«زنجر» يعود

أخذ «مُحِب» يفكِّر سريعًا في إجابة مقنعة … وكان واضحًا أن هذا الرجل ليس من السهل الضحك عليه أو تضليله … خاصةً وأن «مُحِب» ضُبط متلبِّسًا بمحاولة فتح نافذة الفيلا، وهكذا ساد الصمتُ لحظاتٍ قبل أن يُجيبَ «مُحِب» قائلًا: إنني كنت أبحث عن مأوًى!

الرجل: لا يبدو عليك أنك متشردٌ أو شحَّاذٌ … إنك تلبس ملابس جيدة … فلا بدَّ أن هناك سببًا آخر لمحاولتك فتح الفيلا.

لم يُجب «مُحِب» فعاد الرجل يقول: إن عندنا ألف طريقة وطريقة لحملك على الكلام، ومن الأفضل لك أن تقول الحقيقة.

وفي هذه الأثناء … كان المغامرون «تختخ» و«نوسة» و«لوزة» و«عاطف» قد عقدوا اجتماعًا عاجلًا لبحث الأمر … كانوا يتصوَّرون أن «مُحِب» مُعرَّض للخطر … وقد كان ذلك صحيحًا … وليس بسبب القنبلة كما تصوَّروا … ولكن لأسباب أخرى.

وفجأة قال «عاطف»: لقد نسينا «زنجر» لماذا لا نستخدمه؟

لوزة: في أي شيءٍ.

عاطف: في البحث عن «مُحِب»، إن «زنجر» يعرف روائحنا جميعًا … ومن المؤكد أنه يستطيع متابعة آثار «مُحِب» أفضل منَّا جميعًا!

قال «تختخ»: معك حقٌّ … ومن الممكن أن تكون البداية قُرب منزلنا، فقد كان الرجل الذي يحمل القنبلة يدور ویلف هناك … ولا بدَّ أن لهذا سببًا ولكننا لا نعرفه!

نوسة: بمناسبة الحديث عن صاحب القنبلة … لماذا لا تتصل به تليفونيًّا مرة أخرى ربما أمكننا أن نحصل على معلومات جديدة.

وأسرعت «نوسة» بإحضار التليفون، وأدار «تختخ» الأرقام … واستمع … كان الجرس يدقُّ في الناحية الأخرى … ولكن دون إجابةٍ … ووضع «تختخ» السَّماعة وقال: لو كان المفتش «سامي» هنا، لاستطعنا تَتبُّعَ رقم التليفون وعرفنا مكانه … ولكن المهم الآن هو إنقاذ «مُحِب» إذا كانت القنبلة لم تنفجر بعد.

ونظر المغامرون لبعضهم البعض في وجوم … فمن الممكن فعلًا أن يكون «مُحِب» في هذه اللحظات قد غادرهم إلى الأبد.

وقف «تختخ» قائلًا: سأذهب لإحضار «زنجر» وأرجو أن يتمكَّن من السير بعد إصابته.

عاطف: هل آني معك؟

تختخ: بالطبع، وستبقى «نوسة» و«لوزة» معًا وسنتصل بهما بين فترةٍ وأخرى؛ فقد يعود «مُحِب» وينتهي هذا الموقف العصيب.

وانطلق «تختخ» و«عاطف» مُسرعَين إلى منزل «تختخ» وعندما اجتازَا باب الحديقة سمعَا همهمةً خافتةً كأنما كان «زنجر» يُعلن عن يقظته.

واتجهَا على الفور إلى الكُشك الصغير الذي ينام فيه «زنجر» فاستقبلهما بنباحٍ خفيفٍ مُرحِّبًا بهما.

وانحنَى «تختخ» على «زنجر» وأخذ يُربِّت على رأسه وهو يقول: كيف حالك أيها الكلب الشجاع؟ وأخذ الكلب الأسود يضرب الأرض بذيله كأنه يقول إنه على ما يُرام.

عاد «تختخ» يقول له: إن أمامنا عملًا هامًّا فهل أنت على استعدادٍ؟!

عاد «زنجر» يدقُّ الأرض بذيله مؤكِّدًا أنه على استعدادٍ.

قال «تختخ»: إننا سنبحث عن «مُحِب» يا «زنجر» … «مُحِب» … «مُحِب» … «مُحِب» …

وأخذ يُكرر كلمة «مُحِب» بضع مراتٍ، فنبح «زنجر» معترضًا على هذا التكرار لأنه كلبُ مغامراتٍ شاركهم عشرات المغامرات وقد فَهِم على الفور أن المطلوب هو البحث عن «مُحِب»، ومدَّ «تختخ» يدَه يتحسَّس آثار الجرح في ساق «زنجر»، ولكن «زنجر» رفض هذه العواطف في وقت العمل وانطلق من الكُشك مُسرعًا إلى الحديقة وفي أثرِه انطلق كلٌّ من «تختخ» و«عاطف»، وسرعان ما كان الثلاثة في الشارع.

نظر «تختخ» إلى ساعته ثم قال الساعة الآن العاشرة ولا بد أن نعودَ «بمُحِب» قبل منتصف الليل حتى لا يقلقَ عليه والداه.

أسرع «زنجر» إلى المكان الذي دار فيه الصراع بينه وبين الرجل وأخذ يتشمَّم الأرض في دائرة واسعة، فقال «تختخ» موجِّهًا حديثَه إلى «عاطف»:

يبدو أن «زنجر» يظن أننا نبحث عن الرجل المجهول وليس عن «مُحِب». ردَّ «عاطف»: مَن يدري ما الذي يدور في مخِّ «زنجر» وعلى كل حالٍ ربما يكون «مُحِب» قد مرَّ في هذا المكان.

لم يكَد «عاطف» ينتهي من جملته حتى ظهر الشاويش على درَّاجته واقترب من الصديقَين. والشيء الغريب أن «زنجر» لم يهتمَّ بالشاویش ولم يحاول معابثته كالمعتاد بل ظل ملصقًا أنفَه بالأرض يتشمَّمها ويجري هنا وهناك.

قال الشاويش: ماذا تفعلان هنا؟

ردَّ «عاطف»: هل هناك مانعٌ أن نوجد هنا أو في أيِّ مكانٍ آخر؟

بدَت علاماتُ الغضب على وجهِ الشاویش وانفجر قائلًا: إنني المسئول عن الأمن في هذه المنطقة ولا بد أن أعرف ماذا تفعلان.

قال «تختخ»: هل تساعدنا إذا قلنا لك ماذا نفعل؟

لم يردَّ الشاويش. فقال «تختخ» ببساطةٍ: إننا نبحث عن قنبلة.

وأضاف «عاطف»: وهذه القنبلة في يدِ ولدٍ وقد تنفجر في أي لحظةٍ.

ازداد غضبُ الشاویش وصاح: قنبلة، أيُّ قنبلة، هل هي لعبة؟

ردَّ «تختخ» بهدوءٍ: أُقسم لك يا شاويش إنها قنبلة فعلًا.

قال الشاويش مندهشًا: ومع مَن؟ ردَّ «تختخ»: مع «مُحِب» …

قال الشاويش: «مُحِب»، لقد قابلتُه منذ ساعتين يسير في نفس هذا الطريق ولم يكن يحمل أيَّ قنبلة بل كان يضع على أُذُنِه شيئًا مثل الراديو الصغير وكان يسير مُسرعًا حتى إنه لم يرَني ولم يسمعني وأنا أُناديه فما هي حكاية القنبلة إذن.

نظر «تختخ» حوله ثم قال: نشكرك يا شاویش لقد ساعدتنا مساعدةً هامة، وللأسف ليس عندنا وقتٌ للحديث معك فقد سبقَنا «زنجر» ولا بد أن نلحقَ به سريعًا.

وأسرع الصديقان خلف «زنجر» ووقف الشاویش مكانه يُبحلق فيهما حتى اختفيَا في ظلام الشارع.

لحق «تختخ» و«عاطف» ﺑ «زنجر» ووجداه يسيرُ بهمةٍ ونشاطٍ وقد رفع أنفه إلى فوق كأنه جهاز رادار يلتقط إشاراتٍ قادمةً من بعيد وسرعان ما وصل الثلاثة إلى الشارع المهجور الذي تقع في نهايته الفيلا الغامضة. عندما اقترب «زنجر» من الفيلا أخذ ينبح نباحًا خافتًا متوتِّرًا، فأدرك «تختخ» أنهم يقتربون من الهدف، فسرعان ما وجدوا أنفسهم أمام سور الفيلا، فأسرع «تختخ» ووضع يدَه على رأس «زنجر» قائلًا: صبرًا صبرًا أيها المغامر الذكي حتى لا يعرفَ أحدٌ اقترابَنا.

وأشار «تختخ» إلى الفيلا، وقال ﻟ «عاطف» هامسًا أعتقد أن خلف هذه الجدران الصامتة شيئًا مُريبًا يحدث، فانتظرني أنت و«زنجر» في الحديقة، وسأحاول دخولَ الفيلا وحدي. فقبع «عاطف» و«زنجر» في الظلام بين الحشائش الطويلة وتقدَّم «تختخ» محاذرًا إلى إحدى نوافذ الفيلا، وللمصادفة الغريبة كانت هي نفس النافذة التي حاول «مُحِب» أن يدخل منها إلى الفيلا منذ ساعتين، ووضع «تختخ» أُذُنَه على النافذة وأخذ يستمع.

وفي هذه اللحظة فوجئ بهمهمة بين قدمَيه ووجد «زنجر» يضربه بأنفه في ساقه فانحنى عليه غاضبًا وقال بصوت هامس: ألم أَقُل لك انتظرني؟

ولكنه لاحظَ أن «زنجر» يرفع فمَه إليه فأخرج بطَّاريته الصغيرة من جيبه وعلى شريط الضوء الرفيع الذي انطلق منها استطاع أن يعرف ما بين أسنان «زنجر» البيضاء كان القلم القنبلة.

أحس «تختخ» بالرعب لحظات شلَّت تفكيرَه ولكنه في النهاية مدَّ يدًا مرتعشة والتقط القلم من بين أسنان «زنجر» وكم كان مدهشًا أن يری القلم العجيب يُصدِر ضوءًا خفيفًا متقطِّعًا. وعندما قرَّبه من أُذُنه سَمِع صوتَ الدقَّات وفَهِم على الفور أن هذا القلم لم يكن قنبلةً أبدًا ولكنه جهازٌ لا سلکي صغير، وأحسَّ بفرحة طاغية، فهذا يعني أن «مُحِب» ما زال حيًّا ولم تنفجر فيه القنبلة كما كان يتصور ويخشی.

أسرع «تختخ» إلى «عاطف» وقال له هامسًا: «عاطف»، إنَّ كلَّ شيءٍ على ما يُرام، و«مُحِب» ما زال حيًّا وهذا هو القلم الذي كنَّا نبحث عنه.

قال «عاطف»: وماذا في نيتك أن تفعل؟

ردَّ «تختخ»: خُذ هذا القلم معك إنه جهاز لاسلکي، وأعتقد أن في هذه الفيلا محطةَ إرسال وسأدخل الآن فإذا تغیَّبت أكثر من ساعة فعليك أن تتَّصل بأجهزة الأمن سواء وجدتَ المفتش «سامي» أو لم تجده لاقتحام الفيلا، فإنني أتوقع أن يكون خلفَ جدرانها الصامتة شيءٌ ضد القانون.

وعاد «تختخ» مرةً أخرى عبر الحديقة المظلمة وهو يفكِّر كيف وقع الجهاز من «مُحِب» في هذا المكان، وتوقَّع أن يجد «مُحِب» خلف جدران الفيلا الساكنة … وقف «تختخ» أمام النافذة المغلقة، وأخرج من جيبه كيسًا صغيرًا من البلاستيك يحتفظ فيه بأدواته الدقيقة، أخذ منها أداة صغيرة وعالج النافذة المغلقة، وسرعان ما صدرت منها تكَّة صغيرة وانفتحت النافذة واجتازها «تختخ» في حذرٍ، وسرعان ما كان داخل غرفةٍ مظلمة يُرهف أذنَيه في انتباه شدید.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤