ماذا جرى ﻟ «المرسيدس»؟

سكت والد «عاطف» بعد هذه الجملة … وكأنه حلقة من حلقات «هتشكوك» توتَّرت فيها الأعصاب، ثم حدث عكس ما يتوقَّع الجميع … ولكن ما خطر ببال «تختخ» كان شيئًا آخر … أو أشياء أخرى … أبقاها حتى ينتهي والد «عاطف» من حديثه؛ فقد مضى منه جزء هام … ولكن الجزء الأهم الخاص باختفاء «لوزة» لم يكن قد قاله بعد … وهو الجزء الذي يُهمُّه … الجزء الخاص باختفاء صديقته العزيزة.

كان المفتش «سامي» يكتب بعض النقاط في نوتة صغيرة سوداء … ورفع رأسه إلى والد «عاطف» وقال: وبعد؟

مضى والد «عاطف» يقول: تعانقتُ أنا وأخي وقد انتقلتُ من الحزن الشديد إلى الفرح الممتع … وحاول أن يُبقيني عنده، ولكني أخبرتُه أن «لوزة» في السيارة … ونزلتُ مُسرعًا مع زوجتي فقد خشيت على «لوزة» برد الصباح.

قاطعه «المفتش» متسائلًا: برد الصباح! … ألم تُغلق السيارة؟!

الأب: نعم أغلقتُها، ولكني تركْتُ جزءًا من الزجاج مفتوحًا حتى يتجدَّد الهواء داخل السيارة.

هزَّ المفتش رأسه وقال: وبعد؟ …

مضى الأب يقول: وعندما اقتربنا من باب العمارة ونحن خارجان، رأيت سيارةً رمادية اللون تتحرَّك من الجانب الأيمن حيث تركت سيارتي، ثم انطلقَت مُسرعة … ولكن ذلك بالطبع لم يلفت نظري ساعتها … ولكني عندما وصلتُ إلى السيارة كانت البطانية الحمراء وكأنها على الكنبة الخلفية للسيارة، ولكن لم يكن هناك أثر ﻟ «لوزة».

وتنهَّد الأب بعمق، ثم قال: بالطبع لم يخطر ببالي أي شيء في هذه اللحظة، فقد تصوَّرتُ بالطبع أنها استيقظت من النوم ونزلت من السيارة، وسأجدها تقف قريبًا … وانتظرتُ لحظات … ثم دققتُ آلة التنبيه وانتظرت … ولكن «لوزة» لم تظهر، وقالت لي زوجتي إنها ربما ذهبت إلى شاطئ النيل؛ فهي تُحب رؤيته، وعبرتُ الكورنيش إلى النيل، وأخذتُ أنظر هنا وهناك، ولكن «لوزة» لم يكن لها أثر على الإطلاق!

عُدت إلى السيارة وأنا أتوقَّع أن تكون قد عادت … ولكن زوجتي قالت إنها لم تظهر، وأخذنا نحن الاثنان ندور حول العمارة لعلها تكون واقفةً هنا أو هناك … ولكن لم يكن هناك أثر ﻟ «لوزة».

وبدت أنفاس الحاضرين تتسارع … فقد بدا واضحًا أن ثمة شيئًا قد حدث للمغامِرة الصغيرة … ولا بد أنه عملية اختطاف.

وسأل المفتش: هل بحثتُم في العمارة نفسها؟

عاد الوالد يتنهَّد وهو يقول: بالطبع، دخلنا العمارة وصعدنا إلى جميع الشقق الخالية فيها … وصعدنا إلى السطح … ثم عندما لم نجِدها تصوَّرنا أنها ربما تكون قد صعدت عند عمها … وهكذا عدنا لدق بابه … ولكننا لم نجدها عنده أيضًا … ولمَّا أخبرناه بما حدث ارتدى ثيابه … وأخذنا ندق كلَّ الشقق الساكنة … وكان الناس جميعًا في دهشة لدقِّ أبوابهم في هذه الساعة المبكِّرة من الصباح … فقد كانت الساعة قد أشرفَت على الخامسة.

وسكت الأب لحظات، ثم قال: ونزلنا إلى الطريق وعندنا بعض الأمل أن تكون «لوزة» قد عادت … وكانت الشمس قد بدأت تُضيء المكان الذي كان شديد الظُّلمة … ولكننا لم نجدها … وبقي أمامنا أمل واحد ضعيف هو أن تكون قد ذهبت من تلقاء نفسها إلى بيتنا … قالت زوجتي ربما تكون «لوزة» قد استيقظت ووجدت نفسها في السيارة وحيدة، فنزلت منها وأسرعت إلى منزلنا … فركبتُ السيارة، وقدتُها بأقصى سرعة ونحن ننظر إلى الطريق لعلها تكون سائرة … ولكنها لم تكن في الطريق … ووصلنا إلى البيت، ولكنها لم تكن في البيت … وانتظرنا نصف ساعة، ثم أبلغنا الشرطة.

ساد الصمتُ بعد أن استمع الجميع إلى هذا البيان الواضح لاختفاء «لوزة»، وكانت الساعة قد أشرفت على السابعة … وبدا واضحًا أن المغامِرة الصغيرة قد اختُطفت … فالمكالمة المجهولة … والسيارة الرمادية … وبقيَّة الأحداث كلها تدل على أن ثمَّة تدبيرًا مُحكمًا قد تم … وأن «لوزة» كانت ضحية هذا التدبير بلا أدنى شك.

قطع الصمتَ المفتش «سامي» وهو يقول: عادةً لا نبدأ البحث عن أي غائب قبل ٢٤ ساعةً من اختفائه … ولكن هذه الظروف والملابسات تدفعنا إلى سُرعة البحث عن «لوزة»، وسيقوم فريق من رجال البحث الجنائي بالذهاب إلى مكان الحادث للبحث والتحري … وإنني متأكِّد أن رجالي من الكفاءة بحيث سيصلون إلى الجُناة بأسرع ما يمكن.

قام المفتش … ووقف الجميع … وخرج «تختخ» مع «عاطف» إلى الحديقة … وهمس «تختخ»: اتصل ﺑ «محب» و«نوسة»، دعهما يأتيان؛ فيجبُ أن نذهب الآن إلى العمارة التي يسكن فيها عمك … ونقوم بالبحث هناك.

ذهب «عاطف» للتليفون، في حين خرج «تختخ» إلى الحديقة، وشاهد المفتش «سامي» يقف مع الشاويش «علي» ومع والد «عاطف» … وهم يتحدَّثون، فتركهم وسار وحيدًا في ممرَّات الحديقة، ووصل إلى «الجراج» … وقف ينظر إلى السيارة التي شهدت المغامَرة … وفكَّر لو أنها نطقت ماذا كان يمكن أن تقول؟ … ثم همس: ولكني سأجعلها تتكلَّم!

اقترب من السيارة كانت من طراز «مرسيدس» ٢٣٠/ ٤ … زرقاء داكنة … وأخذ يُفكِّر في قصة والد «عاطف» … وتذكَّر قوله إن الموتور سخن في الطريق الصحراوي … وأنه اضطُر إلى الوقوف في «الرست هاوس» لملء «الرادياتير» بالمياه … إنه يعرف هذه السيارة جيدًا … ومثل هذا الحادث لا يمكن أن يقع لها … وانحنى أمام السيارة ونظر تحتها … وكانت مفاجأةً له أن المياه التي كانت ﺑ «الرادياتير» كلها قد كوَّنت بقعةً كبيرةً من الماء تحت «الرادياتير» … وهذا يعني شيئًا واحدًا … أن «الرادياتير» به ثقب … نعم … جهاز التبريد مثقوب … وقد يكون هذا مجرَّد شيء يحدث لكل سيارة … ومن الممكن أيضًا أن يكون بفعل فاعل … وما دمنا بصدد حوادث مدبَّرة لخطف «لوزة»، فالمعقول أيضًا والمنطقي أن يكون هذا الثقب قد تمَّ بواسطة شخص ما.

ولكن السؤال — هكذا حدَّث «تختخ» نفسه — لماذا قام الشخص المجهول بعمل هذا الثقب؟! هل كان يُريد أن يحترق موتور السيارة في الطريق؟! لماذا؟ هل كان في نيته أن يخطف «لوزة» بالقوة في أثناء توقُّف السيارة في الطريق الصحراوي؟ وفي هذه الحالة … هل كانت السيارة الرمادية تتبع «المرسيدس» طوال الطريق؟

أخذت الأسئلة تتزاحم على رأس «تختخ»، ووقف وأخذ ينظر إلى داخل السيارة … كانت البطانية الحمراء ما تزال مكانها … وقد سقط منها جزء على أرضية السيارة … هنا إذن كانت تنام «لوزة» … ومن هنا أيضًا تمَّ خطفها.

ولكن هل خُطفت «لوزة» وهي نائمة، حتى عندما حملها مختطفها أو مختطفوها من السيارة؟ إن المغامِر لا ينام مُطلقًا بهذا العمق؛ فهو يستيقظ عند أقل حركة … فكيف ظلَّت «لوزة» نائمةً طوال الطريق؟ … هل كانت تحت تأثير مخدِّر ما؟ … إنه شخصيًّا جرَّب الوقوع تحت تأثير المخدِّر في مغامرة الرجل الثعلب … ولكن كيف استطاع الخاطف المجهول دسَّ المخدِّر لها وهي مُقيمة مع والدها ووالدتها طوال الوقت؟!

في هذه اللحظة سمع صوت أقدام كثيرة على ممرَّات الحديقة، ونظر وشاهد «محب» و«نوسة» و«عاطف» قادمين … كانت وجوههم حزينةً جدًّا وشاحبة … وأسرعت «نوسة» تُلقي بنفسها بين ذراعَي «تختخ» وهي تقول بصوتٍ تخنقه الدموع: «لوزة» … أين «لوزة»؟

أخذ «تختخ» يربت كَتِفها وهو يقول: لا تخافي … ستعود «لوزة»، ستعود بإذن الله … إن عندنا مهمَّةً شاقة … يجب ألَّا نُضيع وقتًا.

وروى «تختخ» بسرعة ما سمعه ﻟ «نوسة» و«محب»، ثم حدَّث الثلاثة عن قصة ثقب «الرادياتير» …

قال «محب»: من السهل جدًّا معرفة إذا كان الثقب طبيعيًّا أو تمَّ بفعل فاعل … إن المهندس الميكانيكي الذي يُصلح سيارتنا مهندس ممتاز … وأنا مُتأكِّد أنه سيتمكَّن من معرفة الحقيقة … ولحسن الحظ أنه يسكن قريبًا من هنا.

وقبل أن يتحدَّث أحد كان «محب» قد انطلق جاريًا … كان مثل بقية المغامرين ممزَّق القلب من أجل المُغامِرة الصغيرة … المُغامِرة التي لا تكاد تهدأ إلا إذا وجدت مغَامَرةً تشترك فيها … وهي الآن موضوع مُغامرة اختطاف …

التفت «تختخ» إلى «عاطف» وقال: برغم أن والدك روى ما حدث أمس بالتفصيل؛ فإن هناك بعض الأسئلة التي أُريد أن أُلقيها على والدتك … هل يمكن أن نُقابلها؟

عاطف: إنها في حالة سيئة جدًّا … ولكن سأُحاول أن أُقنعها بالحديث معنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤