شيء ما … غامض

عندما كان «تختخ» في طريقه إلى الفيلا … التقى بالمفتش «سامي» … في سيارته، وتوقفت السيارة وقال المفتش: إلى أين؟

تختخ: لقد وزعنا أنفسنا على المهمات المطلوبة منا … وجاء من نصيبي مُراقبة الفيلا.

المفتش: لن تجِد في مُراقبتك أي شيء مُجدٍ … إننا نراقب كل شيء بدقةٍ بالغة، ورجالنا مُنتشرون حول الفيلا بحيث لا تستطيع ذبابة أن تدخل الفيلا دون أن تخضع لفحصٍ دقيق.

تختخ: إلى أين أنت ذاهب الآن؟

المفتش: سأذهب لتناول طعام الغداء في «الجود شوط»، لماذا لا تأتي لتناول الطعام معي؟

تختخ: ليس عندي مانع … خاصة أن حديث الطعام لنا عليه ملاحظات!

المفتش: عظيم … إن منزلك قريب من هنا … فاذهب لتضع دراجتك، وسأكون خلفك بالعربة، وسآخذُك معي إلى «الجود شوط».

بعد دقائق كان «تختخ» يركب بجوار المفتش في طريقهما إلى «الجود شوط».

وقال المفتش: هذه ببساطة أعقد مشكلة واجهتني في حياتي العملية … لقد اشتركتُ في مئات من مختلف أنواع الجرائم، وطاردتُ مئاتِ المجرمين والجواسيس … ولكن هذه الحالة لم يسبق لي أن رأيتُ مثلها … فيلا مُحاطة بحراسة مُشدَّدة … ثلاثة علماء لا شك فيهم … كل شيء يخضع للتفتيش الدقيق … ومع ذلك تتسرَّب معلومات وصور من داخل الفيلا … غير معقول … إلا إذا كان ذلك يتم بواسطة القمر الصناعي مثلًا … وحتى القمر الصناعي لا يستطيع.

وصلا إلى «الجود شوط»، واختارا مائدة بجوار النيل، وطلب المفتش لحمًا مشويًّا وسلطةً خضراء … وكذلك فعل «تختخ» … وعندما جاء الطعام قال «تختخ»: لقد أبقيتُ حديثي حتى يأتي الطعام.

المفتش: لماذا؟

تختخ: لأننا ناقشنا المعلومات التي لدَينا … ووصلنا إلى بعض استنتاجات.

أبدى المفتش اهتمامًا بحديث «تختخ» وقال: أرجو أن تكون هذه الاستنتاجات سبيلًا إلى شيء.

تختخ: إن الشيء الوحيد الذي يدخل بانتظام إلى الفيلا هو الطعام الذي يأتي إلى الدكتور «عزيز» من منزله، و«ترموس» القهوة الذي يأتي به الدكتور «سليم»، فإذا استبعدْنا تمامًا أن أحد الرجال الثلاثة خائن … أو عالم مُزَيَّف … يبقى أنه من المُمكن إدخال أجهزة التسجيل إلى داخل المعمل في طبق الطعام … أو ملَّاحة … أو غطاء الترموس.

ابتسم المفتش وقال: وهل تظن أن هذا كان خافيًا عنا؟ إن الطعام يُفتَّش يوميًّا، كل طبق … بل إننا نُخْرِج قطع اللحم من الشوربة لفحصها … ونُقَلِّب طبق المكرونة، ونختبر كل بيضة … أما «الترموس» فيمر بفحصٍ دقيق يوميًّا.

أحنى «تختخ» رأسه في خجل وقال: نحن آسفون جدًّا … لقد كانت مجرد استنتاجات صبيانية.

ابتسم المفتش وقال مشجعًا: أبدًا … إنها استنتاجات معقولة للغاية … ولكننا وضعناها في اعتبارنا.

تختخ: في هذه الحالة … فإنني أعتقد أنها مشكلة بلا حل، وليس لديَّ ما أضيفه.

المفتش: هذا ما يُحَيِّرُني فعلًا … بل يُحَيِّر رجال الأمن جميعًا … وربما كان الحل الوحيد أمامنا الآن هو إيقاف التجارب مؤقتًا … أو نقل المعمل من مكانه.

أحسَّ «تختخ» بالألم … لقد ظن أنه سيُقدم للمفتش كالمعتاد شيئًا مُهمًّا يستدعي البحث … فإذا بكل ما قاله ليس به أي شيء جديد بالنسبة للمفتش … وهكذا ساد الصمت بينهما حتى انتهى الطعام … وشرب المفتش قهوته … ثم نظر في ساعته وقال: سأعود إلى الفيلا … فسنقوم اليوم بفحص الأرض المُحيطة بالفيلا لعل فيها دهاليز سرية قديمة تؤدي إلى الفيلا … من يدري … إن هذا آخر ما في جُعبتنا من حِيَل.

وركبا السيارة، وأوصل المفتش «تختخ» إلى منزله، ثم انطلق إلى الفيلا.

وصعد «تختخ» إلى غرفته … كان في حاجةٍ إلى أن يخلو إلى نفسه يفكر، من غير المعقول كل ما يحدث هذا … وفكر أنه ربما استطاع أحد المغامرين الخمسة أن يحصل على معلوماتٍ من مراقبة منازل العلماء … وإن كان مُتأكدًا أن المفتش ورجاله لا بدَّ أنهم قاموا بالمراقبة … ولم يتركوا شيئًا لم يفحصوه … وتمدَّد «تختخ» على فراشه يفكر … ودون أن يدري استسلم للنوم العميق، لم يستيقظ منه إلا وقد آذنت الشمس بالمغيب … فأسرع إلى الحمام يغتسل وارتدى ثيابه وأسرع إلى اجتماع المغامرين … ولكنه وجدهم قد حضروا وانتظروه، ثم تصوَّروا أنه مشغول بمراقبة الفيلا، فانصرفوا … قالت له «لوزة» هذه المعلومات؛ فقد كانت هي الوحيدة التي انتظرته.

سألها «تختخ» مُتلهفًا: وهل حصلتم على أية معلومات جديدة؟

ردَّت «لوزة» وهي تهزُّ رأسها آسفة: لا شيء … لا شيء … مطلقًا!

تختخ: هذا ما كنتُ أتوقعه … إن رجال الشرطة لم يتركوا شيئًا لم يفحصوه … وإذا لم أكن مُبالغًا … فهذا أغرب لغز مرَّ بنا … بل ربما أغرب لغز في العالم!

لوزة: وماذا ستفعل؟

تختخ: لا شيء … سوى أنني سأخرج لأتمشى قليلًا مع «زنجر» فقد نهرتُه هذا الصباح، ولاحظتُ في أثناء خروجي أنه لم يهتمَّ بي … فسأُصالحه وآخُذه في نزهة … وفي الوقت نفسه سأمر بجوار الفيلا.

ودَّع «تختخ» «لوزة» … على أن يلتقوا جميعًا في الصباح.

عاد «تختخ» إلى منزله، فنادى «زنجر» الذي لم يرد النداء … كان جالسًا وقد دفن رأسه بين ذراعيه … يرفع عينيه إلى «تختخ» ثم يخفضهما في ملل، وكأنه يقول له إنه زعلان … وإنه لن يكلمه.

مشي «تختخ» حتى مكان «زنجر» ثم انحنى وأخذ يُداعب «زنجر» ويقول: أنا آسف … كنتُ أريد بعض المعلومات من الشاويش، ولعلَّك زعلان لأنه قال إنك كلب سيئ التربية … وإن الكلب «بلاكي» كلب الدكتور «عزيز» أفضل! تعال معي وسترى هذا الكلب.

زام «زنجر» ثُم تمطَّى … وسار خلف «تختخ»، وكان الظلام قد هبط وابترد الجو … فسعد بأن يقوم برحلةٍ بدلًا من النوم.

ظلَّا يسيران حتى غادرا المعادي … وأخذا طريقهما إلى المعادي الجديدة …

لم يكن عند «تختخ» أي خطة، كل ما هنالك أنه قرَّر أن يُراقب الفيلا … لعل وعسى أن يرى شيئًا أو يلاحظ شيئًا … يصلح بداية للعمل … ووصل إلى الشارع الصغير … ووقف قليلًا يُراقِب الفيلا من بعيد … كان كل شيءٍ هادئًا … ولم تكن هناك سيارات … معنى ذلك أن المفتش غير موجود … وكذلك الدكتور «كلود».

اجتاز الشارع … وفجأة وجد البواب يقف مع الكلب أمام الفيلا … ودون أن يدري ما حدث كان «زنجر» قد اندفع وهو ينبح بشدَّة في اتجاه «بلاكي» الذي كشَّر عن أنيابه وزمجر بشدة … ووقف الكلبان وجهًا لوجه وقد استعدَّ كلٌّ منهما للهجوم.

وسار «تختخ» بسرعةٍ ليمنع المعركة الوشيكة … ولكنه لم يكد يصِل إلى قُرب الكلبين حتى كان البواب يرفع عصًا غليظة ويهوى بها بقسوة على «زنجر» وذُهِلَ «تختخ» … ولِحُسن الحظ أن «زنجر» زاغ من الضربة واستعدَّ للهجوم على البواب … ولكن «تختخ» أسرع إليه وأخذ يُربِّت عليه وصاح في وجه البواب: ماذا جرى لك؟ كيف تضرب الكلب بهذه الوحشية؟

قال «البواب» بغلظة: ابعد هذا الكلب المُتشرد من هنا!

تختخ: إنه ليس مُتشردًا … وحتى لو كان، كيف تعامله بهذه القسوة!

رفع البواب عصاه مُهَدِّدًا … وأحسَّ «تختخ» بالدماء تغلي في عروقه ولكن في هذه اللحظة وقبل أن يُقدِم على أي شيء … ظهر أحد الحراس، وعندما رأى «تختخ» قال: أنت «توفيق»؟

تختخ: نعم!

الحارس: لقد أوصى المفتش أن نُرحب بك في أي وقت … وآسف لأن الاقتراب من الفيلا ممنوع.

تختخ: وهل هذا البواب فتوة لضرب الكلاب؟

الحارس: آسف … أدخل هذا الكلب يا «بركات»!

رد «البواب» بغلظة: إن هذا مَوعد نزهته اليومية كأمر الدكتور «عزيز».

الحارس: إذن ابتعِد الآن ولا تتصرَّف بهذا الشكل.

وسار البواب ومعه الكلب الأسود … وتوقف «تختخ» لحظات يتحدَّث مع الحارس … ثم مضى في طريقه … ودار حول الفيلا دورةً واسعة … وخُيِّلَ إليه أنه سمع في الصمت المُخيِّم على المكان قرب الصحراء صوت مُحرك سيارة … وبعد لحظات ظهر البواب يسير على مهلٍ مُمْسِكًا الكلب، وزام «زنجر» وقبل أن يتصرَّف «تختخ» أي تصرُّف كان «زنجر» يقفز كالسهم مُهَاجِمًا «بلاكي» … وجرى «تختخ» ناحية الكلبَين محاولًا منع «زنجر»، وفي هذه اللحظة شاهد شيئًا يلمع في يدِ البواب … وأدرك على الفور أنه مُسدس … ودون أن يُفكر قفز على البواب مُمْسِكًا يدَه محاولًا منعه من إطلاق الرصاص.

دارت معركة عنيفة بين الكلبين … وبين البواب و«تختخ» وعلى صوت النباح المُرتفع حضر الحارس مرة أخرى … وصاح طالبًا من «تختخ» و«بركات» الكفَّ عما يفعلان …

وقال «تختخ» وهو يلهث: لقد حاول أن يضرب كلبي بالرصاص!

الحارس: ماذا جرى لك يا «بركات»؟

بركات: إنها تعليمات المفتش، فلا يقترب أحد من الفيلا … وهذا المسدس مُرَخَّص للدفاع به عن النفس.

تختخ: ولكني لم أهاجمك …

بركات: كلبك هاجم «بلاكي»، وأنت هاجمتني!

وأسرع «تختخ» يُنادي «زنجر» … ويجذبه إلى الخلف، وكذلك فعل «بركات» وانتهى الموقف باعتذار الحارس مرةً أخرى.

وقف «تختخ» يغلي من الغضب، وقد قرَّر إخطار المفتش بما حدث … ثم شيئًا فشيئًا بدأ يهدأ ويفكر … إن تَصَرُّف البواب تَصَرُّف غير طبيعي في المرَّتَين … لقد كاد يقتل «زنجر» بلا رحمة بمجرد أنه هاجم «بلاكي»، صحيح أنه من المفروض أن يدافع عن «بلاكي»، ولكن ليس بكل هذا العنف … وتنبهَّت في «تختخ» غريزة المغامرة … إن أي شيء غير عادي في سلوك شخصٍ في مثل هذه الظروف يبعث على الشك … وقرَّر أن يُراقب البواب والكلب.

دار حول الفيلا مرةً أخرى، واختار شجرة ضخمة على مسافةٍ من الفيلا، وتسلَّقَها بعد أن طلب من «زنجر» البقاء عند جذع الشجرة … كان في مَكمنه يستطيع أن يرى غرفة البواب التي جلس أمامها ومعه الكلب، وبعد فترة ظهر الدكتور «عزيز» على السلم المُضاء، فأسرع «بلاكي» ناحيته … فأخذه الدكتور «عزيز» ودخلا الفيلا.

بقي «تختخ» في مَكمنِه … ومرت الساعات دون أن يحدُث شيء … كان البواب قد تناول عشاءه، وشرب الشاي ثم دخل غرفته وترك الباب مفتوحًا … وقُرب منتصف الليل فتح الدكتور «عزيز» باب الفيلا … فخرج الكلب وأسرع إلى غرفة البواب، ثم أُطْفِئَت أنوار الفيلا وساد الصمت والظلام.

مرَّت الساعات و«تختخ» كامِن في مكانه … كانت فترة النوم الطويلة التي قضاها عصرًا قد جعلته يقظًا … وبرغم الملل والتعب الذي أحسَّه في جلسته غير المريحة فوق أحد الأغصان الضخمة، فقد ظلَّ في مكانه وقد تنبَّهَت حواسُّه إلى شيءٍ غامض في سلوك البواب أحسَّ أنه قد يؤدي إلى شيء.

وانقضى ليل الصيف القصير و«تختخ» في مكانه … وقرب الفجر سمع صوت عربةٍ يجرُّها حصان أو حمار تسير مُقتربة من الفيلا … وظلَّ صوت الحوافر يقترب حتى وقف أمام الفيلا … كانت عربة القمامة … وظهر البواب ومعه صفيحة القمامة فسلَّمَها إلى «الزبال» الذي قلَبَها في العربة ثم دار بالعربة عائدًا إلى الطريق.

مرة أخرى أحس «تختخ» بالشعور الغامض يجتاحه … ونزل مُسرعًا وسار خلف عربة القمامة التي مضت تتخلع في الشارع الكبير … ولاحظ «تختخ» لدهشته الشديدة أنها لم تتوقف مُطلقًا عند أي منزل لتأخذ القمامة … وتزايد شعوره أن الأمور لا تسير سيرها العادي … إن هناك شيئًا ما يحدث. وظل يسير على مبعدة من العربة حتى اجتازت المعادي.

وبدأت الطريق إلى حلوان … ثم انحرفت داخل المزارع … ولم يعُد عند «تختخ» أي شك أن ثمة شيئًا له علاقة باللُّغز في هذه العربة.

كان قائد عربة القمامة ولدًا نحيلًا يقود العربة شِبْهَ نائم … وقرر «تختخ» أن يُجَرِّب حظه فأسرع خلف العربة حتى اقترب منها، ثم بكل ما يملك من خفة قفز إليها … واهتزت العربة قليلًا … وانتظر «تختخ» أن ينظُر الولد خلفه … ولكنه ظل مُطرقًا برأسه كالنائم … ولم يتردَّد «تختخ» … فنزل داخل العربة … ولدهشته الشديدة لم يكن بها من القمامة إلا ما أُخِذَ من الفيلا … وأخذ «تختخ» ينبش سريعًا في القمامة … بقايا أطعمة وأوراق وأعقاب سجاير … ثم بيضة كاملة … وأمسك بالبيضة وضغط عليها … كانت قوية … وأدرك أنها بيضة غير عادية … وببساطة عاود «تختخ» القفز مرة أخرى، ولكن هذه المرة خارج العربة … ووضع البيضة في جيبه وقلبه يقفز بين جنبَيه بشدة ثم أسرع يجري عائدًا إلى المعادي وخلفه «زنجر» … وقد بدأت الشمس تمدُّ خيوطها الذهبية معلنة قدوم يوم جديد.

أسرع «تختخ» إلى منزله … وصعد إلى غرفته، ثم أخرج البيضة من جيبه … كانت بيضةً في حجم أي بيضةٍ أخرى وفي شكلها … ولكن كانت من البلاستيك، وبنظرةٍ واحدة أدرك «تختخ» أنها مُقَسَّمَة إلى قِسمَين … وأدارها بين أصابعه فدار الجزء الأعلى كالبرِّيمة … وفي داخل الجزء الثاني كان هناك لفَّتان صغيرتان في حجم رُبع السيجارة.

هز «تختخ» رأسه غير مُصَدِّق … هل صحيح حلُّ اللغز بضربة حظ واحدة؟! غير معقول! غير مُمكن … إن المفتش لن يُصَدِّق مُطلقًا … وأمسك سماعة التليفون واتصل ببيت المفتش … وظل الجرس يدق عند الطرف الآخر فترة طويلة قبل أن يسمع صوت سيدةٍ تردُّ في صوتٍ نائم: آلو … من هناك؟

تختخ: إنني أريد التحدُّث مع المفتش!

السيدة: إنه ما زال نائمًا!

تختخ: أيقظيه من فضلك!

السيدة: من أنت؟

تختخ: قولي له «توفيق» … والمسألة عاجلة وفي غاية الأهمية!

مضت لحظات … ثم سمع «تختخ» صوت المفتش: «توفيق» … صباح الخير ماذا هناك؟

قال «تختخ» بصوتٍ يخنقه الانفعال: في يدي الآن شريطان مُهَرَّبَان من داخل الفيلا!

المفتش: ماذا تقول؟

تختخ: شريطان … لا أشكُّ أن أحدهما شريط صور والآخر شريط تسجيل.

المفتش: هل أنت متأكد؟

تختخ: تأكُّدي من أنني أكلمك.

المفتش: أين أنت؟

تختخ: في منزلنا!

المفتش: لا تتحرَّك من مكانك … أنا قادم فورًا!

جلس «تختخ» مكانه لحظات وهو ما زال غير مُصدِّق لما حدث … ثم أحس بالجوع يقرصه فأسرع إلى المطبخ وتناول إفطارًا دسمًا، وأعد كوبًا من الشاي … وأخذ يرشفه على مهَل … وبجواره «زنجر» يتناول إفطاره هو الآخر.

كان «تختخ» يُفكر … لقد عثر على الأشرطة … وبقي أن يعرف كيف تمَّ تصويرها وتسجيلها … كيف … كيف؟!

ونظر إلى «زنجر» طويلًا ثُم قال: «زنجر» … هل ثمة شيء في «بلاكي» أثارك؟

ونظر إليه «زنجر» … وزمجر في ضيق.

وفجأة قفز «تختخ» من مكانه … فأوقع كوب الشاي على الأرض فكسره … ولكنه لم يهتم … فقد سمع في هذه اللحظة صوت نفير سيارة المفتش … وأسرع «تختخ» يفتح الباب … وظهر المفتش وما زالت على وجهه آثار النوم … وقال «تختخ»: تفضل يا سيادة المفتش … هل تشرب شايًا؟

المفتش: لا بأس … أين الأشرطة؟

ودخل المفتش إلى المطبخ ومدَّ «تختخ» يده بالبيضة إلى المفتش قائلًا: ما رأيك في هذه البيضة … هل تكفي للإفطار؟

أمسك المفتش بالبيضة في يده وقد بدت على وجهه علامات الدهشة … ولكنه أدرك على الفور أنها بيضة غير عادية … وسرعان ما كان يفكُّها إلى جزأين … وينظر إلى داخلها وقد فتح عينَيه دهشة وارتسمت على شفتَيه ابتسامة واسعة.

وبينما كان «تختخ» يُعِدُّ الشاي، روى للمفتش قصة الليلة الماضية وما جرى فيها من أحداث … وقال المفتش: إذن فالبواب هو الجاسوس … سأقبض عليه فورًا!

تختخ: ليس وحدَه … ولكن اقبض على «بلاكي» أيضًا!

المفتش: الكلب؟

تختخ: نعم … إنه الجاسوس الحقيقي … فقد كان البواب يقوم بتركيب كاميرا صغيرة جدًّا وجهاز تسجيل دقيق في شعره الكثيف … وكان الكلب يدخل مع صاحبه الدكتور «عزيز» فيحضر الاجتماعات والتجارب … والكاميرا تدور … وجهاز التسجيل يسجل ثم يأخذ البواب الأفلام فيضعها في البيضة المُجَوَّفَة، وينقلها الزبال ضمن القمامة، دون أن يدري أنه ينقل شيئًا خطيرًا إلى مركز التجسس، حيث يأتي مندوب المركز لأخذ البيضة من مكان وضع القمامة، ولم يكن للزبال عمل آخر سوى نقل زبالة الفيلا، وكان سعيدًا بالمبلغ السخي الذي يتقاضاه من الجواسيس.

المفتش: رائع … إن هذا يوضح لماذا كانت الصور غير كاملة … والمعلومات ناقصة وليست دقيقة.

تختخ: لأن الكلب لم يكن يدخل كل يوم. ولكن على حسب رغبة الدكتور «عزيز»!

المفتش: ولكن كيف اكتشفتَ هذه الحقيقة التي لا يمكن أن يُصدِّقها أحد؟

ابتسم «تختخ» وضرب جبهته بيده قائلًا: العبقرية يا سيادة المفتش! العبقرية، فقد شككتُ أولًا في شراسة البواب ومحاولة إبعاد «زنجر» عن «بلاكي» حتى بضرب الرصاص … وهي جريمة ليس من السهل الإقدام عليها إلَّا لرجل يدافع عن حياته وليس عن كلب لا يملكه … وأدركتُ أن في الكلب شيئًا غير عادي يخشى «بركات» افتضاحه … وتذكرت أنني شاهدتُ فيلمًا في التليفزيون في برنامج عالم الحيوان عن تصوير الحيوانات في بيئتها الطبيعية وكيف يصطادون قردًا مثلًا، أو نمرًا … أو أسدًا ويُرَكِّبُون «كاميرا» في شعره ويتركونه بين بقية الحيوانات يُصَوِّر حياتها كما هي على الطبيعة ثُمَّ يُحاولون اصطياد الحيوان مرةً أخرى وهم بالطبع يضعون به علامة مميزة ليعرفوه من بقية الحيوانات … وبهذا يحصلون على أدق المعلومات عن حياة الحيوان.

أخذ المفتش ينظر إلى «تختخ» لحظات ثم قال: أنت ولد رائع يا «توفيق» … أتمنَّى أن تأخُذ مكاني عندما تكبر!

احمرَّ وجه «تختخ» وقال: شكرًا يا سيدي المفتش … في الحقيقة إن الفضل ﻟ «زنجر»! وربَّتَ المفتش على رأس «زنجر» وقال: هل ستأتي معي يا «توفيق»؟

تختخ: لا … سأنام … فإنني لم أنَمْ طول الليل.

وبعد ساعة … وبينما كانت شبكة تجسُّس من أخطر الشبكات تقع في يد رجال الشرطة … كان «تختخ» نائمًا يحلُم وكان بقية المغامرين يجلسون في حديقة منزل «عاطف» … يستعدُّون للقيام بالمُراقبة وهم لا يعلمون أن زميلهم السمين العبقري … قد حَلَّ اللغز.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤