تفضل يا سيدي بالتفتيش

كان صباح اليوم التالي على ظهر «صقر البحر» صباحًا جميلًا … استيقظ «أحمد» نشيطًا فاغتسل ثم صعد إلى ظهر القارب وأخذ يدرس المكان الذي يقف فيه. كان القارب يقف في المسافة بين جزيرة «سقطرى» وساحل جمهورية «اليمن الشعبية»، وظهرت «زبيدة» وتبادلا تحية الصباح، وسألها «أحمد»: هل هذا هو المكان الذي وقف عنده «صقر البحر» بعد أن أوقفت ماكيناته؟

ردت «زبيدة»: لا … لقد كان قريبا جدًّا من الشاطئ.

أحمد: وماذا فعلت؟

زبيدة: انتظرت ساعة … ثم أدرت الماكينات، فلما لم يَحدُث شيء، سيرت القارب فترة ثم توقفت هكذا حتى توقفنا هنا.

أحمد: «زبيدة» … هل يمكنك تحديد مصدر القوة الغامضة نتيجة لما حدث؟

زبيدة: لا، للأسف … وإن كنت أعتقد أنها قريبة جدًّا من القارب، رغم أننا على مبعدة من الشاطئ.

أحمد: هل تصوَّرتِ أنها غواصة؟ أقصد أن القوة الغامضة موجودة في غواصة؟

هزت «زبيدة» رأسها ثم قالت: ليس هذا بمُستبعَد … ففي إمكانها أن تُصبح قريبة جدًّا من القارب دون أن نراها!

أحمد: ولكن كيف نُفسِّر سيطرتها على آلة طائرة بعيدة؟

زبيدة: ربما تصعد في هذه الحالة فوق الماء، ثم توجه طاقتها الغامضة … ولكن لماذا خطر ببالك أنها غواصة؟

أحمد: لأنَّ شابًّا من مُواطني «سقطرى» شاهدها ووصفها وصفًا يجعلها أقرب ما تكون إلى الغواصة.

زبيدة: وأين هذا الشاب لنَسمع منه مزيدًا من التفاصيل؟

أحمد: للأسف … إنه موجود الآن على ظهر الغواصة ذاتها، وسيقومون بعمل غسيل مخٍّ له، وسيعطونه من العقاقير ما يؤدي إلى فقدان ذاكرته!

زبيدة: إنها معلومات جديدة، كيف حصلتَ عليها؟

أحمد: سأروي لكم كل هذا بعد الإفطار، ثم نضع خطتنا؛ فعندي معلومات على جانب كبير من الأهمية ربما تُؤدِّي إلى وضع حدٍّ لهذه «القوة الغامضة».

وسمعا جرس الإفطار يدق، واتجه الاثنان إلى المائدة، ووجدا «عثمان» و«إلهام» و«بو عمير» قد سبقوهما إليها، وتبادل الجميع تحيات الصباح في مرح، رغم وجود ورم ظاهر تحت عين «عثمان»، وجرح في الرقبة من الخلف عند «أحمد»، وتناوَلا الإفطار سريعًا، وعندما بدءوا يشربون الشاي بدأ «أحمد» يروي مغامرته هو و«عثمان» على ظهر الجزيرة، ووصل إلى استنتاجه أن القوة الغامضة موجودة في غواصة، وتصوَّرها على أنها جهاز مُبتكَر يستطيع السيطرة على أيِّ ماكينة وتوجيهها إلى الاتجاه الذي يُريده، وقال «عثمان»: وقد وضعوا برجًا على قمة الجبل للمُراقبة والاتصال، وهذا البرج يمدُّ الغواصة بالمعلومات اللازمة عن السفن والطائرات المارة بواسطة شبكة رادار تليفزيونية متطوِّرة شاهدتها بنفسي خلال زجاج البرج المعدني.

ومضى «أحمد» يقول: والحراسة حول البرج قوية؛ فهُناك مجموعة من سكان الجزيرة يُمثِّلون خط الدفاع الأول، وهؤلاء هم مَن شاهَدَ «بو عمير» أحدهم، والذي كان يضع على رأسه «الغطرة» الحمراء، وهم طبعًا لا يعرفون شيئًا عن الغواصة وكل ما يتصوَّرونه أنهم يعملون لدى الشركة التي تبحث عن كنز القرصان.

وسكت «أحمد» وهو يَرشُف كوب الشاي، ثم مضى يقول: وخط الدفاع الثاني يتكون من ورديات من الرجال المسلَّحين حول البرج، وخط الدفاع الثالث بداخل البرج نفسه!

إلهام: إن مهاجمة البرج مهمة صعبة!

أحمد: نعم … ولكن يُمكن ضربة من بعيد … لهذا أريد أن يتجمَّع الشياطين اﻟ ١٣جميعًا هنا … سنقُوم بضربتَين في وقتٍ واحدٍ.

بو عمير: أين … وأين؟

أحمد: واحدة لنسفِ البرج المعدني، والثانية لنسفِ الغواصة.

بو عمير: وأين سنجد الغواصة؟

أحمد: هناك نقطة هامَّة لم أَروِها لكم، أبقيتها حتى آخر الحديث لنَبني خطتنا عليها بعد أن نَقتنع بجميع الاستنتاجات التي توصلنا إليها.

إلهام: أعتقد أننا توصلنا إلى استنتاجات محدَّدة حول طبيعة القوة الغامضة وحول مكانها، ويبقى كيف نصلُ إليها.

التفت «أحمد» إلى «عثمان» قائلًا: هل تذكر الكلمات التي استمعنا إليها ونحن على الشاطئ، عندما التقى الرجال القادمُون من البحر، بالرجال القادمين من البرج؟

قال «عثمان»: أتذكر بعضها.

عاد «أحمد» يقول: إنَّني أتذكرها كلها، وما يُهمني منها هو اتفاقهم على اللقاء في نفس الزمان والمكان بعد ثلاثة أيام، إنَّ أمس كان الجمعة، ومعنى ذلك أنهم سيلتقون يوم الإثنين القادم ليلًا في الساعة الثانية صباحًا على نفس الشاطئ.

زاد اهتمام الشياطين الأربعة بحديث «أحمد» الذي مضى يقول: إن القادمين من البحر جاءوا في قارب من المطاط، ومن الواضح أن الغواصة صعدت إلى سطح المياه في مكان قريب، ونزل منها القارب ثم عاد إليها وهكذا يُمكننا معرفة مكان الغواصة إذا تابعنا القارب أثناء عودته إليها، وسنَنقسِم إلى مجموعات للهجوم على الغواصة والبرج في وقتٍ واحد، حتى لا يتمكَّن أحدهما من إنذار الآخر.

إلهام: إنها خطة طموحة جدًّا … ولكن ليس عندنا قنابل أعماق لضرب الغواصة.

أحمد: إنَّ خطتي هي نسفها بالديناميت، مجموعة منا تنزل إلى العمق، وتضع حولها مجموعة ضخمة من الديناميت شديد الانفجار، ثم نسفها.

وصمت «أحمد» لحظات ثم قال: ما رأيكم؟

رد الأربعة في نفس واحد: موافقون.

«أحمد» إذن عليك يا «إلهام» أن تقومي باستدعاء مجموعة «اليمن الشمالية»، ومجموعة «الصومال» … ولتصلْ مجموعة «اليمن» غدًا الأحد، ومجموعة «الصومال» يوم الإثنين صباحًا، وستقوم «زبيدة» بتشغيل الماكينات مع مراقبة أي مُحاولة لسحب القارب ناحية الشاطئ، وسأقوم مع «عثمان» و«بو عمير» بجرد وترتيب وتجهيز كلِّ ما معنا من أسلحة، والكشف عن القوارب الستة الصغيرة التي معنا، والتي سنحتاج إليها جميعًا في ليلة الهجوم.

قامت «إلهام» إلى غرفة اللاسلكي، وقامت «زبيدة» إلى غرفة الماكينات، ودخل الشياطين الثلاثة إلى مخزن الأسلحة، وهو غرفة مسحورة من الصعب معرفة مكانها. وابتسم «بو عمير» وهو يرمق الأسلحة المعلَّقة على الجدران؛ وكانت مجموعة رائعة من المسدسات والبنادق السريعة الطلقات، وانحنى «عثمان» على الصناديق يَفتحها ثم قال: إن رقم «صفر» لم يترك شيئًا ناقصًا، كل ما تتخيَّلونه من أسلحة مُتوفِّر هنا.

أما «أحمد» فكان مهتمًّا بمجموعة المفرقعات، من جلجنايت، و«ت. ن. ت» … وأخذ يحسب الكميات المطلوبة ومدى ما يُمكن أن يكفيَ لنَسفِ الغواصة تحت المياه، وكمية الأسلاك الكهربائية التي ستُوصل إلى المُفرقعات، وقضى الشياطين الثلاثة نحو ساعتين في غرفة الأسلحة المصفَّحة، وعندما غادروها كانت على وجوهِهم ابتسامات الرِّضى؛ فقد كان كل شيء على ما يُرام.

صعد الثلاثة إلى السطح ووجدوا «إلهام» وحدها، فقالت: لقد اتَّصلتُ لا سلكيًّا بمجموعة الشياطين في «اليمن الشمالية» وسيَصلُون في موعدهم، أما مجموعة «الصومال» فقد لا يتمكَّنون من الحضور في الوقت المناسب.

أحمد: لماذا؟

إلهام: هناك بعض مشاكل في الحضور بالطائرات؛ فليست هناك خطوط منتظمة ولا مباشرة، ولهذا سيُحاولون استئجار قارب والحضور به.

بو عمير: هل سنَبقى حتى يوم الإثنين دون عمل؟

أحمد: هذا ما أفكِّر فيه الآن، عندي فكرة أن نذهب إلى الشاطئ لمقابلة الشيخ «غزاوي» وابنه، ولكن أخشى أن تستجدَّ هناك مشاكل تعطلنا عن تنفيذ الخطة.

كانت «زبيدة» قد صعدت إلى السطح في هذه اللحظة فسمعت الحديث وقالت: هناك احتمال أسوأ، أن يقوم رجال البرج بالهجوم علينا بالقوارب … بعدما فعله «عثمان» و«أحمد» فيهم، لهذا أرى أن نبتعد قدر الإمكان وأن نُشدِّد الحراسة.

وفي هذه اللحظة صاحت «إلهام»: يبدو أن المتاعب تسعى إلينا فعلًا … فإنني أرى قاربًا يتجه إلينا.

وقف الشياطين الخمسة على طرف «صقر البحر» يرقبون قاربًا يقترب، وعندما نظر إليه «بو عمير» بواسطة نظارة مكبرة قال: إنه قارب صيد من قوارب الأهالي.

أحمد: في هذه الحالة أتوقَّع أن يكون الشيخ «غزاوي» وولده.

بو عمير: إن في القارب شخصًا يَرتدي ملابس الشرطة.

ساد الصمت بعد هذه الجملة ثم قال «أحمد»: إذا كانت هناك أسلحة خارج غرفة السلاح فلنُسرِع بإعادتها داخلها، إنها مموَّهة تمويهًا جيدًا، ولا يستطيع أن يصل إلى مكانها أحد غيرنا.

وأسرع الجميع إلى غرفة الأسلحة التي كانت تقع خلف الكابينة الرئيسية في القارب ولا يُمكن الوصول إليها إلا برفع الكراسي والستائر، والعثور على الباب السري الخاص بها.

ولم يكد الشياطين يخرجون من غرفة التسليح حتى كان القارب قد وصل، وفعلًا صعد منه الشيخ «غزاوي» ومعه مجموعة من الرجال، ومعهم أحد رجال الشرطة، وقال الشيخ «غزاوي» بعد أن حيا الأصدقاء تحية الصباح: إنَّ الرقيب «مسعود» من رجال الشرطة، وهو مكلَّف بالبحث عن ولد مفقود من أولاد القرية.

قال «أحمد»: وما دخلُنا في ذلك يا شيخ «غزاوي»؟! لقد كُنَّا مع ابنك «دعيج» أمس عندما علمنا بخبر اختفاء «رعد».

قال الشيخ «غزاوي»: إن رجالنا عثروا على آثارٍ قرب البحر، وعلى الرمال تُؤكِّد أن شخصين أو أكثر حملوا حملًا ثقيلًا إلى الشاطئ، وليس من المستبعَد أن يكون قد نقل إلى سفينة راسية في الميناء، وليس هناك سوى سفينتكم.

أحمد: إنَّ رجال الأثر عندكم على قدرٍ كبير من المهارة، وليس من المُستبعَد أن يكون ذلك صحيحًا … ولكن ليس إلى قاربنا نُقل ولدكم.

تدخَّل رجل الشرطة قائلًا: سأقوم بتفتيش القارب.

رد «أحمد»: على الرُّحب والسعة يا سيدي … تفضل.

وقام رجل الشرطة بتفتيش القارب، بينما قامت «زبيدة» و«إلهام» بواجب تقديم الشاي إلى الضيوف … وقال «أحمد» موجهًا حديثه للشيخ «غزاوي»: وأين «دعيج»؟

قال الشيخ «غزاوي»: إنه يَبحث عن صديقه في الجبل، وبعض الناس يقولون إنه اتجه إلى هناك بصحبة رجل غريب.

صمت «أحمد» … كان يعرف الحقائق كلها … ولكن لم يكن من الممكن أن يدلي بمعلومة واحدة، وإلا انهارت خطته كلها، وبعد نصف ساعة صعد رجل الشرطة قائلًا، إنه لم يجد شيئًا، وبعد أن تناول الشاي هو الآخر، رحل الجميع، ووقف الشياطين يرقبون القارب وهو يبتعد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤