محمد مهدي البصير

figure
محمد مهدي البصير.

البصير: شعلة ذكاء وشعلة وطنية، حرمته الطبيعة البصر الذي يكل، ولم تحرمه البصيرة الوقادة التي لا تخبو ولا تكل، فأحسن استعمالها، ووافق ذلك حدة في طبعه، وخير في نفسه، وهمة بين جنبيه، فقام يؤدِّي واجب الخدمة لبني وطنه مما قصر عنه كثير من المبصرين.

سمعت شعر البصير من بعيد، يوم كان في معتكفه في مسقط رأسه، فشعرت بالشعور الذي فيه، وسمعته من فم الناظم، فزاد في عيني ما هو عليه الرجل من الغيرة الوطنية، والإحساس الدقيق، وكرم الطباع.

ومع أن الشيخ البصير وُلد وعاش شبابه في الحلة الفيحاء بعيدًا عن بيئة العلم والأدب، ولم يمنعه ذلك من النظر — بعين الفكر عن طريق السمع — في أسفار الأدب وكتب العلم، فحَصَّل منها شيئًا لا يُستهان به، ثم غزرت مادته العلمية بعد قدومه بغداد واستيطانه إياها زمنًا، فوقف على الكُتب الحديثة من مطبوعات مصر والشام، كما أنَّ دخوله معترك السياسة بالخطابة، وإنشاد القصائد الحماسية الاستنهاضية في المَحافل، رفعه إلى المنزلة التي يتمتع بها اليوم.

في شعر المهدي كثير من طباعه وأخلاقه، تعجبك معانيه البديعة، ويستفزك أحيانًا أُسلوبه المُبتكر، يحلي كل ذلك وطنية صحيحة، وشمم عربي طُبع عليهما هذا النَّابغة العراقي المحبوب.

•••

وُلد محمد مهدي في الحلة الفيحاء سنة ١٣١٣ هجرية، وتتصل أسرته بقبيلة كلاب، وهي أسرة دينية تتبادل المقام المنبري على سبيل الإرث، اشتُهر منها بضعة رجال في العلم والأدب قديمًا.

نشأ في مسقط رأسه، وبعد أن تعلم المبادئ قرأ على جملة مدرسين قديرين شيئًا من النحو والصرف والمنطق، وقد حصَّل بالمطالعة نصيبًا ليس بالقليل من العلوم العصرية، مع أنه فاقد البصر.

وأول شعر قاله سنة ١٣٢٧:

سلسال ثغرك يا رشا
لم يُروَ منه العاشقون
وبريقك المعسول فلـ
ـيتنافس المتنافسون

بارح الحلة سنة ١٩٢٠ وجاء عاصمة العراق، وظل فيها يخدم أمته بإلقاء الخطب والقصائد الاستنهاضية، ولقد كان من عمله تأثير كبير في بث الحماسة الوطنية، وتحبيب الاستقلال إلى أبناء الأمة في عهد عصيب، هو عهد ثورة ١٩٢٠ في العراق وبعده، فسُجن في بغداد مرة، ونُفي إلى هنجام مرةً ثانيةً لاشتراكه في التدابير السياسية التي قام بها جمهور من العراقيين في بغداد وخارجها.

•••

للمترجم قريحة وقَّادة وذكاء فوَّار؛ فلا تقرأ عليه شيئًا إلا ووعاه، ولا تبادهه بالكلام حتى يجيبك على الفور بجواب فيه النكتة، وفيه الروعة مع السداد.

وليس للشيخ البصير مذهب خاص في شعره أو كتابته، إنما هو مطبوع على محبة الجديد، فيحاول أن يسير في هذه الطريق في منظومه غير أن تحصيله من ذلك أقل من جهده الذي يحمد عليه.

وهو مثال الجلد وقوة الإرادة، وقد انْضَمَّ إلى طلبة مدرسة الحقوق ليستمع الدروس الحقوقية ويستفيد.

•••

واجتمع للمترجم مما نَظَمَه ديوانٌ ضخم، لم يسلم من نكبات الدهر مرتين؛ الأولى في واقعة الحلة الشهيرة، ففقدت مجموعته التي كانت تحوي ثلاثة آلاف بيت، والثانية اختلست منه في ٥ ربيع الأول سنة ١٣٣٦ مجموعة تضم نحو ألفَي بيت.

(١) آثاره

  • البابليات: وقد أخذ في جمع ما يتذكر، وما هو محفوظ من أشعاره في مجموعة حديثة، أسماها «البابليات»، فيها الشيء الكثير من سحر بابل، وكنوز الأدب والوطنية (لا تزال مخطوطة).
  • ديوان الشذرات: ديوان صغير يضمُّ مقطعات شعرية يتراوح عدد كلٍّ منها بين السبعة أبيات والبيت الواحد. طبعه سنة ١٣٤٠ﻫ في بغداد.
  • المختصر: وطبع في بغداد مجموعًا ثانيًا صغيرًا من آثاره سنة ١٣٤٠ﻫ بعنوان «المختصر» حوى بدائع النظم ونفائس النثر.

(٢) لبيك أيها الوطن

إن ضاق يا وطني عليَّ فضاكا
فلتتسع بي للأمام خطاكا
بعثت ثراك دمي فإنْ أنا خنتها
فلتنبذني إن ثويت ثراكا
بك همْتُ أو بالموت دونك في الوغى
روحي فداك متى أكون فداكا
ومتى بحُبِّك للمشانق أرتقي
كي ترتقي بعدي عروس علاكا
هَبْ لي بربك موتة تختارها
يا موطني أوَلستُ مِن أبناكا
إن يندمج جسدي بتربك باليًا
فلتقترن ذكراي في ذكراكا
أو يقتضب نفسي فما لي منة
أو لم يمنَّ به عليَّ هواكا
أو جُدت في نفسي عليك فإنَّما
هي كل ما عندي وبعض جداكا
هجعات جفني لا يَمُرُّ به الكرى
ما دام جفنك طافحًا بكراكا
لك قد خُلقت ومنك فيك فنسبتي
تقضي عليَّ بأنني أرعاكا
أتُراك تضمن لي كرامة مصرعٍ
فيهِ أبيت مجاورًا صرعاكا
كم أورثتك يد السياسة علة
فاشرب دمي وأظن فيه شفاكا
ولقد علمت بأنَّ داءك معضل
وبفضل تجربتي أصبت دواكا
ويروقني أنَّ الجراح تضاحكت
في جسميَ الدامي وإن أبكاكا
ولعلَّ صوتي حين أُخرج أنَّتي
متموج طربًا وإن أشجاكا
خفِّض رثاءك لي فإني واثق
ألَّا تشحَّ منيتي بمناكا
واحمل وسامًا فوق صدرك من دمي
ما كان أحلاه إذا حلَّاكا
ولئن مزجت دمي بدمعك سائلًا
فلقد وفيت وما عدمت وفاكا
ماذا عليَّ وما خسرت مكانة
أني أموتُ لكي أصون حماكا
قد كان حجرك ما حييت يضمني
فإذا قُتلت فقد سكنتُ حشاكا
إن لم أذُق لأذود عنك مُشَمِّرًا
كدر الحمام فلا وردت صفاكا
ثق أنني سأذب دونك باذلًا
رُوحي لأُرخصها فما أغلاكا
فليسخط الغربي أني ناهض
أقصى رجاي بأن أنالَ رِضَاكا

•••

كذبتك أقطاب السياسة عهدها
فلتضمنن لك الحياة ظباكا
أفيطلبون لك الرعاية ضلة
ما كان أقصرهم وما أحجاكا
ويؤملون لك المعونة باللها
ما كان أفقرهم وما أغناكا
لو أنصفوك لحرروك لأنهم
ربحوا قضيتهم بظل لواكا
نقضت مطامعهم سياستك التي
من أجلها عُقدت فهم أعداكا
أقم السكينة حيثُ يحسن وقعها
وسع المجال إذا استطعت حراكا
والمعرك الأدبي يعقب غيره
إن يجحدوك فهل تُطيق عراكا
لبيك يا وطني بكل ملمة
فيها يُجيب المشرقي نداكا
فلتبنينَّ لك الأسنة والظبى
حصنًا أشم به ترد رداكا
ما أولع الأحرار منك بتربة
يغدون منها بالرقاب رُباكا
يصبو قتيلهمُ بكل صفيحة
أخذته حتى صار من قتلاكا
وأسيرهم يهفو إليك جنانه
ولغير أسرك لا يريد فكاكا
يزجي الحنين إليك إلا أنَّه
بحنينه ناغاك أو ناجاكا

(٣) يا عِلم

يا عِلم عش وأعش فعصرك راقِ
لتعيد شمس الشرق للإشراقِ
أرسلت نُورك في الفضا مُتَدفقًا
فملأت فيه مطالع الآفاق
فمثقف الآراء أنت إذا شكت
أودًا وأنت مهذب الأخلاق
إن عُدت غربيا فَعلَّك ذاكر
أيام دور مرَّ منك عراقي
نظروا إليك وقد قصدت ديارهم
ورحلت عنا مؤذنًا بفراق
فاستقبلوك وللنشاط مخائل
قد أتبعت لك ضمهم بعناق
حتى وقفنا عاجزين وراءهم
وتسابقوا قصبات كل سباق
وصلوا السماء فطنبوا بنجومها
لك فوق هذي الأرض أي رواق
أصلحت أمر الإجتماع لوَ انهم
سلكوا سبيل تضامنٍ ووفاق
ورسمت نهج الإقتصاد لينعموا
عيشًا فأنت مقسم الأرزاق
وقضيت أنَّ الأمن يُحفظ بينهم
بالعسكرية وهْي أحرز واق
فتوسعوا فيها إلى أن قرروا
حكم السيوف بها على الأعناق
علمتهم أن ينقذوا ويحرروا
لكنهم جُبِلوا على استرقاق
أمَّا العقول فقد رقت وتهذبت
لكن قلوب القوم غير رقاق
ووسائط التدمير ها هي مثلت
نزعات أقطارٍ هناك دقاق
هدموا السَّلام فوطدوا آمالهم
بحماية الإِرعاد والإبراق
ليحطم المستعبدون قيودهم
فالجور آيسهم من الإعتاق
وأشقُّ من أسري عليَّ بأن أرى
يد آسري يومًا تحل وثاقي
هب أن رحمة آسري ستفكني
أوَلستُ أحمل منة الإطلاق
ولسوف أكسر غلَّ عنقي في يدي
كي لا أسلمها إلى الأطواق

•••

أنا يا رفاقي لا أُريد سلامتي
فتذكروني إن هلكت رفاقي
إن لم تعش نفسي العزيزة حُرَّة
فلأسعينَّ بها إلى الإزهاق
لأُجاهرنَّ بما تُكن ضمائري
وليكثُرنَّ وسائل الإرهاق
ولأصْعدنَّ إلى المشانق نازلًا
لثراي أو أطأ السها ببراقي
سدُّوا أمام مقاصدي عرض الفضا
فبذلت وسعي عند ضيق خناقي
وغلى الدم العربي فيَّ فواجبي
تضميخ مجدي بالدم المهراق
غضبت ليَ الأجداد في أجداثها
لما شربت الهون مُرَّ مذاق
فحلفتُ إما العز أو غصص الردى
أو لا فما أنا طيب الأعراق
أكثرت يا زمني مصائبك التي
ما كان مجهد عبئها بمطاق
والطامع المغرور دون مُخاتل
من أمتي متسلح بنفاق
ماذا الذي يترصدون رقابة
وعزائمي كشفت لهم عن ساق
صوَّتُّ في رأيي فضج مُصَفِّقًا
شعبي: لَموت أو لَعز باق
يا غاية الشعب النبيلة قرري
للقاك كيف تسابُق العُشاق
إن تذهب الحسرات في أرماقنا
فردًى وهاك بقية الإرماق
لتُوطدنَّ لك المدارس حرة
ليتم ما نبغيك باستحقاق
ليُطبقنَّ العلم عرض بلادنا
فالجهلُ أطبق أيما إطباق
ولنقبسنَّ من المعارف شعلة
مَا إنْ يهدِّد ضوءها بمحاق
إن المدارس في البلاد حدائق
شجر العلوم بهن ذو إيراق
وإذا طما الإصلاح بحرًا مُفعمًا
سقت المحيط من العقول سواق
غرس النُّهى أزهاره فهبوا لها
يا قوم ثرَّة نائل دفاق
فتعلموا طب السخاء فقد شكت
هذي المعاهد علة الإملاق
لا يعقب الإمساك غير مَذَمَّة
والحمدُ كل الحمد في الإنفاق

(٤) حول الأدب وخمائله

يا مطلع الأزهرين العلم والأدبِ
ردي إلينا رقيَّ الشرق والعربِ
ما أنت إلا سماء أطلعت شهبًا
وهل لديك سوى الأفكار من شهب
ما أنت والله إلا قطب نهضتنا
«وهل تدور الرحى إلا على القطب»
نحن الظماء وحوض العلم مشرعنا
فلينهل الشعب من سلسالك العذب
يا أم نحن بنوك الصدق فانتهجي
لنا شرائع تنهانا عن الكذب
يا أم إنْ يسقنا الإصلاح درته
فقد وجدنا بك العرفان خير أب
لَيشكرنَّك من هذبت فكرته
لا تنكر الزهر يومًا منة السحب
كان افتتاحك أقصى ما أُؤَمِّله
لقد نجحت وهذا منتهى أربي
جاءَت بك الحفلة الغراء شائقة
مما تلابست الأشعار بالخطب
إن أمَّلت أُمَّة إدراك بغيتها
ففي المكاتب ما ترجو وفي الكتب
لولا المدارس لم تصلح مداركهم
والرأي لم يعلُ والأخلاق لم تطب
إن يطلب المجد جدا في معارفهم
فإنما الفوز كل الفوز في الطلب
ما أفضل العلم إما زين في أدب
ما أحسنَ الثغر إما حفَّ في شنب
أواه من لي بآراءٍ يُوحدها
قوم يفوزون بالأسمى من الرتب
إن البلاد إذا آراؤها الْتأمت
فإنها ذات شمل غير منشعب
وكيف تحيا البلاد لا وئام لها
إن بات يمضغها ناب من النوب
يا صاحبي وهذي الضاد قد جمعت
أبناءها والعلا منهم على كثب
أيقدمون وهم أحمى الرِّجال حمى
أم يحجمون وهذا أكبر العجب
فلا صغار إذا هم دونها ثبتوا
ولا فخار إذا ألْوَوْا على رهب
ولن يُصان بليث الغاب مربضه
من الذئاب لوَ انَّ الليث لم يثب
ولا ألوم قويًّا في إرادته
إنْ قال لا حكم إلا في يد الغلب
لكنما كل ذَمِّي للضعيف إذا
ظنَّ المسبب أن يعطي بلا سبب
لقد بليت بأقوام تكاشرني
وللضغينة حبلٌ غير مقتضب
إني تبيَّنْتُ ما تخفي ضمائرهم
وكيف يخفى لهيب النَّار في العشب
لا ألعبنَّ لهم أدوار مُنتبه
حتى يُفرق بين الجد واللعب
لا كهرباء بنفسي لا يُحركها
إلى الحماسة يومًا باعث الغضب
وإنما كل هذا الكون معترك
والحرب تسلمنا فيهِ إلى الحرب
إن كنت يا صاح ألقيت السلاح به
عجزًا فما أنت إلا عرضة العطب
لا حقَّ للمرء في مَجد يُحاوله
إنْ شَحَّ بالنَّفس أو إن ضنَّ بالنشب
لا تبخلي اليوم يا بغداد في ذهب
على معاهد تحيي عصرك الذهبي
جلت مواهب شعبي غير أنَّ له
عتبًا على كل ذي مالٍ ولم يهب

(٥) لِيُحيِ العلمَ مجددُه

وطني والحَق سينجده
ما زلت بحبي أعبده
سيصوغ العدل لدولته
تاجًا والله سيعقده
ليعشْ أبطال سياستنا
ليفزْ بالمُلك مؤيده
ليهزَّ الرمح مُثقفه
وليُدْمِ السيف مجرده
ولنطوِ الجهل وندفنه
ولِيُحْيِ العلم مخلده
ولنرفعْ راية نهضتنا
فنذود الجهل ونطرده
سنثير الشعب وننقذه
ونُقيم الكون ونُقعده
سنعيد الشرق لسلطته
وبحد السيف نحدده
أشقته سياسة مضطهد
ستقلَّص عنه فنسعده
ستنير شموس معارفه
والسعد سيزهر فرقده
ستدرُّ منابع ثروته
والعيش سيعذب مورده
سنقيم صروح سياسته
ودعام العدل نوطده
ونبث النور وننشره
ونراعي الحق ونعضده
وظلام الجهل نمزقه
وشباب الحكمة نرصده
أرشيد الشرق أعد نظرًا
في الشرق فإنك مرشده
أبقيت العز له فعفا
فأطلَّ عسى تتفقده
ولتشرف نفسك حيث رقت
من فوق النجم فتشهده
وابعث عن طرق أشعته
صوتًا ستظل تردده
أين الزوراء ومَنْعتها
ورقي الشعب وسؤدده
أم أين معاهد حكمتها
والعلم ومن يتعهده
أم أين معاقل قوتها
والجُند معًا ومجنده
أم أين براعة ساستها
في أمر عز معقده
أم أين تناصح قادتها
إن شب الزحف فتخمده
أم أين نفوذ حكومتها
أو مطلقه ومقيده
أم أين لوايَ وحامله
والسيف ومن يتقلده
أم أين الملك وشوكته
وطريف المجد ومتلده
تاريخ كنت أُبيِّضه
لا عاش اليوم مُسوِّده
إن أخلق ثوب كرامتنا
يا «فيصل» أنت مجدده
فعلى اسم الله أعد شرفًا
كنا للعرب نُشيِّده
والْعَب أدوارك مقتفيًا
خطواتي فيما تقصده
وسلام اللهُ عليك فثق
بالنَّصر فسوفُ تزوده

(٦) غيرة النعمان

يا علم أنت مُحرر الأوطانِ
فانشر لواك لنا على الشبانِ
وأقم بهم أود البلاد ليُصلحوا
ما أفسدته طوارئ الحدثان
أثرِ الحمية فهْي ملء صدورهم
ودع الحفاظ يهز كل جنان
يا علم أنت أبو الصواب أخو النُّهى
حقل السعادة زهرة العمران
بالله إن هذَّبت عقل مُفكر
منا فهبه نزاهة الوجدان
إن لم تمثل فيه جرأة باسل
فليفضحنَّك عنه عجز جبان
علِّم رجال الشَّرق أن يتكاتفوا
بقضية القاصي معًا والداني
لتزف مصر إلى العراق ودادها
وليرفق السوري باللبناني
علِّم فتى قحطان أن تسمو به
همم الملوك الصيد من قحطان
فإذا رأى غلواء كسرى عصره
فلينهضن بغيرة النَّعمان
حيثُ الوقود تناظرت وتساجلت
بعلوِّ قدرٍ أو برفعة شان
جالت هناك الرُّوم والهند التي
أخذت تجاري الصين في ميدان
وتذكر النعمان سؤدد قومه
فأحلهم في الفخر أي مكان
فأصاخ كسرى ثم قال بلهجة
تشتد فيها سورة الغضبان
فكرتُ يا نعمان في الأمم التي
حولي وأنتم بينها جيراني
فرأيت أنَّ الناس تأخذ حظها
بالجد من علم ومن عرفان
فالصين في آلاتها والهند في
آرائها والروم في الأديان
ورأيت حقًّا أنَّ شعبك خامل
خالٍ من الحسنى أو الإحسان
الجهل والإملاق قد حكما بكم
حتى خسرتم أيَّما خسران
أبذاك قل لي أم بهذا فخركم
فهما بحمد الله مجتمعان
لا همِّ إلا دولة اليمن التي
ما نظمت ورقت برأي يماني
لكن بنى جدي وأسس ملكها
فالفخر في تأسيسها للباني
هيموا بأقطار الجزيرة إنها
شقيت لعمر الله بالسكان
وأَدُوا البنات لفقرهم وتشتتوا
زمرًا بلا ملك ولا سلطان
فدعوا الفخار فما لكم من رايةٍ
بين العروش ترف والتيجان
فتربع النعمان ينصب عنقه
عند البيان وجاش كالبركان
قال: المآثر والمفاخر كلها
للعرب موهبة بكل زمان
فهمُ الأُلى ألِفو السَّماحة والقِرى
وتسابقوا في كل يوم طعان
تنهلُّ أنملهم بأمواه الجدى
طورًا وتخضب بالنجيع الفاني
جمعوا الصباحة والعفاف إلى الحيا
بمخائل الفتيات والفتيان
ورست حلومهمُ فهن رواجح
إن خفَّ يومًا جانبا شهلان
ومن السجايا البيض عندهم الوفا
فاطلبه في خبر لهم وعيان
أمَّا الذكاء فإنَّ في قرع العصا
ما لا يرد عليه من برهان
وتنافسوا بالشعر وهو مُهذب
شفع الحنين رقيقه بحنان
ضربوا به الأمثال وهْي بديعة
ليلذ فيه الحدو للركبان
يعتادهم كبر الملوك وإنهم
خدم ببيت المجد للضيفان
ركبوا منون الخيل وهْي حصونهم
مُتفيئين أسنة المران
بادين لا تحضرون لأنَّهم
يأبَوْن دار الذل والإذعان
لكنما اليمن العظيمة قد جنت
ذنبًا وصاحبها المُسيء الجاني
وتر القبائل حوله فتنافرت
عنهُ لبغي فيه أو طغيان
ولو اتقى بهم الخطوب لسلهم
سيفًا يعز به حمى غمدان
تمَّ النهى في العرب حتى أنني
لم أدرِ أين مواضع النقصان
أنا لا أُقَدِّسهم لأني حاكم
فيهم وإن رجالهم أعواني
لكنني أجدُ الفضيلة كلها
فيهم فتنصرها يدي ولساني
فأقر كسرى بالحقيقة إنها
لتنير بالإفصاح والتبيان
وأجل صدق العزم فيه لأنه
خلق الكريم وشيمة الغيران
ثم انبرى النُّعمان نحو بلاده
يطوي الضلوع على حشاشة عاني
ودعا أكابر قومه فتواردوا
متوافدين له بغير توان
فروى لهم أقوال كسرى كلها
موصولة بمقالة الرنان
وجزَوْه إطراءً فصرَّح أنَّه
يخشى دسائس صاحب الإيوان
وهناك سرَّحهم إليه ليعلموا
ما قد أَسَرَّ لهم من الشنآن
وأتَوْا إليه فناضلوا ببلاغة الـ
ـحُكماء أو ببسالة الشجعان
وتفننوا في القولِ حتى إنه
كالسلسبيل يروق للظمآن
وقفوا وقد نثروا الصواعق حوله
ولرُبَّما نثروا عقود جمان
يتلو الخطيب زميله وكلاهما
في ذكر مجد العرب متفقان
يتباريان سياسةً وحماسةً
وهما بدفع الظلم متحدان
كلٌّ يريك صرامة بلسانه
تغنيه من وخزات كل سنان
حتى إذا اختتموا الكلام أثابهم
شُكرًا عليه أخو بني ساسان
وغدا يبثهم النصيحة والثنا
ولوى من الجبروت فضل عنان
فهلم ننشر ذكرهم لنعيدهم
أحياء ننشرهم من الأكفان
هيا نمثل للملا أرواحهم
فالفضل للأرواح لا الأبدان
ولنعرضنَّ بقية العرب التي
تركتْ بأندلس لكل هوان
أبقية العرب الأماجدِ خبري
عمَّا جنته معارك الإسبان
قُصِّي لنا تلك الوقايع إننا
نجري القلوب لها من الأجفان
كم قد بنينا للمعارف معهدًا
فقضَوْا بهدم دعائم البنيان
جمعت به الأسفار إلا أنها
عادت برغمك طعمة النيران
شبوا بها النيران حين تأججت
بمجامر الأحقاد والأضغان
يا ليت شعري والمصائب جَمَّة
بِعَدَاوة الإنسانِ للإنسان
ماذا رأى الإسبان حين تناهبوا
مُهج الشيوخ وأنفس الصبيان
أبقية العرب الكرام أليةً
بعلي نزار بمجدك العدناني
لنجددنَّ لك الحياة شريفة
بحماية الأقلام والخرصان
برعاية العلم الحديثِ فإنَّه
لك أو لنا يبني أعز كيان
يا علم عدنا للنهوض فعد لنا
«يا علم أنت محرر الأوطان»
يا علم إنا سائرون إلى العلى
«فانشر لواك لنا على الشبان»

(٧) نجوى الشمس

لك يا شمس دولة في الفضاءِ
يصل الأرضَ حكمُها بالسماءِ
فوق سطح الغبراء مجدك عالٍ
وهْو أعلى في القبة الزرقاء
تبعتك الكرات فاجتذبيها
تحتَ تيار قوة الكهرباء
أنت ألفتها فكانت كشعب
يطلب المجد عن طريق الإخاء
فتوسطتها كأنك ملك
حفَّ فيه جمع من الكبراء
في فم الجوِّ من سناك لسان
لا تباريه ألسن الخطباء
كم وكم آية له بهرتنا
في بيان الطبيعة الخرساء
طفح النور من جبينك لكن
صقَّلته لنا مجاري الهواء
فابعثي في عقولنا كل نور
ولِّدي يا ذكا كل ذَكاء
إنَّ فعل القوى ليعلو ظهورًا
بك مهما تبرقعت بالخفاء
لست إلا كما روى العلم نارًا
هددتها الأيام بالإنطفاء

شمس بعد شمس

إن تلاشت بك القوى لفناء
فستجري بطبعها للبقاء
فإذا ما تجزَّأت في فضاها
وتولت منثورة كالهباء
فستستأنف اضطرامًا جديدًا
تبتديه من موضع الإنهاء
ثم ترقى بسلم النشء مهما
ساعدتْها عوامل الإرتقاء
وعلى ذاك فهْي تنشأ شمسًا
تتجلَّى بمثل هذا الضياء

مثال الأموات في الأحياء

وكذاك الإنسان يبلى ويحيا
فمثال الأموات في الأحياء
وقوى كل أمَّة هلكت قبـ
ـلُ بأحشاء هذه الغبراء
حللتها وركبتها من اليو
م فروح الآباء في الأبناء
إنَّما هذه البسيطة قبر
ضم بين الراقين والبسطاء
غيَّرتهُ يد التطوُّر حتى
صار مهدًا للبله والنُّبغاء
فبنا الأرض مثلت كل جيل
كان فيها مفرق الأشلاء
مثلما تنقض البناء وبالأنـ
ـقاض منهُ تعيد نفس البناء
أو كحب الحصيد ينبت زرعًا
إنْ تَرَبَّى ما بين ترب وماء
كل ما في أسلافنا فهْو فينا
من خيالٍ أو حكمة أو دهاء
من نشاط أو قُدرة أو خمول
أو نبوغ أو غدرة أو وفاء
إنَّ جرثومة الحياة لتنمو
ببنيها في الأخذ والإعطاء
أنعشتها لنا كما أصلحتها
صلة الأبعدين بالقرباء
فارتقت سنة الحياة وفزنا
بصلاح الآراء والأعضاء

النور والظلماء

ونعم إننا خطونا إلى النو
ر فملنا تيهًا إلى الظلماء
وسعينا وقد تأصل فينا
طلب العلم وارتياد الفناء
فأضاءت عقولنا ثم درت
ديم الرزق من سماء الرخاء
وانصرفنا إلى النَّعيم ولكن
من شقاء مصيرنا لشقاء
نطلب العلم كي ننظم فيه
أو لتُحمى مَصالح الأقوياء
نبتغي المال كي نعذب فيه
لا لنبقى براحة وهناء
ما فتحنا معاهد العلم إلا
وخططنا مصارع الشهداء

الابتكار والنار

أيُّها الساسة الأعاظم ميلوا
عن طريق الخيال والخيلاء
ليس في الكون من يسود عليه
وعلى ذاك جملة الآراء
أنصفونا منكم ومن سلطة النا
ر فقد جار حكمها في الفضاء
خلصوا الأرض من معارف قوم
عرضوها بأسرها للعفاء
انظروها فكم جرت من دموع
بثراها ممزوجة بدماء
فاعصموها ونزهوا العلم مما
أوجبته مقاصد الزعماء
نشطوا النَّار في المصانع حتى
أكلتهم بساحة الهيجاء
سلطوها على العدو فقال الـ
ـحق يا قوم كلكم أعدائي
فامنعوا الإبتكار فيها وإلا
ما لنوع الإنسان غير الفناء
ما لمستحدث الوسائط للقتـ
ـل سوى قتله بها من جزاء
جربوا فعلها به وامحقوها
فهْو أولى بها من الأبرياء
ذاك صلٌّ يستأصل الناس نهشًا
ما لهم غير قتله من شفاء
جال في خاطري اليراع ولكن
جاء يمشي به على استحياء
عنَّ لي واجبٌ فناديت فيه
طوع رأيي ومن يلبي ندائي
أتمنى إحراز قصدي ولكن
يغلبُ الظن أن يخيب رجائي
أين أين الروح السياسي مما
تقتضيه مبادئ الحكماء
ربِّ من للضعيف رحماك يا ربِّ
أعذنا من قسوة الرحماء
ليت شعري من أين يلتمس الصِّدْ
ق وهذي صداقة الأمناء

يا غرب

لك يا غرب خطة رسمتها
نزغات الغرور والكبرياء
آيستنا من كل ما نتمنى
من هناء نروده أو صفاء
فتمهَّل فما يضيرك إلَّا
ما نرى من تغطرس العظماء
فيك يا غرب علة الشرق عادت
بانقسام الأغراض والأهواء
ولماذا سرى بك الداء لما
شرع الشرق بانتجاع الدواء
كنت في مثل عجزه وسيبني
مثل ما شدته من العلياء
قضت الحرب أن يهذب لكن
بمساعي رجاله الخبراء
وسينهي تهذيبه بكفاح
فيه يعطي شهادة الإنتهاء
فيدير استقلاله المطلق الحر
بأيدي أبنائه القدراء
أيقظونا لغاية ثم قالوا
راقبوهم فالقوم في إغفاء
ذهب الليل أسودًا فانتبهنا
إذ أتى الصبح باليد البيضاء
فسيشقى شعب ويسعد شعب
بانتقال السراء والضراء
قيل أين السلام قلتُ لهم ما
ت وهاكم له شجيُّ رثائي
رسمتهُ صحيفة الكون سطرًا
فأزالته سلطة الرقباء
أتسير البلاد إلَّا لحرب
بعد حرب مرت بها شعواء
سوف لا تترك الزوابع زهرًا
في رُبوع الحديقة الغناء
وستروي منابت الزهرة الخضـ
ـراء لكن بالدمعة الحمراء
طال ما غنَّت العنادل فيها
وستملي الرثا بعيد الفناء

الحق والرئيس ولسن

قلت للحقِّ هل وجدت نصيرًا
قال أعدايَ كلُّهم نصرائي
قلت قد شَدَّ ولسن لك أزرًا
قال إني بليت بالضعفاء
قلت كان الرَّئيس ذاك خطيرًا
قال لكن يدين للحلفاء
قُلت ماضٍ حسامه قال لكن
هو لا شك حاضر الإمضاء
قلت هل شفى بقلبك جرحًا
قال كلَّا فالجرح في أحشائي
قلت هلا حزنت يوم تولى
قال منه ضحكي معًا وبكائي
قلتُ فادرأْ عنك الخصوم جدالًا
قال أواه جلُّهم أصدقائي

(٨) بقدر ما نرتقي تعلو بنا الرتب

معاهدَ العلم إن ينهض بك العرب
فسوفَ يزهر فيك الفضل والأدب
عرفتهم قبل أجيالٍ بما وُهِبوا
من النُّهى ومن الجدوى بما وَهبوا
فاستبشري فلقد جاشت حَمِيَّتُهُم
وصمموا أن يقوموا بالذي يجب
وأنت في رأيهم أقوى حصونهمُ
وإنما الكتب فيك الفيلق اللجب
لذاك ألقَوْا لك الآمال وانتجعوا
بك العلى وإلى أحضانك انقلبوا
كوني لإصلاحهم أو فخرهم سببًا
فكل أمرٍ له في بدئه سبب
وقرِّبيهم إلى العلياء كافلة
بدفع ما رهبوا أو نيل ما رغبوا
ونظمي شمل أهل الفضل واجتهدي
في حفظ ما نظموا للشعب أو كتبوا
وأنزليهم من التقدير منزلة
يرقى بها الأفضلان الشعر والخطب
فما يجدُّ أديب غير محترم
كي لا يضاع بما لا ينفع التعب
أما أنا فبأعمالي وإن صغرت
أنال بعض الذي تقضي به الإرب
بعزمة أنتضيها وهي مرهفة
إمَّا تكسرت الأقلام والقضب
ومبدأ أنا ترب الحادثات به
حتى تغيَّب وجهي دونه الترب
هي الفضيلة في بغداد بائسة
مطروفة الطرف لا عزٌّ ولا نشب
لكنها إن رأت سعدًا يطالعها
فمن سما المعهد العلمي يرتقب
هذي الحقائق والتأريخ أثبتها
للباحثين وقد زِينَتْ بها الكتب
درستها وتحرَّيت الصواب بها
فلم تحم حوليَ الأوهام والريب
قد نبأتنيَ أن العلم غلَّبَنا
أيام للشرق كان العز والغلب
فالجهل خدَّر أعصاب الشعوب لنا
والعلم قال لنا يا مصلحون ثبوا
حتى رفعنا على الدنيا لنحكمها
عرشًا عليه لواء العلم منتصب
هناك دولتنا جاءت مُحببة
في الناس لا الخوف يحميها ولا الرهب
وغُذيت بلبان الفضل ناشئة
لها الحضارة أمٌّ والسلام أب
تلك المبادئ شدت أزر نهضتنا
لذاك باهت بها أمثالها الحقب
لم نعرف الحكم إلا في معارفنا
فنحنُ للعلم قبل السيف ننتسب
ومذ أضاع حماة الضاد حكمتهم
بجهلهم قبل أسياف العدى ضربوا
وعاد للغرب جد الشرق منتقلًا
وصار للشرق منه اللهو واللعب
وأزهرت في سماءِ الغرب شمس نهى
كانت وراء ظلام الجهل تحتجب
وجدَّ أبناؤه علمًا وتجربة
فجددوه ونالوا كل ما طلبوا
وقدَّموه إلى أن صار يحكمنا
فالرفق إن شاء أو فالويل والعطب
وليس ينزع إلا العلم من يده
حقًّا لنا إن جهلنا فهو مغتصب
فنحن والحق بادٍ لا مراء به
«بقدر ما نرتقي تعلو بنا الرتب»
لكننا نبتغي أن لا يهذبنا
قوم سوانا وإن جدوا وإن دأبوا
فالغرب أصلحه أبناؤه وكذا
سيُصلح الشرقَ أبناءٌ له نُجُب
فُديت بالمال، بالأرواح يا وطني
ففيك فيك يصان المجد والحسب
هانت علينا دمانا في مبادئنا
فهل يعز لدى تعزيزها الذهب
وكل ما قد بذلناه ونبذله
لشعبنا في سبيل المجد محتسب
يا قوم إن لم تقم بالعلم دولتنا
فالأمر منصدع والشعب منشعب
هيا لنأخذ أقصى ما نؤمله
فليس يُجدي إذا ما أُعطي اللقب
لِتحْيِنا شعلة للفضل نقبسها
إن الحياة بوجه الشمس تلتهب
لننهلنَّ كُئُوس العلم طافحة
بريها فهناك السلسل العذب
ليشرق المعهد العلمي مفتتحًا
مُرحبًا ببنيه صدره الرحب
لئن تجلَّى به وجه المليك لنا
شمسًا فأحرارنا من حوله شهب
نعم هو الشمس لاحت ملء مطلعها
وكلنا أنجمٌ للشمس تنجذب
فلْتحيَ أمتنا ولْيحيَ منقذها
لأنَّه في رحى إصلاحها القطب

(٩) آه على وطني

آه على وطني قد لج في صبب
وكان عهديَ فيه جد في صعد
كأنني كُلَّما أبغي الرقيَّ له
أدعوه جهدك فيما أنت فيه زد
إني وإن يتهم أهلوه ناصحهم
لمذودي عن غريب النُّصح لم أذد
يا عقدة الجهل في أرجاء بابل قد
حيرت هاروتها النفاث في العقد
أكاد والجهل ملء الشرق مطرد
أراه في غير أرضٍ غير مطرد

(١٠) الصمت والنصيحة

ومُتَّجر بالنُّصح ترَّب كفه
فآب ولم يعقب تجارته ربح
رأى النصح لم يقبل فلازم صمته
ليحفظ ممن ليس يحفظه النصح
دعا برجالٍ أن يهبوا إلى العلى
ولكنهم من سكرة الهون لم يصحوا
أراد ليأسو من حشى الشعب جرحه
وكيف التداوي والحشى كله جرح
تحاربه في الرأي كل بلاده
فبينهما لم ينعقد أبدًا صلح

(١١) مقر التاج

هبي إلى المجد يا بغداد ناهضة
وليتَّبع خطط الآباء أبناكِ
وأنت أنت إذا ما زاغ منقلب
فواصلي لسرير المجد مسراك
لا صوت يعلو على صوتٍ تصاعَد من
صميم قلبك أو أعماق أحشاك
لا أوترت بك قوس الاختلاف يد
فإنَّ سهم هلاكٍ عنه أصماك
غداة أعملَ فيك البغيُ شفرتَه
وما الحضارة إلا بعض قتلاك
فهدَّ للعدل صرحًا فيك ثم بنى
للجود صرحًا على أجساد صرعاك
عودي بتاج بني العباس منتظمًا
فلا مقر لذاك التاج إلاك

(١٢) مؤتمر باريز

للبرق فينا يد بيضاء نشكرها
يروق في الكون منها العين والأثر
سيقت إلى الناس أنباء الحياة به
فصار يحمد منه الورد والصدر
ترن إن حركت أسلاحه ولقد
يفدى لرناتها إن حرك الوتر
فقد روت أن في باريس مؤتمرًا
السلم منه لكل الأرض منتظَر
تباشرت طربًا فيه الشعوب كمن
بشَّرته بحياة وهو محتضَر
نادٍ تضم إليه الأرض ساستها
كي لا يحيق بها من بعده خطر
وكل ما نتمناه ونطلبه
أن لا يغير يومًا صفوه الكدر

(١٣) حوض أم سراب

تمنيت أن يمتد ذكريَ في الملا
وها أنا مذكور بكل لسان
وقد عدت أرجو أن أضاعف سؤددي
لذاك عدتني فترة المتواني
ولو لم أذق من حوض مجديَ نهلة
لما خلته إلا سراب أمان
سأسعى وراء العلم مُلتمسًا له
لأحرس فيه ما حييت كياني
خشيت العدى يا علم حقًّا ولم أكن
لآخذ إلا منك نص أمان

(١٤) العقل

ما العقل إلا كتاب
في الشرق والغرب يسطر
لم ينظر الغرب فيه
حتى وعى فتدبر
وما بنا الشرق عنه
حتى انثنى فتدهور
فالنقص في حيث يُطوى
والفضل في حيث يُنشر

(١٥) بين الشرقي والغربي

تطول يدُ الشرقي عند نهوضه
إذا مر دور الجد وهو قصير
ولا ينكر الغربي أن رقيه
يروق إذا مرت عليه عصور
وما نبغت في الشرق كالعرب أمة
فليس لها في من رأيت نظير
فيا وطني شمر إلى الجد ناهضًا
فأنت على ما قد أردت قدير
ولا بد من أن تستقل وترتقي
وإن دب في الأعصار منك فتور

(١٦) الانشقاق

أنا لا أرى أن المصا
لح تقتضي دعة البشر
فالإنشقاق محكم
فيهم كما روت العبر
فالشرق لو حفظ الوفا
ق عدته عادية الغير
والغرب لو نبذ التنا
زع لم يهددهُ خطر

(١٧) ضيعة الوجدان

أبت الحياة فحاربت أوطانها
فئة تهدد بالخطوب كيانها
ورأت بأن الغرب ملك أمرها
فتطامنت تلقي إليه عنانها
ماذا الذي باعت به أخلاقها
ولحفظ ماذا ضيعت وجدانها
ألدرهم وأمامها الوطن الذي
في الصدق يغنيها ويرفع شأنها
ليس المُحارب للبلاد عدوها
لكن من قد أنجبته فخانها

(١٨) الدمع والابتسام

همت بلبنايَ فيا ناصحي
إن زدت نُصحي زدت فيها هيام
دعنيَ إني لا أخون الهوى
والدمع أولى بي من الإبتسام

(١٩) حكم الجمال

حكمت يا لبنايَ في مهجتي
فقلت ما أجمل حكم الجمال
إن لم أمت فيك شهيد الهوى
فليتني لا نلت منك الوصال

(٢٠) هي عنوان نزعة مضرية

كلماتي كمبدئي جوهريه
محكمات غاياتها حكميه
وسمتها الأقلام بالنور لما
أفرغت في قوالب ذهبيه
لقبوها بالبابلية لكن
هي عنوان نزعة مضريه
لم أناطح بها المشانق إلا
دون مجد الجنسية العربيه
علمتني بها الصراحة أني
أتحرى الحرية الأدبيه
ولعلي أحيا بموتة حر
عوذت فيه روحه الوطنيه
إن تسلحت في شعوري وشعري
فدفاعي عن حوزة الحريه

(٢١) قالت سعاد

قالت سعاد وقد شكوت لها الهوى
مما بروحي برحت آلامي
أمن الخصور قد انْتحلت نُحُولها
ومن الجفون سرقت كل سقامي

(٢٢) أيها الحبيب

حبيبيَ قد ملكت رقي فرق لي
فما الصبر عندي يا جميل جميل
أحبك فارفق بي أحبك فارعني
أحبك لكن ما إليك سبيل

(٢٣) لوعتي والصبر

ولقد صبرت وفي فؤادي لوعة
تطوي على جذواتها أضلاعي
لا يقضينَّ الصبر قبلي نحْبه
كي لا أعيش فأشتكي أوجاعي

(٢٤) خذ قبلة

قالت وقد أكثرت عتبي لها
لغلطة في الهجر أو زله
أنعقد الصلح؟ فقلت اعقدي
صلحًا فقالت لي: خذ قبله

(٢٥) خذها ولا تخف

قال خذ ما ترومه
فعذولي قد انصرف
قلت جد لي بقبلةٍ
قال خذها ولا تخف

(٢٦) رنات الأنين

نزفتِ سقيط دمعك يا جفوني
على نغمات رنات الأنين
أروم على الصبابة لي معينًا
وما لأخ الصبابة من معين
وها أنا قد خفظتهمُ ولكن
كما ضيعت قلبي ضيعوني
فكم لي من دموعٍ راقصات
إذا شَدَتِ السواجعُ في الغصون
وفي سهري تُشاركني الدراري
كأن النجم أرَّقه حنيني
وكم تحت الدجى أسهرت عيني
لحور قاصرات الطرف عِين
ولست على احتمال الهجر أقوى
فرفقًا يا ضعيفات الجفون

(٢٧) قيامة الهوى

أمقيمًا قيامتي بهواه
هاك قلبي فليصلَ فيها سعيرا
وإلى نار وجنتيك مصيري
غير أن لا أقول ساءت مصيرا

(٢٨) الجمال والدلال

لك يا قاتلي لحاظ غزال
بعثت فيَّ نزعة غزليه
لم تحرك عواطف الحب إلا
هيجتني فحركت لي رويه
أسكرتني شمائل لك رقت
هي والله خمرة بابليه
آه كم قد سحرتني بحديث
صورت فيه روحك الأدبيه
فتبسم مع الحديث بثغر
أشبهته ألفاظك اللؤلئيه
أقرأتْني بك الطبيعة شعرًا
رسمته أقلامها المعنويه
من جمالٍ إلى دلالٍ بغنج
في حياءٍ بعفةٍ مريميه

(٢٩) نعمة البلبل

أطربني البُلبل لمَّا شدا
فرقص القلب بألحانه
يكفيك من نغمته أنَّها
أسلمتِ الصَّب لأشجانه

(٣٠) يا رشا

سلسال ثَغرك يا رشا
لم يُرْوَ منه العاشقونا
وبريقك المعسول فلـ
ـيتنافس المتنافسونا

(٣١) العيون النجل

العيون النجل أوحت
ليَ آيات الغرام
فروى شعري عن الدمْـ
ـع حديث الإنسجام

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤