اختفاء «ريما»!

جُن جنون الشياطين عندما علموا بخبر اختفاء «ريما»؛ فليس هناك أي مُبرِّر لهذا الاختفاء … ﻓ «ريما» كبقية الشياطين، بارعة في العوم والغوص … ولا يمكن أن تكون قد غرقت … وإن كانت قد غرقت … فأين القارب المطاط الذي كانت تستقله؟ ولكي يهدِّئ «عثمان» من روع «إلهام» والتي كانت في غاية التوتر سألها قائلًا: أمُتأكدة أنتِ من أنها لم تدخل الغواصة؟

إلهام: ليست الغواصة كبيرةً إلى هذا الحد … والبحث فيها لا يحتاج لوقت.

فهد: أتكون ﻟ «نجمة البحر» علاقة باختفائها؟

عثمان: تقصد أن تكون قد جذبتها للقاع؟

فهد: لا … ولكن إذا التصقت إحداها بالقارب … وقامت بإفراز عُصارتها الهضمية عليه … فماذا سيحدث له؟

عثمان: سيتآكل هذا الجزء من الجسم، وينفجر القارب.

إلهام: أولًا: لو حدث ذلك لكنا سمعنا صوت الانفجار.

عثمان: وثانيًا؟

أحمد: وثانيًا لو انفجر القارب … لحضرت إلينا «ريما» سباحة.

فهد: لن تُمكِّنها نجمات البحر من ذلك.

إلهام: إن حجمها صغير ولا يمكنها أن تجذب «ريما» للقاع.

عثمان: قد لا تجذبها … ولكن تعرقلها فلا تستطيع السباحة.

فهد: نعم … وتصطدم بوجهها فلا تستطيع التنفس.

أحمد: إذا حدث ذلك فعلًا لسمعنا صراخها.

عثمان: هل تستطيع الصراخ مع كل ذلك؟

إلهام: أنا غير مقتنعة بكل ما تقولون … هناك شيء غريب قد حدث.

أحمد: سأتصل أنا بالمقر … وعليك أنت يا «عثمان» أن تدور بنا في المنطقة بحثًا عنها … وانطلق «عثمان» بالغواصة مغادرًا «رأس محمد» سابحًا بين الجزر وعينا «إلهام» تراقبان شاشات مسح القاع والسطح، و«فهد» يجلس بجوار «أحمد» حيث اتصل هو بالمقر، واتصل «أحمد» برقم «صفر» في «هايدلبرج».

وأرسل المقر طائرة هليكوبتر تمسح المنطقة ذهابًا وعودة بحثًا عن «ريما» … أمَّا رقم «صفر» فقد أخبر «أحمد» بما غيَّر طريقهم جميعًا في كيفية البحث عن «ريما» … فقد قال له رقم «صفر» إن طاقم السفينة الغارقة … والتي كانت تحمل شِحنة السماد، لم يخرج من «مصر» … وإنهم قاموا بإغراقها متعمِّدين.

وقد كانوا يصحبون معهم عالمَين … أحدهما في الكيمياء الحيوية … والآخر في علم الحيوان، وهما أيضًا موجودان ﺑ «مصر» لمتابعة مشروع ضخم يهدف إلى القضاء على الحياة البحرية في منطقة البحر الأحمر، وبالذات منطقة الشعاب المرجانية … وتخريب كل المحميات الطبيعية الموجودة بالمنطقة.

الجدير بالذكر … أن هذَين العالمَين موجودان بالقرب من المنطقة، والسبب ستعرفانه عند الرجوع لمركز المعلومات بالمقر.

لم تروِ هذه المعلومات ظمأ «إلهام»؛ فهي لم تُقدِّم لهم ما يفيد عن سبب اختفاء «ريما»، وطلبت عقد اجتماع عاجل في السيارة المقر … وكان ذلك يعني أن ينتقل كل الشياطين إلى «البحر الأحمر» في غضون دقائق.

ومن بوابات المقر السري ﺑ «الهرم» خرجت سيارات الشياطين تسابق الريح، في اتجاه مطار غرب القاهرة، حيث كانت تنتظرهم طائرة القيادة، بِناءً على تعليمات القائد العام.

ولم تمضِ ساعة على طلب «إلهام» … إلا وكانت الغواصة قد خرجت من الماء وتحوَّلت إلى مقر متحرِّك، تضم قاعة اجتماعاته مجموعة الشياطين تنقصهم «ريما».

وقد استعرضوا ما قاله رقم «صفر»، وربطوا بينه وبين اختفاء «ريما»، وقد كان الرأي السائد بينهم أنها قد اختُطفت.

أحمد: لماذا هي بالذات؟

مصباح: أعتقد أنهم شاهدوكم وأنتم بالقارب … وشعروا بما تقومون به، وعندما تسلَّلتم إلى الغواصة … استطاعوا الانفراد ﺑ «ريما».

عثمان: وهي تكفي للوصول إلى ما يريدون معرفته … أليس كذلك؟

مصباح: نعم.

إلهام: سيناريو معقول.

فهد: وقريب من الحادثة التي وقعت.

قيس: ولكن … إلى أين ذهبوا بها؟

أحمد: هذا ما أريد معرفته.

إلهام: لن يبتعدوا بها عن «البحر الأحمر».

عثمان: بل عن محمية «رأس محمد».

وهنا صاح «بوعمير» قائلًا: الصمت يا جماعة! … ألَا تسمعون؟ … هناك صوت منتظم رتيب أسمعه من دقائق.

أحمد: إنه أحد أجهزة المراقبة.

عثمان: سأعرف.

وقام «عثمان» بتعطيل كل الأجهزة الدائرة على السيارة المقر، إلا أن الصوت لم ينقطع، وهنا شعر الشياطين بالخطر … وانطلق كل واحد منهم في اتجاه، يبحثون عمَّا ظنوا أنه موجود … وأنه سيطيح بهذا المقر المعجزة ويدمِّره تدميرًا … وسيحيل من عليه إلى أشلاء.

وضغط «أحمد» أزرارًا بساعته … وانطلق يتتبَّع إشاراتها … التي قادته إلى خارج المقر … فقام بتفتيش جسم المقر الخارجي تفتيشًا دقيقًا فلم يجد شيئًا.

وعندما اقترب من عجلاته الأمامية … زادت حدة الصفير. وتتابعت الإشارات وقام بحل العجلة اليسرى … وفتَّشها … فلم يجِد بها شيئًا … فابتعد بها عن السيارة، بمسافة كافية، فانقطعت الإشارات.

وعندما عاد إلى المقر مرةً ثانية عادت الإشارات بنفس الحدة، فخلع العجلة الثانية وابتعد بها عن المقر … بمسافة كافية، فلم تنقطع الإشارات … ولم ينقطع الصفير، فعرف أن القنبلة موجودة في هذه العجلة، فبحث عنها في أركان العجلة بعناية، وخلع الإطار الخارجي فلم يصل إليها … غير أن الإشارات لم تنقطع … ولم يعد أمامه إلا أن يدحرجها بعناية حتى وصل إلى رصيف يعلو البحر بمترَين … وقام بدفعها بقوة … فطارت في الهواء، فعاجلها بطلقة من مسدسه، فانفجرت بشدة، وهز صوت الانفجار أركان المنطقة وتطايرت شظاياها في الهواء … ثم سقطت على سطح الماء وتصاعدت معها ألسنة الدخان.

وقد جعل هذا الحادث الشياطين يتأكَّدون أن مختطفي «ريما» قريبون منهم … وعليهم البحث عنهم بسرعة … فإنهم سيحاولون الاختفاء بعد فشل عمليتهم … وافتضاح نيتهم.

وقبل أن يستأنفوا اجتماعهم، قاموا باستبدال عجلة السيارة المقر … بالعجلة الاحتياطية … ثم اجتمعوا كلهم فيها إلا «مصباح» و«بوعمير»، وانطلقت بهم تجوب المنطقة مترًا مترًا … بحثًا عن موقع قريب … يوحي بإمكانية الاختباء فيه.

وغادر الشياطين السيارة أزواجًا … فبعد كل كيلومتر كان اثنان منهم يغادران السيارة، حتى لم يعد فيها غير «إلهام» و«أحمد».

وانطلقت فرق الشياطين الثنائية، تفحص المنطقة فحصًا دقيقًا … تقلب كل حجر فيها … وتبعثر كل كومة رمل … وتشعل النيران في كل حزمة خطب جافة … محاولين الوصول إلى أولئك المخرِّبين قبل أن يختفوا.

أمَّا «إلهام» و«أحمد» فقد أعطيا الأمر للسيارة فأغلقت كل منافذها، وأدارت أنابيب الأوكسجين ورفعت عجلاتها … استعدادًا للغوص في قاع البحر لاستكمال مهمة البحث.

وبعد أن مسحت الأجهزة القاع … وقامت باستكشاف قلب المياه … وأطلقت إشارة الاستعداد … فضغط «أحمد» زرًّا بالتابلوه علا بعده صوت هدير المياه … والغواصة الصغيرة تغادر سطح المياه في طريقها للأعماق.

وكانت «إلهام» تُتابع ذلك في صمت أثار حيرة «أحمد»، فسألها قائلًا: ماذا هنالك يا «إلهام»؟ فيمَ تُفكرين؟

إلهام: أُفكِّر في الشياطين.

أحمد: لا أفهم.

إلهام: أليست هذه الغواصة هي سيارتنا جميعًا … ومقرنا؟

أحمد: نعم.

إلهام: لقد استأثرنا بها لأنفسنا وتركناهم في العراء متفرِّقين.

أحمد: نحن لم نستأثر بها؛ لأننا لا نستطيع الغوص بدونها.

إلهام: لماذا؟

أحمد: أنسيتِ نجمات البحر.

إلهام: معك حق ولكن …

أحمد: ولكن ماذا؟ كان يجب أن يتفرَّقوا هكذا لتغطية المنطقة … وتوسيع نطاق البحث.

إلهام: وإذا حدث مكروه؟

أحمد: «إلهام» ماذا بكِ؟

إلهام: لا شيء … ولكن ما رأيته من «نجمة البحر» … وغياب «ريما»، أثرا علي.

أحمد: معكِ حق، هذا غير أننا لم نحصل على راحة منذ بدأنا هذه المهمة.

إلهام: إذن فالنتيجة مضمونة … «أحمد»، انظر.

كانت فقاعة زجاجية ذات قاعدة داكنة تسبح في الماء، وحولها تدور أسراب الأسماك بكثافة، حتى تكاد تخفيها.

فقال لها «أحمد»: إنها كبيرة جدًّا!

إلهام: أؤكِّد لك أنها غواصة أبحاث!

أحمد: أترين كيف تدور حولها أسراب الأسماك، وكأنها تحاول أن تخفيها؟

إلهام: أيكون ذلك مقصودًا؟

أحمد: في العلم الحديث … لم يعد هناك مستحيل.

إلهام: ولكن كيف؟

أحمد: إمَّا بالتوجيه من خلال موجات لا سلكية شفرية.

إلهام: أو بث روائح جاذبة لهذا النوع من الأسماك، والذي يسبح في أسراب.

أحمد: يا لها من قدرات عقلية عالية!

إلهام: ولكننا لن نستطيع رؤية ما بداخل هذه الفقاعة بسبب الأسماك المحيطة بها.

أحمد: سأحاول التأثير عليها بطريقتي.

وفكَّر «أحمد» أن يتعامل مع الأسماك بنفس الطريقة التي اعتقد أن الآخرين يستعملونها، فلجأ إلى جهاز توليد الذبذبات الخاصة بمسح القاع، وعدَّل ذبذباته … وغيَّر تردُّداته زيادةً ونقصانًا، فلم يلاحظ على الأسماك أي تغيير، غير أنه بعد فترة من التجارب لاحظ أن الفقاعة قد توقَّفت عن السير ونزلت في اتجاه رأسي، واستقرَّت في القاع … ومن حولها أسراب السمك تحيطها … وكأنها تقصد أن تصنع ستارة؛ لتُخفي ما بها.

ولم يعد أمام «أحمد» غير فكرة تمنَّى لو أنها حقَّقت ما يريد. ورغم اعتراض «إلهام» إلا أنه بدَّل ملابسه، وارتدى بدلة الغوص. ومن باب بمؤخرة الغواصة … انتقل من أنبوب إلى آخر … حتى أصبح خارجها ممسكًا بيده حربة … ما إن رأته «إلهام» على شاشة المراقبة حتى عرفت ما ينوي عمله.

وبعيدًا عن الفقاعة، قابل «أحمد» فرقةً من نجوم البحر تحيط بمجموعة الشعاب المرجانية، فغرس في ظهر إحداها الحربة … وحملها على رأسها والسائل الأبيض يسيل منها … حتى وصل إلى المنطقة التي تقبع بها الفقاعة، فألقى عليها النجمة المجروحة … فسقطت وسط جموع الأسماك، فتفرَّقت ثم تجمَّعت مرةً أخرى.

ونفد صبر «إلهام»، غير أن ما قصده «أحمد» بدأ يؤتي ثماره بعد أن عاد إلى الغواصة.

فقد بدأت جموع النجمات تتوافد على الفقاعة، متتبعةً مسار السائل الأبيض الذي سال من ظهر النجمة المجروحة.

واضطربت المياه حول الفقاعة من تأثير توتر حركة النجمات؛ فقد كانت تتقلَّص وتنفرد في حركات عصبية، جعلت أسراب السمك ترحل عن الفقاعة، والمكان كله، ممَّا أشعر «إلهام» بالأمل … في رؤية ما بداخلها، وشعر «أحمد» أن خطته قد نجحت.

ولكن حدث ما لم يتوقَّعاه … فقد أحاطت النجمات السحرية بالفقاعة، والتصقت بها، صانعةً حائطًا خارجيًّا داكنًا، فأضاعت أملهما في رؤية ما يريدان. إلا أن الأمر لم يتوقَّف عند ذلك … فقد ارتفعت الفقاعة في الماء، ودارت حول نفسها … واندفعت جهة اليمين وجهة اليسار … ثم لأسفل ثم لأعلى وسط حيرة «إلهام» و«أحمد».

وقد فسَّر «أحمد» ذلك بخوفهم من أن تُذيب العصارات الهاضمة للنجمات زجاج الفقاعة، فيموتون غرقًا … وهم غير مزوَّدين بماكينات تنفُّس الأوكسجين. ورأى أنها فرصة في القبض عليهم؛ فقد يستطيع بإطلاق النار على الفقاعة وكسرها … أن يقبض عليهم، وينقُلهم إلى غواصته … وتنتهي المهمة.

أصبحت هذه الفكرة هي الخيار الأساسي ﻟ «أحمد» في إنهاء مهمته، لذا … فقد بدأ الاستعداد لها … فأعدَّ مسدسه … وجهَّزه للإطلاق في الماء، وصوَّبه تجاه الفقاعة … وسحب أمان المسدس … ثم ضغط على الزناد … وخرجت الرصاصة مُحدِثةً في الماء صريرًا مزعجًا … غير أنها لم تصِب الفقاعة بسبب سمكة ضخمة اندفعت فجأةً في طريقها … فتلقَّتها في ظهرها، وسقطت في القاع نائمةً على جنبها … ممَّا دفعه للاستعداد لتكرار المحاولة … وخرجت الرصاصة الثانية محدثةً نفس الصرير المزعج لتصطدم هذه المرة بنجمة عملاقة، انزعج «أحمد» حين رآها، وكذلك كانت «إلهام».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤