ما هو «س/س»؟

كان الباب مُغلقًا … وأحد الحرَّاس يقف خلفه … وفي الوقت نفسه انطلق كلب ضخم أسود من نوع «كانيش» غزير الشعر ينبح بشدة … ويقفز محاولًا الوصول إلى «تختخ» … وخرج البوَّاب من غرفته ونادى الكلب الذي استكن على الفور … ووضع ذيله بين فخذيه علامة الخوف والخضوع.

قال الحارس: ماذا تريد؟

رد «تختخ»: أريد المفتش «سامي»!

الحارس: إنه مشغول جدًّا!

تختخ: من فضلك قل له «توفيق» يُريد مقابلتك.

هزَّ الحارس رأسه، ثم اتَّجَه إلى داخل الفيلا، وبعد لحظات ظهر المفتش «سامي»، وأشار إلى «تختخ» بالدخول … أسرع «تختخ» يصعد درجات السُّلَّم الرخامي العريض، وقال للمفتش على الفور: أريد أن أتحدَّث معك بضع دقائق على انفراد!

المفتش: ألا يمكن تأجيل الحديث الآن، فإن مدير الأمن العام موجود بالداخل!

تختخ: من الأفضل أن تستمع لي الآن!

المفتش: هل هي معلومات خاصة بما يدور حول هذه الفيلا!

تختخ: ليست معلومات … ولكن تصحيح للمعلومات التي عندكم!

المفتش: انتظر لحظةً وسأعود إليك!

دخل المفتش الفيلا، وأغلق الباب خلفه … ووقف «تختخ» يفحص كل شيءٍ حوله، ولاحظ «تختخ» أن الفيلا تُشبه قلعةً حصينة … بأسوارها المرتفعة … ونوافذها المُشبكة بقضبان الحديد … واشتم رائحة غريبة تَشيع في الجو … رائحة تُشبه احتراق مواد كيماوية.

وظهر المفتش بعد لحظات ومعه رجل واضح أنه أجنبي، وتبادل مع المفتش بضع كلمات ثُم نزل وركب سيارة «فولكس فاجن» كانت تقف أمام الفيلا، وانطلق.

خطا المفتش نحو «تختخ» وقال: والآن يا «توفيق» … أريد أن تقول ما عندك باختصار!

كان واضحًا من لهجة المفتش أنه ضَيِّق الصدر، وأنه مشغول البال للغاية فقال «تختخ»: إن الشبح الذي طارده رجالك أمس في الصحراء … لم يكن سوى «لوزة».

رفع المفتش رأسه وبدت في عينَيه نظرة دهشة بالغة … ومضى «تختخ» يقول: أما الولد المتشرد الذي كنتم تبحثون عنه أمس والذي كان يبيع الكوكا كولا … فلم يكن سواي!

المفتش: أنت؟

تختخ: نعم!

أمسك المفتش بذراع «تختخ» ونزل السُّلَّم الرخامي معه مُسرعًا وقال: تعال نتحدث في الحديقة.

وفي طرف الحديقة الواسعة جلسا معًا على مقعد وقال المفتش: هل أنت متأكد مما تقول؟

تختخ: بالطبع!

المفتش: ولماذا لم تقولوا لي هذا من البداية؟

تختخ: في الحقيقة نحن آسِفون لما حدث … ولكن كان عندنا شعور بأنك لا تُريد إشراكنا في الموضوع الذي يشغلك، فأردْنا أن نتصرَّف على طريقة المغامرين الخمسة ونشترك في حل اللغز من بعيد.

المفتش: قل لي باختصارٍ كيف حدث كل هذا؟

تختخ: عندما زرتُ منزل «عاطف» أمس، تَحَدَّث أمامك عن زيارةٍ قُمنا بها للمعادي الجديدة، ولاحظ أنك أبديتَ اهتمامًا بهذا الكلام واستنتج أن ثمة شيئًا يحدث هنا، وأنك انتقلت للتحقيق.

المفتش: وبعد؟

تختخ: في المساء كنا نتحدث عن هذا الاستنتاج، وتصورت «لوزة» أن هناك لغزًا في انتظارنا، وكالعادة سخِرَ منها «عاطف»، واشتركتُ أنا أيضًا في هذه السخرية دون أن أقصد … فغضبت «لوزة» وخرجت في الظلام على درَّاجتها … وبالصدفة شاهدت سيارتك أمام باب الفيلا فعرفت أن القضية التي تحققها تدور فيها … فوقفت تُراقِب، وشاهد أحد رجالك شبحها — وذلك حسب ما عرفنا منك بعد ذلك — فطاردها … ولكنها استطاعت الفرار منه!

المفتش: لهذا قال لي الحارس إنه كان يطارد قزمًا!

تختخ: وفي الليل قررتُ أنا أن أقوم بمراقبةٍ دقيقة، فتنكرتُ في شكل بائع كوكا كولا، ومررتُ أمام الفيلا، وتوقفت قليلًا، وتَحَدَّث معي أحد الحراس فمشيتُ ثم رأيت البحث يدور في الصحراء، فلَّما حاولت الاقتراب من الرجال شاهدوني وطاردوني.

المفتش: شيء مذهل … مذهل!

تختخ: لهذا جئتُ أقول لكم إن الولد الذي قبضتم عليه بريء … وقد ذهبت إلى قسم الشرطة لإخطارك فلم أجدك، فجئتُ إلى هنا.

قال المفتش في ضيق: وهكذا عُدنا إلى البداية من جديد … لقد ظننا أننا وضعنا يدَنا على طرف الخيط في هذا اللغز العجيب، وبمجرد أن قبضنا على الولد حضر مدير الأمن، ولكن هكذا اتضح أننا نتخبط في الظلام!

تختخ: إنني آسِف جدًّا!

المفتش: لا بأس!

تختخ: هناك شيء آخر … لقد وقع الشاويش «علي» أمس من على دراجته … وبالصدفة كنتُ مارًّا بجواره، فأسرعتُ إلى مساعدته، وشاهدت معه مظروفًا مكتوبًا عليه قضية «س/س».

أدار المفتش وجهه ناحية «تختخ»، وقال في همس: وهل عرفت ماذا تعني كلمة «س/س»؟

تختخ: لا …!

سكت المفتش لحظات ثم قال: اسمع يا «توفيق» … إننا نُعالج قضية على أكبر جانب من الخطورة … إنها تتعلق بأمن مصر … لهذا لم أشأ أن أُخبركم بشيء عنها، ولكن ما دُمتَ قد وضعَتْك الظروف داخل الأحداث، فسأقول لك بعض المعلومات عن هذه القضية وعاهِدْني على أن ما تسمعه لن يخرج من فمك.

تختخ: لقد جرَّبتَ مرَّات كثيرة أن تثِقَ في المغامرين … وكنَّا دائمًا موضع ثقتك …

المفتش: في هذه الفيلا يعمل ثلاثة من العلماء لتطوير سلاح سِرِّي خطير يُهِم مصر، اثنان هما دكتور مهندس «عزت» والثاني دكتور كيمائي «سليم» … والثالث عالم أجنبي يُدعى «كلود»!

تمتم «تختخ»: سلاح سِرِّي يُساوي «س/س»!

المفتش: بالضبط … إنك ما زلت ذكيًّا كالمعتاد!

وسكت المفتش لحظات ثم أضاف: وقد جُهِّزَت هذه الفيلا خصيصًا لهذا الغرض بعيدًا عن الأعين … وأُضِيفَ إليها جناح خاص للتجارب!

تختخ: لقد لاحظت «لوزة» منذ البداية أن شكل الفيلا غريب نوعًا!

ابتسم المفتش لأول مرة وقال: إنها غاية في الذكاء!

وتنهَّد المفتش وقال: وكان كل شيء يمضي على ما يرام، ويتم العمل تحت حراسةٍ مُشَدَّدَة حتى حدث منذ خمسة أيام أن وصلت إلينا معلومات تفيد أن هناك تَسَرُّبًا لما يحدُث في الفيلا من تجارب!

تختخ: تَسَرُّب؟

المفتش: نعم … تسربت معلومات من داخل الفيلا إلى الخارج … والمدهش … بل ممَّا يُثير أشد الحيرة أن ما تسرَّبَ من معلومات ليس معلومات كلامية … ولكن صور أيضًا.

ونظر المفتش إلى «تختخ» وقال: تصوَّر تحت هذه الحراسة المُشَدَّدَة … ومع تفتيش كل من يدخل أو يخرج من هذه الفيلا، تتسرَّب معلومات وصور!

تختخ: ذلك شيء غير معقول فعلًا!

المفتش: ولكن لِحُسن الحظ أن المعلومات والصور التي تسربت ناقصة … ولا تُكَوِّن صورة كاملة للتجارب التي تدور داخل الفيلا!

تختخ: وماذا فعلتم؟

المفتش: أعدنا فحص كل شيء فحصًا دقيقًا … بحثنا عن أي «ميكروفونات» مُخَبَّأة أو أجهزة تنصت أو تصوير من بعيد … فحصنا الجدران والأسقف، أعدنا بحث ماضي كل شخصٍ يعمل هنا … وبرغم هذا لم نصل إلى شيء!

تختخ: ألم تشتبه في شخصٍ بالذات؟

المفتش: لا بدَّ أنك تقصد العالم الأجنبي «كلود»، هذا بالطبع كان أول من اشتبهتُ فيهم … وقد قمتُ بمراقبته مراقبةً كاملة ودقيقة طوال اﻟ٢٤ ساعة ولكن لا شيء ضده مُطلقًا … وقد أعدنا سؤال حكومته عن شخصيته، فأكدوا أنه لا يمكن أن يتصل بالحكومات الأجنبية التي تقوم بعملية التجسس!

تختخ: إنه شيء مُحَيِّر للغاية!

المفتش: إن أجهزة الأمن كلها تقوم بفحص المسألة من أولها إلى آخرها … وقد نُضطر في النهاية لإيقاف المشروع مؤقتًا، برغم أن السلاح الذي يعملون فيه مُهم جدًّا لنا.

ساد الصمت بين المفتش و«تختخ» ثم قال المفتش: أستأذنك في العودة إلى الفيلا!

قام المفتش لينصرِف فقال «تختخ»: ألا أستطيع أن آتي معك؟

المفتش: آسف يا «توفيق» … إنها مسألة ليست عادية … ولا أظن أنَّ للمغامرين الخمسة دورًا فيها … وقد كان هذا رأيي من البداية … ولم تكن مسألة ثقة أو غيره.

تختخ: إذن أرجو أن تسمح لنا فقط بجمع ما يمكن من المعلومات المُفيدة لكم عن العلماء الثلاثة … وأن تُخْطِر رجالك بأننا قد نتجوَّل حول الفيلا فلا يتعرضوا لنا!

المفتش: لا بأس … بشرط السِّرِّية المطلقة في كل ما تفعلون، فإن أي خطأ قد يُكلفنا الكثير.

تختخ: أعِدُك أن نعمل بمنتهى السرية والحذر … فقط أريد كشفًا بعناوين العلماء الثلاثة … وأظن أن الباقين جميعًا من رجال الأمن!

المفتش: تمامًا … عدا البواب طبعًا، فهو في الفيلا منذ زمنٍ بعيد، وعلى كل حال فليس مسموحًا له بدخول الفيلا مُطلقًا … كما أن أحدًا لا يدخل معمل التجارب عدا العلماء الثلاثة.

تختخ: اتفقنا … ونكرر أسفنا.

المفتش: سأرسل لك كشف العناوين مع الشاويش «علي» … ولِحُسن الحظ فالعلماء الثلاثة يسكنون المعادي.

وانصرف «تختخ» مُسْرِعًا … ورأسه مسرح لشتَّى الأفكار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤