جاء إلى هنا … خرج من هنا؟!

كانت ليلة صيفية جميلة في المعادي … وقد هبَّت نسمة باردة حملت معها عبير الورود والأزهار في حديقة منزل «عاطف»، وكانت «لوزة» و«عاطف» يجلسان وحدهما … فلم تكن هناك مواعيد بين المغامرين الخمسة في تلك الليلة. وقالت «لوزة»: تعال نتمشى قليلًا على الكورنيش … لقد تضايقت من هذه الجلسة الطويلة!

عاطف: لقد تجوَّلنا بالدرَّاجات كثيرًا هذا الصباح … ولست …

وقبل أن يتمَّ جملته سمعا صوت سيارة تقف بباب الحديقة، والتفتا معًا وهما يسمعان باب السيارة يُفْتَح ويَنْزِل منه المفتش «سامي» بقامته الفارهة … وقفزت «لوزة» صائحة: إنه المفتش «سامي»!

وانطلقت تقطع طرقات الحديقة جَرْيًا واستقبلت المفتش استقبالًا حماسيًّا قائلة: إننا لم نرك منذ فترة طويلة!

قال المفتش مُبتسمًا في تعب: آسف جدًّا … إنني مشغول هذه الأيام!

لوزة: هل جئتَ تزورنا … أو أن هناك قضية في المعادي؟

ردَّ المفتش وهو يمدُّ يده إلى «عاطف»: الاثنان معًا!

صفقت «لوزة» وهي تقول: إذن سنجد شيئًا نفعله!

قال المفتش وهو يجلس وكأنه يتجاهل ما قالته «لوزة»: هل عصير الليمون المُثَلَّج جاهز كالعادة؟

ردت «لوزة»: طبعًا … إن أبي يفضله على كل شيء آخر!

المفتش: معه حق … فليس هناك شراب أفضل منه في الصيف!

أسرعت «لوزة» إلى الفيلا لإحضار الشراب المُثَلَّج، في حين قال المفتش مُحَدِّثًا «عاطف»: أين إذن بقية المغامرين؟

رد «عاطف»: لقد كنا معًا هذا الصباح وتجولنا بالدراجات في شوارع المعادي الجديدة!

بدا اهتمام مفاجئ على وجه المفتش وقال: المعادي الجديدة؟

عاطف: نعم … هل ثمة شيء هناك؟

عاد المفتش إلى لهجته المُتْعَبَة وقال محاولًا التهرُّب من السؤال: هل وجدتم أنتم شيئًا هناك؟

رد «عاطف»: لا … ليس أكثر من المباني الجديدة!

ساد الصمت بين الاثنين لحظات كان «عاطف» خلالها يفكر في لهجة المفتش وهو يتحدث عن المعادي الجديدة … لقد كان واضحًا أن هناك شيئًا يشغله في هذا المكان المتطرف من المعادي … ولكن ما هو هذا الشيء؟

عادت «لوزة» ومعها كوب الشراب في يدٍ وفي اليد الأخرى جهاز التليفون وهي تقول: مكالمة لك يا سيادة المفتش!

بدا المفتش مُتلهفًا على المكالمة، حتى إنه وقف وتناول التليفون، وأخذ يستمع لحظات، ثم قال: سأحضر فورًا!

وقام المفتش واقفًا، وتناول كوب الليمون المُثَلَّج من «لوزة» فتجرَّعه بسرعة ثم قال: شكرًا … إنه سيرد لي بعض قواي!

لوزة: ألن تبقى حتى يحضر بقية المغامرين؟

قال المفتش وهو يُسرع بمغادرة الحديقة إلى سيارته: ليس الآن … ربما في يومٍ آخر.

وحيَّا «عاطف» بإشارة من يده، ثم سمع الاثنان صوت مُحَرِّك السيارة يدور … وبعد لحظات كانا يجلسان وحدهما مرةً أخرى وقال «عاطف» مبتسمًا: هل كان المفتش حقًّا هنا، أو أنني أحلم؟

لوزة: بالطبع كان هنا!

عاطف: لماذا جاء هنا؟ ولماذا ترك هنا؟

لوزة: ألستَ مغامرًا؟! حاول أن تخرج بشيءٍ من هذه الزيارة السريعة!

بدت سمات الجد على وجه «عاطف» وقال: إن المفتش يُعالج قضية عويصة في المعادي الجديدة!

لوزة: المعادي الجديدة؟

عاطف: نعم.

لوزة: وكيف عرفت؟

عاطف: ألم تقولي إنني مغامر، وإنني يجب أن أخرج باستنتاج عن سبب زيارة المفتش السريعة!

لوزة: وما هي هذه القضية؟

عاطف: ليست قضية سرقة عادية … إنها شيء أكبر، فالمفتش لا يتحرك من مكانه ويأتي إلى المعادي … ولا يبدو مهمومًا ومُرْهَقًا بهذا الشكل إلا إذا كان يُحَقِّق قضية كبيرة … وإلا تركها لأحد معاونيه!

لوزة: أو للشاويش «علي»!

ساد الصمت … وأخذت «لوزة» تفكر كيف استطاع «عاطف» أن يُحدد مكان القضية التي يحققها المفتش … وعرفت على الفور أن ثمة حديثًا دار بين المفتش و«عاطف» في أثناء ذهابها لإحضار شراب الليمون، فقالت: هل قال لك المفتش إنه يحقق قضية في المعادي الجديدة؟

عاطف: أبدًا!

لوزة: إذن كيف عرفت؟

عاطف: لقد أجبتُ عن هذا السؤال من قبل!

لوزة: دعك من اللفِّ والدوران يا «عاطف» … وقل لي كيف عرفت؟

عاطف: لن أقول لك … ومن الأفضل أن نُجَمِّع بقية المغامرين ونتحدث معًا!

لم تكد «لوزة» تسمع هذا الكلام، حتى مدَّت يدَها على التليفون، واتصلت بكلٍّ من «نوسة» و«محب» ثم «تختخ» … وكانت تتحدَّث إليهم بحماسة كعادتها قائلة: هناك قضية هامة … نعم … المفتش كان هنا … إنه يبدو مشغولًا جدًّا ومن المؤكد أن هناك قضية هامة تشغله … ولا بد أن نشترك فيها … سنجتمع الآن كاقتراح «عاطف».

ووضعت السماعة وقد احمرَّ وجهها وبدا عليها الانفعال، وعندما أدارت وجهها إلى «عاطف»، وجدته غارقًا في الضحك، فتضايقت وقالت: لماذا تضحك؟

عاطف: لقد قلبت الدنيا رأسًا على عقب دون أن يكون هناك أي شيء … أين هي القضية التي تتحدثين عنها؟

صاحت «لوزة»: ألم تقل أنت إن هناك قضية غامضة … وإن المفتش يحققها، وإنها في المعادي الجديدة؟

عاطف: لقد طلبتِ منِّي كمغامر أن أقدم بعض الاستنتاجات عن سبب زيارة المفتش المفاجئة … فقلت ما استنتجت، ولكن ليس معنى هذا أن ما قلته صحيح ولا معناه أننا وجدْنا مغامرة نشترك فيها.

قامت «لوزة» غاضبةً وهاجمت «عاطف» بيدَيها وأخذت تضربه ضرباتٍ سريعة مُتوالية على كتفه وهو مُستغرق في الضحك … ثم وقفت بعيدًا عنه وهي تضع يدَيها في وسطها وتصيح: إنك تُريد أن تجعلني موضع سخرية الأصدقاء … إنك دبَّرت مقلبًا شريرًا!

استمر «عاطف» يضحك … حتى سمع الاثنان صوت أجراس الدراجات وعرفا أن بقية المغامرين قد وصلوا.

كان أول الداخلين «نوسة» … فأسرعت إليها «لوزة» قائلة: آسفة جدًّا يا «نوسة» يبدو أنني تسرعتُ فقد وقعتُ ضحية مقلب دبره «عاطف»!

نوسة: ماذا حدث؟

لوزة: لقد استدعيتُكم بناء على اقتراح من «عاطف» … بأن هناك قضية هامة … وهو الآن يُنكر ما قال.

قال «عاطف» ضاحكًا: إنني لم أُنكر شيئًا!

ودخل «تختخ» و«محب» ووقفا يستمعان إلى النقاش الدائر، قالت «نوسة»: ألم يحضر المفتش إلى هنا؟

لوزة: حضر طبعًا … ولم يكد يجلس حتى اتصلوا به تليفونيًّا فخرج على الفور!

نوسة: ألم يتحدَّث إليكما في شيء؟

لوزة: لا!

نوسة: إذن ما هي حكاية هذه القضية الغامضة؟

أشارت «لوزة» إلى «عاطف» وقالت: اسأليه!

اختار «تختخ» كرسيًّا مريحًا وجلس ثم وضع ساقًا على ساق وأخذ يرقُب المشهد وهو يبتسِم … في حين اشترك «محب» في الحوار … وبعد مناقشة استمرَّت عشر دقائق قال «عاطف»: إن «لوزة» … قالت الحقيقة … فقط لقد أردتُ أن أعاكسها!

ثم التفت إلى «تختخ» وقال: ألا تنضم إلينا لأقول لكم كل ما حدث؟

قال «تختخ» لقد عرفتُ كل ما حدث!

عاطف: دعك من أسلوب الدعابة … فأنت لم تكن هنا حتى تعرف ماذا حدث!

تختخ: ببساطة المفتش «سامي» جاء إلى هنا … كان مُتْعَبًا، طلب كوبًا من الليمون ذهبت «لوزة» لإحضاره … في هذه الأثناء كنت تتحدث معه، وقلت له إننا كنا في المعادي الجديدة هذا الصباح، فبدا عليه الاهتمام واستنتجتَ أنت من هذا الاهتمام أن هناك قضية أو حادثة غامضة في المعادي الجديدة يقوم المفتش بتحقيقها … وبما أن المفتش لا يذهب إلا إلى القضايا الهامة … فهذا يعني أنها قضية كبيرة!

فتح «عاطف» فمه دهشة … فقال «تختخ»: تستطيع الآن أن تكفَّ عن الضحك على «لوزة» وتعرف أن المسألة ليست خطيرة، ولا فيها أسرار … أنت فقط تريد أن تبدو مُهمًّا.

ثم التفت إلى «لوزة» قائلًا: والآن … ماذا تريدين يا «لوزة»؟

لوزة: بالطبع نُريد أن نشترك في هذه القضية!

تختخ: كيف؟! هل نذهب للبحث عن القضية في الشوارع، كما يبحثون عن طفل تائه … أو نلوي ذراع المفتش ونُجبره على أن يقول لنا ما هي القضية؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤