الوحش الخرافي

خلال ذلك اليوم، وفي صباح اليوم التالي عقد الشياطين اﻟ «١٣» مجموعة من الاجتماعات التنظيمية؛ لتحديد المجموعات والتسليح ووسائل الاتِّصال بشفرة جديدة، وقد تمَّ توزيع الشياطين إلى ثلاث مجموعات:
  • الأولى: في جزيرة «سقطرى»؛ وتضمُّ: «أحمد» و«إلهام» و«بو عمير» و«عثمان» و«زبيدة».
  • الثانية: في «اليمن»؛ وتضمُّ: «قيس» و«رشيد» و«ريما» و«مصباح».
  • الثالثة: في «الصومال»؛ وتضمُّ: «هدى» و«فهد» و«خالد» و«باسم» …

    وقامت الإدارة في المقرِّ السرِّي بتدبير وسائل السفر. استعدَّ الشياطين للسفر، وقبل أن يُغادروا المقر بنحو ساعة، عقَد رقم «صفر» اجتماعًا أخيرًا معهم؛ فقد كانت هناك أخبار جديدة.

وبملابس السفر أحاطوا بمائدة الاجتماعات، وسمعوا صوت رقم «صفر» العميق وهو يتحدَّث إليهم قائلًا: أتمنَّى أن تُنجزوا هذه المهمة، وإن كنتُ أعتقد — خاصة بعد أن حاولت أجهزة كبيرة مسئولة أن تصلَ إلى طبيعة هذه القوة الغامضة وفشلت، أعتقد أنها ستكون مهمَّةً صعبة … ولكن ربما كان جزءًا من أهميتها أنها تمرينٌ لكم على مواجهة شيء غير محدد، وإن كانت له نتائج محدَّدة.

قال «عثمان» ضاحكًا: إنها يا سيدي تبدو كقضية فلسفية!

رد رقم «صفر»: إن الفرض الفلسفي كثيرًا ما يكون نظريًّا، ولكنه يتحقَّق في الواقع إذا توفرت شروط معينة، ولكن دعونا الآن من الفلسفة؛ ففي الأيام الثلاثة الماضية وصلتْني عدة تقارير عن الأحداث الغريبة التي تقع في مربع الرعب الذي حدَّثتُكم عنه؛ فقد شاع بين الأهالي في هذه المنطقة وجود وحش مائي خرافي هو الذي يقود السفن إلى حَتفِها، ويجذب الطائرات من الجو لتَغرق في الماء. ورغم ما يبدو في هذا التفسير من سذاجة، فإنني أقترح عليكم — وأنتم في مواقع الأحداث — أن تسألوا عن السر في هذا التفسير العجيب؛ فأحيانًا ما يكون وراء الأسطورة الشعبية حقيقة علمية، اسألوا عن مصدر هذه الشائعة، فقد يكون أحد الأهالي قد شاهد شيئًا …

وهناك تقرير آخر يُشير إلى أنَّ كل السفن والطائرات التي سقطت أو تحطَّمت بواسطة القوة الخفية كانت وحدها؛ أي إنَّ هذه القوة لا تتعرَّض لسفينة تسير في قافلة، أو طائرة ضمن مجموعة طائرات، وواضح طبعًا أن القوة الخفية هذه لا تُريد شهود رؤية لما تفعل!

قال «أحمد» معلِّقًا: وهذا يعني يا سيدي أنها قوة عاقلة، ومدبِّرة أيضًا.

رقم «صفر»: بالضبط … إلا إذا كان الانفراد بالطائرة أو السفينة مجرَّد صُدفة، وهذا على كل حال جزء من مهمَّتكم التي لن أُعطِّلكم عنها أكثر من هذا وشكرًا.

وتحرَّك رقم «صفر» مُبتعدًا دون أن يراه الشياطين … ولم يكدْ وقع خطواته يَختفي حتى قفز الشياطين من أماكنهم، ثم تبادلت كل مجموعة مع المجموعة الأخرى التحيات والتمنيات، وبعد دقائق كانت السيارات الحمراء المُميزة للشياطين تخرج عبر السراديب الصخرية التي تفتح وتغلق إلكترونيًّا.

وشهدت الصحراء المُترامية، والبقعة المُوحشة التي يقع بها المقرُّ السري، شهدت ثلاث سيارات، كل سيارة تحمل مجموعة وتنطلق إلى مكان قريب تختفي فيه السيارات الحمراء، وتظهر سيارات عادية تحمل الشياطين إلى المطار، ومنه استقلَّت كل مجموعة طائرة إلى وجهتها.

بعد رحلة طويلة استغرقت ٥ ساعات هبطت الطائرة بالمجموعة الأولى: «أحمد» — «إلهام» — «بو عمير» — «عثمان» — «زبيدة» في مطار عدن … ثم استقلُّوا سيارة إلى شاطئ المحيط، وفي نقطة معيَّنة تمَّ الاتفاق عليها أثناء وضع الخطط وجدوا قاربًا بخاريًّا ضخمًا يُشبه المُدمِّرة واقفًا يتألق تحت شمس الغروب … وعندما اقتربوا منه وجدوا اسمه مكتوبًا بالنحاس اللامع «صقر البحر»، وابتسمت «إلهام» وقالت: أرجو ألا يكون «صقر البحر» ضحية للقوة الغامضة، فإنه يبدو مُغريًا!

صعدوا سريعًا إلى «صقر البحر»، وأخذوا يتجوَّلون في أنحائه، وقال «أحمد» مبتهجًا: سرعته ١٢ عقدة بحرية في الساعة، إنه شديد السرعة.

وقاموا بتغيير ملابسهم بما وجدوه في دواليب «صقر البحر» من ملابس بحرية، ثم جلس «أحمد» إلى كابينة القيادة وتولى «عثمان»، و«بو عمير» إدارة محرِّكات القارب …

وعندما مالت الشمس للمغيب كان «صقر البحر» يشقُّ الأمواج مسرعًا إلى حيث مقر الشياطين الخمسة، جزيرة «سقطرى»، وكانت المعلومات التي لديهم عنها، أنها جزيرة للصيادين، مساحتها ١٥٠ميلًا مربعًا، ويسكُنُها نحو ٢٠ ألفًا من السكان، وقد حدَّدَت لهم الخريطة التي وجدوها في «صقر البحر» المكان المناسب للرسو.

في صباح اليوم التالي استيقظت مجموعة الشياطين الخمسة بقيادة «أحمد» ووقفوا جميعًا عند حاجز القارب «صقر البحر» يتأمَّلون المنطقة، كانت الجبال العالية تحيط بالخليج الصغير الذي آوى إليه القارب تُخفيه عن العيون من ناحية وتقيه من تقلُّبات الجو وارتفاع الأمواج من ناحية أخرى.

وقالت «إلهام»: لم أرَ في حياتي شيئًا أجمل ممَّا أرى الآن.

وأيَّدها «بو عمير» و«زبيدة» و«أحمد» أما «عثمان»، فقد كان ينظر إلى الجبال صامتًا، ثم قال ﻟ «زبيدة»: أرجو يا «زبيدة»، أن تُحضِري نظارة مكبِّرة من الداخل.

أحمد: هل تُريد أن ترى أبعد مما ترى الآن؟

عثمان: لا … إنني أريد أن أتأكَّد من شيء ما يَلمع بين صخور الجبال.

وعادت «زبيدة» بالمنظار، ووضعه «عثمان» على عينَيه، ثم أخذ يُدير العدسة حتى ثبتَت عند بُعد معيَّن، وأخذ ينظر بإمعان ثم قال: هناك من يُراقبنا خلف الصخور.

أحمد: ما شكله؟

عثمان: إنَّني لا أرى منه إلا جزءًا من رأسه، وهو يلبس «الغطرة» الحمراء، وهي لباس الرأس المعروف في هذه المنطقة.

أحمد: لعلَّه أحد الصيادين، يُشاهد قاربًا غريبًا فيُريد أن يراه.

عثمان: إنَّ صيادًا عاديًّا لا يُمكن أن يكون معه بندقية سريعة الطلقات من أحدث طراز، إنني أرى فوهة البندقية على كتفه!

بو عمير: هل تستطيع أن تُحدِّد مكانه بالضبط؟

عثمان: لماذا؟

بو عمير: سأذهب لأرى ما هي حكايته؟ سأقفز إلى الماء من الجانب الآخر للقارب بحيث لا يراني، وعندما يكون مشغولًا بمراقبتِكم سأكون أنا قد وصلت إليه …

عثمان: هل ترى ذلك الجانب من الجبل الذي يشبه رأس الحصان في الاتجاه العكسي لأشعة الشمس؟!

بو عمير: نعم.

عثمان: عند النقطة التي يلتقي فيها رأس الحصان بالجبل هناك نقطة حمراء تشبه الوردة البعيدة.

بو عمير: أراها!

عثمان: إنها «الغطرة» الحمراء التي يضعها الرجل على رأسه.

اكتفى «بو عمير» بهذه المعلومات وتحرَّك للسير، فقال «أحمد»: لا نُريد متاعب جانبية يا «بو عمير»، لقد جِئنا من أجل هدف أكبر.

بو عمير: إنني لن أقتله يا «أحمد»، كل ما هنالك أنني سأسأله لماذا يراقبنا؛ إذ ربما يكون هو نقطة البداية للوصول إلى حقيقة «القوة الخفية».

اختفى «بو عمير» داخل القارب، فلبس «مايوه»، ووضع في وسطه خنجرًا، وهو مشهور باستخدامه، ثم قفز إلى المياه من الجانب الآخر للقارب، وأخذ يسبح بمهارة حتى اقترب من الشاطئ، ثم لاحظ أن شيئًا قد أضاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤