بُطُولَةُ سَوْسَنة

(١) الْوادِي الْبَهِيجُ

فِي وادٍ بَهِيجٍ أَخْضَرَ، عامِرٍ بِالزُّرُوعِ الْمُخْتَلِفَةِ النَّامِيَةِ، والثِّمارِ الْمُتَنَوِّعَةِ الطَّيِّبَةِ، عاشَتْ جُمُوعُ الْحَيَواناتِ الْأَلِيفَةِ الْمُسْتَأْنَسَةِ فِي رَغَدٍ وَهَناءَةٍ، تَسُودُها مَحَبَّةٌ وَوِئامٌ.

أَنْتَ تَعْرِفُ ما أَعْنِيهِ بِالْحَيَواناتِ الْأَلِيفَةِ الْمُسْتَأْنَسَةِ؛ لِأَنَّكَ تَراها أَحْيانًا في الْبَيْتِ، وفي الْحَدِيقَةِ، وفي الطَّرِيقِ، وفي الرِّيفِ الْجَمِيلِ، تَعِيشُ مَعَ النَّاسِ في أَمانٍ.

مِنَ الْحَيَوانات الْأَلِيفَةِ الْمُسْتَأْنَسَةِ، ما يُرَبَّى لِلتَّغْذِيَةِ كالْأَرانِبِ والدَّجاجِ، وَما يُقْتَنَى لِلْحِراسَة مِثْلُ الْكِلابِ، وَما يُؤْتَنَسُ بِمُعايَشَتِهِ، كالْقِطَطِ، وَما يُتَّخَذُ لِلزِّينَةِ كالْعَصافِيرِ.

فِي ذَلِكَ الْوادِي الْبَهِيجِ الْأَخْضَرِ، فَوْقَ أَرْضٍ فَسِيحَةٍ، وَتَحْتَ سَماءٍ صافِيَةٍ، كانَتْ تَرْتَعُ أَصْنافٌ مِنْ تِلْكَ الْحَيَوانات الْأَلِيفَةِ الْمُسْتَأْنَسَةِ، مِثْلُ «الْجُؤْذَرَةِ» الْبَقَرَةِ: ذاتِ الْعَيْنَيْنِ الْواسِعَتَيْنِ، وَ«نَوْنَوْ»: الْقِطِّ السَّرِيعِ الْحَرَكَةِ، وَ«هَوْهَوْ»: الْكَلْبِ الْمَرِحِ الْوَثَّابِ، وَ«وَقْوَقْ»: الْبَطَّةِ اللَّطِيفَةِ الْأَنِيسَةِ، وَ«عَقْعَقْ»: الْوَزَّةِ الْجَمِيلَةِ الْوادِعَةِ، وَ«سَوْسَنَةَ»: الْأَرْنَبَةِ الذَّكِيَّةِ الرَّشِيدَةِ.

(٢) الْأرْضُ الْقاحِلَةُ

وَكانَ عَلَى الْبُعْدِ مِنْ هَذا الْوادِي أَرْضٌ قاحِلَةٌ غَبْراءُ، لا زَرْعَ فِيها وَلا ثَمَرَ، فهي في كُلِّ وَقْتٍ جَدْبَةٌ جَرْداءُ.

وَلَمْ يَكُنْ يَقْطُنُ في هَذِهِ الْأرْضِ إِلَّا بَعْضُ الْحَيَواناتِ الْمُفْتَرِسَةِ، التي تَعِيشُ عَلَى أَكْلِ اللُّحُومِ، وامْتِصاصِ الدِّماءِ، مِنْ طَرِيقِ السَّلْبِ والْخَطْفِ والاِغْتِصابِ.

عاشَتْ في هَذِهِ الْأرْضِ جَماعَةٌ مِنَ الثَّعالِبِ والذِّئابِ التي قَسَتْ عَلَيْها الطَّبِيعَةُ، فَلَمْ تَجْعَلْ في قُلُوبِها شَفَقَةً وَلا رَحْمَةً.

وَكانَتْ تِلْكَ الثَّعالِبُ والذِّئابُ تَنْظُرُ إِلَى الوادي الْبَهِيجِ نَظْرَةً كُلُّها حِقْدٌ، وَتَحْسُدُ سُكَّانَهُ مِنَ الْحَيَواناتِ الْأَلِيفَةِ الْوَدِيعةِ، لِما تَنْعَمُ بِهِ مِنْ رَفاهِيَةٍ وَطِيبِ عَيْشٍ.

وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْحَيَواناتُ الْحاقِدَةُ الْحاسِدَةُ، تَكْتَفِي بِما يَكْمُنُ في صَدْرِها مِنْ حِقْدٍ وَحَسَدٍ، عَلَى أَهْلِ هَذا الوادي، بَلْ كانَتْ تَشْعُرُ نَحْوَها بِأَشَدِّ الْعَداوَةِ وَالْبَغْضاءِ.

وَكُلَّما أَحَسَّتِ الثَّعالِبُ والذِّئابُ عَضَّةَ الْجُوعِ، وَلَمْ تَجِدْ ما يَسُدُّ جُوعَها، وَيُرْوِي ظَمَأَها، اشْتَدَّ بِها الْحِقْدُ عَلَى أَهْلِ الوادي الْبَهِيجِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَنْعَمُونَ بِما تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ خَيْراتٍ.

(٣) مُؤَامَرَةُ الثَّعالِبِ والذِّئابِ

وَذاتَ يَوْمٍ: اجْتَمَعَ رُؤَساءُ الثَّعالِبِ والذِّئابِ في الْأَرْضِ الْقاحِلَةِ الْغَبْراءِ، وَفَكَّرُوا في أَنْ يَهْجُمُوا عَلَى الوادي الْبَهِيجِ، وَيَحْتَلُّوا جَمِيعَ نَواحِيهِ، وَيَفْتِكُوا بِكُلِّ مَنْ فِيهِ.

وَقالَ ذِئْبٌ مِنَ الذِّئابِ الْعادِيَةِ، لِلْجَماعَةِ مِنْ حَوْلِهِ: «إِنَّنا بِما لَنا مِنْ قُوَّةٍ وَغَلَبَةٍ، قادِرُونَ — دُونَ شَكٍّ — عَلَى أَنْ نَنالَ مِنَ الوادي الْبَهِيجِ ما نُرِيدُ، فَنَبْطِشَ بِما فِيهِ مِنْ حَيَواناتٍ ضَعِيفَةٍ، لا حَوْلَ لَها وَلا قُوَّةَ، وَنَهْنَأَ بلَحْمِها الطَّيِّبِ: نُشْبِعُ بِهِ جُوعَنا، وَنُرْوِي ظَمَأَنا، ونَحْنُ واثِقُونَ بِالظَّفَرِ والاِنْتِصارِ.»

فَرَدَّ عَلَيْهِ ثَعْلَبٌ ماكِرٌ، كَبِيرُ السِّنِّ، قائِلًا لَهُ: «إِنَّكُمْ حِينَ فَكَّرْتُمْ في الْأَمْرِ، لَمْ تَنْظُرُوا نَظْرَةً سَدِيدَةً، ذَلِكَ لِأَنَّكُمْ لَمْ تَهْتَمُّوا إِلَّا بِأَنَّ لَكُمْ قُوَّةً وَبَطْشًا.

لا تَغْتَرُّوا بِالْقُوَّةِ وحْدَها، فَرُبَّما كانَ لِهَذِهِ الْحَيَواناتِ الْوادِعَةِ الْأَنِيسَةِ تَفْكِيرٌ سَلِيمٌ، وتَدْبِيرٌ هادِئٌ، يُحِيلُ انْتِصارَكُمْ الظَّاهِرَ إِلَى هَزِيمَةٍ مُنْكَرَةٍ، عَلَى الرَّغْمِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ. يَحْسُنُ أَنْ تَسْتَعْمِلُوا الْحِيلَةَ، وتَصْطَنِعُوا الْمَكِيدَةَ … ومِنَ الْحِيَلِ والْمَكَايِدِ، ما هُوَ أَنْفَعُ مِنَ الْقُوَّةِ وأَجْدَى!»

(٤) خُطَّةُ الْعُدْوانِ

واتَّفَقَتِ الثَّعالِبُ والذِّئابُ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ الْأَمْرَ لِثَعْلَبٍ ماكِرٍ، وَذِئْبٍ غادِرٍ، لِكَيْ يَنُوبا مَعًا عَنِ الْجَماعَةِ في التَّدْبِيرِ.

وَكَلَتْ إِلَيْهِما أَنْ يَتَّخِذا حِيلَةً، وَيُدَبِّرا مَكِيدَةً، لِلاِسْتِيلاءِ عَلَى الوادي الْبَهِيجِ، وَالظَّفَرِ بِما يَضُمُّ مِنْ حَيَواناتٍ أَلِيفَةٍ مُسْتَأْنَسَةٍ.

أَمَّا الثَّعْلَبُ الْماكِرُ، فاسْمُهُ: «أَوْسٌ».

وَأَمَّا الذِّئْبُ الْغادِرُ، فَاسْمُهُ: «ثُعالَةُ» …

وَأَمْضَى «أَوْسٌ» و«ثُعالَةُ» أَيَّامًا، يُفَكِّرانِ فِيما يَصْنَعانِ، لِكَيْ يُكَلَّلَ مَسْعاهُما بِالنَّجاحِ وَالْفَلاحِ.

وَبَعْدَ أَنْ فَرَغا مِنَ التَّفْكِيرِ، دارَ بَيْنَهُما هَذا الْحِوارُ:

قالَ الثَّعْلَبُ: «كَفَى هَذِهِ الْحَيَواناتِ الضَّئِيلَةَ الضَّعِيفَةَ، ما نَعِمَتْ بِهِ مِنْ سَلامَةٍ وَأَمانٍ، مُدَّةً طَوِيلَةً مِنَ الزَّمانِ!»

قالَ الذِّئْبُ «ثُعالَةُ»: «لَيْسَ لَها بَعْدَ الْيَوْمِ أنْ تَأْمُلَ في هُدُوءٍ وَاطْمِئْنانٍ! فَلْتَسْتَقْبِلِ المَصائِبَ وَالْأَحْزانَ، والْكَوارِثَ وَالْأَشْجانَ، وَلْيَحِلَّ بِها الْفَزَعُ في كُلِّ مَكَان.»

وَما لَبِثَ «أَوْسٌ» و«ثُعالَةُ» أَنِ اتَّفَقا عَلَى مَوْعِدٍ قَرِيبٍ، يَذْهَبانِ فِيهِ إِلَى الوادي الْبَهِيجِ، لإِنْفاذِ خُطَّةِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوانِ.

(٥) زَعِيمَةُ الوادي الْبَهِيجِ

كانَ «أَوْسٌ» وَ«ثُعالَةُ» يَسْمَعانِ سُكَّانِ الوادي الْبَهِيجِ يَتَحَدَّثُونَ بِذَكَاءِ «سَوْسَنَةَ»: الْأَرْنَبَةِ الْعاقِلَةِ الرَّشَيدَةِ، وَيُشِيدُونَ بِهِمَّتِها وَشَجاعَتِها، وَسَدادِ رَأْيِها وبَراعَتِها.

كانا يَعْلَمانِ أَنَّ هَذِهِ الزَّعِيمَةَ الصَّغِيرَةَ الْجِسْمِ، مَوْفُورَةُ الْفِطْنَةِ، حَصِيفَةُ التَّفْكِيرِ. كانا يَعْلَمانِ أَنَّها، عَلَى ضَعْفِ قُوَّتِها، وَضَآلَةِ جِسْمِها، قادِرَةٌ عَلَى مُضايَقَتِهِما، وَجَلْبِ الْمَتاعِبِ لَهُما.

كانا يَخْشَيانِ أَنْ تَقْلِبَ هَذِهِ الْأَرْنَبَةُ الزَّعِيمَةُ الرَّشِيدَةُ خُطَّتَهُما، وَتُفْسِدَ عَلَيْهِما أَمْرَهُما، فَلا تَكُونَ الْغَلَبَةُ لَهُما.

سَتَعْلَمُ — أَيُّها الْقارِئُ — أَنَّ الذِّئْبَ والثَّعْلَبَ كِلَيْهِما كَانَا عَلَى حَقٍّ في الْخَشْيَةِ مِنْ «سَوْسَنَةَ»: الْأَرْنَبَةِ الرَّشِيدَةِ، وإِنْ كانَتْ حَقًّا أَضْعَفَ مِنْهُما قُوَّةً، وأَضْأَلَ جِسْمًا!

سَتَعْلَمُ أَنَّ حِيلَةَ الْغَدْرِ والْمَكْرِ، تَغْلِبُها حِيلَةُ الْعَقْلِ والْحِكْمَةِ.

سَتَعْلَمُ — أَيُّها الْقارِئُ، مِنْ بَعْدُ — أَنَّ الظُّلْمَ والْبَغْيَ والْعُدْوانَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ مَصِيرٍ إِلَّا الْهَزِيمَةُ والْخِذْلانُ.

سَتَعْلَمُ أَنَّ الطُّغاةَ الْمُعْتَدِينَ، لا يَلْقَوْنَ إِلَّا الْخُسْرانَ الْمُبِينَ.

سَتَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ أَقْوَى، وَأَنَّ الْعَدْلَ أَبْقَى.

(٦) «سَوْسَنَةُ» تُقاوِمُ الْعُدْوانَ

تَسامَعَ سُكَّانُ الوادي الْبَهِيجِ مِنَ الْحَيَواناتِ الْأَلِيفَةِ الْمُسْتَأْنَسَةِ، بِأَنَّ الثَّعالِبَ وَالذِّئابَ في الْأَرْضِ الْقاحِلَةِ الْغَبْراءِ، تَجْتَمِعُ لِكَيْ تَهُمَّ بِالاِعْتِداءِ؛ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ الْخَوْفُ، وَتَمَلَّكَهُمُ الذُّعْرُ الشَّدِيدُ.

«سَوْسَنَةُ» لَمْ تَكُنْ خائِفَةً مِثْلَهُمْ؛ بَلْ قالَتْ لَهُمْ: «لا خَوْفَ عَلَيْكُمْ — يا سُكَّانَ الوادي الْبَهِيجِ — وَلا فَزَعَ. لا حُزْنَ — الْيَوْمَ — وَلا هَلَعَ. لا بَأْسَ عَلَيْكُمْ وَلا ضُرَّ. لَنْ تَتَعَرَّضُوا — إِنْ شاءَ اللهُ — لِأَذِيَّةٍ أَوْ شَرٍّ. قَرُّوا عَيْنًا، وَاهْدَءُوا بالًا، وَلا تَخْشَوْا شَيْئًا!»

هَدَأَتِ الْحَيَواناتُ الْأَلِيفَةُ الْمُسْتَأْنَسَةُ، في الوادي الْبَهِيجِ، واطْمَأَنَّتْ حِينَ سَمِعَتْ كَلامَ زَعِيمَتِها الشُّجاعَةِ: «سَوْسَنَةَ».

«سَوْسَنَةُ» كانَتْ مَعْرُوفَةً بَيْنَ سُكَّانِ الوادي بِالْأَمانَةِ، وَالزَّكانَةِ والْفَطانَةِ … كانَتْ صادِقَةً لا تَكْذِبُ، وَفِيَّةً لا تَغْدِرُ، ذَكِيَّةً لا تُخْدَعُ، مِقْدامَةً لا تَجْبُنُ.

لَقَدِ اسْتَطاعَتْ «سَوْسَنَةُ» — بِما مَنَحَها اللهُ مِنْ بَراعَةٍ وَذَكاءٍ، وَحِيلَةٍ وَدَهاءٍ — أَنْ تَحْرُسَ ذَلِكَ الوادي الْبَهِيجَ، وَتَحْمِيَ سُكَّانَهُ الْوادِعِينَ الضُّعَفاءَ، مِنْ بَطْشِ الْمُغِيرِينَ الْأَقْوِياء.

(٧) التَّخَلُّصُ مِنْ «سَوْسَنَةَ»

كانَ أَوَّلَ شَيْءٍ فَكَّرَ فِيهِ الْعادِيانِ الْخَبِيثانِ، أَنْ يَتَخَلَّصا مِنَ الْأَرْنَبَةِ «سَوْسَنَةَ»: زَعِيمَةِ الوادي الْبَهِيجِ.

دارَ الْحِوارُ التَّالِي بَيْنَ «أَوْسٍ» وَ«ثُعالَةَ»:

– أَلَسْنا نَحْنُ، الثَّعالِبَ والذِّئابَ، أَقْوَى مِنْ «سَوْسَنَةَ»؟

– ما في ذَلِكَ شَكٌ وَلا رَيْبٌ، يا أَخِي، يا «ثُعالَةُ».

– ما بالُها لا تَخافُ قُوَّتَنا وَبَأْسَنا، وَلا تُبالِي تَهدِيدَنا وَبَطْشَنا؟!

– أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْنَبَةَ «سَوْسَنَةَ» — عَلَى ضَعْفِها — عَنِيدَةٌ جَرِيئَةٌ، لا تَخْشَى الْوَعِيدَ، وَلا تَعْبَأُ بِالتَّهْدِيدِ.

– ما بالُنا نَعْجِزُ عُنْ تَأْدِيبِها، بِرَغْمِ أَنَّنا أَقْوِياءُ؟

– عَجَبٌ وَاللهِ أَمْرُها! عَجَبٌ أَنْ تَنْتَصِرَ حِيلَتُها دائِمًا عَلَى بأْسِنا وَقُوَّتِنا: تُفْلِتُ مِنْ شِباكِنا، كُلَّما هَمَمْنا بِصَيْدِها.

– جَرَّبْنا مَعَها كُلَّ وَسائِلِ الْقُوَّةِ فَلَمْ تُفْلِحْ. لَمْ يَبْقَ أَمامَنا إِلَّا أَنْ نَسْلُكَ مَعَها سَبِيلًا آخَرَ، هُوَ سَبِيلُ الْحِيلَةِ.

– صَدَقْتَ فِيما قُلْتَ! الْحِيلَةُ لا تَغْلِبُها إِلَّا الْحِيلَةُ.

– هَذَا ما اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي … أَنا فَكَّرْتُ في حِيلَةٍ بارِعَةٍ، تَكْفُلُ لَنا أَنْ نَتَغَلَّبَ عَلَيْها، وَنُوقِعَها في قَبْضَتِنا.

(٨) حِيلَةُ التَّخَلُّصِ

«ثُعالَةُ» قالَ لِصاحِبِهِ «أَوْسٍ»: «أَيَّ حِيلَةٍ دَبَّرْتَ؟»

– تَذْهَبُ أَنْتَ إِلَى بَيْتِكَ. تَنامُ في فِراشِكَ مُتَظاهِرًا بالْمَوْتِ.

– ثُمَّ ماذا أَنْتَ صانِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ، يا «أَوْسُ»؟

– دَعِ الْباقِيَ عَلَيَّ. كُنْ عَلَى ثِقَةٍ بِما أَصْنَعُ، يا «ثُعالَةُ».

– لَسْتُ أَشُكُّ في مَقْدِرَتِكَ، يا «أَوْسُ». وَلَكِنْ يَسُرُّنِي أَنْ تُكاشِفَنِي بِخُطَّتِكَ، لِأَزْدادَ اطْمِئْنانًا إِلَى نَجاحِها.

– أَنا أَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ «سَوْسَنَةَ». أَتَظاهَرُ لَها بِالْحُزْنِ والْأَلَمِ، وَأُخْبِرُها بِأَنَّكَ — يا «ثُعالَةُ» — مِتَّ.

– أَحْسَنْتَ، يا «أَوْسُ»، أَحْسَنْتَ. جادَ عَمَلُكَ وَأَتْقَنْتَ!

– لا شَكَّ أَنَّ «سَوْسَنَةَ» سَتَفْرَحُ كُلَّ الْفَرَحِ بِهذَا الْخَبَرِ. لَسَوْفَ يُنْسِيها فَرَحُها الشَّدِيدُ واجِبَ الاِحْتِياطِ والْحَذَرِ، فَتَطْمَئِنُّ نَفْسُها، وَلا تَفْطُنُ لِما يَسْتَقْبِلُها مِنَ الْخَطَرِ.

– ما أَبْرَعَ حِيلَتَكَ، وأَحْكَمَ خُطَّتَكَ!

– لَنْ تَتَرَدَّدُ «سَوْسَنَةُ» في الذَّهابِ إِلَى بَيْتِكَ.

– صَدَقْتَ، يا «أَوْسُ». سَتُسْرِعُ «سَوْسَنَةُ» بِالْحُضُورِ إِلَى بَيْتِي، لِتَبْتَهِجَ بِالتَّحَقُّقِ مِنْ مَوْتِي.

(٩) نَجْوَى «ثُعالَةَ»

اِفْتَرَقَ الْخَبيثانِ «أَوْسٌ» و«ثُعالَةُ» إِلَى لِقاءٍ قَرِيبٍ.

اِعْتَزَمَ كُلٌّ مِنْهُما تَنْفِيذَ ما يَخُصُّهُ مِنَ الْخُطَّةِ الْماكِرَةِ.

أَسْرَعَ «أَوْسٌ» إِلَى بَيْتِ «سَوْسَنَةَ»، لِكَيْ يَنْقُلَ إِلَيْها ذَلِكَ النَّبَأَ الْكاذِبَ: نَبَأَ مَوْتِ صَدِيقِهِ الْعَزِيزِ «ثُعالَةَ».

عادَ «ثُعالَةُ» إِلَى بَيْتِهِ، يَسْتَعِدُّ لاِتِّخاذِ تِلْكَ الْحِيلَةِ.

لَبِثَ في فِراشِهِ، يَتَرَقَّبُ قُدُومَ الْأَرْنَبَةِ «سَوْسَنَةَ» …

تَمَدَّدَ في الْفِراشِ، مُرْخِيًا عَضَلاتِهِ، دُونَ حَراكٍ.

أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ، وَعَمِلَ عَلَى أَلَّا تَهْتَزَّ أَهْدابُ جَفْنَيْهِ.

كانَ يُجَرِّبُ أَنْ تَكُونَ هَيْئَتُهُ لا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ.

اطْمأَنَّ بَعْدَ التَّمْرِينِ إِلَى أَنَّهُ لَنْ يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ اَلْخَفِيُّ.

«ثُعالَةُ» كانَ يَقُولُ في نَفْسِهِ، وَهُوَ مُتَعَجِّبٌ: «ما أَسْعَدَنِي بِصُحْبَةِ صَدِيقِي الْعَزِيزِ «أَوْسٍ»! إِنَّهُ حَقًّا — كَما عَلِمْتُهُ، وَخَبَرْتُهُ — ذِئْبٌ غَدُورٌ. وَلَكِنَّ غَدْرَهُ حَقًّا يَغْلِبُ غَدْرَ الذِّئابِ جَمِيعًا! إِنَّ حِيلَةَ «أَوْسٍ» التي أَحْسَنَ تَدْبِيرَها، مُنْتَصِرَةٌ — بِلا شَكٍّ — عَلَى ذَكَاءِ «سَوْسَنَةَ»: زَعِيمَةِ الوادي الْبَهِيجِ!»

(١٠) بُكاءُ «أَوْسٍ»

كانَ الذِّئْبُ الْغادِرُ «أَوْسٌ» واثِقًا بِفَلاحِ الْخُطَّةِ التي أَعَدَّها هُوَ وَصاحِبُهُ الثَّعْلَبُ الْماكِرُ «ثُعالَةُ»، لِقَتْلِ الزَّعِيمَةِ «سَوْسَنَةَ».

لَمْ يَكُنْ «أَوْسٌ» يَرْتابُ في بُلُوغِ غايَتِهِ، وَنَجاحِ مُؤَامَرَتِهِ.

أَسْرَعَ «أَوْسٌ» بِالذَّهابِ إِلَى بَيْتِ الْأَرْنَبَةِ «سَوْسَنَةَ».

اِتَّخَذَ لِوَجْهِهِ مَظْهَرًا يَدُلُّ عَلَى الْحُزْنِ الْبالِغِ، وَالْأَلَمِ الشَّدِيدِ.

وَقَفَ أَمامَ بَيْتِها باكِيًا مُعْوِلًا، نائِحًا مُوَلْوِلًا.

صَرَخَ «أَوْسٌ» وَبَكَى، وَلَطَمَ وَجْهَهُ وَاشْتَكَى.

«سَوْسَنَةُ» سَمِعَتْ صُراخَ «أَوْسٍ» وَعُواءَهُ، وَنُواحَهُ وَبُكَاءَهُ.

لَمْ يَغِبْ عَنْ فِطْنَتِها أَنَّ الصَّوْتَ الذي تَسْمَعُهُ صَوْتُ «أَوْسٍ».

اِشْتَدَّ عَجَبُ «سَوْسَنَةَ» مِمَّا سَمِعَتْ أُذُناها مِنْ ذَلِكَ الصَّوْتِ.

أَقْبَلَتْ عَلَى نَفْسِها تُسائِلُها، وَهِيَ في حَيْرَةٍ شَدِيدَةٍ: «ما بالُ الذِّئْبِ الْغادِرِ «أَوْسٍ» أَمامَ بَيْتِي يَبْكِي؟! تُرَى: أَيُّ حادِثٍ جَرَى لَهُ، وا أَسَفاهُ فَأَتْعَسَهُ وَأَشْقاهُ؟! تُرَى: أَيُّ خَطْبٍ نابَهُ، فِي يَوْمِهِ، فَأَزْعَجَهُ وَأَبْكاهُ؟! لِأَيِّ غَرَضٍ يَقْصِدُنِي بِزِيارَتِهِ الْمُفاجِئَةِ، هَذِهِ السَّاعَةَ؟ ما بالُهُ يَدُقُّ بابَ بَيْتِي، وَيَتَهَدَّجُ صَوْتُهُ وَهُوَ يُنادِينِي؟!»

(١١) بَيْنَ «أَوْسٍ» وَ«سَوْسَنَةَ»

«سَوْسَنَةُ» اقْتَرَبَتْ مِنَ الْبابِ، وَسَأَلَتْ: «مَنِ الطَّارِقُ؟»

«أَوْسٌ» قالَ: «أَلَمْ تَعْلَمِي مَنْ أَكُونُ؟ أَلَمْ تَسْمَعِي صَوْتِي؟»

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ حَقًّا، صَوْتَ ذِئْبٍ. وَلَكِنْ لِماذا لا تُخْبِرُنِي بِاسْمِكَ صَراحَةً، حَتَّى أَعْرِفَ شَخْصَكَ؟»

«أَوْسٌ» قالَ: «أَنا صَدِيقُكِ «أَوْسٌ»، أَلَا تَعْرِفِينَهُ؟»

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ: «وَماذا دَعاكَ إِلَى أَنْ تَزُورَنِي الْآنَ!»

«أَوْسٌ» صَرَخَ مُتَباكِيًا: «يا لَلْهَوْلِ! يا لَلْخَبرِ! وا حَسْرَتاهُ!»

دَهِشَتْ «سَوْسَنَةُ» لِما سَمِعَتْهُ مِنَ الثَّعْلَبِ «أَوْسٍ».

قالَتْ في نَفْسِها: «ما شَأْنِي أَنا مَعَ «أَوْسٍ» وَأَخْبارِهِ؟ ما بالُهُ يَفْرِضُ عَلَيَّ أَنْ أُشارِكَهُ في آلامِهِ وَأَحْزانِهِ؟ لا شَرِكَةَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ في شَيْءٍ، مِنْ أَمْرِي أَوْ أَمْرِهِ.»

«أَوْسٌ» قالَ: «وا أَسَفاهُ عَلَى «ثُعالَةَ»! وا حَسْرَتاهُ! أَلَمْ يُخْبِرْكِ أَحَدٌ، مِنْ قَبْلُ — يا «سَوْسَنَةُ» الْعَزِيزَةُ — بِما أَصابَ صاحِبِي مِنْ شَرٍّ وَأَذِيَّةٍ، وَمَكْرُوهٍ وَبَلِيَّةٍ؟»

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ، وَهِيَ تُخْفِي حَقِيقَةَ شُعُورِها: «لا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا. ماذا جَرَى لَهُ الْيَوْمَ، يا «أَوْسُ»؟»

(١٢) نَعْيُ «ثُعالَةَ»

اِسْتَأْنَفَ «أَوْسٌ» بُكاءَهُ، وَصُراخَهُ وَعُواءَهُ.

عادَ إِلَى ما بَدَأَهُ مِنْ تَباكٍ وَتَناوُحٍ. انْطَلَقَ يَقُولُ: «يا لَهُ مِنْ مُصابٍ جَلَل … يا لَها مِنْ فاجِعَةٍ مُرَوِّعَةٍ!»

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ، وَقَدْ ضاقَ صَدْرُها بِما تَسْمَعُ مِنْهُ: «ماذا حَدَثَ، يا «أَوْسُ»؟ لِماذا تَنْدُبُ «ثُعالَةَ» وَتَبْكِيهِ؟ تُرَى ماذا دَهاهُ؟ أَيُّ حادِثٍ أَصابَهُ؟ أَيُّ فاجِعَةٍ حَلَّتْ بِهِ؟»

«أَوْسٌ» قالَ، وَهُوَ عَلَى حالِهِ مِنَ التَّظاهُرِ بِالْحُزْنِ: «جِئْتُ إِلَيْكِ في هَذِهِ السَّاعَةِ، يا أُخْتاهُ، لِأَرْثِيَ «ثُعالَةَ» وَأَنْعاهُ. ماتَ الصَّدِيقُ الْمُخْلِصُ الْوَفِيُّ «ثُعالَةُ» … يا وَيْلَتاهُ! أَحَقًّا وَصِدْقًا: أَنَّكِ لَمْ تَسْمَعِي بِمَوْتِ «ثُعالَةَ» يا أُخْتاهُ؟»

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ، وَقَدْ فاجَأَها النَّبَأُ الذي سَمِعَتْهُ: «أَحَقًّا ماتَ «ثُعالَةُ»؟ لَمْ أَسْمَعْ هَذا النَّبَأَ إِلَّا مِنْكَ الْآنَ.»

«أَوْسٌ» قالَ: «لَمْ أَقُلْ إِلَّا حَقًّا، وَلَمْ أُخْبِرْكِ إِلَّا صِدْقًا. مُنْذُ ساعَةٍ واحِدَةٍ ماتَ «ثُعالَةُ» وَفَقَدْناهُ، وَحُرِمْنا مَرْآهُ! لَنْ نَراهُ بَعْدَ الْيَوْمِ، لَنْ نَراهُ! لَنْ نَتَمَتَّعَ بِحَدِيثِهِ، وَلَنْ نَلْقاهُ! وا حَسْرَتاهُ عَلَيْكَ — يا «ثُعالَةُ» — وا حَسْرَتاهُ!»

(١٣) نَجْوَى «سَوْسَنَةَ»

«سَوْسَنَةُ» كانَتْ عاقِلَةً حَصِيفَةً ذَكِيَّةً.

«سَوْسَنَةُ» كانَتْ عَلَى حَذَرٍ لا تَنْخَدِعُ.

«سَوْسَنَةُ» أَقْبَلَتْ عَلَى نَفْسِها، تُناجِيها: «أَحَقًّا صَدَقَ «أَوْسٌ»؟ أَحَقًّا مَاتَ «ثُعالَةُ»؟!

لَيْتَ خَبَرَ مَوْتِهِ صَحِيحٌ! لَكِنْ مَنْ يَدْرِي؟

لَعَلَّها خُدْعَةٌ مِنَ الذِّئْبِ «أَوْسٍ» وَصاحِبِهِ الثَّعْلَبِ. لَعَلَّها أُحْبُولَةٌ مِنْ أَحابِيلِهِما الْخَبِيثَةِ، أَوْ أُكْذُوبَةٌ مِنْ أكاذِيبِهِما السَّخِيفَةِ.

إِنَّ الْغَدْرَ والْمَكْرَ مَعْهُودانِ فِيهِما، مَعْرُوفانِ مِنْهُما.

لا بُدَّ أَنْ أَتَحَقَّقَ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ الْمُفاجِئِ، عَلَى كُلِّ حالٍ.

مَنْ يَدْرِي؟ رُبَّما كانَ هَذا الْخَبَرُ الْمَنْقُولُ إِلَيَّ الْآنَ، يَنْطَوِي عَلَى مُؤامَرَةٍ دَبَّرَها «أَوْسٌ» وصاحِبُهُ «ثُعالَةُ».

إِنَّهُما يَسْعَيانِ — جُهْدَهُما — لِقَتْلِي، وَلا يَكُفَّانِ عَنْ تَدْبِيرِ الْخُطَطِ لِهَلاكِي. وَلا شَكَّ أَنَّ أَبْهَجَ ما يَبْهَجُ الْخَبِيثَيْنِ أَنْ يَتَخَلَّصا مِنِّي!

إِنَّهُما عَدُوَّانِ ماكِرانِ، كاذِبانِ لا يَصْدُقانِ، غادِرانِ لا يُؤْتَمَنانِ.

هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما يُرِيدانِ بِي! لَنْ أَنْخَدِعَ أَبَدًا بِهِما، وَلَنْ أَغْفُلَ عَنْ كَيْدِهِما، أَوْ أَقَعَ في شِباكِ غَدْرِهِما، أَوْ آمَنَ لَهُما.

لِماذا يُخْبِرُنِي «أَوْسٌ» بِمَوْتِ «ثُعالَةَ»، وَكِلاهُما عَدُوٌّ لِي؟

أَتُراهُ فَقَدَ عَقْلَهُ، فَجاءَنِي مُهَرْوِلًا يَسُرُّنِي بِمَوْتِ صاحِبِهِ؟

ما أَجْدَرَنِي الْآنَ أَنْ أَتَثَبَّتَ مِنْ مَوْتِ «ثُعالَةَ» حَقًّا، قَبْلَ أَنْ أُجازِفَ بِالذَّهابِ إِلَى بَيْتِهِ، فَأُعَرِّضَ نَفْسِي لِلْمَكْرُوهِ.

إِذا تَعَجَّلتُ وَتَسَرَّعْتُ، فَرُبَّما نَدِمْتُ عَلَى ما فَعَلْتُ.»

بَعْدَ حِوارٍ طَوِيلٍ بَيْنَ «سَوْسَنَةَ» وَبَيْنَ نَفْسِها فِيما تَفْعَلُ، عَزَمَتْ عَلَى الْبَقاءِ في بَيْتِها: لا تَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى بَيْتِ «ثُعالَةَ» …

بَعْدَ قَلِيلٍ، عادَتْ «سَوْسَنَةُ» إِلَى مُناجاةِ نَفْسِها قائِلَةً: «أَغْلَبُ ظَنِّي أَنَّ «أَوْسًا» غَيْرُ صادِقٍ فِيما أَنْبَأَنِي بِهِ. أَغْلَبُ ظَنِّي أَنَّ «ثُعالَةَ» لا يَزالُ — عَلَى حالِهِ — في قَيْدِ الْحَياةِ. ما أَحْسَبُ أَنَّ «أَوْسًا» كانَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَسْعَى مُسْرِعًا إِلَى زِيارَتِي في بَيْتِي، لِكَىْ يُخْبِرَنِى بِمَوْتِ «ثُعالَةَ»، لَوْ أَنَّهُ ماتَ حَقًّا! قَلْبِي يُحَدِّثُنِي أَنَّ «أَوْسًا» وَ«ثُعالَةَ» دَبَّرا الْحِيلَةَ، وَأَحْكَما الْخُطَّةَ؛ لِيُوقِعانِي في الْفَخِّ الذي نَصَباهُ لِي، وَيَفْتِكا بِي! كَلَّا! لَنْ أَسْتَسْلِمَ يَوْمًا لَهُما، وَلَنْ أَنْخَدِعَ مَرَّةً بِهِما. هَيْهاتَ ذَلِكَ هَيْهاتَ! لا بُدَّ أَنْ أَكُونَ دائِمًا مِنْهُما عَلَى حَذَرٍ. سَأَتَرَيَّثُ فِي تَصْدِيقِ هَذا الْخَبَرِ، حَتَّى لا أَتَعرَّضَ لِلْخَطَرِ.»

(١٤) مِنَ النَّافِذَةِ

بَعْدَ قَلِيلٍ، خَطَرَ في بالِها أَنْ تَتَحَقَّقَ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِنَفْسِها.

تَلَفَّتَتْ حَوْلَها، قَبْلَ أَنْ تَتَصَرَفَ، فَلَمْ تَرَ «أَوْسًا».

الْآنَ أَصْبَحَتْ آمِنَةً مِنْ شَرِّهِ، وَمَكْرِهِ وَغَدْرِهِ!

لا بَأْسَ — إِذَنْ — في أَنْ تَذْهَبَ إِلَى بَيْتِ «ثُعالَةَ»: لِتَتَحَقَّقَ بِنَفْسِها — عَلَى حَذَرٍ — مِمَّا زَعَمَهُ الذِّئْبُ «أَوْسٌ».

«سَوْسَنَةُ» خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِها، إِلَى الطَّرِيقِ، عَلَى الْفَوْرِ.

«سَوْسَنَةُ» وَصَلَتْ في خُطُواتٍ حَذِرَةٍ إِلَى بَيْتِ «ثُعالَةَ».

«سَوْسَنَةُ» عاقِلَةٌ ذَكِيَّةٌ، لَيْسَتْ مُتَسَرِّعَةً وَلا غَبِيَّةً.

«سَوْسَنَةُ» أَرادَتْ أَنْ تَعْرِفَ: هَلْ ماتَ «ثُعالَةُ» حَقًّا؟

«سَوْسَنَةُ» لَمْ تُجازِفْ بِالدُّخُولِ إِلَى بَيْتِ عَدُوِّها الْمُبِينِ.

«سَوْسَنَةُ» اكْتَفَتْ بِأَنْ تَقِفَ عَلَى بابِ بَيْتِ «ثُعالَةَ»، وَأَنْ تَقْتَرِبَ مِنَ النَّافِذَةِ، وَتُطِلَّ مِنْها، لِتَتَبَيَّنَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ.

«سَوْسَنَةُ» شافَتْ «ثُعالَةَ» مِنْ خِلالِ النَّافِذَةِ.

أَبْصَرَتْهُ عَيْناها، مُسْتَلْقِيًا عَلَى فِراشِهِ، في سُكُونٍ تامٍّ.

كانَ «ثُعالَةُ» مُغْمَضَ الْعَيْنَيْنِ، مَمْدُودَ الْقَوائِمِ (الْأَرْجُلِ).

كانَ — في مَظْهَرِهِ — يُوهِمُ مَنْ يَراهُ أَنَّهُ مَيِّتٌ، لا حَراكَ بِهِ.

(١٥) حِيلَةُ «سَوْسَنَةَ»

«سَوْسَنَةُ» وَقَفَتْ تَتَأَمَّلُ الثَّعْلَبَ الْمَكَّارَ، في فِراشِهِ.

«سَوْسَنَةُ» جَعَلَتْ تُحَدِّثُ نَفْسَها، مُتَسائِلةً — في خَوْفٍ: «أَخْشَى ما أَخْشاهُ: أَنْ يَكُونَ «ثُعالَةُ» اللَّئِيمُ الْخَدَّاعُ، اتَّفَقَ مَعَ «أَوْسٍ» الْغَدَّارِ، عَلَى تَدْبِيرِ الْخُطَّةِ، وَإِعْدادِ الْمُؤَامَرَةِ؛ لِيَظْفَرا بِقَتْلِي، وَيَأْمَنا مَكْرِي، وَيَسْتَرِيحا مِنِّي.»

«سَوْسَنَةُ» تَظاهَرَتْ وَهِيَ عِنْدَ النَّافِذَةِ، بِأَنَّها تُحَدِّثُ نَفْسَها.

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ بِصَوْتٍ عالٍ، لِتُسْمِعَ «ثُعالَةَ» الْمُتَماوِتَ: «يا تُرَى: هَلْ صَدَقَ «أَوْسٌ» حِينَ جاءَنِي مُنْذُ قَلِيلٍ، صارِخًا باكِيًا، يُخْبِرُنِي بِمَوْتِ «ثُعالَةَ» صَدِيقِهِ الْحَمِيمِ؟ ما هِيَ الْحَقِيقَةُ فِيما أَخْبَرَنِي بِهِ؟ صِدْقٌ ذَلِكَ أَمْ كَذِبٌ؟ مَنْ يَدْرِي؟ لَعَلَّ «ثُعالَةَ» — في حَقِيقَةِ أَمْرِهِ — حَيٌّ، كَما هُوَ، لَمْ يَمُتْ! لَعَلَّ «ثُعالَةَ» الْماكِرَ اتَّفَقَ مَعَ صاحِبِهِ «أَوْسٍ» عَلَى تَدْبِيرِ هَذِهِ الْحِيلَةِ، لِلْإِيقاعِ بِي، وَالنَّيْلِ مِنِّي! لا بُدَّ أَنْ أَتَثَبَّتَ مِنْ صِدْقِ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ بِالْعَلامَةِ التي أَعْرِفُها. الْعَلامَةُ التي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّعْلَبَ قَدْ مَاتَ حَقًّا، وَلَمْ يَعُدْ حَيًّا، هِيَ أَنْ يَفْتَحَ فَمَهُ، وَيَرْفَعَ قائِمَتَهُ (رِجْلَهُ) الْيُسْرَى.»

(١٦) غَفْلَةُ «ثُعالَةَ»

«ثُعالَةُ» كانَ يَتَظاهَرُ بِأَنَّهُ مَيِّتٌ لا حَياةَ فِيهِ؛ وَلَكِنَّهُ كانَ — في الْحَقِيقَةِ — يَسْمَعُ نَجْوَى الْأَرْنَبَةِ «سَوْسَنَةَ» أَمامَ النَّافِذَةِ.

«ثُعالَةُ» لَمْ يَفْطُنْ إِلَى حِيلَةِ «سَوْسَنَةَ»، وَهِيَ تَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ عالٍ. اِنْخَدَعَ بِما قالَتْهُ «سَوْسَنَةُ». قالَ في نَفْسِهِ: «الْآنَ عَرَفْتُ كَيْفَ أُتْقِنُ حِيلَتِي، وَأَبْلُغُ أُمْنِيَّتِي. لا بُدَّ أَنْ تَرَى فَمِي مَفْتُوحًا، وَقائِمَتِي (رِجْلِي) الْيُسْرَى مَرْفُوعَةً، لِتَعْرِفَ أَنِّي مَيِّتٌ حَقًّا، فَتَطْمَئِنَّ نَفْسُها.»

اِنْحَرَفَتْ «سَوْسَنَةُ» عَنِ النَّافِذَةِ، وَغابَتْ بَعْضَ الوَقْتِ، لِكَيْ يَتَبَيَّنَ لَها: هَلْ يُغَيِّرُ «ثُعالَةُ» وَضْعَهُ، وَهِيَ لا تَراهُ؟

«ثُعالَةُ» أَسْرَعَ بِفَتْحِ فَمِهِ، وَرَفْعِ قائِمَتِهِ الْيُسْرَى.

«سَوْسَنَةُ» رَجَعَتْ إِلَى النَّافِذَةِ، فَرَأَتْ «ثُعالَةَ» في وَضْعِهِ الْجَدِيدِ. عَلِمَتْ أَنَّهُ في قَيْدِ الْحَياةِ، يَتَظاهَرُ بِالْمَوْتِ!

«سَوْسَنَةُ» الذَّكِيَّةُ الْماهِرَةُ، كَشَفَتْ سِرَّ الْمُؤامَرَةِ الغادِرَةِ.

«سَوْسَنَةُ» أَسْرَعَتْ هارِبَةً، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى بَيْتِها آمِنَةً.

«سَوْسَنَةُ» فَرِحِتْ بِأَنَّها قَدْ نَجَتْ مِنْ ذَلِكَ الْفَخِّ الْخَبِيثِ الذي أَعَدَّهُ لَها «ثُعالَةُ» الْمَكَّارُ، وَ«أَوْسٌ» الْغَدَّارُ.

(١٧) تَحْتَ الصَّخْرَةِ

فِي الْيَوْمِ التَّالِي: الْأَرْنَبَةُ الذَّكِيَّةُ «سَوْسَنَةُ» شافَتِ الثَّعْلَبَيْنِ «أَوْسًا» وَ«ثُعالَةَ»، واقِفَيْنِ بِالْقُرْبِ مِنْ صَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ.

الصَّخْرَةُ الْكَبِيرَةُ كانَتْ تَقُومُ عَلَى حافَةِ تَلٍّ عالٍ.

التَّلُّ الْعالِي كانَ يقَعُ قَرِيبًا مِنْ بَيْتِ الْبَقَرَةِ «جُؤْذَرَةَ».

الْبَقَرَةُ «جُؤْذَرَةُ» كانَتْ صَدِيقَةً لِلْأَرْنَبَةِ «سَوْسَنَةَ».

«سَوْسَنَةُ» وَقَفَتْ تُخْفِي نَفْسَها خَلْفَ الصَّخْرَةِ الْكَبِيرَةِ، حَيْثُ لا يَراها أَحَدٌ، وَهِيَ تُنْصِتُ بِأُذُنِها، وَتَرْقُبُ بِعَيْنِها.

«سَوْسَنَةُ» سَمِعَتْ صَوْتَ الثَّعْلَبَيْنِ «أَوْسٍ» وَ«ثُعالَةَ»، وَهُما يَتَبادَلانِ الْحَدِيثَ، تَحْتَ الصَّخْرَةِ الْكَبِيرَةِ.

«أَوْسٌ» وَ«ثُعالَةُ» كانا، في حَدِيثِهِما، يَأْتَمِرانِ بِها:

– خابَتْ حِيلَتُنا يا «أَوْسُ» في الظَّفَرِ بِالْأَرْنَبَةِ «سَوْسَنَةَ».

– لا تَيْأَسْ يا «ثُعالَةُ» سَنَظْفَرُ بِها، وَنَتَخَلَّصُ مِنْ وُجُودِها.

– هَلْ فَكَّرْتَ في حِيلَةٍ جَدِيدَةٍ، يا «أَوْسُ»؟

– الْحِيَلُ كَثِيرَةٌ، يا «ثُعالَةُ»، وَسَنَبْلُغُ ما نُرِيدُ.

«سَوْسَنَةُ» كَشَفَتْ سِرَّ الْعَدُوَّيْنِ الْخَبِيثَيْنِ.

«سَوْسَنَةُ» عَرَفَتْ غَدْرَ الصَّاحِبَيْنِ الْماكِرَيْنِ.

(١٨) بَيْنَ الصَّدِيقَتَيْنِ

«سَوْسَنَةُ» رَأَتْ أَنَ الْفُرْصَةَ الْآنَ سانِحَةٌ أَمامَ عَيْنَيْها، لِلْخَلاصِ مِنَ الذِّئْبِ الْغادِرِ، والثَّعْلَبِ الْماكِرِ.

«سَوْسَنَةُ» خَرَجَتْ مِنْ خَلْفِ الصَّخْرَةِ الْكَبِيرَةِ، وفي خُفْيَةٍ، ذَهَبَتْ إِلَى بَيْتِ صَدِيقَتِها الْبَقَرَةِ «جُؤْذَرَةَ»، قُرْبَ التَّلِّ.

«سَوْسَنَةُ» أَقْبَلَتْ عَلَيْها تُحَيِّيها، وَقالَتْ لَها، وَهِيَ مَسْرُورَةٌ: «يا فَرْحَتاهُ، يا فَرْحَتاهُ! أَبْشِرِي — يا «جُؤْذَرَةُ» — أَبْشِرِي.»

«جُؤْذَرَةُ» سَأَلَتْها: «أَيَّ بُشْرَى تَحْمِلِينَ، يا «سَوْسَنَةُ»؟»

«سَوْسَنَةُ» أَجابَتْ بِقَوْلِها في لَهْجَةٍ مُسْرِعَةٍ خاطِفَةٍ: «اُخْرُجِي مَعِيَ الْآنَ. تَهَيَّأَتْ لَنا فُرْصَةٌ نادِرَةٌ لِلْخَلاصِ …»

«جُؤْذَرَةُ» خَرَجَتْ مَعَها، وَقالَتْ لَها وَهِيَ في الطَّرِيقِ: «لِلْخَلاصِ مِمَّا ذا؟ لَسْتُ أَفْهَمُ ماذا تَقْصِدِينَ؟»

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ: «حَياتُنا لَنْ تَتَعَرَّضَ بَعْدَ الْيَوْمِ لِلْخَطَرِ. الْآنَ تَهَيَّأَتْ لَنا فُرْصَةٌ نادِرَةٌ لِلْخَلاصِ مِنْ عَدُوَّيْنِ خَبِيثَيْنِ، وَخَصْمَيْنِ لَدُودَيْنِ، يَتَرَبَّصانِ بِنا، وَيَكِيدانِ لَنا!»

«جُؤْذَرَةُ» قالَتْ: «لا أَعْرِفُ لَنا عَدُوًّا غَيْرَ «ثُعالَةَ» الْمَكَّارِ، وَ«أَوْسٍ» الْغَدَّارِ. فَهَلْ أَنْتِ تَقْصِدينَ هَذَيْنِ؟»

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ لِلْبَقَرَةِ: «إِيَّاهُما عَنَيْتُ، وَقَدْ عَرَفْتِهِما. فَلِماذا لا نَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ، يا صَدِيقَتِي، لِقَتْلِهِما، والنَّجاةِ مِنْ شَرِّهِما؟»

«جُؤْذَرَةُ» قالَتْ: «كَيْفَ نَتَغَلَّبُ عَلَيْهِما مُجْتَمِعَيْنِ، وَنَحْنُ — مَهْما فَعَلْنا — لا نَسْتَطِيعُ التَّغَلُّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُما وَحْدَهُ؟ هَيْهاتَ ذَلِكَ — يا «سَوْسَنَةُ» الْعَزِيزَةُ — هَيْهاتَ! لا طاقَةَ لَنا بِهِما، وَلا قُدْرَةَ لَنا عَلَيْهِما. إِنَّهُما عَدُوَّانِ قَوِيَّانِ، لا تَعْرِفُ الرَّحْمَةُ سَبِيلًا إِلَى قَلْبَيْهِما وَلا يُغْلَبانِ!»

«سَوْسَنَةُ» قالَتْ — مُتَلَطِّفَةً — لِصَدِيقَتِها «جُؤْذَرَةَ»: «لا تُراعِي يا «جُؤْذَرَةُ» لِهَذا وَلا تَيْأَسِي. فالْقُوَّةُ لَيْسَتْ كُلَّ شَيْءٍ في الْحَياةِ … الْحِيلَةُ النَّاجِحَةُ، تَغْلِبُ الْقُوَّةَ الْجامِحَةَ. تَعَالَيْ مَعِي — يا «جُؤْذَرَةُ» — لِتَشْهَدِي مِصْدَاقَ ما أَقُولُ لَكِ. تَعَالَيْ مَعِي، لِتَشْهَدِي كَيْفَ نَنْتَصِرُ عَلَيْهِما، وَنُودِي بِهِما، وَنُخَلِّصُ الوادي الْبَهِيجَ — إِلَى الْأَبَدِ — مِنْ شَرِّهِما وَأَذاهُما. سَتَحْمَدِينَ — إِنْ شاء اللهُ — مَشُورَتِي، مَتَى عَمِلْتِ بِنَصِيحَتِي.»

«جُؤْذَرَةُ» قالَتْ — مُتَفائِلَةً: «ما أَسْعَدَنِي بِتَحْقِيقِ ما تَبْغِينَ. حَبَّذا أَنْ يَصِحَّ ما تَقُولِينَ!»

(١٩) نَجاحُ الْخُطَّةِ

«سَوْسَنَةُ» وَشْوَشْت «جُؤْذَرَةَ» قائِلَةً: «اُنْظُرِي، يا «جُؤْذَرَةُ». ها هُما ذانِ الْعَدُوَّانِ الْخَبِيثانِ. ها أَنْتِ ذِي تَرَيْنَ «أَوْسًا» الْغَدَّارَ، وَتَرَيْنَ «ثُعالَةَ» الْمَكَّارَ، واقِفَيْنِ تَحْتَ الصَّخْرَةِ الْكَبِيرَةِ يَتَحَدَّثانِ. هَلُمِّي نُدَحْرِجُها — بِكُلِّ قُوَّتِنا — عَلَيْهِما، لِتُخَلِّصَنا مِنْ شَرِّهِما.»

«جُؤْذَرَةُ» وافَقَتْ عَلَى اقْتِراحِ «سَوْسَنَةَ»، وَفَرِحَتْ بِهِ.

«سَوْسَنَةُ» وَ«جُؤْذَرَةُ» دَحْرَجَتا الصَّخْرَةَ، بِأَقْصَى قُوَّتِهِما.

الصَّخْرَةُ ما لَبِثَتْ أَنْ تَزَحْزَحَتْ، وَهَوَتْ مِنْ أَعْلَى التَّلِّ.

الصَّخْرَةُ وَقَعَتْ عَلَى «أَوْسٍ» وَ«ثُعالَةَ» في سُرْعَةِ الْبَرْقِ.

الصَّخْرَةُ أَخْمَدَتْ أَنْفاسَ الْعَدُوَّيْنِ الْماكِرَيْنِ الْغادِرَيْنِ.

لَمْ يُسْمَعْ لَهُما صَوْتُ شَكْوَى أَوْ أَنِينٌ. وَلَكِنْ كانَ هُناكَ صَوْتٌ، شَدِيدٌ دَوَّى في الْفَضاءِ، وَمَلَأَ رَنِينُهُ الْأَرْجاءَ.

لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الصَّوْتُ هُوَ صَوْتَ «أَوْسٍ» أَوْ «ثُعالَةَ»، بَلْ صَوْتَ الصَّخْرَةِ الْكَبِيرَةِ حِينَ سَقَطَتْ مِنْ أَعْلَى التَّلِّ!

«سَوْسَنَةُ» شَكَرَتْ «جُؤْذَرَةَ» عَلَى شَجاعَتِها، وَمَعُونَتِها.

«جُؤْذَرَةُ» شَكَرَتْ «سَوْسَنَةَ» عَلَى بَراعَتِها، وَسَدادِ مَشُورَتِها.

(٢٠) عَوْدَةُ السَّلامِ

عادَتِ الْبَهْجَةُ تَبْسُطُ ظِلالَها الْوارِفَةَ عَلَى الوادي الْأَمِينِ، وسُكَّانِهِ الْوادِعِينَ، بَعْدَ أَنْ أَمِنُوا شَرَّ الْمُعْتَدِينَ.

قَضَوْا لَيْلَهُم في أُنْسٍ ومِراحٍ، حَتَّى شاعَ نُورُ الصَّباحِ.

هَتَفُوا لِلْبَطَلَةِ «سَوْسَنَةَ» مُتَهَلِّلِينَ، صَفَّقُوا لَها مُعْجَبِينَ!

الْآنَ تَخَلَّصُوا في وادِيهِمُ الْخَصِيبِ، وَوَطَنِهِمُ الْبَهِيجِ، مِنَ الشَّرِّ، وَتَمَّ لَهُمُ النَّصْرُ كُلُّ النَّصْرِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الشُّكْرُ أَجْزَلُ الشُّكْرِ.

ذَهَبَ سُكَّانُ الوادي الْأَمِينِ إِلَى جانِبِ التَّلِّ؛ يَنْظُرُونَ إِلَى الصَّخْرَةِ الْكَبِيرَةِ التي تَهاوَتْ عَلَى رَأْسِ «أَوْسٍ» وَ«ثُعالَةَ».

رَأَوْا بِأَعْيُنِهِمْ مَصْرَعَ الذِّئْبِ الْغادِرِ، والثَّعْلَبِ الْماكِرِ.

آمَنُوا بِأَنَّ أَسالِيبَ الْعُدْوانِ والطُّغْيانِ، وَإِنِ امْتَدَّ بِها الزَّمانُ، لا مَصِيرَ لَها — في النِّهايَةِ — إِلَّا الْهَزِيمَةُ والْخُسْرانُ.

عَرَفُوا أَنَّ الرَّأْيَ الرَّاجِحَ الرَّشِيدَ، والتَّدْبِيرَ الْمُحْكَمَ السَّدِيدَ، هُما أَقْوَى عُدَّةٍ وَسِلاحٍ، لِمَنْ يُرِيدُ تَحْقِيقَ النَّجاحِ.

ضاعَفُوا الشُّكْرَ لِلزَّعِيمَةِ «سَوْسَنَةَ»، وَصاحِبَتِها «جُؤْذَرَةَ».

كانَ هُتافُ جُمُوعِ السُّكَّانِ، يُدَوِّي عالِيًا في كُلِّ مَكانٍ، ابْتِهاجًا بِعَوْدَةِ الاِطْمِئْنانِ، وَفَرَحًا بِتَحْقِيقِ الْأَمانِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤