٣٣ / ١١٠٠

التفَّ المغامرون حول «تختخ» بعد هذه الجملة … كان واضحًا من أسلوبه ولهجته أنه يُخفي الكثير … وكان ذلك صحيحًا … فقد طلب منهم الانتقالَ من الحديقة إلى الكشك الصيفي حيث يتوفَّر الأمان أكثر … وعندما دخلوا أغلق «تختخ» خلفه الباب ثم قال: من الواضح أنكم أحسستم أن ثَمة أشياء غير عادية!

قالت «لوزة» منفعلةً: هذا واضح جدًّا!

وضع «تختخ» يدَه في جيبه، وأخرج قطعة القماش وبها قطعة الورق … ثم أخرج القلم العجيب الذي عثر عليه تحت «زنجر» ثم قال للمغامرين: هذا كلُّ ما أخفيتُه عن الشاویش وقد كنتُ أنوي أن أُظهرَه لو أنه انتظر.

واتَّجه الأصدقاء ينظرون إلى الورقة وقطعة القماش والقلم. ثم مدَّت «نوسة» يدَها وفتحَت قطعة القماش … وشاهدت الورقة … كانت ورقةً ممزَّقة من جريدة أخذَت «نوسة» تُقلِّبها لحظات ثم قالت: إنها قطعةُ ورقٍ من جريدة الأهرام من صفحة الإعلانات المبوَّبة!

قالت «لوزة» متسائلةً: مبوَّبة … ماذا تعني هذه الكلمة؟

قال «مُحِب»: كلمة تعني التقسيم … أي الإعلانات المقسَّمة إلى أبواب!

تختخ: إن «نوسة» باعتبارها أكثرنا حُبًّا للقراءة أصبحت حقًّا خبيرةً في كل ما يتَّصل بالورق والقلم … فما هي بقية استنتاجاتك يا «نوسة»؟

عادت «نوسة» تُقلِّب في الورقة لحظات ثم قالت: إن الورقة ممزَّقة، وقد أصبحت قراءتُها متعذرةً … ولكن ليس من الصعب العثور على نسخة من العدد الذي نُشرت فيه، حتى يمكن قراءتها كاملة!

ثم قلَّبت الورقة وقالت: في الظهر إعلانٌ عن فيلم «العربة الطائشة» وهذا الفيلم يوجد في سينما مترو منذ أسبوع … في إمكاني العثور على عدد الأهرام الذي نُشر فيه الإعلان ثم نقرأ كل ما في الورقة؛ لنعرف أهمية هذه الورقة للرجل، ولماذا كان يحتفظ بها في جيبه!

تختخ: عظيم … ستقومين أنتِ بهذه الأبحاث … والآن سنعرف ما هي حكاية هذا القلم العجيب.

أمسك «مُحِب» بالقلم وأخذ يُقلِّب فيه، ثم كتب به بضعَ كلماتٍ وقال ضاحكًا: للأسف إن سِنَّه ليست مريحةً!

تختخ: باعتبارك أكثرَنا اهتمامًا بالآلات الدقيقة … فإننا سنترك لك هذا القلم العجيب لتحاول معرفة حكايته … وسنقوم الآن ببعض الاستنتاجات حول الأحداث التي وقعَت أمس … فمن المؤكد أننا أمام مغامرةٍ من نوع فريد!

قالت «لوزة» متحمسة: نعم … نعم … إنني أحسُّ بهذا تمامًا …

قال «عاطف» ضاحكًا: قد لا تكون مغامرةً ولا شيء على الإطلاق … ربَّما مجرد رجلٍ كان يسير بجوار الفيلا، وظَّن «زنجر» أنه لصٌّ أو متشرِّد، فانطلق خلفه ودارَت هذه المعركة … فلا داعي إذن أن تجعلوا من الحبة قُبة!

نظر إليه المغامرون دون أن يضحك أحد ثم قال «مُحِب»: إنه متشرِّدٌ عصريٌّ جدًّا هذا الذي يركب سيارة بأرقام ديبلوماسية … ويلبس بِذْلة من أحدث طرازٍ كما وصفه «تختخ» ويملك مسدَّسًا صامتًا … إنها مواصفات متشرد من طراز فرید!

أحنَى «عاطف» رأسَه أمام هذه الحجج الدامغة وقالت «لوزة»: إن أول سؤال خطر ببالي هو … هل كان وجود هذا الرجل بجوار فيلا «تختخ» من قبيل المصادفة أم قصَد هو أن يذهب إلى هناك؟

مرَّت لحظات قبل أن يقول «تختخ»: في الواقع إن هذا سؤالٌ هامٌّ جدًّا … ولو كنا نعرف الإجابة عليه لأوضح لنا أجزاء كثيرة غامضة من هذه المغامرة!

مُحِب: من الواضح أننا لا نستطيع الإجابة على السؤال … فلنتركْه جانبًا ونبحث عن شيءٍ آخر، مثلًا: لماذا انطلق «زنجر» خلف الرجل؟ هل دخل الفيلا يا «تختخ»؟

تختخ: لا … لقد كان خارج الحديقة … وفجأةً سمعتُ «زنجر» يُزمجر وينطلق بسرعةٍ، وينقضُّ عليه!

نوسة: لو كان «زنجر» يستطيع الكلام لسألناه … ولكن علينا أن نعتمد على أنفسنا في حلِّ اللُّغز!

تختخ: ما رأيكم لو اتصلنا بالمفتش «سامي»؟

لوزة: نعم … تعالوا نتصل به!

وكان جهاز التليفون موجودًا في الكُشك الخشبي، وقام «تختخ» بالاتصال بالمفتش «سامي» في مكتبه وعرف أنه سافر في مهمة إلى بورسعيد تستغرق بعض الوقت، ولا يعرفون متى سيعود.

وضع «تختخ» السمَّاعة ثم قال: لم يَعُد أمامنا إلا أن نعتمد على أنفسنا … وعندنا الآن عددٌ من الأسئلة يجب الحصول على إجابات عليها لتقييم الموقف، قالت «نوسة» وهي تُمسك بقطعة الورق وتتأملها: أَقترحُ أن نُؤجِّل حديثَنا کلَّه إلى اجتماع نعقده في المساء، وسأقوم أنا بفحص هذه الورقة … والعثور على عدد جريدة الأهرام الذي فيه هذه القطعة من الورق، وقراءة كل الصفحة لعلَّنا نعثر على الهدف من هذه الورقة التي كان الرجل يحتفظ بها في جَيبه.

أيَّد «مُحِب» فكرةَ تأجيل الاجتماع قائلًا: وأنا أيضًا أريد أن أفحص هذا القلم لعلَّني أعثر فيه على شيء غير عاديٍّ، فربما كان قلمًا ثمينًا يساوي مبلغًا كبيرًا، أو قلمًا أثريًّا له قيمةٌ غير عادية … وكلُّ هذا سيُحدِّد خطوتنا القادمة …

وافق المغامرون الخمسة على تأجيل الاجتماع، وعاد «تختخ» سريعًا إلى منزله، فقد كان يريد أن يرى ما حدَث ﻟ «زنجر» … ولم يَكَد يَصِل إلى هناك حتى وجَد مفاجأةً في انتظاره … فقد أحضرَت له الشغالة «حسنية» ورقة صغيرة، وقالت: لقد حضَر هنا شخصٌ غريب، وهو لا يعرف اسمَك، ولكنه وصفَك ووصفَ «زنجر»!

سألها «تختخ»؛ وماذا كان يريد؟

حُسنية: كان يريد مقابلتك لأمرٍ هامٍّ!

تختخ: وماذا قلت له؟

حسنية: لا شيء … قلت له إنك خرجت … فترك لك هذه الورقة!

تناول «تختخ» الورقة من «حسنية» … وقرأها … لم يكن فيها إلا سطرٌ واحد بخطٍّ واضح «أرجو الاتصال بي في رقم ۳۷۸۸۳ بعد السابعة مساء للأهمية …»

ولم يكن هناك أيُّ توقيعٍ.

فکَّر «تختخ» سريعًا … إنه لا يعرف صاحبَ هذا الخط، كما أنه كان مع المغامرین، منذ دقائق فمِن غير المعقول أن يكون واحدًا منهم … وليس هناك شخصٌ يعرفه يهمُّه أن يتصلَ به بهذه السرعة … ولم يكن هناك إلا شخصٌ واحد ممكن أن يهتمَّ بأن يُحدِّثَه بهذا الاهتمام، هو الرجل الذي رآه بالأمس راكبًا السيارة ذات الأرقام الديبلوماسية … الرجل الذي فقد قطعةً من قماش بدلته … وفقد القلم الغريب.

كان من الواضح أن رقم التليفون في المعادي … ونظر «تختخ» إلى ساعته … كانت ما تزال قبل الواحدة ظُهرًا … ومعنى هذا أن عنده نحو ستِّ ساعاتٍ قبل أن يتصل بالرجل.

كان الجوُّ حارًّا … فغيَّر «تختخ» ثيابَه بثياب أخف … واغتسل وجلس وحيدًا يُفكِّر في كل ما حدَث … ثم قرَّر أن ينزل لرؤية «زنجر» وقضاء بعض الوقت معه … ووجد الشغالة «حسنية» قد نقلَت الكلب الأسود العزيز إلى الكُشك الخشبي الصغير في نهاية الحديقة فذهب إليه «تختخ» وأخذ يُداعبه … ووجده ما زال مُتعبًا، ولكنه يستطيع السيرَ على قدمه المصابة وإن كان يعرج قليلًا …

لم تمضِ دقائق على وصول «تختخ» إلى مكان «زنجر» … حتى كانت «حُسنية» تستدعيه، قالت له إن هناك مكالمةً تليفونية … أسرع «تختخ» إلى الفيلا بعد أن طلب من «حُسنية» أن تُضاعف ﻟ «زنجر» كمية الطعام.

كانت المكالمة التليفونية، من «نوسة» التي قالت وهي تلهث: «تختخ» لقد عثرتُ على عدد جريدة الأهرام الذي صدر منذ ثلاثة أيام … وهو العدد الذي عثرنا على قطعة منه داخل قطعة القماش!

تختخ: عظيم … ماذا وجدت؟

نوسة: إنها صفحة ٧ و٨ من الأهرام، الصفحة السابعة هي صفحة الرياضة وكل ما فيها حديث عن مباراة الأهلى والزمالك … ومَن هو الفريق الأفضل وذلك بمناسبة لقائهما في مباراة الدوري!

تختخ: وهل هذا مهمٌّ؟

نوسة: بالطبع لا … ولكن ظهر الصفحة أي صفحة ۸، هناك عددٌ من الموضوعات عن وزارة الزراعة … وتحقيق صحفي عن مُهرِّب مخدراتٍ مشهور … تم القبض عليه.

تختخ: لعل هذا الموضوع يهمُّنا!

نوسة: لا أعتقد هذا … إنما المهم هو مجموعة الإعلانات المنشورة في نصف الصفحة الأسفل … هناك إعلانات فيها كلمة المعادي.

قال «تختخ» باهتمامٍ: معك حقٌّ … هذا يهمُّنا جدًّا!

نوسة: الإعلان الأول تحت عنوان فيلا للبيع، وأخذت تقرأ الإعلان، فيلا مكوَّنة من ثلاثة أدوار على مساحة ۳۰۰ متر … حولها حديقة ۷۰۰ متر بها جراج وجميع الكماليَّات … الحديقة فيها قسمٌ خاصٌّ للصبَّار النادر، وفي الفيلا مجموعة رائعة من التابلوهات العالمية والفضيَّات والتماثيل، اتصل برقم ٩٧٢٥١٥ مكتب البائع، أو بالعقار ذاته ۳۷ شارع ۹ بالمعادي.

فکَّر «تختخ» لحظات ثم قال: لا أجد في هذا الإعلان شيئًا غير عاديٍّ … فما هو الإعلان الثاني؟

قالت «نوسة»: إعلان تحت عنوان بيع تماثیل إذا كنت من هواة التماثيل، فإن أكبر مجموعة من التماثيل معروضة للبيع، خاصة مجموعة مكوَّنة من ثلاثة تماثيل للقرود الصينية الشهيرة … مجموعة لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم. صنعها الفنان الصيني «شي. ليه. يانج» في القرن ۱۸، وكانت في حوزة الإمبراطور «هيسيبيانج السابع» ثم انتقلت بعد ذلك إلى أيدٍ كثيرة حتى وصلت إلى القاهرة.

اتصل ۳۳ / ۱۱۰۰ المعادي.

قال «تختخ» منفعلًا: إعلان عجيبٌ!

نوسة: نعم … لفت نظري أنا أيضًا.

تختخ: إنَّ عندنا معلوماتٍ هامة … ولكن الأهم من هذا كلِّه أن الرجل الذي رأيتُه أمس الذي أطلق الرصاص على «زنجر» يطلب مني الاتصال به في رقم تليفون ۳۷۸۸۳ هذا المساء …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤