أين «لوزة»؟

انطلقت السيارة بهما إلى محطة الرمل … كانت خطة «تختخ» التي رسمها تعتمد على وجود المفتش «سامي» أولًا … فإذا تعذَّر وجوده … فلْيتصل بالمغامرين … دخل إلى كابينة التليفونات وطلب من الموظَّف الاتصال برقم المفتش … بعد دقائق قليلة صاح الموظف: كابينة رقم ٤ من فضلك!

أسرع «تختخ» إلى الكابينة … وعلى الطرف الآخر كان المفتش «سامي» يتحدَّث … وقال عندما سمع صوت «تختخ»: أين أنت يا «توفيق»؟

تختخ: أنا في الإسكندرية.

المفتش: ماذا تفعل هناك؟!

تختخ: أحل لغز اختفاء «لوزة».

المفتش: ولكن «لوزة» اختُطفت في القاهرة … ونحن نرفع كل البصمات التي وجدناها على السيارة، ونسأل كل الشهود … ونجمع كل البيانات … وإن كان كل شيء يبدو غامضًا!

تختخ: أرجو أن تأتي إلى الإسكندرية فورًا.

المفتش: ماذا تقول؟

تختخ: الإسكندرية فورًا … ومعك «عاطف» و«محب» و«نوسة» إن أمكن … لقد وجدتُ حلَّ اللغز.

المفتش: كيف؟!

تختخ: عندما تحضر سأشرح لكَ كل شيء … إنني على موعد مع «عباس الأقرع» بعد ساعات قليلة … ولستُ أُريد إضاعة الفرصة … إذا كنتَ تثق بي فتعالَ فورًا.

المفتش: طبعًا أثق بك!

تختخ: سأنتظرك على كازينو «أتينيوس» في محطة الرمل … الساعة الآن التاسعة والنصف.

المفتش: سأكون عندك بعد ساعتَين ونصف الساعة تقريبًا.

تختخ: إلى اللقاء.

وضع «تختخ» السمَّاعة وخرج والدنيا لا تتسع لفرحته … وجد «وجيه» في انتظاره فقال له: إنني أشكرك أيها الصديق … فبدونك لَمَا استطعتُ عمل أي شيء.

وجيه: ماذا حدث؟

تختخ: لقد خُطفت صديقتنا «لوزة».

وجيه: صديقتنا الصغيرة الذكية؟

تختخ: نعم … خُطفت أمس ليلًا … وسأشرح لك كل شيء … وستكون أول من يسمع القصة كاملةً وحلَّ اللغز أيضًا … هيَّا إلى كازينو «أتينيوس»!

سار الصديقان إلى الكازينو، طلبا بعض قطع الجاتوه والشاي … وجلسا معًا ينظران إلى البحر ويتمتَّعان بالهواء النقي … وأخذ «تختخ» يحكي ﻟ «وجيه» القصة … وكان «وجيه» السائق الشاب يعكس الانفعالات القوية التي تُثيرها المغامرة … وخاصةً عندما أخذ «تختخ» يشرح له كيف توصَّل إلى حلِّ اللغز!

قال «وجيه»: إنها خطة رائعة … وأنت ولد رائع!

تختخ: شكرًا لك … ستكون مفاجأةً للجميع.

مضى الوقت مُتثاقلًا … وكان «تختخ» ينظر إلى ساعته بين لحظة وأخرى … أخيرًا … وأخيرًا … اقتربت الساعة من منتصف الليل … وفجأةً سمعا صوت أقدام كثيرة … وشاهدا المفتش «سامي» يدخل هو واثنان من رجاله بصُحبته … ثم والد ووالدة «لوزة» … ثم «عاطف» و«محب» و«نوسة». كانَت اللهفة واضحةً على وجوههم جميعًا … لقد كانوا في أشد حالات الانفعال وهم يُسلِّمون على «تختخ» الذي ابتسم لهم جميعًا … وجلسوا حوله في حلقة، وطلبوا بعض الجاتوهات والشاي والقهوة …

كانت والدة «لوزة» شاحبة … بل شديدة الشحوب وهي تنظر إلى «تختخ» وكلها لهفة لسماعه … وأخيرًا قال المفتش: والآن … دعنا نستمع إليك!

تختخ: أُحبُّ أن أُطمئنكم إلى أننا بإذن الله سنصل إلى «لوزة» هذه الليلة … كل ما أحتاج إليه هو بضع ساعات وقوة من رجال الشرطة.

المفتش: لقد تحدَّثتُ مع شرطة الإسكندرية … وهناك قوة في الانتظار.

تختخ: لقد خُطفت «لوزة» في الطريق الصحراوي وليس في المعادي! ارتفعت صيحات الدهشة من أفواه الجالسين … وقال والد «لوزة»: آسف يا «توفيق»، أنت مخطئ يا ولدي … وإذا كانت نظريتك هي هذه … فلن نصل إلى «لوزة» مُطلقًا!

تختخ: إن شاء الله سنصل إليها … دعني أُكمل حديثي!

المفتش: اتركوه … لا تقاطعوه.

نظر «تختخ» إلى «عاطف» مُبتسمًا وعاد يقول: لقد وضعت العصابة خطتها ببساطة … ولكن ببراعة كاملة … لقد سألت نفسي لماذا ثقبوا «الرادياتير» بحيث تتوقَّف السيارة في الطريق الصحراوي؟! … لا بد أن هناك سببًا!

توقَّف «تختخ» وبدت اللهفة تشتد فقال: لقد توصَّلتُ إلى السبب … إن العصابة قامت بثقب «الرادياتير» حتى تتوقَّف السيارة في الطريق الصحراوي … وأقرب مكان مأهول في الطريق هو «الرست هاوس»، وهناك فعلًا توقَّفت سيارة والد «لوزة» ونزل لإحضار الماء … ونزلت والدة «لوزة» لتشرب … وهنا قامت العصابة بتنفيذ خطتها … لقد استخدموا سلكًا رفيعًا مدُّوه من الزجاج الذي تركه الوالد مفتوحًا للتهوية … وفتحوا الباب، وحملوا «لوزة» بعد أن كمَّموا فمها!

صاح والد «لوزة»: ولكن «لوزة» كانت معنا في السيارة حتى المعادي!

تختخ: التي كانت معكم في السيارة كانت فتاةً أخرى … لقد كانت «لوزة» مُغطاةً بالبطانية الحمراء … وقد وضعوا الفتاة الثانية وغطَّوها بالبطانية الحمراء أيضًا … ولم يخطر ببالكما أن من تحت البطانية الحمراء ليست «لوزة» … ولكنها فتاة أخرى!

ساد الصمت بعد هذه الجملة … وأخذ «تختخ» ينظر إلى الوجوه المندهشة، ثم عاد يقول: وعندما وصلتم إلى المعادي تمَّ تنفيذ بقية الخطة … صعد الوالد والوالدة إلى منزل العم «يحيى»، وبمنتهى الهدوء فتحت الفتاة الأخرى الباب وخرجت … وهكذا تمَّ تنفيذ الخطة كاملة!

نطقت «نوسة» لأول مرة قائلة: إنها خطة مدهشة!

وتحدَّث الجميع بين مؤكِّد ومُنكِر، فقال «تختخ»: إن صديقًا لي يُدعى «عباس الأقرع» يُساعدني الآن في البحث عن الفتاة الثانية … فإذا عثرنا عليها سيكون من السهل الاستدلال عن طريقها إلى العصابة.

قال المفتش: إنني متفق معك في هذا التفسير … فقد اتضح من نقل آثار أقدام الفتاة التي نزلت من السيارة أنها ليست آثار أقدام «لوزة» … وقد علمتُ هذا قبل حضوري مُباشرة، وطوال الطريق وأنا أُفكِّر في حلٍّ لهذه المسألة … وهذا هو الحل الوحيد!

قالت الأم: إنكَ ولد ممتاز … وإذا صحَّ هذا الاستنتاج … فسوف أُصفِّق للمغامرين الخمسة دائمًا.

تختخ: والآن سأعود لانتظار «عباس الأقرع»، وأرجو من سيادة المفتش أن يأمر بأن تكون القوة قريبةً من بحيرة «مريوط» … وأُريد أن آخذ من المفتش وعدًا بأن يُراعي الرفق الكامل في مُعاملته ﻟ «عباس الأقرع». إنه الولد الذي قام بثقب «الرادياتير» … ولكنه ساعدنا مساعدةً فعَّالةً في حلِّ اللغز!

المفتش: من الممكن اعتباره كشاهد معك … وفي هذه الحالة لا يصدر ضده أي حكم.

تختخ: عظيم … هيا بنا!

الأب: هل نأتي معكم؟

المفتش: أُفضِّل أن تعودا إلى منزلكما في الإسكندرية … وإذا نجحنا سنأتي إليكما!

عاطف: سآتي معك «يا توفيق»!

تختخ: بالطبع … و«محب» و«نوسة» أيضًا.

وعندما وقفوا قال «تختخ»: أُحبُّ أن أشكر أمامكم الأخ «وجيه» الذي كان له فضل كبير في الاتصال بكم وحضوركم … فقد نُشلَت كل نقودي … وأنا مدين له بمبلغ جنيه … ولولد آخر بخمسين قرشًا!

أسرع والد «لوزة» يُخرج نقودًا لدفعها إلى السائق الكريم … ولكنه رفض … وقال إنه صديق للمغامرين الخمسة … ولا يقبل أي شيء نظير مساعدتهم.

استقلَّ الجميع السيارات … وانطلقَت بهم في اتجاه بحيرة «مريوط» … وبعد ساعة تقريبًا كان «تختخ» يجلس في العشَّة مرةً أخرى … ومعه «محب» و«عاطف» … واستمرَّ الثلاثة يتحدَّثون حتى طلع الفجر … وسمعوا صوت أقدام، وظهر «عباس الأقرع» وحده، فلمَّا شاهد الثلاثة بدت عليه الدهشة الشديدة، فقال «تختخ»: إنهما صديقاي!

عباس: أهلًا وسهلًا … ولكن كيف وصلا إلى هنا؟

تختخ: هذه قصة طويلة … ماذا خلفك من أخبار؟

عباس: لقد عرفتُ أشياء كثيرة … و«شوقي» عرف الفتاة، وسيُحضرها بعد قليل!

صاح «تختخ»: فعلًا كانت هناك فتاة مختفية!

عباس: فعلًا … اسمها «نوارة»، وقد حكت لنا القصة كلها … لقد طلبوا منها أن تركب سيارةً مكان فتاة أخرى … لا بد أنها صديقتكم!

قفز «تختخ» من مكانه وقال: لقد صحَّت نظريتي!

ظهر «شوقي» في هذه اللحظة وبجواره فتاة صغيرة، عرفوا على الفور أنها «نوارة» التي دخلت بشجاعة إلى الكوخ … فقال «تختخ» على الفور: هل تعرفين مكان «لوزة»؟

ردت الفتاة: نعم … إنها موجودة في عشة على الشاطئ الشرقي للبحيرة!

ابتسم «عاطف» وهو يُغالب دموعه … وقام من مكانه وأخذ يحتضن «تختخ» وهو يقول: أنت المغامر الذكي!

قال «تختخ»: هيا بنا … لا وقت عندنا!

عباس: ولكن الفتاة كما علمت محروسة جيدًا بواسطة مجموعة من الأشقياء الخطرين!

تختخ: عندنا من هم أخطر منهم!

خرج الجميع … وأسرع «محب» يجري إلى حيث كانت قوة رجال الشرطة والمفتش «سامي» في الانتظار … وعندما اقترب منهم صاح: يا حضرة المفتش لقد عرفنا مكان «لوزة»! هيَّا!

وتحرَّك الرجال … وعندما شاهدهم «عباس الأقرع» بدا عليه الغضب، ونظر إلى «تختخ» الذي قال له: لقد وعدتُك ألَّا يحدث لكَ أي مكروه … وما زلتُ عند وعدي!

مشَوا جميعًا خلف الفتاة الصغيرة خلال المستنقعات، وقد بدت أشعة الشمس تفرش السماء والأرض بنورها … وبعد نحو نصف ساعة أشارت «نوارة» إلى عشة كبيرة وقالت: هذه هي العشَّة … لقد كنتُ مع الفتاة طول النهار، إنها فتاة شجاعة ولم تبكِ مُطلقًا!

أحاط رجال الشرطة بالعشَّة … وأخرج المفتش «سامي» وثلاثة من الضبَّاط مسدساتهم، واقتربوا من العشَّة وهم يختفون خلف البوص الكثيف الذي يُحيط بها … ولم يسمع أحدٌ أي صوت، فهمس «تختخ»: يبدو أنهم نائمون.

أخذوا يقتربون في هدوء حتى أحاطوا بالعشَّة تمامًا … وكان الرجال نائمين فعلًا خارجها … ولم يكن هناك مستيقظ إلا رجلًا واحدًا وضع بندقيته على الأرض، وأخذ يُعد الشاي لنفسه، وفي حركة خاطفة انقضَّ أحد الضبَّاط على البندقية فضربها بحذائه، وأبعدها عن الرجل، ثم وضع المسدس في ظهره، ونظر الرجل إلى ما يحدث حوله في ذهول، فقال الضابط: لا تتحرَّك!

اقتحم الرجال العشَّة … وسُمع صوت صياح من داخلها … ولم تمضِ دقائق حتى ظهر رجال العصابة وقد أذهلتهم المفاجأة … وأسرع المغامرون الثلاثة إلى العشَّة … كانت «لوزة» واقفة … والمفتش «سامي» يفك وثاقها … وانقضَّ الثلاثة عليها وهم يصيحون: «لوزة» … «لوزة»!

وأخذت «لوزة» تُقبِّلهم واحدًا واحدًا وهي تقول بصوتٍ تخنقه الدموع: كنتُ واثقةً أنكم ستأتون في الوقت المناسب!

•••

بعد ساعة من هذه الأحداث … كان المغامرون الخمسة يصعدون سلالم الفيلا التي يسكن بها والد «لوزة» ووالدتها ويدقُّون الجرس … ووقفت «لوزة» في المقدِّمة شاحبة الوجه … وفتحت الأم الباب، ولم تكد ترى «لوزة» حتى صاحت: «لوزة» … «لوزة»!

وألقت المُغامِرة الصغيرة بنفسها بين ذراعَي أمها … وظهر الوالد وهو يبتسم ويقول: «لوزة» … ابنتي!

وجلس الجميع يفطرون … ودقَّ جرس التليفون، وكان المفتش «سامي» الذي يتحدَّث إلى والد «لوزة» وسأله: هل تعرف رجلًا اسمه «مسعود أبو دراع»؟

رد الوالد: نعم أعرفه … لقد كان يعمل خفيرًا في الشركة واتضح أنه لص … فأمرتُ بإحالته إلى النيابة للتحقيق معه!

المفتش: لقد خطف «لوزة» انتقامًا منك. سنستكمل التحقيق ونطلبك للشهادة.

كانت نهاية المغامرة يومًا رائعًا على البلاج، وكان «تختخ» يُفكِّر وهو بين الأمواج وبين الأصدقاء كيف يفعل شيئًا هو والمغامرون لمساعدة الولد الشهم … «عباس الأقرع»؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤