العميل السري

أخذ «تختخ» والرجل يُحملقان أحدهما في الآخر … وبالتأكيد كان هذا اللقاء مفاجأةً لكليهما. قال الرجل: ماذا تفعل هنا؟ لم يردَّ «تختخ» فلم يكن عنده ما يقوله. وبعد لحظاتٍ من الصمت جاء الرجل الآخر وانضمَّ إلى زميله، وعندما شاهد «تختخ» قال في دهشة شديدة: ما هي حكاية هؤلاء الأولاد؟

صَعِد الرجل الذي يُمسك بالمسدس إلى «تختخ» قائلًا للآخر: ادخل بالسيارة في الرمال حتى نرى ماذا يمكن عمله مع هذا الولد. ثم أغلق البابَ وأصبح هو و«تختخ» وحیدَین في صندوق السيارة الضخم بين الأجهزة المعقَّدة.

وأخذت السيارة تتدحرج وهي تُغادر الطريق المرصوف إلى الصحراء الممتدة بين المعادي وحلوان، وبعد أن سارَت نحو خمسة كيلومترات توقَّفت، وسكَت صوتُ المحرِّك … وأدرك «تختخ» أن ساعة الحساب معه قد حانَت، وأنه وقع في مأزقٍ خطير لا يدري كيف يمكن الخلاص منه … وبعد لحظاتٍ من وقوف السيارة فتح الرجل الآخر الباب وصَعِد هو أيضًا إلى صندوق الأجهزة ومدَّ يدَه فأغلق الباب ثم أضاء مصباحًا قويًّا في سقف السيارة وهكذا أصبح «تختخ» مُحاصَرًا بين الرجلَين في صندوق السيارة المغلق.

قال الرجل ذو المسدس: اسمع يا بُنيَّ لا تُضيِّعْ وقتَنا ووقتَك وأَجِبْ عن أسئلتنا بصراحة لتُنقذَ حياتَك …

لم يُجِبْ «تختخ» وأخذ ينظر إلى الرجل في جمودٍ وكأنه لم يسمع شيئًا. فقال الرجل الآخر: يبدو أنه عنيدٌ مثل زميله الذي خدَّرناه وتركناه في الفيلا خلفنا.

الأول: وسنُخدِّر هذا أيضًا.

الثاني: نُخدِّره أو نقتله كلاهما سواء … فإذا لم يحضر العميلُ السرِّيُّ حتى الفجر فعلينا أن ننسفَ هذه السيارة ونلوذَ بالفرار عن طريق الشاطئ مع الرجُلَين الآخرَين.

الأول: في هذه الحالة من الأفضل أن نربطَ هذا الولد ونُكمِّمَه ثم نتركه ليُنسَف مع السيارة فلا يستطيعُ أحدٌ تفسيرَ لُغز السيارة ومَن فيها.

ساد الصمتُ بعد هذه الكلمات وجلس الرجلان وأخرجَا بعضَ الأطعمة المحفوظة وبعضَ عُلَب العصير وأخذَا يأكلان … فأحسَّ «تختخ» وهو العاشق للطعام أن هذه أكبر عملية تعذيب مرَّ بها في حياته. ففكر أن يعترف بكل شيءٍ مقابل سندويتش من الجبنة الركفور وعلبة من العصير، ولكنه بدلًا من ذلك أغمض عينَه حتى لا يرى الطعامَ وهو يختفي في فمِ الرجُلَين. بعد لحظات انتهى الرجلان من طعامهما.

وقال أحدهما للآخر: علينا أن نقوم بتشغيل جهاز الإرسال؛ فقد يلتقط العميلُ السريُّ إشارتَنا هذه المرة ويحضر لمقابلتنا. وبدأ أحد الرجلين في تركيب بعض الأسلاك والأزرار، وبدأ «تختخ» يسمع الصفارة المتقطِّعة التي تصدر من جهاز الإرسال. وبدَا كلُّ شيءٍ يتضح في ذهن المغامر السمين، وبدأ يرتِّب الحوادث التي مرَّت به ترتیبًا منطقيًّا، كان واضحًا أن العميل السري هو الرجل الذي كان معه جهاز اللاسلکي الصغير وأنه كان يبحث عن محطة الإرسال بواسطة الإشارات التي تُرسلها ويستقبلها هو بجهازه الصغير.

وسَمِع أحدَ الرجلين يقول للآخر: لا تَنسَ ضبطَ الكيلوسيلك، إنه ۳۳ / ۱۱۰۰ ، وهكذا اتَّضح ﻟ «تختخ» سرُّ الإعلان الذي كان منشورًا بجريدة الأهرام عن تماثيل القرود الصينية التي كان يطلب صاحبها الاتصال برقم ۳۳ / ۱۱۰۰، فهذان الرقمان يُحدِّدان طول الموجة وسرعة الذبذبة في جهاز الإرسال.

لقد أصبح كلُّ شيءٍ واضحًا إذن، ولكن بعد فوات الأوان … لقد كان العميل السري يحمل معلوماتٍ هامة إلى هؤلاء الرجال، وكان في طريقه إليهم مهتديًا بجهاز الاستقبال الصغير لولا سوءُ حظِّه الذي أوقعه بين أسنان «زنجر» في ليلة الأمس، وأغمض «تختخ» عينَيه وتمنَّى لو استطاع أن يُوصل هذه المعلومات إلى المفتش «سامي»، ولكنها كانت مجردَ أمنيةٍ من المستحيل تحقيقها. وعندما نظر إلى الرجلَين أدرك أنه لا يستطيع التغلُّب عليهما مطلقًا خاصة وأن أحدهما يحمل مُسدسًا رهيبًا.

فتح «تختخ» عينَيه ونظر إلى ساعته … كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، إذن بقيَ على طلوع الفجر أربعُ ساعات هي المدة الباقية له في الحياة أيضًا، ولا يدري لماذا أحسَّ بنوعٍ من الاطمئنان وربما اللامبالاة بمصيره أمام الخطر حتى إنه أسلم عينَيه للرقاد.

لا يدري «تختخ» كم ساعة مضَت عليه وهو نائمٌ، لكنه فتح عينَيه على ألمٍ في ساقَيه واكتشف على الفور أن أحد الرجلَين يقوم بشدِّ وثاقه، ولم يقاوم فلم تكن هناك فائدة من المقاومة، وسَمِع الرجل يسأله قائلًا: هذه فرصتك الأخيرة لتُنقذَ حياتك وسوف تُنسَف السيارة بعد ساعة تقريبًا … لم يردَّ «تختخ» فلم يكن يعنيه ما يقوله، وهكذا أكمل الرجلُ شدَّ وثاقِه ووضع شريطًا لاصقًا على فمه، ثم مدَّه على الأرض وأخذ يربط أصابعَ الديناميت ويوصلها بالأسلاك الكهربائية … وأغمض «تختخ» عينَيه حتى لا يرى نهايته المنتظرة سريعًا وأخذ يفكر في قصة حياته وفي أصدقائه وفي المغامرات التي قام بها …

والشيء الذي أدهشه أن وجد نفسه يبتسم رغم الشريط اللاصق الذي يشدُّ فمَه. وسمع أقدام الرجلَين وهما يغادران السيارة ويُغلقان الباب خلفهما … وفتح عينَيه وشاهد الأضواء الصغيرة الحمراء والخضراء والصفراء التي تصدر من جهاز الإرسال الضخم.

ومضى الوقت و«تختخ» يحسب الدقائق الباقية له في الدنيا، وكانت دقَّات جهاز تفجير الديناميت تدقُّ بانتظام كأنها تحسب معه الوقت الباقي على النهاية.

فجأة خُيِّل ﻟ «تختخ» أنه يسمع من بعيدٍ صوت البومة وأحسَّ بضربات قلبه تتسارع، وتساءل هل هي بومة حقيقية، أم هي الإشارة التي يتبادلها المغامرون الخمسة في الظلام؟ ظلَّ مترددًا لحظات بين اليأس والأمل، ثم كسب الأملُ المعركةَ عندما سَمِع صوتَ نباح «زنجر» وهو يُعلن وصول المغامرين في الوقت المناسب.

وسَمِع وهو لا يكاد يُصدِّق عينَيه صوتَ المفتش «سامي» وهو يصيح بصوت صارم: ارفعَا أيديَكما ولا داعي للمقاومة … وارتفع في الجو صوتُ «لوزة» وهي تصيح: «تختخ». «تختخ». أين أنت؟

سَمِع «تختخ» صوتَ باب السيارة وهو يُفتح وعلى ضوء المصابيح القوية، شاهد وجهَ «عاطف» و«نوسة» و«لوزة». ثم رأى «زنجر» وهو يقفز إليه ويُلقي بنفسه بين ذراعَيه الموثقتَين.

تمَّ كلُّ شيء بسرعة حتى بدَا ﻟ «تختخ» كأنه حلمٌ، ولم يُصدِّق نفسه إلا بعد أن وجد رجال المفتش «سامي» يُبطلون مفعولَ الديناميت والمفتش «سامي» يشترك مع المغامرين الثلاثة في فكِّ وثاقِه.

قال المفتش «سامي»: ما هذا كلُّه؟ لقد أوقعتَ بأخطر مجموعة من الجواسيس يا «تختخ» … لماذا لم تُخطرني؟

تختخ: لقد حاولنا ولكنك كنت مسافرًا.

المفتش: في هذه الحالة كان يجب أن تتحدَّث إلى أحد رجالي … إننا نطارد هذا الجاسوس منذ سنوات … ولم نعثر له على أثر مطلقًا!

تختخ: وهل عثرتم عليه؟

المفتش: لا … ولكن عن طريقك سوف نتمكن من العثور عليه.

تختخ: كيف؟

المفتش: إنك الشخص الوحيد في هذا العالم الذي رأى وسَمِع صوتَه … وعن طريق الأوصاف التي ستُعطيها لنا سوف نتمكَّن من الوصول إليه!

تختخ: ولماذا لا تصلون إليه عن طريق استجواب مَن قبضتم عليهم؟

المفتش: إنهم لا يعرفونه … لقد كان المفروض أن يتصل بهم عن طريق جهاز الاستقبال الصغير الذي كان معه، والذي حدث عندما هاجمه «زنجر» أن فُقد هذا الجهاز … وهكذا أصبح من المستحيل أن يَصِل إلى الرجال الأربعة … أو يَصِلوا هم إليه … وبمعنًى آخر … لقد قبضنا على عصابة الجواسيس ولكننا لم نَصِل بعدُ إلى العميل السري.

تختخ: وماذا سنفعل الآن؟

المفتش: سنذهب للراحة … وفي الصباح سنلتقي لتحليل الموقف، ووضع خطة العمل المقبلة.

تختخ: وأين «مُحِب»؟

المفتش: لقد أنقذناه، وهو الآن ينعم بنوم هادئ في منزله.

•••

وفي صباح اليوم التالي اجتمع المغامرون الخمسة في حديقة منزل «عاطف» ومعهم المفتش «سامي» الذي لخَّص الموقف قائلًا: إن العميل السري له نشاطٌ واسع داخل بلادنا … وكان يُرسل معلوماتِه عن طريق جهاز إرسال صغير معه … إلى محطة متحركةٍ هي السيارة التي رأيتَها يا «تختخ» وتُشبه سيارة الأثاث، وعندما أحسَّ أننا نُضيِّق عليه الخِناق طلب مساعدته في مغادرة مصر … وهكذا أعلنوا في الأهرام عن طريقة الاتصال بهم … وهي موجةٌ جديدةٌ لأننا كنا قد عرفنا الموجة القديمة وكِدْنا نَصِل إليهم.

وسكت المفتش لحظات ثم قال: وفي الليلة التي كان في طريقه إلى محطة الإرسال قفز عليه «زنجر»، ودارت المعركة كما سمعتُ وعلمت منكم …

تختخ: وكيف تمَّ إنقاذي أمس ليلًا؟

ردَّ «عاطف»: لقد فهمتُ إشارتَك عندما أطلقتَ شعاع البطارية من السيارة. فأسرعتُ إلى المنزل، واتصلتُ بالمفتش «سامي» وعرفت أنه عاد من السفر إلى منزله … فاتصلت به في منزله وحضر … واستخدمنا جهاز اللاسلکي الصغير في متابعة مكان السيارة!

تختخ: ولكنكم تأخرتم في الوصول إليَّ … وقد كادت أصابع الديناميت تُمزقني!

عاطف: الذي حدث أن بطاريات جهاز اللاسلکي انتهت … وقد أضعنا وقتًا طويلًا في البحث عن بطاريات أخرى.

التفت «تختخ» إلى المفتش وسأله: لقد كان هناك أربعة رجال … اثنان منهم هما اللذان قبضتم عليهما في السيارة الكبيرة … ولكنْ هناك اثنان آخران فرَّا في سيارة أخرى.

المفتش: نعم … ونحن الآن نقوم بمطاردتهما قُرب شاطئ البحر.

تختخ: لقد سمعتهم فعلًا يتحدثون عن شاطئ.

المفتش: المهم الآن أن نضع خطة للإيقاع بالعميل السرِّي … وأول خطوةٍ هي أنني أُعلن في الصحف عن سقوط الجواسيس في أيدينا حتى لا يفزعَ ويختفي … وفي إمكانكم أنتم مساعدتنا في الإيقاع بهذا العميل الذي استطاع أن يختفيَ عن أعيننا فترة طويلة.

نوسة: إن المغامرين الخمسة في خدمة العدالة!

المفتش «سامي»: شُكرًا لكم جميعًا … وسوف أراكم غدًا لوضع خطة الإيقاع بالعميل السرِّي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤