تفاصيل أخرى مهمَّة

في الطابق الثاني من منزل «عاطف» جلس المغامرون مع والدته … كانت شاحبة الوجه … ولكنها ثابتة الأعصاب … وكانت تعرف عن المغامرين الخمسة الكثير … وتعرف أنهم إذا انطلقوا وراء لغز فلا بد أن يصلوا إلى هدفهم.

قال «تختخ»: إنني آسف جدًّا لما حدث … ولكننا في حاجةٍ إلى كثيرٍ من التفاصيل حتى نُحدِّد أسلوب الخطف … ومن الذي وراءه؟ …

وصمت «تختخ» قليلًا، ثم قال: هل لكم أعداء من أي نوع؟ … إننا بالطبع لا بد أن نعرف صاحب المصلحة في خطف «لوزة» … فكل جريمة وراءها صاحب مصلحة فيها.

قالت الأم: لا أعرف لنا أعداءً بالمعنى الذي تقصده … وأنت تعرفنا جيدًا …

تختخ: إذن فلنتحدَّث في التفاصيل … هل سبق للسيارة «المرسيدس» أن سخنت إلى هذا الحد؟

الأم: مطلقًا … فمؤشِّر الحرارة دائمًا كان نحو ٨٠ درجة، وهي الدرجة العادية للموتور.

نظر «تختخ» إلى الأصدقاء، ثم عاد يسألها: وأين تضعون سيارتكم عندما تكونون في الإسكندرية؟

الأم: في «الجراج» المجاور لشقتنا في حي «رشدي» … لقد زرتَنا هناك … و«الجراج» في العمارة المجاورة لنا هناك … والمسئول عنه عم «سيد». إنه يعرفنا منذ أكثر من عشرة أعوام.

أشار «تختخ» إلى «محب» فكتب الاسم، وسأل «تختخ»: هل هو رجل طيب يُوثق به؟

الأم: نعم.

تختخ: عندما وصلتكم المكالمة التليفونية المجهولة، وحملتم «لوزة» … هل كانت ما تزال بملابس النوم؟

الأم: نعم … تركناها كما هي بملابس النوم، فقط لففناها في البطانية الحمراء التي ما تزال في السيارة.

تختخ: وهل كانت بدون حذاء؟

الأم: طبعًا … كما كانت نائمةً تمامًا!

تختخ: وماذا حدث في «الرست هاوس»؟

الأم: عندما شاهد زوجي مؤشِّر الحرارة في الموتور يرتفع باستمرار … كان لا بد من التوقُّف لإحضار مياه ووضعها في جهاز التبريد (الرادياتير)، وكنا قد اقتربنا لحسن الحظ من «الرست هاوس» … فدخلنا إلى هناك.

تختخ: هل كانت سيارات أخرى غير سيارتكم في موقف «الرست هاوس»؟

الأم: كانت هناك سيارة واحدة …

تختخ: هل تذكرين لونها؟

الأم: لا … فقد كانت الدنيا مُظلمةً تمامًا … ونحن في آخر الشهر العربي.

تختخ: هل تحرَّكت قبلكم؟

الأم: لا … بقيت حتى انصرفنا.

تختخ: وماذا حدث هناك؟

الأم: نزل زوجي لإحضار المياه … كان موقف «الرست هاوس» خاليًا ولا أحد هناك … ونزلتُ معه لأشرب كوبًا من الماء؛ فقد كنتُ في غاية العطش.

تختخ: وهل تُركت السيارة مفتوحة؟

الأم: لا … أغلقناها بالمفتاح … ولكن تركنا جزءًا صغيرًا من الزجاج مفتوحًا حتى لا يفسد الهواء داخل السيارة، و«لوزة» نائمة فيها.

تختخ: وكم قضيتم داخل «الرست هاوس»؟

فكَّرت الأم لحظات، ثم قالت: قضينا وقتًا طويلًا نسبيًّا … ربما عشر دقائق أو ربع ساعة … فلم يكن هناك أحد لمساعدتنا سوى شاب يقف لخدمة الزبائن … ثم بحثنا عن إناء مناسبٍ لحمل الماء … ولمَّا وجدنا واحدًا — كان صغيرًا — اضطُر زوجي إلى ملئه ثلاث مرَّات قبل أن تأخذ السيارة كفايتها.

تختخ: وبعد ذلك؟

الأم: تحرَّكنا في اتجاه القاهرة … وكان الطريق خاليًا، فقاد زوجي السيارة بسرعة عالية … وقد اضطُررت إلى تنبيهه مرارًا.

تختخ: وهل ظلَّت «لوزة» نائمةً برغم السرعة العالية؟

الأم: نعم … وبين لحظةٍ وأخرى كنتُ أنظر إليها فأجدها نائمةً تحت البطانية الحمراء.

تختخ: ثم …

الأم: ثم وصلنا إلى المعادي … وصعدنا إلى شقة «يحيى» شقيق زوجي …

تختخ: وأغلقتما السيارة؟

الأم: نعم … وتركنا جزءًا من الزجاج مفتوحًا أيضًا.

تختخ: وكم قضيتما في العمارة … قبل أن تنزلا؟

الأم: بين خمس عشرة إلى عشرين دقيقة …

تختخ: وعندما نزلتما لم تجدا «لوزة»؟

تنهَّدت الأم وقالت: نعم … نظرتُ إليها لأطمئن، فوجدتُ البطانية ولم أجدها!

تختخ: وهل لاحظتِ السيارة الرمادية التي انطلقت من جانب السيارة «المرسيدس» عندما نزلتما؟

الأم: نعم رأيتها.

تختخ: ألَا تذكرين رقمها؟

الأم: لم أُفكِّر في النظر إليه … فلم نُفكِّر مُطلقًا أن هذا يمكن أن يحدث!

سكت «تختخ» وسكتت الأم … وساد الصمت … وسمعوا صوت والد «عاطف» وهو يُنادي زوجته، التي قامت مُسرعةً تلبيةً لندائه … في حين بقي المغامرون معًا.

كان «تختخ» مقطب الجبين … مستغرقًا في تفكير عميق … وكان بقية المغامرين يجلسون صامتين … وفجأةً قال «تختخ»: أمامنا عملٌ كثير … اذهبوا أنتم الثلاثة إلى منزل عم «عاطف». خذوا معكم «زنجر» وهو موجود في الخارج الآن …

نوسة: ما هي خطتك بالضبط؟ ولمَ لا تأتي معنا؟

تختخ: عليكم أنتم الثلاثة أن تذهبوا إلى العمارة التي يسكن بها عم «عاطف». ابحثوا هناك عن أي أدلة … ابحثوا عن نوع عجلات السيارة الرمادية … كيف كانت تقف؟ في أي اتجاه سارت؟ هل هناك أي شهود؟ أين كان البوَّاب؟ إنني لم أسمع اسمه في القصة كلها! … ثم ابحثوا عن آثار «لوزة» … لقد كانت حافيةً كما سمعتم من أمها … هل سارت على الأرض؟ إذا لم تكن هناك آثار فمعنى ذلك أنها حُملت من السيارة إلى السيارة الثانية …

ومن الواضح أن الجُناة استطاعوا فتح باب السيارة بواسطة سلك دَلُّوه من فتحة الزجاج التي تُركت حتى يتجدَّد الهواء ﻟ «لوزة»، وهي حيلة سهلة جدًّا لفتح أبواب السيارات، يلجأ إليها كل لصوص السيارات تقريبًا … وبالطبع المفتش «سامي» يعرف هذا جيدًا … وفي الأغلب أن رجاله سوف يتمكَّنون من رفع البصمات من على الباب والزجاج … إذا كانت هناك بصمات ولم تطمسها بصمات والد «لوزة» وأمها …

كان «تختخ» يتكلَّم بسرعة … كأنه يُطلق مدفعًا رشَّاشًا … وكان الأصدقاء الثلاثة يستمعون إليه بآذان مفتوحة …

وقال «عاطف» فجأة: إنني قد أُضطر للبقاء هنا مع أبي وأمي … إنهما في غاية الحزن، وليس من السهل تركهما وحدهما.

تختخ: لا بأس … ابقَ أنت هنا … ولكن عليك واجبٌ من أهم ما يكون … ابحث عن الدافع وراء خطف «لوزة» … كما تعلمون إن تحديد الدافع يُحدِّد الفاعل … وعليك أن تسألهما مرارًا وتكرارًا … إنهما قد يتذكَّران شيئًا صغيرًا يُنير لنا الطريق.

نوسة: وأنت … إنك لم تذكر المهمة التي ستقوم بها!

تختخ: سأذهب إلى الإسكندرية.

نوسة: الإسكندرية! … لماذا؟ … إن «لوزة» خُطفت في القاهرة!

تختخ: هذا صحيح … ولكن القصة بدأت في الإسكندرية … إنني أعتقد أن طرف الخيط سيكون هذا الرجل الذي أحدث الثقب في «رادياتير» السيارة «المرسيدس» … إن دوره صغير جدًّا … ولكنه مهم جدًّا … وهذا الرجل من الممكن العثور عليه … فإذا تكلَّم سيكشف كل شيء.

محب: ومتى تُسافر؟

تختخ: الآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤