الباب الثاني

٢: ١ قال المعلم: إذا حكمتَ بقوة فضيلتك تغدو مثل نجم القطب الذي يبقى ثابتًا في مكانه وكل النجوم الأخرى تدور حوله.
التعليق: هذه هي المرة الأولى التي يتعرَّض فيها كونفوشيوس لمسألة الحكم. وهنا لا بُدَّ من القول بأن الباحثين في الفكر الصيني يركِّزون بشدةٍ على التمييز بين المفهوم الكونفوشي عن الحكم المطلق والمفهوم التاوي عن الحكم من خلال عدم التدخُّل، الذي يؤدِّي إلى عدم شعور المحكومين بسلطة الحاكم. ولكن هنالك العديد من المقاطع الكونفوشية الشبيهة بالمقطع أعلاه، والتي تلمِّح إلى أسلوب الحكم من خلال استلهام الحاكم للمبدأ الداخلي للفضيلة دون بذل الكثير من الجهد غير الضروري، وذلك على مبدأ «اللافعل» التاوي wu wei، وهذا ما يدفعنا إلى الاحتراز في التعميم عندما نتحدَّث عن الفوارق بين الكونفوشية والتاوية.
٢: ٢ قال المعلم: يمكننا بعبارةٍ واحدةٍ أن نلخِّص فحوى القصائد الثلاثمئة التي تضمَّنها سِفر الأغاني، وهي: صفاء الذهن.
التعليق: سِفر الأغاني هو واحدٌ من الكتب الأدبية الكلاسيكية التي احتوت على ٣٠٥ قصائد صينية قديمة. وكان للكتاب مكانة خاصة عند كونفوشيوس الذي يعزو إليه البعض القيام بتنقيحه، وغالبًا ما اقتبس منه في حواراته واستخدم مادَّته في تعليم تلاميذه.
٢: ٣ قال المعلم: إذا حكمتَ الرعية بالقوانين وضبطتهم بالعقوبات؛ فسوف يتفادَون اقتراف الجرائم، ولكنهم لا يشعرون بالعار من اقترافها. ولكن إذا حكمتهم بواسطة الفضائل وضبطتهم وفقًا لقواعد الأدب والمعاملات؛ فسوف يشعرون بالعار من ارتكابها ويقوِّمون أنفسهم.
٢: ٤ قال المعلم: في سن الخامسة عشرة وجَّهت قلبي نحو العلم، وفي الثلاثين وقفت على قدمَي بثبات، وفي الأربعين لم تَعُد لديَّ حيرة، وفي الخمسين عرفت مشيئة السماء، وفي الستين كانت أذني صاغية لكل ما يقال عني ولا أنزعج، وفي السبعين صار بمقدوري أن أتبع هوى نفسي دون أن أتجاوز حدود القواعد.
التعليق: يمكن اعتبار هذا المقطع تعبيرًا عن مراحل الارتقاء الروحي لكونفوشيوس؛ ففي قوله: «وجهت قلبي نحو العلم» لا يعني أنه أخذ يدرس ويراكم المعلومات، بل إنه وجَّه قلبه نحو معرفة طريق الحق الذي يسمو بعقله. يدلنا على ذلك قوله لاحقًا في الباب ٤: ٩: «ثبِّت قلبك على التاو.» وقوله في الباب ٤: ٨: «إذا أدركتُ التاو في الصباح، فإنني أتقبَّل الموت راضيًا في المساء.» والتاو هنا هو صراط الحق، أو الطريق الذي يقودنا إلى إدراك الحقائق. وفي قوله: «وقفت على قدمَي بثبات»، يعني أنه قد فهم الطقوس وقواعد الأدب والمعاملات، وراح يسلك وفقها؛ يدلنا على ذلك قوله في الباب ٨: ٨: «رسِّخ نفسك في قواعد الأدب والمعاملات.» وفي قوله: «لم يعد لدَي حيرة»، يعني أنه بلغ الحكمة؛ يدلنا على ذلك في موضع آخر: «الحكيم متحرِّر من الحيرة.» وفي قوله: «عرفتُ مشيئة السماء»، يعني عرف أنه مكلَّفٌ من السماء بالحفاظ على تقاليد الثقافة، على ما ورد في الحوار ٩: ٥. وفي قوله: «صار بإمكاني أن أتبع هوى نفسي»، يعني أنه لم يعد بحاجةٍ إلى مرشدٍ في سلوكه، وهذه أعلى درجات الارتقاء الروحي.
٢: ٥ سأل رجل الدولة مونغ إيتسي كونفوشيوس عن بر الوالدَين، فقال المعلم: «هو عدم المخالفة.» بعد ذلك، وعندما كان التلميذ فان شي يسوق العربة بكونفوشيوس قال له المعلم: «لقد سألني مون إيتسي عن مضمون بر الوالدَين، فقلت له عدم المخالفة.» فقال فان شي: «وماذا تعني بذلك؟» فأجابه المعلم: «في حياة والدَيك اخدمهما وفق قواعد الأدب والمعاملات، وبعد مماتهما ادفنهما وقدِّم لروحَيهما القرابين وفق القواعد ذاتها.»
٢: ٦ سأل مونغ وو كونفوشيوس عن بر الوالدَين، فقال المعلم: إن الابن البار لا يحزن إلا لمرض والدَيه.
التعليق: عندما نفترق عن والدَينا مدةً طويلة، علينا أن نُهدِّئ خواطرهما بإخبارهما أننا في صحةٍ جيدة.
٢: ٧ سأل التلميذ تسي يو كونفوشيوس عن بر الوالدَين، فقال المعلم: في هذه الأيام يعتقد الناس أن بر الوالدَين هو في تأمين الطعام لهما. ولكن ألَا يؤمِّن كل واحدٍ العلف لأحصنته وكلابه؟ فما الذي يميِّز الإنسان عن الحيوان إن لم يحترم والدَيه؟
٢: ٨ سأل تسي هسيا كونفوشيوس عن بر الوالدَين، فقال المعلم: ما يهم في البر هو ما تنم عنه تعابير وجهك. ينبغي ألَّا تفهم البر على أنه جهدٌ جسدي تبذله في سبيل الوالدَين، أو تأمين الطعام والشراب ممَّا تيسَّر لديك.
التعليق: المقصود بتعابير الوجه هنا هو ما ينم عن المحبة والاحترام والعرفان.
٢: ٩ قال المعلم: لطالما تحدَّثت مع التلميذ يان هوي طول النهار دون أن يخالفني أو يجادلني في شيءٍ وكانه غبي، فإذا تولَّى عني ورصدت سلوكه تبيَّن لي أنه يستوعب ما سمعه مني ويطبِّقه؛ فعرفت أنه ليس غبيًّا.
٢: ١٠ قال المعلم: انظُر إلى أعمال الشخص وتبصَّر في دوافعه، وراقب ما يستريح إليه وما يرضيه. وهيهات أن تَخفى عنك طبيعة أحد، هيهات.
التعليق: يعتقد البعض أن بإمكانهم النجاح في إخفاء الخطط الماكرة التي تدور في أذهانهم، لكن صدق الداخل ينعكس على الخارج، فإذا كان الشخص مخادعًا تبيَّن ذلك للجميع، وإذا كان طيبًا ومخلصًا لن يخفى ذلك على أحد.
٢: ١١ قال المعلم: إذا راجعتَ ما تعلَّمته وبنيتَ عليه معرفةً جديدة؛ غدوت جديرًا بأن تكون معلمًا.
٢: ١٢ قال المعلم: الرجل النبيل ليس مثل الأداة.
التعليق: الأداة تستخدم لأداء وظيفة معينة، أما عقل الرجل النبيل فليس ضيقًا ومحصورًا في أداء وظيفة واحدة، ولا يقتصر على رؤيةٍ معينةٍ للعالم.
٢: ١٣ سأل تسي قونغ كونفوشيوس عن شخصية الرجل النبيل، فقال المعلم: هو الذي تسبق أفعاله أقواله، وبعد ذلك يسلك وفق ما قال.
٢: ١٤ قال المعلم: الرجل النبيل عادلٌ ولا يتحيَّز، والرجل الوضيع متحيِّز ولا يعدل.
٢: ١٥ قال المعلم: التعلُّم من غير تفكير يسبِّب الحيرة، والتفكير من غير تعلُّمٍ يسبِّب الضياع.
٢: ١٦ قال المعلم: إذا جرى انتقاد الآراء الخاطئة؛ تزول المضرة …
٢: ١٧ قال المعلم: يا تشونغ يو، سأعطيك درسًا في المعرفة: إذا عرفت شيئًا فقل أعرفه، وإذا جهلت شيئًا فقل أجهله. هذا هو طريق المعرفة.
التعليق: أي أن تكون متأكِّدًا ممَّا تعرف ومتأكِّدًا ممَّا لا تعرف. إن القبطان الذي فقد معرفته بموضعه في البحر أفضل حالًا من القبطان الذي يعتقد خطأً أنه يعرف موضعه.
٢: ١٨ كان تسي جانغ يدرس لكي يرتقي في سلك الخدمة المدنية، فقال له المعلم: استمع كثيرًا ثم ضع جانبًا ما تشك فيه، واحترس عندما تتحدَّث عمَّا تبقَّى؛ تقل أخطاؤك في الكلام. لاحظ كثيرًا ثم ضع جانبًا ما يثير ريبتك واحترس في العمل بما تبقَّى؛ تقل ندامتك. عندما تقل أخطاؤك في الكلام، وتقل ندامتك على أعمالك؛ تحصل على مبتغاك.
٢: ١٩ سأل الأمير آي حاكم مقاطعة لو كونفوشيوس: كيف أكسب ولاء الرعية؟ فأجاب المعلم: إذا رفعت المخلص وتخلَّصت من المخادع تنقاد لك الرعية، وإذا رفعت المخادع وتخلَّصت من المخلص لا تنقاد لك.
٢: ٢٠ سأل الأمير جي كانغ تسي: «كيف أكسب احترام الرعية وولاءهم وأجعلهم يخلصون في العمل لي؟» فقال المعلم: «عاملهم بالجد والوقار تكسب احترامهم. كن بارًّا وعطوفًا تكسب ولاءهم. قم بترقية الكُفء وعلِّم عديم الكفاءة يخلصوا في العمل لك.»
٢: ٢١ سأل أحدهم كونفوشيوس: «لماذا لا تسعى إلى منصبٍ حكوميٍّ وتعمل في السياسة؟» فقال كونفوشيوس: «ألم تقرأ في كتاب السجلات التاريخية عن المبرة؟ إنك من خلال كونك إنسانًا بارًّا بوالدَيك، ومحبًّا لإخوتك، تساهم في السياسة. وإذا كان هذا مساهمةً في السياسة، فلماذا يسعى المرء إلى منصبٍ حكومي؟»
٢: ٢٢ قال المعلم: إذا لم يكن الشخص موضع ثقة فلأي شيء يصلح؟ إذا فُقد المسمار من عارضة النير في عربةٍ كبيرةٍ أو صغيرة، فكيف يمكن جرُّها؟
٢: ٢٣ سأل تسي جانغ كونفوشيوس: «هل بمقدورنا أن نعرف ما ستئول إليه الأحوال بعد عشرة أجيال من الآن؟» فقال المعلم: «لقد أقامت أسرة شانغ أنظمة حكمها على أنظمة أسرة يِن، وما أضافته أو أسقطته معروف. ثم أقامت أسرة جو أنظمة حكمها على أنظمة أسرة شانغ، وما أضافته أو أسقطته معروف؛ لذلك وتبعًا للمتغيِّرات والثوابت، فإن أحوال الأسر المتتالية لأسرة جو يمكن معرفتها ولو بعد مئة جيل.»
٢: ٢٤ قال المعلم: من قدَّم القرابين إلى غير أرواح أسلافه؛ فهو متملِّق. ومن عرف الصالحات ولم يعملها؛ فهو جبان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤