الفصل الرابع

القوات السيادية والقوات الزائرة١

يتقاتل، أحيانًا، طرفان (يتساندان في جهد القتال) على جبهة واحدة، فيكون أحدهما الجيش الزائر (الغازي)، والآخَر الجيش السيادي (المرابط)، ويلزم أن يكون الزائر أوفَر عددًا من السيادي، فيزيد عدده بما مقداره الضعف، على أن تكون درجة القوة متماثلة لكلٍّ من الجهتَين [فراغ] [ورد في نسخة أخرى محقَّقة، بدل هذا الفراغ عبارة، مفادها: وهو المقدار المتكافئ، الذي يسمح لهما بالمواجهة القتالية للتشكيلات (المعادية)]، ولا تتخذ القوات الزائرة مواقعها إلا بعد أن تتحدَّد التشكيلات ومواقع القوات السيادية التي ترابط في أنسب المواقع وأكثرها ملاءمة قتالية (من حيث طبيعة المكان والتضاريس الأرضية)، ويتوجَّب على القوات الزائرة أن تَعْبر الموانع [حرفيًّا: الجبال، والأنهار، والمستنقعات]، حتى تصل إلى ساحات القتال، [فراغ]، فلماذا تحجم، بعد ذلك، عن التقدُّم لملاقاة العدو، وتهرع إلى الانسحاب، غير عابئة بما قد تتعرَّض له من مخاطر؟ (والإجابة هي أنها ما كانت لتضطر إلى هذا، إلا بسبب …) عدم ملاءمة التضاريس وطبيعة الأرض للتشكيلات القتالية. وما دامت تلك الأحوال تشكِّل عائقًا، فلن يستطيع المقاتلون [فراغ]، ومن ثَمَّ يلجئون إلى الانسحاب؛ فلذلك أقول إن المحارب العبقري هو مَن يجيد استغلال التشكيلات القتالية المناسبة فوق تضاريس ملائمة.

عندما يتجاوز عدد المقاتلين في التشكيلات عشرات الآلاف، يسود بين عامة الناس إحساس بأن مثل هذا العدد الهائل سيلتهم خزائن الحبوب عن آخِرها وأنها لن تكفيه، [فراغ]، ففي الأوقات العادية (وقت السِّلْم) تصبح أقلُّ زيادة في عدد الجند عِبْئًا على الإعاشة، وفي ساعة التعبئة للقتال، تصير أعداد الجند المتضاعفة هي غاية الأمل، فأعداد الجنود وقت السِّلم كثرة ضاغطة على الإمداد والإعاشة، لكنها تبدو وقت الحرب حشودًا قليلة يُرجى لها المدد والزيادة [كذا].

آلاف مُؤلَّفة من الجنود، ومئات الآلاف من المقاتلين يخرجون إلى ساحات القتال، أعداد مهولة منهم، [فراغ]، بل مئات الآلاف يشنُّون الغارة علينا، وليس سوى القائد المحنَّك هو وحده القادر على تشتيت حملاتهم وتفريق صفوفهم [حرفيًّا: فَصمُ عُرى ما بين رأس الجيش وذيله (كذا)] وتقطيع أوصالهم، كما يقطع القصَّاب أوصال الضأن والماعز. (فإذا تمكَّن القائد المظفر من …) تفريق صف العدو وتبديد طاقته، والغلبة على قواته، فهو جدير بأن يكون قائد الجيش الهادر والفيالق الجرَّارة، حتى وإن كان جنوده هم الأقل عددًا وعدَّة، أما إذا عجزَ عن تحقيق ذلك المستوى من الإنجازات، فسيكون قد أهدَرَ قيمة مُقاتِليه وإنْ تجاوزَت أعدادهم أقصى الحدود وآفاق المدى.

هل يمكن إحراز النصر لمجرَّد تفوُّق القوات من حيث الكثرة العددية؟ لو كان الأمر كذلك، لصار النصر مرهونًا بعملية حساب دقيقة لعدد أفراد الجيش. فهل، إذَن، يتحقَّق الانتصار لأكثر الأطراف حظًّا من الموارد والعتاد والثروة؟ لكن، لو كان الموضوع بهذه البساطة، لما احتاج الأمر أكثر من معرفة مقدار مخزون الحبوب ورصيد الاحتياطي العام لترجيح كفة النصر.

قد يكون، إذَن، حجم التسليح وجودته ودرجة التسلُّح هي العوامل التي تجلب النصر، أيمكن أن يكون هذا هو السبب حقًّا؟ بيد أنه لو كان الأمر كذلك، لأمكنَ ضمان النصر بكل سهولة (حتى قبل بدء القتال، بزمن طويل). ومن ثَمَّ يُمكِن القول بأن وَفْرة عناصر الثروة وكثرة الموارد في بلد من البلدان ليست ضمانًا مؤكَّدًا لتحقيق الأمن والاستقرار، ولا كانت ندرة الموارد والافتقار إلى الثروات مَجْلبة للخطر، ثم إن كثرة الجند ليست شرطًا للغلبة على العدو، ولا ندرة المقاتلين (… بالمقابل، سببًا في الهزيمة) [سقطت هذه العبارة من المتن، في إحدى النسخ المحقَّقة، واستكملتها بعض الشروح في الهامش؛ فلذلك أوردتُها بين قوسين]، ذلك أن ما يقرِّر النصر أو الهزيمة (من ناحية)، والسلام وعدم الاستقرار (من ناحية أخرى) يَكمُن، حقًّا، في مدى فَهْم واستيعاب فن الحرب وطرق استخدام القوات، بالقَدْر الذي يمكن معه تفريق صفوف العدو — عندما يتميَّز بوفرة عدد المقاتلين في التشكيلات — وإعاقة تبادل العون والمساندة بين فيالقه المقاتلة، وبالقَدْر الذي يمكن به شنُّ الغارة على عدو جيد التسليح والتعبئة والإعداد، على نحو يسبِّب له الإرباك والفوضى، وبالقدر الذي يبدِّد فاعلية الموانع والحصون [حرفيًّا: الخنادق والقلاع …] ويبطل قيمتها الدفاعية للعدو، وبأسلوب ينزع قيمة وقوة التعبئة لدى عدو جيد التسليح، ويعوق جنود العدو عن حماية قادتهم، فتلك كلها مظاهر استيعاب فن ومنطق الحرب التي تمكن من إحراز النصر.

(ومن ثَمَّ)، كان القائد المُحنَّك هو الذي يملك ناصية فنون القتال، ويعرف مدى أهمية إعداد خطط القتال الدقيقة والتفصيلية قبل بدء المعارك، واتخاذ أهبة الاستعداد على أكمل وجه؛ فذلك هو السبيل إلى اكتساب الثقة في التقدُّم بخُطى ثابتة نحو النصر (قبل المعارك)، بل التمكُّن من إحراز التفوُّق المظفر على العدو (في ختام جولات الاشتباك)، وهكذا، يمضي القادة إلى ساحات القتال، فيَظفرون بالنصر، أو ينسحبون بقواتهم دون خسائر تُذكَر؛ ذلك بأنهم قد أحاطوا علمًا ودراية بفن استخدام القوات، [فراغ]، على القوات الزائرة أن تلتزم بما تفرضه القوات السيادية [فراغ]، حيث تنص قاعدة فن القتال على أنه: على القوات السيادية أن تواجه الأعداء عند المناطق الحدودية، [فراغ]. وهكذا، تؤدِّي القوات الزائرة خدمة جليلة [فراغ]، بحيث يتم إنهاك قوات العدو وتثبيط عزمها (حتى يبلغ بها الوهن والإحباط مبلغه) فيصير النصر أدنى من قطوف دانية، فإمَّا أن يتم تثبيت الجناح الأيسر للعدو؛ لضرب الأجناب اليمنى، سعيًا لإيقاع الهزيمة بها، وهي أبعَد ما تكون عن أي قَدْر من المساندة، أو يجري تحطيم ميسرة العدو مع قطع الطريق بينه وبين أية تعزيزات يمكن أن يحصل عليها من قوات الميمنة، فتلك هي الوسيلة لإعاقة تحرُّكات قوات العدو والعمل على دفعها للانسحاب، حيث تعجز عن التصرُّف بسبب قلة عدد القوات (في الجانب القريب [كذا])، ويُحال بينها وبين الحصول على مساندة (من الجانب البعيد)، نظرًا لما أصاب وحداتها من التشرذم والفوضى [فراغ].

١  العنوان الأصلي، هنا، حرفيًّا: «الفرق بين القوات السيادية والزائرة»، وكان العُرف السائد في المفاهيم الوطنية والعسكرية في الصين القديمة أن يطلق على مجموعة الفرق أو الجيوش أو القوات التي تهاجم العدو خارج حدود الوطن، «القوات الزائرة»، بينما يُسمَّى الجيش المتمركز على أرض الوطن «القوة السيادية»، والمحتوى العام يقصد إلى أن وفرة الجنود والاحتياطي الغذائي وقوة العدة والعتاد لا تمثل كلها إلا هامشًا ثانويًّا في أمور القتال، في حين أن الموضوع الرئيس يَكمُن في فَهم دقائق القتال وفنونه ومعرفة أحوال الوطن وأعدائه وكيفية استغلال التضاريس والفرص والمواقف الملائمة لضمان النصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤