المواجهة!

لقد تحدَّثت كل التقارير عن التغيير في طباع هذا الحيوان وسلوكه، وكل مشاهداتهم وخبراتهم معه تدل على ذلك … ولكن ما لم يعملوا له حسابًا … هو التغيير في حجمه أيضًا.

أيكون ذلك بفعل الهندسة الوراثية؟ … وهل غيَّرت في حجمه فقط؟ أم أكسبته نفس الصفات التي اكتسبتها بقية نجمات البحر؟

إن حيوانًا عدوانيًّا في هذا الحجم، وله نفس الصفات … سيكون خطيرًا جدًّا على من حوله … والأخطر من ذلك أنه يتكاثر نفس حجمه، والغريب في الأمر، والمثير أيضًا … أن الرصاصة التي أصابته لم تقتله … بل لم تُقلِّل من قوته، وكأنها لم تُصِبه.

أذهلت علامات الاستفهام كلًّا من «إلهام» و«أحمد» … وشغلتهما رؤية هذا الحيوان العملاق عن الفقاعة وما به.

غير أن ما لم يتوقَّعاه قد حدث؛ فقد فرَّت كل النجمات الصغيرات، التي كانت ملتصقةً بالفقاعة، بمجرد أن رأت الحيوان الضخم … وكأنه احترام للقوة تعلَّمته هذه المخلوقات في عالمها الخاص.

وظهر من في الفقاعة … أنها «ريما» … إنها «ريما» يا «أحمد».

قالت «إلهام» ذلك … وهي تُشير خلف زجاج نافذة الغواصة على الفقاعة الزجاجية، وأمعن «أحمد» النظر فيمن حولها ثم قال لها: أعتقد أنهما العالِمان.

إلهام: لا أظن؟

أحمد: لماذا؟

إلهام: إن مسائل الاختطاف هذه لا يقوم بها علماء.

أحمد: لكن هذه الغواصة صُنعت للأبحاث.

إلهام: وعند اللزوم للاختطاف … وإخفاء الضحية.

أحمد: سيكون الأمر جد خطير لو لم نصل للعالِمَين.

إلهام: قد يمكننا ذلك عن طريق هذَين الرجلَين.

أحمد: لا أعتقد … فعقول هؤلاء لا يمكن التأثير عليها.

إلهام: فلنُجرِّب.

أحمد: فلنطلق صراح «ريما» أولًا.

كانت «ريما» قد لاحظت وجود الغواصة في الماء … وأنها تقبع بلا حركة وكأن من بها قد رأوها.

وقد لاحظت «إلهام» عن طريق نظارتها المُعظِّمة، أن «ريما» شعرت بوجود الغواصة، وأنها الآن تستعد للاشتراك مع الشياطين … للانتهاء من هذَين الرجلَين … وأخبرت «أحمد» بذلك، فاستعد هو الآخر للنزول إلى الماء، والتحرُّك لتخليص «ريما» والقبض على هذَين الرجلَين، واللذَين سيوصلانه إلى العالِمَين … ليستطيع عن طريقهما أن يوقف هذه الجريمة التي تقع تحت مياه «البحر الأحمر».

وارتدى ملابس الغوص، وتزوَّد بجميع أسلحته الخفيفة والإلكترونية … وودَّع «إلهام» التي اتفقت معه على التدخُّل إذا ما حانت الظروف. لم يُعِد خطةً محدودة … ولم يُقرِّر شيئًا ما في نفسه، ولكنه ترك ذلك للظروف ولِمَا سيُقابله من عقبات وموانع وأخطار.

وأول ما حسب حسابه هو ذلك الحيوان الضخم، صاحب الثلاثة عشر رجلًا، وعشرات المئات من المماصات القوية … هذا الحيوان الوحيد المغرور الذي لم يخف عندما رآه … وكيف يخاف والأحجام الصغيرة منه … لم تخف، بل هاجمته في شراسة … وكرَّرت الهجوم ولم تتراجع؟

وجرَّب «أحمد» مرةً أخرى أن يطلق عليه النار … غير أن الرصاصة بدلًا من أن تقتله وتُخلِّصه من شره، أثارته، وجعلت تواجده معه في الماء خطرًا … غير أنه لم يتراجع وأصرَّ على أن يُخلِّص «ريما»، وسرعة القبض على العالِمَين. ومن الثقب الذي صنعته الرصاصة في جسم النجم الكبير، خرج السائل الأبيض سميكًا … وكأن الماء لم يقوَ على حمله … فقد سقط في القاع ليُحرِّك العشرات من نفس الحيوان، وقد أحاطت به … وهو يُقلِّص أذرعه ويبسطها في قوة وعصبية.

غير أن الحيوانات الصغيرة لم تخَف … بل التفَّت عليه، وبدأت في إخراج أجهزتها الهضمية … وإفراز العصارة على جسمه … وهو ينتفض في شدةٍ محاوِلًا التخلُّص منها … غير أن قوته لم تُسعفه مع كثرة عددها.

وكان «أحمد» يراقبه من مكمنه وهو مشفق عليه … ولكن لا مفر … فالكائنات هكذا … إمَّا صائد … وإمَّا ضحية.

ومن الغواصة … كانت «إلهام» تُتابع ما يحدث في فزع … فقد تستطيع هذه النجمات الالتفاف على إنسان أو حيوان ضخم، وتصنع به مثل ما تصنع الآن في كبيرهم.

وفي الفقاعة الزجاجية كانت «ريما» تتابع ما يحدث في راحة … فهي في هذه الفقاعة، تشعر وكأنها تسبح بلا حماية في هذا القاع المُخيف.

ولو كانت تشعر أنه أقرب ما يكون، للوقوع بين أذرع ذلك الحيوان الذي أصبح ضحية.

وبعد وقت قصير، سقطت بقايا هذا الحيوان إلى قاع البحر … وأصبحت الفقاعة الزجاجية مكشوفةً أمام «أحمد» و«إلهام».

غير أن من كانوا بها … لاحظوا وجود الغواصة … فدفعوا بسائل أسود إلى الماء … فتلوَّنت المنطقة حولهم به … وأصبحت كالليل البهيم.

وبعد أن انقشعت هذه الغُمة السوداء … واستطاعوا رؤية ما حولهم، لم يجدوا الفقاعة.

صاحت «إلهام» في جزع؛ فها هما يفقدان «ريما» مرةً أخرى، وقد كانت بين أيديهم، وفكَّرت أن تتصل بالمقر وتطلب من قيادته معاونتهم في مسح المنطقة عن طريق الضفادع البشرية والغواصات الحربية.

غير أن «أحمد» رفض أن يشعر بالعجز … وقرَّر أن يستخدم ذكاءه مع هؤلاء البشر.

ووسط دهشة «إلهام» وحيرتها، وجدت «أحمد» يجلس أمام تابلوه قيادة الغواصة ويُصدر أمره لها بالصعود، وذلك بالضغط على بعض الأزرار …

وارتفعت الغواصة إلى أعلى ثم هوت ساقطةً إلى القاع، وهي تتأرجح في غير اتزان … وتتخبَّط في كل ما تُقابله من صخور وشعاب مرجانية … حتى استقرَّت في القاع ساكنة … ومثلها كان «أحمد» و«إلهام» قابعَين ساكنَين.

ومرَّت الدقائق ثقيلةً عليهما … فليس من المطلوب أن يأتيا بحركة … فقد يراها أحد ركاب الفقاعة من مكمنه … يعرف أنها خدعة.

وأبدت «ريما» جزعها الشديد على زميلَيها القابعَين في الغواصة … فقد كانت تراهما من مكان غير بعيد.

ولم يستطِع «أحمد» رؤيتهم ولا «إلهام» … لأنهم غطوا الفقاعة بغِلاف من الشعاب المرجانية الصناعية.

لذا عندما خرج أحدهم منها لاستطلاع أمر الغواصة، لم يلاحِظه أحد من الشياطين … حتى اقترب من إحدى نوافذها، فتمادى «أحمد» و«إلهام» في النوم واصطناع الإغماء.

فدار الرجل حولهما وكأنه يبحث عن منفذ يدخل منه … وطال وقت بحثه، وتعب «أحمد» من نومته وكذلك «إلهام»، فتقلَّبا بهدوء شديد خشية أن يراهما هو أو زميله في الفقاعة.

وأعيت الرجل الحيل، ولم يجد وسيلةً لدخول الغواصة، فعاد إلى الفقاعة، وأحضر زميله، وأصبحت «ريما» وحدها في الفقاعة.

وعندما رأت «إلهام» ذلك، اقترحت على «أحمد» أن يتحرَّكا بالغواصة بسرعة ليصيرا بجوار «ريما» ويحمياها، حتى يطلقا سراحها.

وأعجبت الفكرة «أحمد» إلا أنه آثر التريُّث لسببَين؛ أولهما … حتى يبتعدا بالقدر الكافي عن الفقاعة.

والثاني … أن يمعن التفكير فيما يمكن أن يقوم بعمله هذان الرجلان من موقعهما … وبالفعل … انتظر «أحمد» حتى اقتربا منهما كثيرًا … ثم زحف على بطنه حتى دخل كابينة القيادة.

وعندما دار الرجلان حول الغواصة، عكس بعضهما، انتفض «أحمد» واقفًا وأدار محرِّكاتها، وانطلق بها وسط ذهول ورُعب الرجلَين، اللذَين انطلقا في أثرها … يحاولان اللحاق ﺑ «ريما».

وقد كانت «ريما» في الفقاعة تبحث عن مفاتيح قيادتها، غير أنها لم تصل إلى شيء؛ فقد كانت تدور ببصمة الصوت، حتى فَتْح باب الأنبوب الذي يؤدِّي إلى خارجها، كان يُفتح ببصمة صوت أحد الرجلَين.

ولم يكن «أحمد» يعلم ذلك، وخافت «ريما» أن يقتلهما، فتموت مختنقةً بداخلها. وبالفعل … وصلت الغواصة قبل الرجلَين إلى الفقاعة، فانهالت الرصاصات عليها من كل اتجاه … ورأى «أحمد» أن يرد عليهما؛ حتى لا يدمِّرا الغواصة، ولا يستطيعا إكمال مهمتهما بها.

وقبل أن يخرج لهم منها، كانت الفقاعة قد تحرَّكت وحدها، مبتعدةً عن المكان ومن خلفها الرجلان، حتى استقرَّت مرةً أخرى وسط الشعاب المرجانية والرجلان في أثرها.

وعرفت «ريما» أنهما سيدخلانها من باب الأنبوب … وسيكون في هذا الوقت مفتوحًا، فإن أصابتهما وهما في طريقهما للدخول، تستطيع بعد ذلك دفعهما للخارج، وتخرج خلفهما.

ولكنها رأت أن «أحمد» قد يحتاجهما للوصول إلى العالِمَين، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى أن أحدهما قد يموت … ويهرب الآخر؛ ليصطادها خارج الفقاعة.

وكان «أحمد» في الغواصة يفكِّر بنفس طريقة «ريما»؛ لذا … فقد خرج من الغواصة يسبح إلى أن اقترب منهما، وكان أحدهما يدخل إلى الفقاعة، فانتظروا إلى أن شرع الآخر في الدخول … ومدَّ ذراعَيه لآخرهما داخل أنبوبة الدخول ليسحب باقي جسمه … فاندفع إليه وألصق مسدسًا في قدمه.

وعندما رأى زميله في الفقاعة ذلك … أطلق عليه النار، ثم دفعه إلى الخارج بقدمه وأغلق الأنبوب مرةً أخرى.

وجزعت «ريما» لِمَا حدث، ونظر لها الرجل والشرر يتطاير من عينَيه … ثم ألصق فُوَّهة المسدس برأسها، وطلب منها أن تشير ﻟ «أحمد» بالابتعاد، ففعلت ذلك.

ونزولًا على رغبتها، وخوفًا على حياتها … عاد «أحمد» من حيث أتى، لكنه لم يعد إلى الغواصة … بل لفَّ حول الفقاعة، مختفيًا وسط الشعاب المرجانية، ثم تعلَّق بالغطاء الخدعة الذي تتخفَّى فيه.

وبدأت «إلهام» تشعر بالخوف … فقد قتل الرجل زميله بيده؛ ممَّا أفقده أعصابه، هذا غير شعوره أنه أصبح وحده.

وكان ذلك ما يدور برأس «أحمد»، ففكَّر أن يستفيد منه … فاتصل ﺑ «إلهام» وطلب منها أن تُغادر الغواصة.

وفعلت «إلهام» وسبحت في منطقة واضحة للجميع، وابتعدت عن الغواصة بمسافة حرَّكت أطماع الرجل … فانطلق بالفقاعة و«أحمد» مُتعلِّق بها … ثم توقَّف بجوارها وخرج منها شاهرًا مسدسه … فأمسك «أحمد» بيده وضغط عليها بشدة … فصرخ وترك المسدس … وقد كان نصفه السفلي داخل الفقاعة.

فأمسكت «ريما» بقدمَيه … وتحت تهديد السلاح … خرج وفي أثره «ريما».

وفي الغواصة قاموا بتقييده … وانطلقوا يدورون حول الفقاعة، فشاهدوا جثة القتيل وحولها الكثير من نجمات البحر قد التصقت بها.

وبضغط بضعة أزرار ارتفعت الغواصة إلى سطح الماء، وأول ما فعلوه بعد خروجهم إلى اليابسة هو الاتصال برقم «صفر» الذي هنأهم على انتهاء الجزء الأول من العملية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤