حكاية النجمة الخضراء

عندما اجتمع المغامرون الخمسة في المساء كعادتهم لم ينتظر «محب» لحظةً واحدة ليتحدَّث إليهم بما عنده … كان قد اقتنع بالفكرة تمامًا … السفر إلى شاطئٍ مهجور … مقابلة «عم سالم» العجوز … حياة الشاطئ … أعماق البحر … كلها أشياءُ تستثير خياله، وتدفع دماء المغامرة إلى عروقه. وهكذا لم يكدِ الشمل يلتئم حتى وقف «محب» قائلًا في صوتٍ خطابي: أيها الأصدقاء، عندي ما أقوله لكم.

ردَّ «عاطف» ساخرًا: أرجو ألا تَروي لنا قصة حياتك العظيمة.

لم يهتم «محب» بضحكات الأصدقاء، بل استمر قائلًا: عندي لكم دعوةٌ لقضاء إجازةٍ مثيرة!

كانت «لوزة» أول المهتمِّين والمنتبهين … فما دامت كلمة «مثيرة» قد استُخدمَت فإن خيال «لوزة» سيشطَح فورًا إلى الألغاز والمغامرات.

وهكذا ردَّت على الفور: إنني على استعداد.

ومرةً أخرى قال «عاطف» المرِح: ألا تنتظرين حتى نعرف أين؟

إن إجازة في «لبنان» مثلًا إجازةٌ مثيرة، فهل أنتِ على استعدادٍ للذهاب تحت وابل الرصاص والقنابل؟

ردَّت «لوزة»: بعنادٍ: ولماذا لا؟ نعم أذهب!

ظل «تختخ» ساكنًا ينتظر، وواصل «محب» حديثه قائلًا: لقد تعارفتُ اليوم أنا و«نوسة» على صديقٍ جديد يُدعى «نبيل»، وأُسرتُه تمتلك فيلَّا على شاطئ العجمي، وهو من هُواة السباحة والغوص، وله صديقٌ بحَّار عجوز كان يعمل عندهم، وهو رجلٌ مثير عنده عشرات الحكايات عن البحر والحياة فوق الأمواج.

تحدَّث «تختخ» لأول مرة سائلًا: هل أفهم أنه دعاكما للذهاب لقضاء إجازة هناك؟

محب: بالضبط!

تختخ: ولكنه دعاكما أنتما فقط، وليس كل هذه العصابة.

قال «محب» (منتصرًا): وهل تتصوَّر أن نذهب وحدنا؟ لقد قلتُ له إن لنا بقية.

عاطف: بقية في حياتك!

انفجر «محب» غاضبًا، وقال: كُنْ جادًّا لحظة! إننا نتحدَّث في موضوعٍ مهم!

ابتسم «عاطف» برغم ثورة صديقه، وقال: إننا لا نتحدث في أسعار البترول، ولا في مشكلة الشرق الأوسط، إنها مجرد إجازة، والضحك خيرُ رفيقٍ في الإجازات.

قال «محب» غاضبًا: أنا آسف … لا داعي لإكمال حديثي.

وجلس «محب» … وتكهرب الجوُّ لحظاتٍ، ولكنَّ «تختخ» سارع إلى إصلاح الموقف قائلًا: سأعتذر نيابةً عن «عاطف»، وأرجو أن تُكمل حديثك.

قال «عاطف» على الفور: إنني أعتذر إذا كان في كلماتي ما أساء إلى «محب»، وأرجوه أن يُكمِل حديثه … فقد أسال لُعابنا.

وانضمَّت «نوسة» و«لوزة» مع «تختخ» و«عاطف» في تهدئة «محب»، الذي قبِل في النهاية أن يُكمل حديثه، فقال: لقد دعانا «نبيل» جميعًا لقضاء الإجازة في الفيلَّا التي يملكها والده في العجمي … وهي على شاطئ العجمي في مكانٍ بعيد عن العمران … وسنقضيها في السباحة وصيد السمك والاستماع إلى حكايات «عم سالم» العجوز!

تختخ: إنه ولدٌ كريم، وليس عندي أي مانعٍ من الذهاب، المهم أن يُقنع كلٌّ منا أُسْرته بذلك.

محب: لقد وعدتُه أن أُحدِّثه هذا المساء … فهل أستدعيه؟

تختخ: ولماذا لا؟ إننا نودُّ التعرُّف عليه.

قام «محب» بالاتصال ﺑ «نبيل» الذي وعد بالحضور فورًا، ولم تمضِ ثلث ساعة حتى سمعوا صوت دراجته تقترب من باب الحديقة حيث يجلسون.

وقام «محب» بالتعريف بين «نبيل» وبقية المغامرين، وقال «تختخ»: لقد فهمنا من «محب» أنك تدعونا لقضاء إجازة معك ونحن نشكرك جدًّا … ولكن أليس في هذا عبءٌ عليك؟

رد «نبيل» ببساطة: ليس هناك أي عبء، بل على العكس … إنكم ستجعلون من هذه الإجازة وقتًا ممتعًا … وأظنُّك توافقني على أن الإجازة يصنعها الأصدقاء.

تختخ: وما هي المدة المحدَّدة؟

نبيل: ليست هناك مدَّةٌ محددة، إن والدتي ووالدي سيقضيان إجازتهما في سويسرا … وسيقضيان شهرًا!

تختخ: إن علينا بالطبع أن نستأذن أولًا.

نبيل: أكيد … ولكن لا أدري إن كنتم تُحبُّون الأماكن القديمة والغموض والإثارة!

ابتسم «تختخ» وهو يقول: هذا عملنا!

نبيل: إذن ستستمتعون بالإجازة … إن المكان الذي سنقضي فيه وقتَنا كان في الأصل ميناءً صغيرًا صنعه أجدادي أيام كانوا يعملون في البحر … وهو ميناءٌ مهجور لم يبقَ منه سوى رصيفٍ واحد وفيلَّا قديمة وبعض المخازن.

وصمت «نبيل» لحظاتٍ، ثم قال: ويُقيم في المكان باستمرارٍ حارس، هو «عم سالم» العجوز، وهو بحَّارٌ قديم لا يستطيع الحياة إلا على شواطئ البحار، إنَّه يقضي وقته في صيد السمك وصُنْع الشباك.

عاطف: إنه جوٌّ ممتعٌ!

تردَّد «نبيل» لحظاتٍ، ثم قال: لا بد أن أُضيف شيئًا هامًّا ربما يكون له تأثير على قراركم! حدَث توتُّرٌ بسيط بين الأصدقاء، ومضى «نبيل» يقول: إن هذه المنطقة تشهد أحداثًا غامضة من الصعب معرفة حقيقتها!

ونظر إلى وجوه الأصدقاء، ثم قال: قريبٌ من هذا المكان تُوجد شبه جزيرة لا يمكن الوصول إليها عن طريق البحر … إن الصخور المُوحِشة تُحيط بها من كل جانب، بحيث يصعب رَسْو أي سفينةٍ أو قاربٍ عليها!

تحدَّثتْ «لوزة» لأول مرة فسألَت: وكيف يمكن الوصول إليها إذن؟

نبيل: عن طريق البحر … وهو للأسف مملوءٌ بالرمال المتحركة والمستنقعات والأشجار.

نوسة: هذا شيءٌ مدهش جدًّا!

نبيل: نعم … وربما لا أستطيع أن أقول لكم كل التفاصيل حتى لا تتردَّدوا!

محب: على العكس … لقد زدتَ من رغبتنا في السفر معك.

نبيل: إنني منذ سنواتٍ أُحاوِل الدخول إلى هذه الجزيرة الصغيرة أو شبه الجزيرة، ولكن «عم سالم» يمنعني تمامًا، خوفًا من أن يصيبني مكروه.

تختخ: إننا على استعداد لمساعدتك … ولكن ماذا تريد من هذه الجزيرة؟

نبيل: إن لهذا قصةً طويلة … لقد كان هناك نزاعٌ بين أُسرتنا وأسرةٍ أخرى تعمل في البحر، هي أسرة «ميرزا»، ولم ينتهِ هذا الصراع إلَّا بعد أن صفَّى جدي أعماله في البحر … ولكنْ هناك شيءٌ هامٌّ!

وسرح «نبيل» لحظاتٍ ثم قال: إن آخر سفينةٍ من سفن جدي غادَرتْ فرنسا إلى مصر غَرقَت عندما أوشكَت على الوصول إلى الإسكندرية … لقد حدَث انفجارٌ غامض فيها وهوَتْ إلى قاع البحر وهي تحمل ثروةً ضخمة من الذهب والمجوهرات … لقد كانت هذه السفينة التي كانت تحمل اسم «النجمة الخضراء» هي أحب السفن إلى جدي، كانت كما يقولون تشبه عروسًا جميلة وهي تتهادى على المياه، وقرَّر جدي تصفية أعماله عندما قامت الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩، فقد وضع جزءًا كبيرًا من ثروته على هذه السفينة وأرسلَها إلى مصر … ولكن «النجمة الخضراء» لم تصل إلى مصر مطلقًا كما قلتُ لكم. لقد حدث فيها انفجارٌ غامض قُرب الميناء الصغير، وغرقَت بما تحمل من ثروة جدي.

ساد الصمت بعد هذه القصة، وتخيَّل المغامرون «النجمة الخضراء» وهي تحمل كنوزها من فرنسا ثم تغرق، والصدمة التي أصابت هذه الأُسرة.

ولم يستمر الصمت طويلًا؛ فقد عاد «نبيل» يقول في صوتٍ غريب كأنه قادم من أعماق البحر: ومنذ أن سمعتُ هذه القصة قرَّرتُ أن أعثر على «النجمة الخضراء» مهما كلَّفني الأمر … إنهم يقولون إنها غرقَت على عمقٍ بعيد، ولكنَّني سوف أعثُر عليها حتى لو دفعتُ حياتي ثمنًا لذلك!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤