القبض على القنبلة القذرة!

أدار «عثمان» الأمور في رأسه … ثم وافَق أخيرًا على العودة معهما إلى الماء … على أن تنزلا هما سويًّا بدله … وهذا ما حدَث … وما إن أصبح وحده على الشاطئ حتى مرقَت رصاصةٌ بجوار أذنه أوقفَت شعر رأسه.

انبطح «عثمان» على الرمال تحسُّبًا للمزيد من الطلقات … وما ظنَّه وقع … فقد انهالت الرصاصات عليه من أكثر من مكان … إذن هو هالكٌ لا محالة … وعليه أن يَحفِر قبره في الرمال … إنه ماهر في هذا الأمر جدًّا … ولا يُباريه فيه إنسان أو حيوان.

والذي ينظر ﻟ «عثمان» في حالته هذه ستُصيبه الدهشة … فهو لا يَحفِر بيدَيه فقط … بل يَحفِر بيدَيه ورجلَيه وكأنه يعوم … ومن يراه لا يظن أنه يَحفِر … بل يظن أنه يرتجف خوفًا.

وفجأةً اختفى «عثمان» … فهل تمكَّن من حَفْر قبره سريعًا وسقط فيه؟ أم أنه أهال على نفسه التراب فلم يعُد ظاهرًا؟ … لقد تحيَّر أحد مطارديه مما يراه … فأتى يبحث عنه … فلم يجده فأطلق رصاصة على المكان الذي كان يَحفِر فيه … ثم أطلق رصاصتَين … ثم عدة طلقات دفعةً واحدة … وبعدها أخذ ينبش في الرمال وقد انصرف عنه زملاؤه للنزول في البحر … ولم يكن يعرف وقتَها أن «عثمان» يقف خلفه … يا لك من شيطان يا «عثمان»! كيف فعلتَها؟ وقف خلفه وقال له: أنا هنا.

التفت الرجل مذعورًا وهو يسحب أمان مسدسه … فلطمه «عثمان» بمشط قدمه لطمةً قوية على وجهه وقال له: يا لك من نذل! … أتركك حيًّا وتُريد قتلي؟

قال هذا ثم دار على مشط قدمه … وبالقدم الأخرى أصابه كالإعصار في صدره … فأوقف الهواء في حلقه.

ولم تمضِ ثوانٍ … إلا وأحاطه من كل مكانٍ رجل … عيونهم تُطلِق الغضب بركانًا … فقد قتَل «عثمان» قائدهم … وفي هذه اللحظة كانت «ريما» تخرج من الماء ومن خلفها «إلهام» … وطلقات الرصاص تنهال عليهما من كل جانب.

وفي حركةٍ مُباغتة … مرَّت «إلهام» بيدها على ساقها … ورفعَتْها وهي تمسك بمسدسٍ جاهز للإطلاق.

ولأنه سريع الطلقات … فقد أفرغَت خزنته تحت أقدام هؤلاء الرجال … الذين أسرعوا بالاختباء خلف ما قابلهم من حوائط … وإلى أن تنتهي من حَشْو خزانة مسدسها … تولَّت «ريما» عنها إطلاق النار … والرجال يتراجعون للخلف … وهي تتقدم. أمَّا «عثمان» فقد اختفى … إنهم يعرفون أنه سيظهر ومعه مفاجأة.

وعندما كانت «إلهام» تُفرغ خزينة مسدسها للمرة الثانية، كان «عثمان» يخرج من أحد الشاليهات الفارغة … وبيده يمسك مدفعًا رشاشًا مزوَّدًا بخرطوش وما إن رأت «إلهام» ذلك حتى صاحت فيه قائلة: أسقط هذه الحوائط التي يختبئون خلفها.

أطلق «عثمان» خرطوش مدفعه … فاصطدم بحائط إحدى الكبائن الخلفي، وانفجر في قوةٍ مهولة … فتحَت فُوَّهةً كبيرة في الحائط … فرَّغَت فيها «إلهام» خزانة مسدسها.

وانتقل «عثمان» إلى بقية الشاليهات … يُطلِق عليها خرطوش مدفعه … فيُفجِّر حوائطه … و«إلهام» من خلفه تملأ خزانة مسدسها وتُفرغها في الفتحة التي يُحدِثها «عثمان».

أمَّا «ريما» … فقد غادرَت المكان جريًا … واستقلت سيارة كانت تقف بعيدًا عن ساحة إطلاق النار … انطلقَت بها تخرج من المكان لتعرف أين هم.

واكتشفَت أخيرًا أنها في المدينة السكنية التابعة لشركة كهرباء «العريش» وأنَّ عليها أن تتجه شمالًا لتعود إلى المعسكر.

ولكن قبل ذلك عليها إبلاغ السُّلطات عما يجري … ولكن هل مسموحٌ لها بإبلاغ السلطات؟

إن الموضوع الذي هُم بصدَده غاية في السرية، كما قال رقم «صفر» … وهذا يعني أنها لن تتمكن من إبلاغ السلطات … فعادت سريعًا إلى المعسكر، وأخبَرَت «أحمد» أن الصاروخ في خطر … وأن خطتهم للقبض على مُهربيه في خطر.

لم يحسب «أحمد» حسابًا لمن يرونهم … وأخرج مُعَدات الغوص وأرديتَه وأمر الجميع بأن يستعدوا للغوص وحمل هذه الأمانة أيًّا ما كان ثقلُها … وهنا تدخَّل «رشيد» وقال له: أتعرف كم يبلغ وزن هذه القنبلة؟

أحمد: لا أعرف.

رشيد: يبلغ وزنها خمسة أطنان.

أحمد: وكيف عرفت؟ هل رأيتها؟

رشيد: لقد أبلغتمونا أن على جسمها حرفَين هما «دي. بي» وهما يرمزان ﻟ «ديرتي بمب» أو «قنبلة قذرة».

أحمد: إنها ليست قنبلةً نووية.

رشيد: القنبلة القذرة ليست قنبلةً نووية، ولكنها تحوي بعض المواد المُشعَّة التي تتبخَّر عند تفجير المواد التفجيرية التقليدية التي تتكوَّن منها.

قيس: هذا يعني أنَّ هناك صعوبةً في حملها وبالذات في الماء.

أحمد: هناك حلٌّ واحد هو إحضار ونش.

قيس: وكيف ستحصُل عليه؟

أحمد: سأقوم بالاتصال برقم «صفر».

وبالفعل اتصل «أحمد» برقم «صفر» وطلب منه تسهيل مهمة الحصول على ونشٍ بحري، فلم يعِدْه رقم «صفر» وقال له: سأرى.

في هذه الأثناء انفجر موقد الغاز الخاص بالشياطين … ولا أحد يعرف لماذا انفجر … وبعدها انفجَرَت أنبوبة الأكسجين الخاصة ﺑ «أحمد» مما أثار حَيْرة الشياطين وأخذوا يبحثون عن سبب هذه الانفجارات في الوقت الذي هبط فيه «رشيد» إلى الماء للاطلاع على القنبلة … فلم يجدها … فجُن جنونه … وأسرع بالخروج من الماء لإبلاغ زملائه … فوجد «ريما» و«إلهام» و«عثمان» يُبلغون «أحمد» بنفس الخبر.

فأمسك بنظارته المعظِّمة ومسح المكان بحثًا عن لنش، أو يخت أو مركب صيد يمكنه أن يظن أنها هي التي سرقَت القنبلة فلم يجد … غير أنه عند رجوعه بالنظارة، لمح قاربًا مطاطيًّا يجرُّه لنش … وقتها رأى الحقيقة بخياله، فهذا القارب المطاطي الضخم يحمل القنبلة ويجرُّهما هذا اللنش إلى مكانٍ ما.

إنها فكرةٌ ذكية … أن أحضر اللنش بلا هواء … ثم أفرغ تحت القنبلة. وهنا صرخ بأعلى صوته قائلًا: أيها اللصوص …

ثم أطلق دفعة رشاش على اللنش … فأتاه من مُكبِّر صوت يحمله أحدٌ ما باللنش … تحذيرٌ بأنَّ هذه الرصاصات قد تُفجِّر القنبلة، والعاقبة عندكم في المسرات.

لم يعبأ «أحمد» وأطلق دفعةَ رشَّاش أخرى على اللنش، فأجابه مَن باللنش بدفعة رشاش … وأطاحت بالخيمة المتبقية … ثم دفعة أخرى فرَّغَت الرمال من تحت أقدام «أحمد».

وعن بُعد ظهَرَت سفينة نقل حاوياتٍ عملاقة وعلى ظهرها ونش … ظل اللنش يقترب منها حتى سار بمحاذاتها … فألقى له أحد مَن على ظهرها بحبل … ثبَّتَه هو بالقارب المطاط من كل اتجاه … ثم أشار لهم … وبدأ الونش يدور … ويرتفع القارب في الهواء حاملًا القنبلة.

وقف الشياطين كلهم مكتوفي الأيدي … فإطلاق الرصاص في هذه الحالة خطرٌ جَم … ونتائجُه فادحة.

وهنا صاح «أحمد»: ماذا سنفعل الآن؟

وبَحَث الموجودون عن «عثمان» و«إلهام» و«ريما»، فلم يجدوهم … أين هم إذن؟

هل كوَّنوا فريقًا لاصطياد مُهربي هذه القنبلة؟

إنه أمرٌ جائز.

وهنا قال «بو عمير»: اصطياد مَن؟! … القارب صَعِد إلى سطح السفينة وعلى ظَهره القنبلة … أي إن القنبلة الآن على سطح السفينة.

وفجأةً انتفَض الشياطين يقفون خلف أسلحتهم ويُعِدونها للإطلاق؛ فقد توافد من أكثر من جانبٍ رجال كثيرون طلبوا الحديث مع كبير هذه الجماعة — يقصد الشياطين — وتَقدَّم لهم «أحمد» وقال لهم: يمكنكم التحدث معي.

فقال أحدهم: كم تطلبون ثمنًا له؟

نظر «أحمد» مندهشًا … فاندفَع آخر يقول: ليس هناك وقتٌ للتفكير … ما ستطلبونه ستأخذونه.

نظر له «أحمد» في ريبة وقال: ماذا تقول؟ لا أفهمك.

فقال الرجل: أحدكم يحتفظ بكارت توجيه القنبلة وتفجيرها … ونحن سندفع له فيها ما يطلبه.

أحمد: ومن هو؟

الرَّجل: إنه شابٌّ أسمر في مثل عمركم.

ابتسم «أحمد» في سعادة وقال له: إنه «عثمان».

ومن أعلى ارتفع صوتٌ من مُكبِّر صوتٍ يُشبه صوت «عثمان»، بل هو … إنه «عثمان» يركب مع كابتن «عبيد» طائرة هليكوبتر … وينادي كل طاقم السفينة ويُطالبه بتسليم نفسه وإلا فسيُفجِّر لهم القنبلة في عَرْض البحر … ولم يمضِ وقتٌ طويل إلا وأُبلغَت سُلطات الميناء … أنَّ السفينة القبرصية قد استسلم كل ملاحيها لهم … وأن القنبلة تحت السيطرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤