الفصل الأول

طَائِرُ السُّمَّانِ السَّعِيدُ

بِصَفِيرٍ وَنَشِيدٍ يَسُرُّ
يَنْقَضِي شَقَاءُ الْيَوْمِ وَيَمُرُّ.

مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ، تَعَلَّمَ السُّكَّانُ الصِّغَارُ مِنْ ذَوِي الرِّيشِ بِالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ؛ هَذَا الْأَمْرَ؛ وَلِهَذَا السَّبَبِ كَثِيرًا مَا تَجِدُهُمْ يَصْدَحُونَ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ أَثْنَاءَ عَمَلِهِمْ بِجِدٍّ عَلَى بِنَاءِ مَنَازِلِهِمْ فِي الرَّبِيعِ. وَالْأَغْلَبِيَّةُ مِنْهُمْ يُجِيدُونَ الْغِنَاءَ، لَكِنَّ ثَمَّةَ وَاحِدًا بَيْنَهُمْ يُصَفِّرُ، يُطْلِقُ صَفِيرًا عَالِيًا وَمُبْهِجًا يَسُرُّ قُلُوبَ جَمِيعِ السَّامِعِينَ. كَثِيرًا مَا يَتَوَقَّفُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون لِيَرُدَّ عَلَيْهِ الصَّفِيرَ بِصَفِيرٍ، فَلَا يَخْذُلُهُ ذَلِكَ الطَّائِرُ أَبَدًا، فَيُعَاوِدُ الصَّفِيرَ مَرَّةً أُخْرَى.

كَانَ الطَّائِرُ صَاحِبُ الصَّفِيرِ جَمِيلَ الشَّكْلِ وَضَئِيلَ الْحَجْمِ، يَرْتَدِي حُلَّةً أَلْوَانُهَا تَتَرَاوَحُ بَيْنَ الْبُنِّيِّ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ، وَيُدْعَى «بوب وايت»، وَكَانَ أَحْيَانًا يُدْعَى «طَائِرَ السُّمَّانِ» وَأَحْيَانًا أُخْرَى «طَائِرَ الْحَجَلَةِ»، وَلَكِنْ إِذَا سَأَلْتَهُ عَنِ اسْمِهِ، فَسَيُجِيبُكَ عَلَى الْفَوْرِ وَبِوُضُوحٍ أَنَّ اسْمَهُ «بوب وايت»، وَلَا يُجِيبُ مَنْ يَدْعُوهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الِاسْمِ. عَرَفَتْهُ جَمِيعُ الْكَائِنَاتِ الْأُخْرَى الصَّغِيرَةِ وَأَحَبَّتْهُ كَثِيرًا؛ أَحَبَّهُ الْكَثِيرُونَ بِسَبَبِ صَفِيرِهِ الْعَذْبِ، وَقِلَّةٌ أُخْرَى أَحَبَّتْهُ — مِثْلُ الثَّعْلَبِ ريدي وَالصَّقْرِ أحمر الذيل — لِمَا سَيُمَثِّلُهُ مِنْ طَعَامٍ شَهِيٍّ لَهُمْ إِذَا تَحَلَّوْا فَقَطْ بِقَدْرٍ مِنَ الذَّكَاءِ يُمَكِّنُهُمْ مِنَ الْإِمْسَاكِ بِهِ.

أَحَبَّهُ كَذَلِكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، لَيْسَ فَقَطْ مِنْ أَجْلِ صَفِيرِهِ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى الْبَهْجَةِ، بَلْ أَيْضًا لِاكْتِشَافِهِ أَنَّ بوب وايت مِمَّنْ يَكُدُّونَ فِي عَمَلِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَمْهَرِ الْعَامِلِينَ فِي الْمَزْرَعَةِ وَأَكْثَرِهِمْ عَوْنًا لَهُ. وَكَمَا تَعْلَمُونَ، فَإِنَّ جُزْءًا مِنْ مَهَامِّ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون هُوَ جَزُّ الْحَشَائِشِ الضَّارَّةِ وَالتَّخَلُّصُ مِنَ الْحَشَرَاتِ الَّتِي تَلْتَهِمُ الْمَحَاصِيلَ. تَخْرُجُ الْحَشَائِشُ مِنَ الْبُذُورِ، وَإِنِ اخْتَفَتْ بُذُورُ الْحَشَائِشِ، فَلَنْ تَنْمُوَ الْحَشَائِشُ، وَبِالْمِثْلِ إِنِ اخْتَفَى بَيْضُ الْحَشَرَاتِ، فَلَنْ تَخْرُجَ الْحَشَرَاتُ. لَكِنْ هُنَاكَ الْمَلَايِينُ وَالْمَلَايِينُ مِنْ بُذُورِ الْحَشَائِشِ وَبَيْضِ الْحَشَرَاتِ؛ وَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ عَلَى ابْنِ الْمُزَارِعِ براون قَضَاءُ الصَّيْفِ كُلِّهِ فِي مُكَافَحَةِ الْحَشَائِشِ الضَّارَّةِ وَالْحَشَرَاتِ. كَانَ يَشْعُرُ بِامْتِنَانٍ كَبِيرٍ لِقَاءَ أَيِّ مُسَاعَدَةٍ يَحْصُلُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَتْهُ مُعْجَبًا بِالضِّفْدَعِ الْعَجُوزِ الَّذِي يُسَاعِدُهُ فِي الْحِفَاظِ عَلَى خُلُوِّ الْحَدِيقَةِ مِنَ الدُّودِ وَالْحَشَرَاتِ، وَكَذَلِكَ بِطَائِرِ الْقَرْقَفِ تومي وَغَيْرِهِ مِنَ الْكَائِنَاتِ الصَّغِيرَةِ ذَوَاتِ الرِّيشِ الَّتِي تَقْطُنُ الْبُسْتَانَ الْقَدِيمَ وَتَصْطَادُ الْحَشَرَاتِ وَبَيْضَهَا مِنْ بَيْنِ أَشْجَارِ التُّفَّاحِ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، إِنَّ مِنْ بَيْنِ السُّبُلِ الْمُؤَكَّدَةِ لِلْغَايَةِ لِاكْتِسَابِ الْأَصْدِقَاءِ مُسَاعَدَةَ الْآخَرِينَ.

لَمْ يَكُنْ بوب وايت يَتَغَذَّى فَقَطْ عَلَى الدُّودِ وَالْحَشَرَاتِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بُذُورَ الْحَشَائِشِ أَيْضًا، فَيَنْبُشُ الْأَرْضَ لِيُخْرِجَهَا مِنْ أَمَاكِنِ اخْتِبَائِهَا وَيَمْلَأَ حَوْصَلَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِهَا حَتَّى يَشْبَعَ، ثُمَّ يُحَلِّقُ إِلَى أَقْرَبِ سِيَاجٍ وَيُخْبِرُ الْجَمِيعَ بِمَدَى سَعَادَتِهِ لِوُجُودِهِ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْكَبِيرِ وَلِدَوْرِهِ الَّذِي يُؤَدِّيهِ. كَانَ بوب وايت مِنْ أَكْثَرِ سُكَّانِ الْغَابَةِ الصِّغَارِ عَوْنًا لِابْنِ الْمُزَارِعِ براون، فَكَانَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ وَصِغَارُهُمَا يَعْمَلُونَ طَوَالَ النَّهَارِ، فَيَلْتَقِطُونَ بُذُورَ الْحَشَائِشِ وَالْحَشَرَاتِ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ فِي سَعَادَةٍ وَمَرَحٍ طَوَالَ الْوَقْتِ، حَتَّى إِنَّ كُلَّ كَائِنٍ فِي الْجِوَارِ يَشْعُرُ بِالسَّعَادَةِ وَالْمَرَحِ كَذَلِكَ. وَأَفْضَلُ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّ بوب وايت كَانَ يَبْدُو سَعِيدًا طَوَالَ الْوَقْتِ، وَقَدْ تَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ يُثِيرُ مَخَاوِفَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَدَيْهِ مَا يُثِيرُ مَخَاوِفَهُ بِالْفِعْلِ، بَلْ لَدَيْهِ الْكَثِيرُ مِنَ الْمَخَاوِفِ، كَمَا سَتَعْلَمُونَ فِيمَا بَعْدُ، لَكِنَّهُ لَا يَسْمَحُ أَبَدًا لِمَخَاوِفِهِ أَنْ تُعَكِّرَ صَفْوَهُ قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ.

بوب وايت يَا بوب وايت!
يَا صَاحِبَ الصَّوْتِ الْعَذْبِ
صَفِّرْ بِكُلِّ طَاقَتِكَ
فَالْكُلُّ يُحِبُّ أُنْشُودَتَكَ.

وَذَاتَ يَوْمٍ، جَلَسَ الْأَرْنَبُ بيتر لِيَسْتَمِعَ إِلَى صَفِيرِهِ، فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَدَّثْ إِلَى طَائِرِ السُّمَّانِ بوب وايت مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ، وَتَذَكَّرَ كَذَلِكَ أَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا عَدِيدَةً يَجْهَلُهَا عَنْ بوب وايت؛ فَقَرَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ زِيَارَةَ بوب وايت فِي الْحَالِ وَإِشْبَاعَ فُضُولِهِ، وَانْطَلَقَ فِي طَرِيقِهِ بِوَثَبَاتٍ سَرِيعَةٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤