الميِّت الحي!

لم يَعُدْ أمام «أحمد» إلَّا أن يبتعد عن القارب ويغطس؛ حتى لا يكونَ في مكان وقوع الطائرة التي بدأت النيران تشتعل فيها بعد أن أصاب «أحمد» خزَّان الوقود بطلقة من مُسدَّسِه، وجمع «أحمد» ما تبقَّى له من قوَّة، وصَعِدَ على حافة الزَّورق ليُلقيَ بنفسه في المياه.

وفجأةً سمع «أحمد» صوت انفجار دوَّى في السماء، فرفع عينيه إلى فوق، وشاهد الطائرة وقد تحوَّلت إلى مجموعة متناثرة من الشظايا الصغيرة المُشتعلة تتساقط حوله!

لم يستطع «أحمد» أن يُفسِّرَ ما حدث إلَّا بعد لحظات … فقد شاهد الطائرة الهليوكبتر الصغيرة التي يقودها «بو عمير»، الذي أطلق صاروخ جو-جو على الطائرة المشتعلة، فحوَّلها إلى أشلاء صغيرة، وليُنقذَ «أحمد» في آخر لحظة!

لم يُصدِّق «أحمد» ما حدث، فألقى بنفسه على ظهر القارب، ولوَّحَ للشياطين الذين بدءوا يهبطون بطائرتهم بالقرب من زَورق «أحمد»، وألقى «عثمان» بحبل في نهايته شبكة، أمسك «أحمد» بها، ثم وضع نفسه فيها، ورفعوه إلى فوق … أمَّا «إلهام» فبدأت تبحث بالمنظار عن الطيَّار الذي قفز بالمظلَّة، ولكنَّها لم تجده.

ونظرًا لحالة الإعياء الشديدة التي كان عليها «أحمد» بسبب النزيف الذي أصابه … فقد قرَّرَ «بو عمير» أن ينطلقوا فورًا إلى مقرِّ الشياطين ليقوموا بإسعافه … وارتفعت الطائرة مرَّةً أخرى بسرعة مُتجهةً إلى مقرِّ الشياطين في مدينة نابولي.

كانت الساعة قد قاربت الخامسة مساءً حينما بدأ «أحمد» في استعادة وعيه مرَّةً أخرى، فوجد نفسه في غرفته وقد رُبطت ذراعه اليمنى رباطًا مُحكَمًا، بالإضافة إلى ضمادات فوق حاجبه الأيسر، أمَّا بقيَّة جسمه فكان يؤلمه في أماكنَ متفرِّقة …

كان الشياطين حول فراش «أحمد» الذي قصَّ عليهم ما حدث في الحفل، وكيف تحوَّل في لحظات إلى دمار، ولم يبقَ أيُّ أثر لليخت، أو أيُّ شخص ممَّن كانوا عليه.

قال «عثمان»: ما هي الجهة التي من مصلحتها تدمير الحفل؟ … وهل المقصود هو شخص مُعيَّن كان ضمن المدعوِّين، أو «سیف» نفسه هو الذي كان مقصودًا؟

بو عمير: هناك أكثر من تساؤل حول هذا الموضوع … ولكن أين اختفى قائد الطائرة؟ لقد بحثَتْ «إلهام» عنه بالمنظار فلم تجده، وأنتم تعلمون أنه لم يكن هناك أيُّ مكان يمكن أن يختفيَ فيه؟

أحمد: لقد نسيتُ أن أذكُرَ لكم شيئين هامَّين … الأوَّل: قبل الانفجار بقليل، غادر اليخت رجلان في زَوْرق سريع، وبعد أن اختفيا عن الأنظار حدث الانفجار … الشيء الثاني: أنَّ الطائرة التي ألقت المُتفجِّرات عادت مرَّةً ثانيةً، وألقت بصندوق معدِنیٍّ سرعان ما غاص في عمق البحر …

إلهام: بالتأكيد، إنَّ رحيل هذين الرجلين في هذا التوقيت العجيب له عَلاقة بكلِّ ما حدث!

عثمان: خاصَّةً أنَّ «أحمد» قال إنَّهما رحَلَا دون أن يتحدَّثا إلى أيِّ شخص، أو حتى صاحب الحفل نفسه.

ووجَّه «أحمد» حديثه إلى «قيس» قائلًا: إنَّنا آسفون لما حدث لقريبك «سيف»، ولكن هل هناك وسيلة للحصول على قائمة المدعوِّين؟

قیس: أعتقد أنَّه يمكن الحصول على قائمة بأسماء المدعوِّين من سكرتير «سيف».

أحمد: ألم تنشر الجرائد أيَّ شيء عن الحادث حتى الآن؟

إلهام: حتى هذه اللحظة لا … ولكنَّ «زبيدة» أرسلت إلى رقم «صفر» تُخبره بما حدث.

وهنا دخلت «زبيدة» مسرعةً إلى حجرة «أحمد»، وأسرعت إلى جهاز التليفزيون، وفتحته وهي تقول: وكالات الأنباء تُذيع أخبار حادث الانفجار …

وفعلًا كان المذيع على أحد زوارق الإنقاذ في وسط البحر، وهناك العديد من الزَّوارق الأخرى تُجري البحث عن ضحايا الحادث.

قال المذيع: في الحادية عشرة من صباح اليوم، وقع حادث مُروِّع راح ضحيَّته أكثر من ٣٠ شخصًا بين غريق ومفقود؛ فقد وقع انفجار عنيف في يخت يملكه شابٌّ عربيٌّ يُدعى «سيف الدين» كان يُقيم حفلًا عليه، وفي الأغلب أنه لم يبقَ أيُّ شخص على قيد الحياة … فقد استقبلت إحدى السُّفُن اليونانيَّة إشارة استغاثة من اليخت «شهریار» الذي وقع عليه الحادث صباح اليوم، ولكن حينما توجَّهت سفينة الشحن اليونانيَّة إلى مكان الاستغاثة، لم يكن قد تبقَّى من اليخت أيُّ أثر لأيِّ مخلوق … ولم يُستدلَّ على أيِّ شخص لا يزال على قيد الحياة، وقد دخلت عمليَّات البحث في ساعتها الثانية، ولم تنجح فِرَقُ الإنقاذ إلَّا في رفع بعض أنقاض اليخت المنكوب … وبينما كان المذيع يُتابع إذاعة النَّشرة، وقعت عينا «أحمد» على شيء لفت نظره، وجعله يعتدل في فراشه رغم كل الأربطة والضمادات التي كانت على جسده … وقال: انظروا إلى ذلك الجبل الصخريِّ الذي على يسار المذيع بعيدًا …

عثمان: ماذا يعني بالنسبة لك؟

أحمد: أنَّ هذا الجبل لم يكن موجودًا اليوم ساعة الانفجار!

إلهام: ربَّما جرف التيَّار حُطام اليخت بعيدًا عن موقع الانفجار … ولكنَّني لا أظنُّ أن هذا الجبل ظهر فجأةً في هذا المكان!

أحمد: وأنا لم أقصد ذلك بالطبع؛ فإنَّ هذا الجبل أعرفه جيِّدًا، وكثيرًا ما ذهبتُ عنده لأقوم بصيد نوع من الأسماك لا توجد إلَّا بجانب الصخور … إنَّ هذا الجبل يبتعد بمسافة لا تقِلُّ عن ٢٠ مِیلًا من مكان وقوع حادث الانفجار، ولا أعتقد أنَّ التيَّار استطاع أن يجرف الحطام كلَّ هذه المسافة في هذا الوقت الضيق!

إلهام: لا أفهم، ماذا تقصد بالضَّبط؟

أحمد: أقصد أنَّ الحُطام قد تغيَّر مكانه؛ بتوضيح أكثر أقصد أنَّ الحُطام قد نُقِلَ بفعل فاعل إلى هذا المكان حتى لا يُكتشف في المكان الأصليِّ الذي انفجر فيه.

نظر الشياطين إلى بعضهم البعض في دهشة من كلام «أحمد»، وهنا ظهر المذيع مرَّةً أخرى يتابع نقل النَّشرة … بينما سفينة إنقاذ ترفع بعض أجزاء اليخت الغارق.

وبعد قليل، ظهر مذيعٌ آخر ليرويَ نبأً جديدًا … فقد أعلن أنَّ أحد زوارق الإنقاذ قد تمكَّن من انتشال أحد ضحايا الحادث، وهو لا يزال على قيد الحياة، وإن كان في حالة سيِّئة للغاية.

عثمان: «أحمد»، إذا كان قد تمَّ نقل حُطام اليخت إلى هذا المكان، وكذلك الضحايا، فكيف تمَّ نقلُ هذا الشابِّ الجريح؟

نظر «أحمد» إلى «عثمان» ولم يرُدَّ، وبعد لحظات بدأ القارب في الظهور على بُعد، وهو يقترب من السفينة الرئيسيَّة التي تقوم بعملية الإنقاذ، وأسرع بعض البحَّارة إلى جانب السفينة ومعهم المُعِدَّات الطبِّيَّة اللازمة، وتمَّ رفع الشابِّ الذي كان يبدو فعلًا في حالة سيِّئة للغاية، وقاموا بلَفِّه بالبطاطين لكي يُعيدوا الدِّفء إلى جسمه مرَّةً أخرى، وأسرع الأطِبَّاء.

أما الصحفيُّون فقد التفُّوا حول الشابِّ، الذي بدأت علامات الحياة تدبُّ فيه مرَّةً أخرى … وبدأت أسئلة الصحفيِّين تنهال عليه، وبدأ الشابُّ يحاول الإجابة على الأسئلة … بينما الأطِبَّاء يبذلون جهدهم لعلاجه. وقال بصوت خافت — الشابُّ: كلُّ ما أذكره أن البحَّارة كانوا يَصيحون: حريق في غرفة الآلات! وبدءوا في محاولة إطفائه، ثم تلا ذلك الانفجار الرهيب …

اعتدل «أحمد» صائحًا: هذا الشابُّ يكذب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤