حدث شيءٌ مثير!

كان في فم «زنجر» فردةُ حذاء «لوزة» … وصاح «تختخ» كأنه شاهَد «لوزة» نفسها: زنجر … يا لكَ من كلبٍ رائع! أخذ «زنجر» يتمسَّح ﺑ «تختخ» الذي انحنى وربتَ على ظهره وتناوَل الحذاء من فمه، وقال «محب»: إنه مُرهَقٌ جدًّا … ربما جريح أو مريض.

تختخ: تعال ندخل.

دخلا إلى صالة الفيلَّا … وقال «محب»: لقد عاد «زنجر»!

التفَت الجميع إليه، وكان «تختخ» يتأمل فردة الحذاء، إنها فردة حذاء «لوزة» فعلًا، وليس هذا فقط … إنها رسالة … فقد لاحظ «تختخ» على الفور أن «لوزة» قد ربطَت حزام ثوبها في الحذاء … إنها تقول لهم إنها على قيد الحياة … وصاح «تختخ» (مبتهجًا): إن «لوزة» حية … ألم أقل لكم إن المغامِرة الصغيرة ستعود … ولكنَّ الحذاء مُبلَّل وكذلك الحِزام!

كان «عاطف» صامتًا … إن «لوزة» بالنسبة له ليست شقيقةً فقط، إنها تَوءَمُ روحه، وأعزُّ مخلوقةٍ لديه … وبدون رَويَّة قفَز إلى «تختخ» وتناول الحذاء … نعم إنه حذاء «لوزة». وانحنى على «زنجر» وهو يقول: أين هي يا «زنجر»؟ أين «لوزة»؟

هزَّ الكلب الذكي ذيله كأنه يقول له: إنني أعرف!

وقال «محب»: إنه مُرهَق وجائع … فلنحضرْ له بعض الطعام!

ووضَعوا له كمية من الأكل والماء، وانهمَك «زنجر» في الشرب أولًا، ثم تناوَل طعامه، وجلس لحظاتٍ كأنه يستريح، وكان المغامرون قد استعدُّوا للانطلاق معه، جهزوا بطارياتهم الصغيرة، وقال «نبيل»: لنأخذ معنا حبلًا، إنني أتوقَّع أن تكون قد سقطَت في إحدى الآبار … خاصة أن الحِذاء والحِزام مبلَّلان.

وقال «تختخ»: مُحدِّثًا «زنجر»: هيَّا بنا!

وانطلق «زنجر» وهم خلفه … واتجه فورًا إلى «حبل الرمال» وأخذ يسير وأنفه إلى الأرض، وهو يُطلِق نُباحًا طويلًا بين فترة وأخرى. كأنه يُرسل إلى «لوزة»، رسالةً بأنه قادم.

استمَروا في السير مسافةً طويلة بحذاء الشاطئ، ثم انحرف «زنجر» متوغلًا في الصحراء ودار دورةً واسعة حول كثبان الرمال، ثم تمهَّل لحظات وأخذ يتشمَّم الأرض بشدة، ثم واصل سيره، وصَعِد تلًّا رمليًّا عاليًا وهبط سريعًا، ثم توقَّف، وأرسل أنفه إلى الهواء وأطلق نُباحًا طويلًا، ثم قفز إلى الأمام وزحف بضعة أمتار، ثم وقف وواجه الأصدقاء وأخذ ينبَح في حزن. وفهم «تختخ» الرسالة … إن «زنجر» يُحذِّرهم، عليهم أن يتقدَّموا ببطء … وهذا ما فعلوه … أطلقوا أشعة بطارياتهم وشاهدوا على الفور ما يعنيه «زنجر» … كان هناك انهيارٌ رمليٌّ قد أحدث فجوةً كبيرة في الأرض، وبجوارها تمامًا كانت فتحةُ بئرٍ قديمة من الحجر قد غطَّته الرمال …

وصاح «عاطف»: لوزة!

وسمعوا صوتًا يُصدر من أعماق البئر ضعيفًا واهنًا، ولكنهم عرفوه جميعًا، كان صوت «لوزة». وداروا حول الانهيار الرمليِّ، وانحنَوا على البئر وأطلَقوا أشعة البطاريات، وكانت مفاجأة … لقد كانت البئر عميقة جدًّا، أكثر مما تصوَّروا بكثير، وكانت المياه تغمر قاعها حتى وصلَت إلى أكتاف «لوزة» التي كانت ترفع ذراعَيها إلى أعلى، وكاد «محب» و«عاطف» أن يُقْدِما على عملٍ جنوني … كادا يلقيان بنفسَيهما في البئر، وكان «تختخ» يشعُر بنفس الشعور؛ فقد كانت المغامِرة الصغيرة في حالةٍ يُرثى لها، ولكن «تختخ» تمالَكَ نفسه، في حين سالت دموع «نوسة»، وقال «تختخ» (بصوتٍ واضح): لا أُريد تصرفاتٍ حمقاءَ، إن حياة «لوزة» في خطر، ويجب أن نتصرف بطريقةٍ عاقلة.

وانحنى أكثر داخل البئر وصاح: لوزة … ودوَّى صوته في العمق البعيد … وعاد الصدَى … لوزة … لوزة …

ثم مضى يقول: لا تخافي … نحن هنا … سوف نُدلي إليك بحبل … اربطيه في وسطك، واقتربي من جدار البئر … وسنشُدُّكِ.

تكفَّل «نبيل» بإحضار الحبل بسرعة، ثم قام «تختخ» بتنفيذ فكرته، قذف «تختخ» بطرفه إلى «لوزة» وأضاءوا بطارياتهم جميعًا لترى الحبل، وقد استطاعَت على الفور أن تُمسِك به، ثم تلُفَّه حول وسطها كما طلب «تختخ» وتربطه … واقتربَتْ من جدار البئر وهي تتحرك وسط المياه بصعوبة … وبدأ الأصدقاء جميعًا في سحبها، وهي تضع قدمَيها على جدار البئر، وتُمْسِك بالحبل بين يدَيها، وصاح «تختخ»: اجذبوا على مهل، لا داعي للإسراع حتى لا يؤلمها الحبل، وأخذوا يجذبون بهدوء، وهم يتحدَّثون إليها مشجعين. وكانت «نوسة» تمسك ببطاريةٍ تُسلِّط ضوءها على صديقتها العزيزة.

أخذَت «لوزة» ترتفع بوصة … بوصة … وأخذ العرق يسيل غزيرًا من أجسام الأصدقاء وهم يرفعونها … ولكنهم ظلُّوا يعملون في انتظام وهدوء حتى برزَ رأس «لوزة» فوق البئر، وأمسكَت حافتَها بيدَيها، ومَدَّ الجميع أَيديَهم وحملوها حملًا.

أضاء القمَر الصغير المشهد حول البئر … وبدت «لوزة» وكأنها قادمة من عالمٍ آخر … كانت ملابسها مُبلَّلة ملتصقة بجسمها الصغير، وشعرها مُشعثًا، ويداها مُتسلِّختَين، ولم تنطق بكلمةٍ واحدة، بل احتضنَت «نوسة» ثم «عاطف».

وقال «نبيل»: هيا نعود سريعًا، أخشى عليها من الهواء. وأسرعوا عائدين، وفي أعقابهم «زنجر» ودخلوا المنزل، وعلى الضوء شاهدوا «لوزة» ولم يُصدِّقوا أعينهم … لقد كانت حقًّا في حالةٍ يُرثى لها، وأسرعَت «نوسة» معها إلى الحمَّام حيث اغتسلَت وغيَّرتْ ثيابها، ثم وضعوا لها الطعام … وجلسوا جميعًا حولها وبدأَت تحكي ما حدث لها.

قالت «لوزة»: عندما خرجنا للبحث عن «زنجر»، وبعد أن سرنا غربًا خُيِّل إليَّ أنني أسمع صوت «زنجر» في مكانٍ ما، لم أكن متأكدة؛ لأن الريح كانت معاكسة ومن الصعب تتبُّع الصوت؛ ولهذا لم أقل لكم … وفجأةً دخلتُ في حبل الرمال … ووجدتُ نفسي وحيدة وبعيدة عنكم … وكنتُ في نفس الوقت أتتبَّع صوت «زنجر» فظلَلتُ أسير حتى اقتربتُ من مصدر الصوت … كان «زنجر» يقف قريبًا من البئر وهو ينبَح نُباحًا قويًّا، لا أدري ماذا رأى، ولكنني رأيتُ آثار أقدامٍ حديثة حول البئر، ربما كانت لرجلَين أو ثلاثة، فاقتربتُ من البئر أكثر … ووقفتُ على تلٍّ صغير من الرمال، وفجأةٍ حدث انهيار وسقطَت الرمال تحت قدمَي، وقبل أن أتمالك نفسي فقدتُ توازُني، وسقطتُ في البئر!

كان الجميع يستمعون وقد استولَت عليهم الدهشة والذعر معًا … وعادت «لوزة» تقول بصوتٍ متقطع: لحسن الحظ أن البئر كانت غير ممتلئة بالماء … وأنني لم أسقُط على رأسي، فقد درتُ في الهواء وسقطتُ على ظهري، كانت السقطة مؤلمة، وغُصتُ في الماء حتى قاع البئر، وعندما ارتطمتُ بالقاع أحسستُ بالإغماء، ولكنني قاومتُ، واستطعتُ أن أطفو.

وعادت «لوزة» إلى الصمت وهي تمضَغ طعامها على مهلٍ، ثم عادت تقول: عندما طفوتُ سمعتُ «زنجر» وهو ينبَح، وحاولتُ أن أُقنِعه أن يعود إليكم، ولكنه ظل ينبَح وينبَح وهو يجري حول البئر كالمجنون، كان يُريد أن يكون قريبًا مني، لم يشأ أن يغادرني مطلقًا!

وقال «عاطف» وهو يربتُ على ظهر «زنجر»: يا له من كلبٍ وفيٍّ!

وأكملَت «لوزة» حديثها: ظلَلتُ أطفو على الماء فترةً طويلة، ولكنني تعبتُ جدًّا، فأخذتُ أتحسس جوانب البئر فلم أجد أحجارًا بارزة أصعد عليها إلى حافة البئر … ولكن ما وجدتُه كان شيئًا آخر … وتزايد انتباه الأصدقاء إلى الحديث، ومضت «لوزة» تقول: وجدت بابًا مُحكمًا بإغلاق في جانب البئر يكاد يكون في مستوى الماء، وفي المقابل — وتحت مستوى الماء بكثير — أحسستُ بقدمي ترتطم ببابٍ آخرَ، وغُصتُ وتحسَّستُ الباب الثاني، كان عند مستوى القاع تقريبًا!

تختخ: هل الماء في البئر حلو أم مالح؟

لوزة: إنه ماءٌ مالح … ماء البحر!

تختخ: ماءٌ طازج … أم ماءٌ راكد ومتعفِّن؟

لوزة: ماءٌ طازج.

تختخ: شيءٌ غريب!

لوزة: والأغرب من هذا أن الباب العلوي كبيرٌ يتسع لمرور شخصٍ مُنحَنٍ، في حين أن الباب الثاني صغير!

تختخ: هذا يعني أن هذا البئر متصلة بالبحر، ويتم ملؤها من الباب العلوي، ويتم تفريغها من الباب السفلي!

نوسة: لماذا؟

تختخ: لا نعرف … ولكنْ ثمة شيءٌ مريب، خاصة أن «زنجر» كان قد وصل إلى البئر قبل «لوزة» ونبح هناك … كذلك قالت «لوزة» إنها وجدَت آثار أقدامٍ حول البئر لرجلَين أو ثلاثة!

تحدَّث «نبيل» فقال: لقد اكتَشفتُم شيئًا هامًّا … شيئًا حدَّثَني عنه «عم سالم» كثيرًا … لقد كان الرجل العجوز يشُكُّ في وجود طريقٍ بري يربط بين حبل الرمال والشاطئ المهجور، حيث لا يستطيع أحدٌ الوصول عن طريق البحر … إن هذا الاكتشاف مثيرٌ جدًّا وهامٌّ … ولو كان «عم سالم» موجودًا لكان أكثر الناس سعادة؛ فقد ظلَّ سنواتٍ طويلةً وهو يحلُم بالعثور على هذا الطريق، إنه يعني أشياءَ كثيرةً بالنسبة له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤