في البحر والظلام

في تلك الأثناء، كان القارب يُهدِّئُ من سرعته، حينما دخل إلى الدائرة التي أوضحت الأجهزة الإلكترونية أنَّ المعمل تحت سطحها … وبدأ «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» في ارتداء ملابس الغَوص، والتزوُّد بأنواع الأسلحة الحديثة التي أُنتِجَت مؤخَّرًا في ورشة أسلحة المقرِّ السري.

وبدأ الشياطين في القفز إلى عمق البحر في ذلك الظلام، مُستعينين ببعض الأجهزة الحسَّاسة للوصول إلى هدفهم في الظلام، وقد فضَّلَ «أحمد» العمل في الظلام؛ حتى لا ينشكفَ أمرهم.

وعلى عُمق حوالي مائة وخمسين قَدَمًا، بدأت أجهزة «أحمد» تستجيب للإشعاعات، وما كان من «أحمد» إلَّا أنْ يتبع إشارة السَّهم حتى يصل إلى هدفه …

كان المعمل — كما صوَّرته الأجهزة الإلكترونية — يبدو كأيِّ غوَّاصة عاديَّة، إلَّا المُقدِّمة؛ فقد كان بها برجٌ ربَّما يُستعمل في إطلاق الصواريخ …

وعلى الفور بدأ «أحمد» و«عثمان» في زرع بعض المتفجِّرات حول المعمل.

وعلى بُعد وقفت «إلهام» لتراقب … ولكن في الظلام الدَّامس، ارتطمت قدم «عثمان» بأحد الأسلاك، فتحوَّلَ ظلام البحر إلى ساحة من النُّور … وأطلق المعمل صَفَّارات الإنذار، وعلى الفور أسرع «أحمد» و«عثمان» إلى أحد الأعشاب المُرجانيَّة الضخمة للاختباء خلفها، وبعد لحظات فُتح أحد أبواب المعمل، وخرج منه خمسة رجال يرتدون ملابس الغَوص، ويحمل كلٌّ منهم بندقيَّة بحْريَّة تحمل الرءوس الحادَّة التي تُستعمل في صيد الأسماك الكبيرة.

انتشر الرجال الخمسة حول المعمل للبحث عن الغرباء، وعلى الفور وجد أحدهم المتفجِّرات التي كان يزرعها «أحمد» و«عثمان»، وبدأ في إفساد مفعولها، وانتظر «أحمد» حتى أصبح الرجل وحيدًا، وأسرع في خِفَّةِ سمكة القرش في اتِّجاه الرجل، إلَّا أنَّ الرجل شعر بوجود «أحمد» خلفه فأسرع إلى بندقيَّته، إلَّا أنَّ يد «أحمد» كانت أسرع، وأصاب الرجل بطلقة من مُسدَّسِه الخاص أصابت الرجل إصابةً مباشرةً جعلته يتهاوى إلى قاع البحر المظلم، ولكنَّ «أحمد» أمسك به، وظهر اثنان من الغوَّاصين يقتربان من مكان اختباء الشياطين، وفي لمْح البصر انقضَّ عليهما «أحمد» و«عثمان»، وقطَعَا لهما الخراطيم التي تُوصل الأكسجين، واشتبكا معهما في صراع العمق الكبير. لم يَحتَمِل الرجلان البقاء دون هواء أكثر من ثلاث دقائق … وكانت الفرصة سانحة!

وفي لحظات — ورغم الصعوبات — استبدل الشياطين الثلاثة ملابسهم بملابس الرجال الثلاثة، ثم اتَّجهوا إلى الباب الذي خرج منه الرجال الخمسة، وبعد دقائق ظهر الرجلان الآخران، فأشار لهما إشارةً معناها أنَّه لم يجد أحدًا، وبدأ الباب ينفتح تدريجيًّا، ودخل الرجلان، وتبعهما الشياطين الثلاثة في هدوء …

دخل الجميع إلى غرفة حديديَّة ضيقة، ثم أُغلق الباب مرَّةً أخرى، وبدأت المياه التي تملأ الغرفة في الانحسار بالتدريج حتى فرغت تمامًا … ثم بدأ الرجلان في خلع ملابس الغوص … أمَّا «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» فلم يتحرَّك أحدٌ منهم، فأحسَّ الرجلان أنَّ ثمَّة شيئًا ما مريبًا يحدث، وقبل أن تتحرَّك يد أحدهما إلى سلاحه، كانت طلقتان من مُسدَّس «عثمان» الكاتم للصوت قد انطلقتا …

بدأ الباب الذي يُؤدِّي إلى داخل الغوَّاصة يُفتح بالتدريج، وكان ثمَّة رجل يرتدي ملابس البحَّارة يقف عند الباب، فدخل على الفور، وشاهد زميلَيه مُمَدَّدَين على الأرض، وقبل أن يُطلق صيحة استغاثة، عاجَلَتْه «إلهام» بضربة قويَّة أفقدته الوعي، وألقت به إلى داخل الحجرة، ثم أغلقت الباب من الخارج.

بدأ الشياطين السَّير داخل المعمل، الذي كانت الحركة بداخله هادئةً إلَّا من أصوات تصدُر من بعض الأجهزة من وقت لآخر.

كان المعمل يتكوَّن من طابَقَيْن؛ الطابَق الأول تَشْغَلُه الماكينات وأجهزة التشغيل، والطابق الثاني توجد به أجهزة الضبط والتحكُّم.

خلع الشياطين ملابس الغوص الثقيلة؛ فقد كانوا في أشدِّ الحاجة إلى السرعة للبحث عن غرفة التحكُّم الرئيسيَّة، وكذلك عن الغرفة التي تُوجد بها الصواريخ.

وفي خِفَّة وهدوء، بدأ الشياطين مهمَّتهم في البحث بين الغرف الممتلئة في الممرِّ الذي كانوا يسيرون فيه، وشاهَدوا بابًا ضخمًا يُؤكِّد أنَّه باب أکبر غرفة في المعمل، وقد وقف على بابها رجل مُسلَّح، كما كان مكتوبًا على بابها بعض التعليمات.

وعلى الفور شعر الشياطين أنَّهم وجدوا أول هدف لهم في المعمل؛ فتلك الغرفة بلا شك هي غرفة التحكُّم. وسمع الشياطين صوت أقدام تسير في الممرِّ في اتجاه الغرفة، فأسرع الشياطين بالاختباء في ممر ضيِّق فرعي حتى تخطَّاهم رجل في منتصف العمر، يرتدي بالطو أبيض …

وعندما وصلوا إلى الباب أبرزَ بطاقته للرجل المُسلَّح، فسمح له بالدُّخول.

وقبل أن يتحرَّك الشياطين من مكانهم، فُتح الباب الذي كانوا يختبئون بجواره، ووقف رجلٌ ينظر إليهم بدهشة، ثم بحركة سريعة حاول أن يُغلق الباب مرَّةً أخرى … ولكنَّ قَدَمَ «عثمان» كانت أسرع … وأسرع الرجل يجري ناحية أحد الأجهزة، وقبل أن تصل يده إلى ذراع الإنذار، كانت كرة «عثمان» أسرع، وأصابته في رأسه، فترنَّح الرجل وسقط …

أغلقت «إلهام» باب الغرفة من الداخل، وبدأ الشياطين في فحص أجهزة الغرفة بدِقَّة، كانت تحتوي على أجهزة قياس للإشعاع النووي، وأجهزة إرسال واستقبال، ثم شاشة رادار، وبعض الأجهزة الأخرى. وبهدوء خلع «أحمد» حزامه، وبدأ هو و«عثمان» في توزيع بعض أصابع الديناميت خلف هذه الأجهزة.

وبعد الانتهاء من هذه المهمة … بدأ «أحمد» في توقيت أجهزة التفجير وضبطها بعد ۲۰ دقيقة.

بينما اقتربت «إلهام» من الرجل المُلقَى على الأرض الذي بدأ يُفيق، وقامت برشِّ مُخدِّر قوي في أنفه، سرعان ما جعل الرجل يذهب في غيبوبة أخرى.

وبهدوء فتح «أحمد» الباب، وأطلَّ برأسه فوجد الطريق خاليًا، فخرج برأسه بسرعة، بينما «عثمان» و«إلهام» في طريقهم إلى السُّلَّم الذي يُؤدِّي إلى الطابَق الأسفل، حيث توجد غرف الماكينات …

في هذه الأثناء، كان «بو عمير» و«قيس» و«زبيدة» قد نجحوا في تسلُّق سور القلعة القديمة بمعاونة بعض أجهزتهم، وبخفَّة سار الشياطين على السُّور في طريقهم إلى داخل القلعة التي كانت تتكوَّن من حديقة واسعة، يتوسَّطها برجٌ على الجانب الأيمن … وآخَرُ على الجانب الأيسر، وبينهما مبنًی کبير مُكوَّن من عدد كبير من الغرف جميعها مظلم … عدا بعض الغرف التي كانت تنبعث منها أضواء خافتة.

وكانت السيَّارة الكاديلاك السوداء تقف أمام باب البرج الأيمن، ويقف حولها بعض الرجال المُسلَّحين، يتبادلون حديثًا خافتًا …

اقترب الشياطين بهدوء من جانب باب البرج الأيمن، وبدءوا في عملية النزول من على السُّور العالي في صمت … نجح «بو عمير» و«قيس» في الهبوط على الحبل إلى الحديقة.

وعندما بدأت «زبيدة» في الهبوط، ظهرت في السماء إحدى طائرات الهليوكبتر التي تحمل السائحين لمشاهدة القلعة في الظلام، وتابع الحَرَسُ الطائرة بعيونهم وهي تُحلِّق فوق أبراج القلعة؛ عند ذلك انبطحت «زبيدة» حتى لا تراها عيون الحرس المُسلَّحين.

وبعد دقائق بدأت الطائرة تُغادر القلعة، فعاوَدَت «زبيدة» الوقوف، وبدأت في قذف الأسلحة التي أحضرها الشياطين من طائرتهم لتساعدهم في مهمَّتهم … وبعد ذلك بدأت تمسك الحبل استعدادًا للهبوط، ولكنَّها — قبل أن تقذفَ بنفسها — سمعت صوت طلقة ناريَّة مرَّت بجوار أذنها اليسرى مباشرةً، تبعها صوت أحد الرجال يقول: هناك دخلاء على السُّور الشرقي!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤