المغامرة الوحيدة

لم تجب «لوزة» ولكنها قفزت فجأة على دراجتها، وأسرعت تُغادر الحديقة ثم تصل إلى الشارع، وبعد لحظاتٍ كانت قد اختفت قبل أن يفيق الأصدقاء.

أخذت «لوزة» تدير بدال الدراجة بأقصى سرعة … كانت تحسُّ أنها غاضبة جدًّا من كل ما حدث … وأنها لا تريد أن ترى هؤلاء الأصدقاء مرة أخرى … ومضت بالدراجة لا تدري إلى أين تذهب … وكم كانت دهشتها عندما وجدت أنها في الطريق إلى شارع النادي الجديد … وهو الشارع الرئيسي في المعادي الجديدة … وتوقفت عند محطة بنزين في الطريق … ووجدت عمارة جديدة تُبْنَى أمام المحطة، فمضت إليها ونزلت من على الدراجة … واختارت كومة من الرمال جلست عليها … لم تكن تدري ماذا تفعل … كانت غاضبة وحزينة … ولكنها بعد بضع دقائق بدأت تُراجع موقفها … وأحسَّت أنها تسرعت … «فعاطف» شقيقها وهي تعرف أنه يُحبها أكثر من نفسه … وأن ما فعله هو جزء من طبيعته الساخرة المرحة، وأنه لم يقصد أن يُضايقها أو يؤذيها … أما «تختخ» فهو صديقها الحميم … وكل ما فعله أنه سألها رأيها فيما ينبغي عليهم عمله.

كان الظلام قد هبط … وبدأت الأنوار تُضاء، وأحسَّت «لوزة» بالوحشة وهي تجلس وحدها … وقررت أن تقوم وتعود إلى البيت … وفجأة حدث ما لم تكن تتوقعه؛ فقد شاهدت الشاويش «علي» يركب دراجته ويتَّجه إلى شارع النادي الجديد، ودون أي تردُّد قفزت إلى دراجتها وتبعته وقد أحسَّت أن الصدفة التي أتت بها إلى هذا المكان خدمتها … فلا بد أن الشاويش مشترك في القضية التي يحققها المفتش … ومن المؤكد أنه مُتجه إلى الموقع الذي وقعت فيه أحداث القضية.

مضى الشاويش و«لوزة» خلفه فتجاوز مجموعة العمارات التي تقع في منتصف شارع النادي الجديد، ثم انحرف فجأةً في شارع ضيق، واقتربت «لوزة» ببطءٍ حتى وصلت إلى ناصية الشارع، ونزلت، واختفت خلف جدار أحد المنازل، ونظرت على ضوء مصباح الشارع، واستطاعت أن تلمح الشاويش وهو يتوارى داخل حديقة إحدى الفيلات التي كانت تقف أمامها سيارتان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة … وقررت «لوزة» أن تتمادى في تحرياتها، فاختارت مجموعة من الأشجار الكثيفة تركت دراجتها عندها، ثم مضت تسير في الشارع الضيق، حتى وصلت أمام الفيلا … وعرفت على الفور أن السيارة الكبيرة التي تقف أمامها هي سيارة المفتش «سامي» وخفق قلبها … فهي تسير في الطريق السليم.

نظرَتْ إلى الفيلا من بعيد، ثم اختارت شجرة مقابلة ووقفت خلفها ترقب الفيلا … لم تلاحظ وجود زحام من رجال الشرطة كالعادة في حالة وقوع حادث سرقة أو غيره … ولكن عينَيها القويَّتَين لاحظتا وجود نوع من الحراسة المُشَدَّدة حول الفيلا … فقد كان هناك أكثر من شخصٍ يلبسون الملابس العادية يقِفون في أماكن مُتباعدة حول الفيلا وداخلها … ولاحظت وجود كشك للبواب، وسمعت نبارح كلبٍ يصدر من الفيلا.

كان السؤال الذي طاف بذهنها على الفور هو: من الذي يسكن هذه الفيلا؟!

إن تحديد السكان يمكن أن يدل على نوع الحادث … وكان من الواضح أن السكان أغنياء؛ فالفيلا ضخمة … وبها أجنحة مُتعددة … ولكن «لوزة» أحسَّت أن في بناء الفيلا شيئًا غير عادي … شيئًا لا يمكن تحديده … إنها لم تكن فيلا عادية كآلاف الفيلات في المعادي … وقالت في نفسها … ربما أُضِيفَ إليها مبنًى أو جناح زائد … هذا الذي يمتدُّ إلى الخلف، ويبدو كأنه سفينة في المحيط.

ظلَّت «لوزة» مكانها أكثر من ساعة دون أن يحدث شيء … ثم خرج الشاويش «علي» وركب دراجته وانطلق … وأدركت «لوزة» أنها لن تلحق به … فحتى تصل إلى درَّاجتها يكون هو قد ابتعد … لهذا قررت البقاء فترةً أخرى ترقُب ما يحدث.

بعد فترةٍ أُخرى ظهر المفتش «سامي» ومعه رجل شديد النحافة … منكوش الشعر … يُدخن البايب ويلبس نظارة طبية سميكة … وكان هو والمفتش يتحدثان ويُشيران بأيديهما. ومن المدهش أنهما كانا يشيران في اتجاه الشجرة التي اختفت خلفها «لوزة» التي أحسَّت بالخوف يدبُّ في كيانها … هل اكتشف أحد مكانها بهذه السرعة؟! وهل كان خطأً أن تقف في هذا المكان؟ وفجأة أحسَّت بحركة على يمينها … ودون أن تدري ماذا تفعل كانت قد انطلقت تجري بين الأعشاب وتِلال الرمال التي تُحيط بهذا المكان … لم تدر «لوزة» لماذا جرت … ولكنها أحست أنها مهدَّدة بخطرٍ ما … وكلما توقفَتْ سمعتْ صوت الأقدام خلفها … فتمضي وتمضي دون أن تدري إلى أين هي مُتجهة، حتى أحسَّت بالإنهاك الشديد وأن صدرها يكاد ينفجر، فاختارت أقرب مكانٍ يمكن أن تختبئ فيه … ثم استلقت على الرمال وأخذت تلهث فترةً وهي تحسُّ بالدماء تندفع في رأسها وتكاد تُفجِّره!

ولاحظت «لوزة» أن هناك ضوءًا يتحرك في الظلام، وكان واضحًا أنه كشاف في يد شخصٍ من المؤكد أنه يبحث عنها … لماذا؟! هكذا فكَّرَت … هل كانت وقفتها في هذا المكان تُمثل خطأً ما؟! هل من يُطاردها مجرم يعتقد أنها رأته؟

أخذت تُحَدِّث نفسها، والرجل والضوء يتحرَّكان في كل اتجاه … ولكن بعد فترةٍ ابتعد الضوء وأدركت أنها نجت من المطاردة.

في هذه الأثناء كان بقية المغامرين يبحثون عن «لوزة»، اتفقوا على أن تبقى «نوسة» في المنزل فقد تعود «لوزة» … وركب الأولاد الثلاثة دراجاتهم وانطلقوا يبحثون عنها. اتجه «عاطف» و«محب» إلى الكورنيش … أما «تختخ» فقد قرَّر أن يمضي في عُمق «المعادي» … في اتجاه الصحراء …

كانت نفسه تُحدِّثه أن «لوزة» غضبت … وأنها قرَّرتْ أن تخوض تجربة المغامرة وحدها، وأنها ربما تكون قد اتَّجهت إلى المعادي الجديدة حيث يمكن أن تكون الأحداث التي يتحرَّاها المفتش «سامي» هناك.

أخذ «تختخ» يسير في كل اتجاه … دون أن يُحدِّد لنفسه هدفًا … وكان الظلام كثيفًا في تلك الليلة … ولم يكن في إمكانه أن يرى على بُعد كافٍ … وهكذا قاده السَّير إلى شارع النادي الجديد … وأخذ يقطعه رائحًا غاديًا دون أن يعثر على أثر … وفجأة وجد الشاويش «علي» يبرُز من الشارع الجانبي … وأدرك «تختخ» أنه في البقعة التي تجري فيها الأحداث … وتبع الشاويش الذي كان يحمل مظروفًا أبيض تحت إبطه ويقود دراجته بيدٍ واحدة.

مضى «تختخ» يطارد الشاويش مُحتفظًا بمسافةٍ مناسبة بينه وبين الشاويش حتى اقتربا من الشوارع المزدحمة … وفجأة أقبلت سيارة مُسرِعة، خلفها «موتوسيكل» مُسرِع يُحاول أن يتجاوز السيارة … وفي ثوانٍ قليلة حدث كل شيء … مضى الموتوسيكل بجوار السيارة مُسرِعًا … وكان الشاويش يسير بدراجته في المكان نفسه، وارتبك الشاويش وهو يسمع نفير السيارة المزعج … ونفير «الموتوسيكل» المرتفع، فانحرف يمينًا بشدة، ولم تُسعفه يده الوحيدة في الاحتفاظ بتوازنه، ودارت العجلة الأمامية نصف دورةٍ حادة، وسقط الشاويش على الرصيف وهو يسب ويلعن … ومضت السيارة وبجوارها «الموتوسيكل» دون أن يهتمَّ أحد بما حدث!

أسرع «تختخ» إلى الشاويش … ونزل مُسرعًا من على دراجته. كان الشاويش منطرحًا على الأرض وقد طار المظروف الذي يحمله … واقترب «تختخ» مُسرعًا وانحنى يساعد الشاويش على الوقوف والشاويش يصيح: المظروف … المظروف … لقد خطفوه!

قال «تختخ» وهو يمدُّ يدَه ويتناول المظروف: إنه هنا يا شاويش … لم يخطف أحد شيئًا!

وبطرف عينِه استطاع «تختخ» أن يقرأ على المظروف بضع كلمات … قضية «س/س» محضر جرد أول!

انقضَّ الشاويش على المظروف بلهفةٍ وصاح: ما الذي أتى بك إلى هنا؟! هل أنت مشترك معهم؟

انتهز «تختخ» فرصة ارتباك الشاويش وقال: من هم يا شاويش؟

ولكن الشاويش كان أكثر حذرًا مما توقع «تختخ» وقال: عفاريت الليل!

تختخ: هل تُطاردك العفاريت يا شاويش؟

قال الشاويش وهو ينفض ثيابه: لا دخل لك في العفاريت ولا الشياطين … ابتعد عني!

تختخ: هل هذا جزاء من يتدخَّل لإنقاذك!

الشاويش: إنني لم أطلب منك أن تتدخَّل … إنني أطلب منك ألا تتدخل!

تختخ: أنت حرٌّ يا شاويش … فلتطاردك العفاريت أو الشياطين … فهذا من شأنك.

وقف الشاويش ينظر إلى «تختخ» بارتياب، ثم قال: ما الذي أتى بك في هذه الساعة؟

تختخ: الصدفة يا شاويش … الصدفة!

الشاويش: الصدفة … أم كنت تتبعني؟

تختخ: إنك الذي تتبع الناس … ولست أنا!

الشاويش: فرقع من أمامي … ولا تسخر مني وإلا قبضتُ عليك بتهمة تعطيل موظفٍ في أثناء تأدية عمله!

تختخ: وهل من عملك أن تقع على الأرض بهذا الشكل المُزري!

صاح الشاويش: فرقع من أمامي … وإلا أخطرتُ المفتش «سامي»!

ودون كلمة أخرى قفز الشاويش إلى دراجته، وانطلق مُبتعدًا، ووقف «تختخ» لحظاتٍ ينظُر إليه وهو يبتعد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤