى إلى هذا التخريب المشين.
٣  وقد طلع علينا الأستاذ كابار بتفسير آخر لوظيفة العينين إذ يقول عنهما: إنهما لمنع الحسد (راجع: Chronique D’Egypte, Vol. 4 P. 32. (1946)).
٤  Naville, Deir el Bahari I, P. 56.
٥  وقد فحص الأستاذ دري أجسام هذه المميات في مقال رائع (راجع A. S. Vol. 4 P. 246 ff).
٦  الإلهة مرت هي إلهة مائية، ويلاحظ في النقوش أنها تُكتب في صورة المثنى، وفي هذه الحالة تمثل نيل الدلتا ونيل الصعيد (وراجع Max Muller, Egyptian Mythology, P. 136).
٧  Vandier, Quelques Steles des Soldats de la Premiere Periode Intermediaire, Chronique D’Egypte, No. 35 Janvier 1943, P. 21 & Fig. 1–12.
٨  هذه المقبرة لم تنشر بعد نقوشها.
٩  Gardiner “Egyptian Grammar” PP. 487, 524; Farina II Papiro dei ne No. 16 & Winlock J. E. A. 1940, P. 116.
١٠  Petrie, A Season in Egypt. P. 414.
١١  De Morgan, Les Origines de 1’Egypte I (1896) 163-64. Fig. 488-489 (Nos. 15–25); Winkler, Rock Drawings of Southern Upper Egypt. (Archel. Survey of Egypt. I. 1938, 9. Sites 35-36 Pls. XXXXI; II (1939) 5-6. Sites 35-36, 48, 52).
١٢  Petrie Season P. 15 & A. S, V. (1904) P. 144 ff.
١٣  Petrie Ibid P. 15, No. 430.
١٤  Eisenlohre, P. S. B. A, (1881) PP. 99 ff & Petrie, Ibid 15, No. 489 & Winlock M. M. A. Feb 1928, p. 18 ff & 22.
١٥  أناتفة جمع أنتف مثل رعمسيس ورعامسة.
١٦  Eisenlohre, Ibid, Pl. II, 11. 3-4 & Petrie, Ibid, No. 472 & 474.
١٧  Petrie, Ibid. No. 452.
١٨  قد ذكر سايس في نقش لم ينشر عند الشلال الثاني يجيز فيه وقوع ملحمة بين المصريين في عهد الأسرة الحادية عشرة وبين الأهالي المحليين. (Sayce, P. S. B. A. XXXII (1910) 202).
١٩  هذا اللقب كان يعطاه غالبًا كبار الموظفين الذين يشتركون في الرحلات الخاصة بالبحث عن الأحجار الثمينة وغيرها، مما يؤتى به من البلاد النائية.
٢٠  Winlock, Deir el Bahari Index, Fig. 7 Pls. 15, 16, 36.
٢١  Ibid PP. 118, 123, Pl. 15; Lepsius, Ibid Vol. II Pl. 148.
٢٢  Tomb No. 314, Winlock, Deir el Bahari PP. 55, 57, 123, Lacau Ibid No. 28023.
٢٣  Winlock, Deir el Bahari PP. 55, 98, 123, 227, Fig. 6.
٢٤  Winlock, Ibid PP. 72, 124, Pl. 20.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤