الباب الثاني عشر: قاو تسو

١

سأل مواطنٌ من دولة رين Ren   وو-لو تسو Wu-lu-Tzu (تلميذ منشيوس): «أيهما أكثر أهميةً الطعام أم قواعد الأدب والمعاملات؟» أجابه: «قواعد الأدب والمعاملات.»

فسأله ثانية: «أيهما أكثر أهميةً الزواج أم طقوس الزواج؟» فأجابه: «طقوس الزواج.»

فسأله أيضًا: «إذا الْتزم المرء بالقواعد حتى شارف على الموت دون طعام، وكان بإمكانه الحصول على بعض الطعام دون أن يتمسَّك بها، هل سيبقى متمسِّكًا بها؟ أو إذا الْتزم بطقوس الزواج حتى فقد الأمل بحصوله على زوجة، وكان بإمكانه الحصول عليها إذا لم يلتزم بالطقوس، هل يبقى على الْتزامه بها؟»

لم يكن لدى وو-لو تسو أجوِبةٌ على هذه الأسئلة، فمضى إلى منشيوس في موطنه تسو Tsou وحدَّثه عن ذلك الحوار طالبًا مشورته، فقال له منشيوس: «وما الصعوبة في الإجابة عن هذه الأسئلة؟ إذا وضعت قِمم الأشياء على مستوًى واحد دون النظر إلى قواعدها، لكانت قطعةَ خشبٍ طولها إنش واحد بارتفاع برج. وعندما نقول إن الذهب أثقل من الريش، فنحن بالتأكيد لا نُقارن بين دبُّوسٍ من الذهب وحمولة عربةٍ من الريش؛ لذلك إذا قارنَّا حالةً يكون فيها الطعام مهمًّا مع حالةٍ لا تكون فيها القواعد ذات أهمية، فإن الأولوية تكون للطعام. وإذا قارنَّا حالةً يكون فيها الزواج ذو أهميةٍ ولا تكون طقوسه ذات أهمية، فإن الأولوية تكون للزواج.١

امضِ وتقدَّم بإجابتك للمسائل كما يلي: «إذا لم يكن لديك وسيلةٌ للحصول على الطعام سوى كسر ذراع أخيك لكي تغتصب طعامه وتأكله، هل ستفعل ذلك؟ وإذا كان عليك أن تقفز فوق جدار جارك الشرقي وتختطف ابنته العذراء لكي تحصل على زوجة، هل تفعل ذلك؟»

وفي حال الزواج فإن طقوس الزواج لها الأولوية على الزواج في الأحوال العادية، ولكن إذا كان المرء فقيرًا ولا يتحمَّل نفقات الطقوس، هل يبقى بلا نسلٍ لكي يحافظ على الطقوس؟

٢

تساو تشياو Ts’ao Chiao٢ سأل منشيوس: «يُقال إن كل الرجال يمكن أن يصبحوا حكماء مثل الملك ياو والملك شون. هل هذا صحيح؟» أجابه منشيوس: «نعم.» فقال السائل: «سمعت أن قامة الملك وِن كانت بطول عشرة أقدام،٣ وقامة الملك شانغ تانع تسعة، أمَّا قامتي فتسعة أقدام وأربعة إنشات، ومع ذلك لا أفعل سوى أكل الأرُز. كيف أغدو مثل ياو أو شون؟»
أجابه منشيوس: «لا يوجد صعوبة في ذلك. كل ما عليك فعله هو بذل الجهد. لنفترض أن لدينا هنا رجلًا لا يقدر على حمل دجاجة؛ أي إنه رجلٌ ضعيف. ولدينا آخر قادرٌ على رفع ثلاثة آلاف كاتي؛٤ أي إنه رجلٌ قوي. إن أيًّا منهما يقدر على رفع ما يقدر عليه، ووو خو Wu Huo٥ هو ندٌّ له.

ولكن المشكلة هي أن بعض الناس يشكون من قلة قدرتهم، ولكنهم لا يبذلون الجهد المطلوب. إن من يمشي بتمهُّلٍ خلف أخيه الأكبر يعبِّر عن احترامه له، أمَّا من يُسرع في مشيه ويتخطَّى الأكبر سنًّا فيُعبِّر عن قلة احترامه له. هل المشي بتمهُّلٍ أمرٌ فوق طاقة المرء؟ أبدًا، ولكنه دلالة على عدم الرغبة في ذلك.

إن طريق ياو وشون يمكن تلخيصه في بر الوالدَين واحترام الإخوة. إذا لبستَ ما كان ياو يلبسه، وقلتَ ما كان يقوله، وسلكتَ مثل سلوكه تغدو مثله. وإذا لبستَ ما كان تشيا٦ يلبسه، وقلتَ ما كان يقوله، وسلكتَ مثل سلوكه تغدو مثله.»

قال تساو تشيا: «إذا استقبلني أمير تسو وأعطاني مكانًا أقيم فيه فسأغدو تلميذًا لك.» فقال له منشيوس: «الطريق عبارةٌ عن صراطٍ عريض وليس من الصعب اتباعه، ولكن الناس لا يبحثون عنه> عُد إلى موطنك وفتِّش عنه، وستجد العديد من المعلِّمين هناك.»

٣

قال قونغ-سُن تشو Gung-sun Ch’ou لمنشيوس: «قال قاو تسو٧ إن قصيدة شياو بان Xiao Ban٨ نظمها رجلٌ قليل الذوق.» فقال منشيوس: «ولماذا قال قاو تسو ذلك؟» أجابه قونغ-سُن تشو: «لِمَا فيها من حزنٍ وامتعاض.»
فقال منشيوس: «لَكَم كان العجوز قاو تسو متعسِّفًا في حكمه على قصيدةٍ كهذه. لنفترض أن رجلًا من ها هنا أطلق عليه رجلٌ من دولة يوي Yue سهمًا. فإذا أراد هذا الرجل أن يروي الحادثة بعد ذلك رواها بمرح (باعتبارها حادثةً طريفة)؛ لأن الأذى جاء من شخصٍ غريب. أمَّا إذا كان الذي أطلق السهم أخوه، فإنه سيروي الحادثة وهو يبكي؛ لأن الأذى جاء من الأهل، ولأنه حريصٌ على أخيه. إن الحزن الذي تُعبِّر عنه قصيدة شياو بان منشؤه محبة الأهل، ومحبة الأهل فضيلة إنسانية. ولَكَم كان العجوز قاو تسو متعسِّفًا في حكمه على القصيدة.»
فسأله قونغ-سُن تشو: «لماذا لا نجد نغمة الحزن هذه في قصيدة كاي فينغ؟»٩ أجابه منشيوس: «لأن خطأ الأم في هذه القصيدة كان صغيرًا، أمَّا في قصيدة شياو بان فخطأ الأب كان فادحًا. إن عدم الامتعاض من خطأٍ فادح ارتكبه أحد الأبوَين يدل على عدم الحرص عليه، أمَّا الامتعاض من خطأٍ صغير فيدل على ردِّ فعلٍ عنيف وقلة تسامح. إن قلة الحرص ورد الفعل العنيف هما من شيمة الولد العاق، ولقد قال كونفوشيوس: كان شون مثالًا للابن البار؛ فحتى في سن الخمسين كان يحنُّ إلى أبوَيه.»

٤

كان سونغ كينغ١٠ في طريقه إلى دولة تشو، فالْتقاه منشيوس عند تشيه تشيو Shi Qiu وسأله: «إلى أين تتوجَّه؟» فأجابه: «لقد سمعت أن دولتَي تشِن وتشو تتحاربان،١١ وأنا في طريقي إلى ملك تشو من أجل إقناعه بإيقاف القتال، فإذا لم يأخذ بمشورتي سأذهب إلى ملك تشِن وأفعل الشيء نفسه، وأظن أنني سأُفلح في إقناع أحدهما.»

فقال له منشيوس: «لن أسأل عن التفاصيل، ولكني أرغب في معرفة فحوى خطابك وكيف ستعمل على إقناعهما؟» أجابه سونغ كينغ: «سوف أشرح لهما أن لا فائدة تُرجى من الحرب.»

فقال منشيوس: «إن مقاصدك ساميةٌ يا سيدي، ولكن حُججك ضعيفة. إذا اقتنع الملكان بحُجتك القائمة على الفائدة لأنهما راغبان فيها، فإن المقاتلين في كلا الجيشَين سيرغبون في وقف القتال طمعًا في الفائدة. والآن، إذا كان موظَّفو الأمير يخدمونه طمعًا في الفائدة، وكان الأبناء يخدمون آباءهم طمعًا في الفائدة، والإخوة الصغار يحترمون الكبار طمعًا في الفائدة؛ فمعنى ذلك أن الأمير والتابع، والأب والابن، والأخ الأصغر والأخ الأكبر سوف يتخلَّون عن الإحسان في علائقهم المتبادلة ويستبدلونه بالفائدة. والنتيجة أن مثل هذه الدولة آيلة إلى الانهيار.

أمَّا إذا طرحت الإحسان بديلًا عن الفائدة أمام الملكَين، فسحبا جيوشهما من الميدان لأنهما مالا إلى الإحسان، فمعنى ذلك أن المقاتلين من كلا الطرفَين سيرغبون في وقف القتال لأنهم مالوا إلى الإحسان. وهكذا إذا خدم التابع أميره رغبةً في الإحسان والاستقامة، وبر الابن أبوَيه، وأطاع الأخُ الأصغر أخاه الأكبر، رغبةً في الإحسان؛ فمعنى ذلك أن هؤلاء قد تخلَّوا عن الفائدة ومالوا إلى الإحسان، وأمير هذه الدولة سيغدو ملكًا حقًّا ومُوحِّدًا لجميع البلاد.»

٥

عندما كان منشيوس مُقيمًا في تسو Tzu، حاول تشي جِن Chi Jen وكيل حاكم دولة جِن Jen كسب صداقته وأرسل إليه هديةً ليُعبِّر له عن تقديره، فقَبِل منشيوس الهدية ولكنه لم يعبِّر له عن شكره. وعندما مكث في بينغ لو P’ing Lu،١٢ أرسل له تشو سو Ch’u Tzu الوزير الأول في دولة تشي هديةً ليعبِّر له عن تقديره، فقَبِلها أيضًا ولكن دون أن يُعبِّر له عن شكره.
وبعد ذلك عندما غادر منشيوس من تسو إلى جِن Jen، قام بزيارة تشي تسو Chi Tzu، ولكنه عندما غادر بينغ لو إلى عاصمة دولة تشي لم يقم بزيارة تشو تسو، ففرح لذلك وو لو تسو، وضحك في سرِّه قائلًا: لقد أمسكتُ عليه غلطة. ثم إنه سأل منشيوس قائلًا: «لقد قمتَ بزيارة تشي تسو عندما ذهبتَ إلى جِن، ولكنك لم تقُم بزيارة تشو سو عندما ذهبت إلى تشي. هل فعلت ذلك لأن الثاني لم يكن إلا وزيرًا؟»

فأجابه منشيوس: «أبدًا. لقد ورد في كتاب القصائد: إن المهم في الهدية هو تقديمها بكياسة، وإذا افتقدت للكياسة تغدو كأن لم تُقدِّم.»

لسماعه ذلك سُرَّ وو لو تسو، وعندما سُئل عمَّا عناه منشيوس بقوله أجاب: «لم يستطِع تشي تسو الذهاب إلى تسو، أمَّا تشو تسو فقد ذهب إلى بينغ لو.»١٣

٦

قال التلميذ تشُن-يو كون Ch’un-yu K’un لمنشيوس: «أولئك الذين يضعون الشهرة والمكانة العالية والمنجزات في المقام الأول، يهدفون إلى خدمة الناس.١٤ أمَّا أولئك الذين يضعونها في المقام الثاني فلا يهدفون إلا إلى خدمة أنفسهم.١٥ ولقد كنتَ يا سيدي واحدًا من الوزراء الثلاثة المهمِّين في الدولة، ولكنك قبل أن تحقِّق الشهرة والمنجزات في خدمة الحاكم والشعب استقلت من منصبك.١٦ فهل يحق لرجلٍ فاضل مثلك أن يفعل ذلك؟»
أجابه منشيوس: «حتى إذا كان المرء يشغل منصبًا ثانويًّا، فإنه لن يرضى بخدمة حاكمٍ سيئ إذا كان رجلًا فاضلًا. هذا ما فعله بو يي،١٧ وكذلك يي ين الذي خدم شانغ تانغ خمس مرات،١٨ وشيا تشي خمس مرات. أمَّا ليو شيا هوي فلم يشعر بالخجل من خدمة حاكمٍ أحمق، ولم يرفض منصبًا متواضعًا. هؤلاء الرجال الثلاثة سلكوا طرقًا مختلفة، ولكن هدفهم كان واحدًا وهو الإحسان.»
فقال تشُن-يو كون: «في أيام ميو Miu أمير لو Lu، كان قونغ-يي تسو Gong-yi  Tso موكلًا بشئون إدارة الدولة، يساعده في ذلك كلٌّ من وتسو ليو Tzu Liu  وتسو سو Tzu Ssu.١٩ ومع ذلك فقد تقلَّصت مساحة دولة لو بشكلٍ متسارع.٢٠ أفلا يدل ذلك على أن أهل الفضيلة لا دور لهم يلعبونه في حياة الدولة؟»
أجابه منشيوس: «لقد سقطت دولة يو Yu لأنها لم توظِّف لديها بو-لي شي Bo-li Xi،٢١ ولكن أمير تشِن وظَّفه لديه فدان له بقية أمراء الإقطاعات. إذا فشلت الدولة في استخدام ذوي الكفاءة والفضيلة سوف تُلحَق بغيرها، لا أن تخسر فقط بعض أراضيها.»
قال تشُن-يو كون: «في الماضي، عندما أقام وانغ باو Wang Bao عند نهر تشي Ch’i (النهر الأصفر)، كان سُكَّان الجهة الغربية من النهر يُجيدون الغناء. وعندما أقام ميان تشو Mien Chu٢٢ في قاو تانغ كان الناس في غربي نهر تشي يُجيدون الغناء. عندما مات (الوزيران) هوي جو وتشي ليانغ (في الحرب)، ناحت عليهما زوجتاهما بمرارةٍ شديدة، وبعد ذلك تغيَّرت عادات البلاد.٢٣ ما في داخل الإنسان لا بد وأن يظهر للخارج. لم أرَ شخصًا بذل كل جهده لتحقيق أمرٍ ما دون أن يحصل على مردود ذلك الجهد؛ لذلك أقول إنه لا وجود الآن لرجال الفضيلة والحكمة، وإلا لكنت قد عرفتهم.»

قال منشيوس: «عندما كان كونفوشيوس وزيرًا لدى حاكم دولة لو لم يعمل الحاكم بمشورته، وعندما شارك في طقوس القربان لم يُعطَ بعد ذلك نصيبًا من لحم القربان، عند ذلك غادر لو على عَجل، حتى إنه نسي أن يخلع قبعته الطقسية. إن من لم يفهم دوافع كونفوشيوس، ظنَّ أنه فعل ذلك بسبب اللحم، أمَّا من فهم دوافعه فقد عرف أنه فعل ذلك بسبب عدم مراعاة الحاكم للطقوس. لقد فضَّل كونفوشيوس أن يكون على خطأ طفيفٍ في مغادرته بهذه الطريقة على أن يغادر دونما سبب. إن تصرُّف الرجل النبيل فوق مستوى فهم العامة.»

٧

قال منشيوس: «أُمراء الدويلات الخمس كانوا مذنبين بحق الملوك الثلاثة، وأُمراء اليوم مذنبون بحق أُمراء الدويلات الخمس، ووزراء اليوم مذنبون بحق أُمرائهم.

عندما يقوم الملك بزيارة أمير تدعى زيارته هذه جولةً تفقُّدية، وعندما يقوم أميرٌ بزيارة الملك تُدعى زيارته هذه رفع تقريرٍ عن الأعمال. في الربيع يذهب الملك إلى الحقول لتفقُّد أعمال الحراثة وتقديم المساعدة لمن تنقصه البذور، وفي الخريف يذهب لتفقُّد الحصاد وتقديم المساعدة لمن خفَّت محاصيله.

إذا دخل الملك إلى مقاطعةٍ ورأى أن العناية بالحقول على أتمِّها، وأن كِبار السن يتلقَّون الرعاية، وأن الأفاضل يُكرَّمون، وأن الرجال الأَكْفاء يُعيَّنون في المناصب الرفيعة؛ فإنه سيكافئ أمير المقاطعة بإعطائه المزيد من الأراضي. أمَّا إذا دخل إلى مقاطعة ورأى حقولها يبابًا، وكبار السن مُهمَلون، والكفء لا يحصل على منصبٍ رفيع بل الجشِع، والأفاضل لا يُكرَّمون؛ فإن الملك سوف يوبِّخ أمير المقاطعة.

إذا لم يحضر أمير المقاطعة إلى البلاط فإن الملك يُخفض مرتَّبته في المرة الأولى، وفي المرة الثانية تُقلَّص مساحة أراضيه، وفي المرة الثالثة تتحرَّك نحوه القوات الملكية لكي تعزله، وفي هذه الحالة فإن الملك يشن حملةً عقابيةً ولكنه لا يقودها بنفسه، أمَّا الأمير فيشن حملةً (نيابة عن الملك) ولكنه لا يعاقِب.

ولقد قام أُمراء الدويلات الخمس بتحريض أُمراء آخرين على المشاركة في أعمالهم العدوانية؛ ولهذا قلتُ إنهم كانوا آثمين بحق الملوك الثلاثة.

من بين أُمراء المقاطعات كان الأمير هوان حاكم تشي هو الأقوى. وفي الاجتماع الذي عقدوه في كووي تشيو K’uei Ch’iu جرى تقييد حيوان القربان أمامهم، ووضعوا عليه العهد الذي قطعوه على أنفسهم كتابة، ولكنهم لم يمسحوا شفاههم بدم القربان لتوثيقه.

كان البند الأول من هذا العهد هو إعدام الابن العاق، وعدم تغيير قواعد الميراث، وعدم رفع العشيقة إلى مكانة الزوجة.

البند الثاني تكريم الأَكْفاء، وتدريب ذوي المواهب، والثناء على الأفاضل.

والبند الثالث إجلال الشيوخ واللطف مع الصغار، وإكرام الضيف والمسافر.

والبند الرابع عدم توريث المناصب، وعدم السماح لموظَّفٍ واحد أن يشغل منصبَين أو أكثر، وأن يوضع المثقَّفون فقط في وظائف الدولة العليا، والتأني في اتخاذ القرارات الخاصة بإعدام الوزراء (فلا ينفرد به الأمير).

والبند الخامس عدم وضع سدٍّ يحجز ماء النهر، وعدم تقييد صادرات القمح إلى الدولة المجاورة، وألَّا تتم الترفيعات دون إعلام رئيس التحالف.

وبعد ذلك تعاهد المتحالفون على إقامة علاقاتٍ وديَّة دائمة بعضهم مع بعض.

إن أُمراء اليوم ينتهكون كل بنود العهد هذه؛ ولذلك أقول إن أُمراء اليوم مذنبون بحق أُمراء الدويلات الخمسة.

إن عون الحاكم على التمادي في آثامه ذنبٌ صغير، ولكن العمل على إشباع رغباته المكبوتة ذنبٌ عظيم. إن وزراء اليوم يقومون بكل ما من شأنه إرضاء أسيادهم؛ لذلك قلت إن وزراء اليوم مذنبون بحق أُمرائهم.»

٨

عندما عرف منشيوس أن دولة لو سوف تُعيِّن شِن تزو Shen Tzu قائدًا عامًّا على جيوشها، قال له منشيوس: «إن إرسال الجنود إلى ساح المعركة دون تدريب يعني هلاكهم، وأولئك الذين يرسلون الناس إلى الهلاك لم يكونوا مقبولين في أيام الملك ياو والملك شون. وأقول لك إنك حتى إذا قدرت على هزيمة تشي في معركةٍ واحدة واسترجعت نان يانغ، عليك ألَّا تفعل ذلك.»

ظهر الامتعاض على شِن تزو وقال: «أنا لا أفهم ما تقول.» فقال منشيوس: «سأشرح لك الأمر بكل وضوح. إن مساحة أراضي الملك تصل إلى ألف لي مربع، وبدون هذه المساحة الواسعة لن يُقيِّض للملك أن يبسط سلطته على أُمراء المقاطعات. أمَّا مساحة المقاطعة الواحدة فتصل إلى مائة لي مربع، وبدون هذه المساحة الواسعة لن يُقيَّض للأمير الحفاظ على المؤسَّسات التي صنعها الأسلاف.

إن دولة لو، وهي إقطاعة مُنحت للأمير جو Zhou،٢٤ لم تكن مساحتها أكثر من مائة لي مربع، ومع ذلك فقد كانت هذه المساحة كافية. كما أن دولة تشي، وهي إقطاعة مُنحت لتاي قونغ Tai Gong،٢٥ لم تكن مساحتها أكثر من مائة لي مربع، ومع ذلك فقد كانت هذه المساحة كافيةً أيضًا.

اليوم صارت مساحة دولة لو خمسة أضعاف مساحتها الأصلية. فماذا تظن أن حاكمًا فاضلًا سيفعل بها إن وُجد؟ هل سيُنقص من مساحتها أم يزيد؟ إن الرجل النبيل لا يسمح لنفسه بأن يأخذ من شخصٍ ليعطي شخصًا آخر، فما بالك بمن يُضيف إلى مساحته على حساب الأرواح البشرية؟ في خدمة سيده على الرجل النبيل أن يضعه على الطريق الصحيح، ويوجِّه فكره نحو الإحسان.»

٩

قال منشيوس: «وزراء اليوم يقولون: سوف أُعيِّن أميري على ملء خزائن أمواله وزيادة مساحة أراضيه. إن من يُدعى اليوم وزيرًا جيدًا، كان يُنظر إليه في الماضي على أنه وباءٌ قاتل. إذا لم يَتَّبع الحاكم طريق الفضيلة ويوجِّه فكره نحو الإحسان، فإن من يعمل على زيادة ثروته إنما يخدم طاغيةً مثل شيا (الذي تسبَّب في انهيار أسرته الحاكمة).

ووزراء اليوم يقولون: سوف أُعين أميري على عقد تحالفاتٍ تضمن له النصر في حروبه. إن من يُدعى اليوم وزيرًا جيدًا كان يُنظَر إليه في الماضي على أنه وباءٌ قاتل. إذا لم يتبع الحاكم طريق الفضيلة ويوجِّه فكره نحو الإحسان، فإن من يعمل على دعمه في حروبه إنما يُعين طاغيةً مثل شيا.

إذا بقي الحُكَّام سائرين في هذا الطريق دونما تغيير، فإن أحدهم لن يقدر على الحفاظ على المملكة حتى ولو مُنحت له.»

١٠

قال باي قوي Bai Gui (الوزير الأول في دولة لو) لمنشيوس: «أنوي أن أجعل الضريبة واحدًا من عشرين، فماذا تقول في ذلك؟» أجابه منشيوس: «هذه طريقة دولة مو (الشمالية البربرية). هل تعتقد أن فخَّاريًّا واحدًا يكفي لدولةٍ ذات عشرة آلاف عائلة؟» ردَّ عليه باي قوي: «لا؛ لأنه لن يكون لديهم ما يكفي من الأوعية الفخارية.»
فتابع منشيوس حديثه: «في دولة مو لا يزرعون من الحبوب الخمسة سوى الدخن، ولا يوجد لديهم مدنٌ محصَّنة، ولا صروحٌ مشيَّدة، ولا معابد للأسلاف، ولا طقوس قرابين، ولا يوجد لديهم تبادل هدايا مع الدول الأخرى أو ولائم دبلوماسية، ولا مكاتب وموظَّفون؛ ولهذا فإن ضريبة نسبتها تبلغ واحدًا من عشرين على الإنتاج تكفيهم. أمَّا في الممالك الوسطى٢٦ فإننا لا نستطيع الاستغناء عن العلاقات الإنسانية ورجال الحكم. إن أمور الدولة لا تنتظم إذا كان هنالك نقصٌ في صانعي الفخار، فما بالك إذا كان النقص في رجال الحكم؟ إن من يرغب في إنقاص الضريبة إلى ما دون الحد الذي أقرَّه ياو وشون إنما يعمل على جعل الدولة، إلى هذه الدرجة أو تلك، أشبه بدولة مو، أمَّا من يرغب بزيادتها فهو، إلى هذه الدرجة أو تلك، أشبه بالملك تشيه.»

١١

قال باي قوي Bai Gui لمنشيوس: «أنا أفضل من الملك (الحكيم القديم) يو في التحكيم بمياه الطوفان.» فأجابه منشيوس: «أنت مخطئ يا سيدي. لقد وضع يو خطته للسيطرة على الطوفان اعتمادًا على طبيعة الماء، فأساله في قنواتٍ وأفرغه في البحر، أمَّا أنت فقد أسلته وأفرغته في أراضي الدول المجاورة (فأغرقها). عندما يجري الماء بعكس طبيعته فإن هذا يُدعى إغراقًا، وهذا ما يكرهه رجل الإحسان. أنت على خطأٍ يا سيدي.»

١٢

قال منشيوس: «إذا لم يكن المرء حافظًا لوعوده فعلى أيِّ شيءٍ آخر يحافظ؟»

١٣

عندما سمع منشيوس أن أمير لو راغبٌ في تسليم يوي-تسينغ تسو المهام الإدارية في الدولة، قال منشيوس: «عندما سمعت ذلك لم أنَم من شدة السعادة.» فسأله قونغ-سَن تسو Gong-sun Tzu: «هل هو رجلٌ قوي الشخصية؟» أجابه منشيوس: «لا.» فسأله: «هل هو رجل حكمةٍ وتفكيرٍ عميق؟» أجابه منشيوس: «لا.» فسأله: «هل هو واسع المعرفة؟» أجابه منشيوس: «لا.» فسأله: «وما الذي جعلك سعيدًا إذن ولم تنَم من شدة السعادة؟» أجابه منشيوس: «لأنه رجلٌ يقبل النصيحة.» فسأله: «وهل قَبول النصيحة خصيصةٌ كافية؟»

أجابه منشيوس: «إن قَبول النصيحة خصيصةٌ تكفي لأن يحكم المرء البلاد بأكملها لا دولةً واحدة فقط. إذا أحبَّ الوزير تلَقِّي النصح والمشورة، فإن كل الرجال يأتون إليه ولو قطعوا مسافة ألف لي لكي يُسدوا إليه النصح. ولكن إذا لم يكن الوزير محبًّا لتلَقِّي النصح فسوف يقول (لمن يحاول نصحه): حسنًا، حسنًا، أنا أعرف كل شيء، وسيقلِّده الناس في ذلك قائلين: حسنًا، حسنًا، أنا أعرف كل شيء. مثل هذه العبارات التي تنم عن الغرور سوف تُبقي الناس بعيدين عنه مسافة ألف لي، ولا يبقى حوله سوى المتملِّقين والمفترين والمتزلِّفين. وعندما يحيط أمثال هؤلاء بالوزير، هل سيفلح في إدارة الدولة حتى ولو كان جادًّا في ذلك؟»

١٤

تشِن تزو Ch’en Tzu سأل منشيوس: «ماذا كانت شروط الرجل النبيل في الماضي لقَبول الوظيفة الحكومية؟» أجابه منشيوس: «كان هنالك ثلاث حالاتٍ يقبلون فيها الوظيفة، وثلاث حالاتٍ يستقيلون فيها من مناصبهم.
  • الحالة الأولى: إذا جرى استدعاؤهم باحترامٍ كبير ووفق الأصول المتبعة، وإذا قيل لهم إن مشورتهم سوف تُتَّبع؛ عندها يقبلون بالوظيفة. وفيما بعد إذا وجدوا أن مشورتهم لم تُتَّبع، كانوا يستقيلون حتى وإن بقي الأمير على احترامه وتقديره لهم.
  • الحالة الثانية: إذا جرى استدعاؤهم باحترامٍ كبير ووفق الأصول، كانوا يقبلون الوظيفة حتى إذا لم تُتَّبع مشورتهم. فإذا وجدوا أن احترام الأمير لهم بدأ يقل، كانوا يستقيلون.
  • الحالة الثالثة: إذا لم يجدوا ما يأكلونه صباحَ مساء، وضعفت أجسامهم فلم يعودوا قادرين على الخروج. عند ذلك يقول الأمير: إنني أشعر بالخجل لأني لم أستمع إلى مشورتهم أو أعمل بها، وتسبَّبت بجوعهم في دولتي. وبعد ذلك يقدِّم لهم معونةً مالية، عند ذلك يقبلونها، ولكن فقط من أجل الحفاظ على حياتهم.»

١٥

قال منشيوس: «كان شون فلاحًا، وفو يُوِي Fu Yue عبدًا وعامل بناء، وتشياو قِه Chiao Ge بائع ملحٍ وسمك، وقوان يي وو Yi Wu Guan سجينًا، وصن شو-آو Sun Shu-ao من ساحل البحر وبؤس الحياة هناك، وبو-لي شي Bo-li Xi من سوق النَّخاسة.»٢٧

لهذا؛ فإن السماء عندما تعتزم تكليف رجلٍ بمهمة عظيمة فإنها تُصيبه بكربٍ في الروح، وأتعاب في الجسد، وتجعله يعاني الفاقة والجوع، وتُخيِّب كل مسعًى له؛ وذلك لكي تُلهب طموحه، وترفع قدرته على التحمُّل، وتقوي نواحي القصور عنده.

وبشكلٍ عام فإن المرء لا يُصلحُ طُرقه إلا بعد ارتكابه الأخطاء، وهو لا يُبدع إلا بعد ما يصيبه من إحباطٍ نفسي وفكري، ولا يفهمه الآخرون إلا عندما تظهر مقاصده على وجهه ومن خلال نغمة صوته.

إذا لم يكن لدى الدولة وزراء ملتزمون بالقانون ومستشارون حكماء، فسوف يَحُم عليها القضاء حتى وإن لم يكن هنالك أخطارٌ خارجية تتهدَّدها.»

١٦

قال منشيوس: «هنالك طرقٌ متعدِّدة في التعليم، وعزوفي عن تعليم شخصٍ لا يستحق تعاليمي هي واحدةٌ منها.»

١  لشرح ما يعنيه منشيوس هنا نورد المثال التالي: إذا كان المرء يتناول الطعام على مأدبةٍ في مناسبةٍ اجتماعية، فإن آداب الطعام تكون أهم من الطعام. ولكن إذا كان المرء تائهًا في غابةٍ وجائعًا إلى الحد الأقصى، ثم اصطاد أرنبًا وشواه، فإن آداب الطعام لن تكون بأهمية الطعام نفسه.
٢  شخصيةٌ لا يعرف عنها المؤرِّخون الكثير.
٣  مقياس القدم الصيني أصغر من مقياس القدم الغربي.
٤  الكاتي هي وحدة وزن صينية تعادل ثلثَي الكيلوغرام.
٥  وو خو شخصيةٌ تعادل هرقل في الثقافة اليونانية.
٦  هو شيا تشي الطاغية آخر ملوك سلالة شيا.
٧  لا يعرف المؤرِّخون إلا القليل عن هذه الشخصية.
٨  يُقال إن هذه القصيدة من نظم معلِّم ولي عهد يو ملك جو بعد أن خلعه أبوه، وهي تشف عن حزن الشاب وعتابه لأبيه، ويرى فيها منشيوس تعبيرًا عن الحب البنوي.
٩  قصيدة كاي مينغ هي أغنيةٌ شعبية على لسان سبعة إخوة ينتقدون فيها سلوكهم الذي أدَّى إلى رغبة أُمهم في ترك البيت والزواج مرةً أخرى.
١٠  مثقَّفٌ شهير خلال فترة الدويلات المتحاربة.
١١  كانت دولتا تشِن وتشو من أقوى الدويلات في تلك الفترة.
١٢  مدينة في دولة تشي.
١٣  يجب أن تُقدَّم الهدية وفق الآداب الصينية بصورةٍ شخصية إلا إذا كانت الظروف لا تسمح بذلك. وقد حالت الظروف دون قيام أحد المذكورَين أعلاه بتقديم هديته لمنشيوس بنفسه، وقدَّر منشيوس وضعه فعذره ثم قام بزيارته، أمَّا الثاني فلم يكن له عذرٌ في عدم تقديم الهدية بنفسه لمثقَّف مثل منشيوس؛ ولذلك لم يقُم بزيارته وشكره على الهدية.
١٤  المعنى هنا هو أن الموظَّف الجيِّد عليه أن يعمل بجدٍّ من أجل الرعية لكي يكسب الشهرة والمكانة في الوقت نفسه.
١٥  يوجد هنا تلميح إلى موقف منشيوس من العمل الوظيفي؛ فهو يضع نقاءه السياسي فوق واجبه في خدمة الملك من أجل مصلحة الرعية.
١٦  قام أمير دولة تشي بتعيين منشيوس في منصب الوزير الأول، ولكنه لم يأخذ بمشورته أو يطبِّق مبادئه.
١٧  بو يي رفض أن يخدم الملك جو الطاغية آخر ملوك أسرة ين الذي تسبَّب في انهيارها.
١٨  يي ين كان وزيرًا فاضلًا خدم كلًّا من الملك الحكيم شانغ تانغ وبعده الطاغية شيا تشي.
١٩  هؤلاء الثلاثة كانوا وزراء أفاضل لدى دولة لو.
٢٠  كانت دولة لو تخسر أراضيها بسبب أطماع وتعديات الدول المحيطة بها.
٢١  بو-لي شي كان وزيرًا فاضلًا أعان دولة تشي على الصعود والارتقاء في أواسط القرن السابع قبل الميلاد.
٢٢  وانغ باو وميان تشو كانا مغنيَين مشهورَين في دولة تشي.
٢٣  أي توقَّف الناس عن الغناء.
٢٤  عندما تأسَّست مملكة جو قام الملك بتوزيع نحو مائة إقطاعة على أقاربه، وصارت كل إقطاعة عبارةً عن مقاطعةٍ ذات حكم ذاتي تقريبًا، ومنها مقاطعة لو التي صارت دولةً كبيرة.
٢٥  والشيء نفسه ينطبق على دولة تشي التي كانت في البداية إقطاعةً مُنحت لتاي قونغ الذي لم يكن من أقرباء الملك، بل قائدًا عامًّا ومستشارًا.
٢٦  ازدهرت الحضارة الصينية في المناطق الوسطى، أمَّا المناطق الشمالية والجنوبية فبقيت متخلِّفةً إلى بدايات التاريخ الميلادي.
٢٧  فيما عدا شون الذي كان ملكًا في مطالع التاريخ الصيني، فإن بقية الأسماء الواردة أعلاه هي لوزراء أقوياء في أزمنةٍ مختلفة وأمكنة مختلفة أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤