الفصل الخامس

الأشكال الكسرية وعناصر الجذب الغريبة والأبعاد

تحمل البراغيث الكبيرة براغيث صغيرة
فوق ظهرها لتلدغها.
وتحمل البراغيث الصغيرة براغيث أصغر،
وهكذا إلى ما لا نهاية.
إيه دي مورجان (١٨٧٢)
لا تكتمل أي مقدمة تتناول الفوضى دون العروج على الأشكال «الكسرية». لا يرجع هذا إلى أن الفوضى تنطوي على أشكال كسرية، أو لأن الأشكال الكسرية تشترط الفوضى، بل ببساطة لأن في الفوضى المشتتة تبدو الأشكال الكسرية الرياضية الحقيقية كما لو كانت تظهر فجأةً. إن التمييز بين الأشكال الكسرية الرياضية والأشكال الكسرية الطبيعية يتساوى في أهميته مع التمييز بين معنى الفوضى في النظم الرياضية ومعناها في النظم الطبيعية. على الرغم من مُضي عقود طويلة من المناقشات، لا يوجد تعريف وحيد مقبول عمومًا للشكل الكسري في كلتا الحالتين، على الرغم من إمكانية التعرف على الشكل الكسري عند رؤيته. يرتبط مفهوم الأشكال الكسرية تمامًا بخاصية التشابه الذاتي؛ فمع تقريب الرؤية على حدود السحب، والدول، وخطوط السواحل، نرصد أنماطًا تشبه تلك الأنماط التي نراها على المقاييس ذات الأطوال الأكبر مرة بعد مرة. ويحدث الشيء نفسه مع مجموعة النقاط المعروضة في الشكل رقم ٥-١. تتألف المجموعة هنا من خمس مجموعات من النقاط، وإذا كبَّرنا أي من هذه المجموعات، فسنجد تشابهًا بين الصورة المكبَّرَة والمجموعة الكاملة نفسها. إذا كان هذا التشابه تامًّا — أي إذا كانت الصورة المكبَّرة تكافِئ المجموعة الأصلية — فستوصف المجموعة بأنها ذات «تشابه ذاتي متطابق». وفي حال إن كانت الخواص الإحصائية محل الاهتمام فقط هي التي تتكرر، فستوصف المجموعة بأنها ذات «تشابه ذاتي إحصائي». إن تحديد ما يُعتبر «خاصية إحصائية محل اهتمام» على وجه الدقة يفتح الباب أمام أحد موضوعات النقاش التي حالت دون الاتفاق على وضع تعريف عام. يستحقُّ فضُّ التشابك بين هذه التفصيلات الشائقة كتابًا خاصًّا ضمن السلسلة التي ينتمي إليها هذا الكتاب، ويكون موضوعه الأشكال الكسرية، أما الآن فسنكتفي بذكر بعض الأمثلة.

في أواخر القرن الثامن عشر، ناقَشَ علماء الرياضيات الأشكال الكسرية على نطاق واسع ومنهم جورج كانتور، على الرغم من أن اكتشاف مجموعة الأثلاث الوسطى التي تحمل اسمه جاء أولًا على يد عالم رياضيات من جامعة أكسفورد يسمى هنري سميث. كانت الأشكال الكسرية تُستبعد في الأشكال الرياضية المتضمنة فيها عادةً في المائة عام التي تلت باعتبارها أشكالًا ناشزة، في الوقت الذي كان إل إف ريتشاردسون يبدأ في قياس طبيعة الأشكال الكسرية في عدد متنوع من الأشكال الكسرية الطبيعية. استقبل علماء الفلك والأرصاد الجوية والاجتماع الأشكالَ الكسرية الطبيعية والرياضية بترحيب أكثر. ظهر أول الأشكال الكسرية التي رأبت الصدع — وطمست التفرقة — بين الفضاء الرياضي والفضاء الواقعي قبل مائة عام في محاولة لحل مفارقة أولبرز.

حل مفارقة أولبرز من خلال الهندسة الكسرية

fig18
شكل ٥-١: كون فورنييه، يوضِّح البنية الذاتية التشابه، كما نُشر من قِبل فورنييه نفسه في عام ١٩٠٧.
في عام ١٨٢٣، لخَّصَ عالم الفلك الألماني هاينريش أولبرز موضوعًا أثار اهتمام علماء الفلك على مدار قرون في السؤال المختصر الآتي: لماذا تبدو السماء مظلمةً ليلًا؟ فإذا كان الكون كبيرًا بصورة لا نهائية وتملؤه النجوم بانتظام بصورة أو بأخرى، إذَن فسيكون ثَمَّةَ توازن بين عدد النجوم على مسافة محددة والضوء الذي نتلقاه من كل نجم. ينطوي هذا التوازن الدقيق على حقيقة أن السماء يجب أن تكون مضيئة على نحو منتظم ليلًا، وسيصعب مشاهدة الشمس إزاء سماء مضيئة على نحو مُشابِه في النهار. بَيْدَ أن السماء مظلمة ليلًا، وهو ما يمثِّل مفارقة أولبرز. استخدم يوهانس كيبلر هذا التناقض كحجة في البرهنة على وجود عدد محدود من النجوم في عام ١٦١٠. كان إدجار آلان بو هو أول مَن طرح حجة لا تزال تتمتع بشعبية إلى اليوم، أَلَا وهي أن السماء مظلمة ليلًا نظرًا لعدم توافر الوقت الكافي للضوء الآتي من النجوم البعيدة للوصول إلى الأرض بعدُ. طرح فورنييه دالب بديلًا مقنعًا في عام ١٩٠٧، مشيرًا إلى أن توزيع المادة في الكون منتظم لكن على نحو كسري. وقد بيَّنَ فورنييه طرْحَه من خلال الرسم الموضَّح في الشكل رقم ٥-١. يُطلَق على هذه المجموعة «كون فورنييه»، وهي مجموعة ذات تشابه ذاتي متطابق. ويفضي تكبير أحد المكعبات الصغيرة بعامل خمسة إلى شكل متماثل تمامًا مع المجموعة الأصلية، ويتضمن كلُّ مكعب صغير الشكلَ الإجمالي للمجموعة الكاملة.
يقدِّم «كون فورنييه» طريقة لحل مفارقة أولبرز. يشير الخط الذي أضافه فورنييه في الشكل رقم ٥-١ إلى اتجاه ضمن اتجاهات عديدة لن نجد فيه أي «نجم» آخَر على الإطلاق. لم يتوقف فورنييه عند الحجوم الكبيرة على نحوٍ لا نهائي، بل أشار إلى أن هذا التواليَ يمتد أيضًا إلى الحجوم اللامتناهية الصغر. اعتبر فورنييه الذرات أكوانًا لا متناهية الصغر، تتألف بدورها من ذرات أصغر حجمًا، وطرح فكرة الأكوان الضخمة التي تلعب مجراتنا فيها دور الذرات. على هذا النحو، طرح فورنييه أحد نماذج الأشكال الكسرية الطبيعية القليلة التي لا تتضمن حدودًا داخلية أو خارجية، بل تواليًا يبدأ من حجوم لا نهائية إلى حجوم لا متناهية الصغر على نحو يُذكِّر بالمشاهد الأخيرة من فيلم «الرجال ذوو البِدَل السوداء».

الأشكال الكسرية في العالم الفيزيائي

الدوامات الكبيرة بداخلها دوامات صغيرة،
تتغذى على سرعتها.
والدوامات الصغيرة بداخلها دوامات أصغر حجمًا،
وهكذا حتى تتحقق اللزوجة.
إل إف ريتشاردسون

تُعتبر السحب والجبال وخطوط السواحل أمثلةً شائعةً على الأشكال الكسرية الطبيعية؛ فهي أشياء ذات تشابه ذاتي إحصائي توجد في الفضاء الواقعي. لا يُعتبر الاهتمام بتوليد أشكال كسرية غير منتظمة أمرًا جديدًا؛ فقد طرح نيوتن شكلًا مبكرًا، عندما أشار إلى أنه عند صبِّ الجعة في اللبن و«ترك المزيج ساكنًا حتى يجف، سيظهر سطح المادة المتخثرة غيرَ منتظمٍ ووعرًا مثل سطح الأرض في أي مكان». على خلاف مادة نيوتن المتخثرة، تُعتبر الأشكال الكسرية في الفوضى أشياءَ رياضية موجودة في فضاءات الحالة، وهي أشكال كسرية حقيقية مقارَنةً بنظائرها الطبيعية (الفيزيائية). إذَن فما هو الفرق؟ حسنًا، الفارق الأول هو أن أي شكل كسري طبيعي يُظهِر خواصَّ الشكل الكسري عند مقاييس طول محددة، ولا يُظهِرها عند مقاييس طول أخرى. خُذْ على سبيل المثال حافة سحابة؛ فعند تدقيق النظر أكثر فأكثر، وبالدخول إلى مقاييس أطوال أصغر فأصغر، ستبلغ نقطة لا تظهر فيها حدود السحابة. يختفي شكل السحابة ويتحول إلى تدافع غير منتظم للجزيئات؛ ومن ثَمَّ لا تعود هناك حدود تُقاس. وبالمثل، لا تُعتبر سحابةٌ ما ذاتية التشابه عند مقاييس أطوال تشبه حجم الأرض، وبالنسبة إلى الأشكال الكسرية الطبيعية، تنهار المفاهيم الكسرية عند تدقيق النظر فيها أكثر مما ينبغي. تسهِّل هذه الحدود الطبيعية من عملية تحديد المؤثرات الخاصة القديمة في هوليوود باستخدام نماذج سفن في حوض لمحاكاة الأمواج. ويمكننا أن نستشعر أن الحدود تقع في المقياس الطولي غير الصحيح بالنظر إلى «السفن». حاليًّا، تعلَّمَ صنَّاع الأفلام في هوليوود وَولنجتون ما يكفي من الرياضيات لأن يُمكِّنهم من ابتكار محاكاة حاسوبية غير حقيقية تُخفِي الحدود بصورة أفضل؛ فعلى سبيل المثال أبدى الفنان الياباني هوكساي احترامًا لهذه الحدود في لوحته الشهيرة «الموجة الكبرى» في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. وكان علماء الفيزياء يعرفون ذلك منذ فترة أيضًا. فبينما أفسحت قصيدة دي مورجان المجال أمام استمرار توالي البراغيث «اللانهائي»، واجهَت الدوامات المتوالية في قصيدة إل إف ريتشاردسون قصورًا معيَّنًا بسبب اللزوجة، وهو المصطلح المستخدَم للإشارة إلى الاحتكاك في الموائع. كان ريتشاردسون خبيرًا في نظرية الجريان المضطرب في الموائع وكان يرصده بدقة. وذات مرة ألقى ريتشاردسون جَزرًا أبيض عند نهاية قناة كيب كود بمعدلات منتظمة، مستخدِمًا زمن وصول الجزر إلى أحد الجسور على الطرف الآخَر من القناة لقياس مدى تبدُّد المائع أثناء تدفُّقه في اتجاه التيار. وقد قام ريتشاردسون بحساب أول توقُّع رقمي لحالة الطقس (يدويًّا!) خلال الحرب العالمية الأولى.

كان ريتشاردسون أحد المنتمين إلى جماعة الكويكرز الدينية، وقد ترك الخدمة في مكتب الأرصاد الجوية البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى ليصبح سائق سيارة إسعاف في فرنسا، وصار ريتشاردسون لاحقًا مهتمًّا بقياس طول الحدود بين الدول بغرض اختبار نظريته القائلة بأن طول الحدود بينها يؤثِّر على احتمالية خوضها حروبًا. اكتشف ريتشاردسون أثرًا غريبًا عند قياس الحدود نفسها على خرائط مختلفة؛ إذ كانت الحدود بين إسبانيا والبرتغال أطول كثيرًا عند قياسها على خريطة البرتغال مما كانت عليه عند قياسها على خريطة إسبانيا! وبقياس طول سواحل الدول الجزرية مثل بريطانيا، وجد ريتشاردسون أن طول السواحل يزداد مع صِغَر حجم المسماك الذي كان يستخدمه أثناء سيره بطول الساحل لقياس طوله، كما رصد أيضًا علاقة غير متوقَّعة بين مساحة جزيرةٍ ما وطول محيطها حيث يختلفان عند قياسهما على مقاييس مختلفة. أوضح ريتشاردسون أن هذه الاختلافات في مقياس الطول تتبع نمطًا منتظمًا للغاية يمكن التعبير عنه من خلال رقم واحد لحد معين، وهو أُس يربط بين طول أحد المنحنيات ومقياس الطول المستخدَم في قياسه، واتباعًا لمنجزات ماندلبروت الأساسية، يُطلَق على هذا الرقم «البُعد الكسري» للحدود.

ابتكر ريتشاردسون أساليب عديدةً لحساب البُعْد الكسري للأشكال الكسرية الطبيعية. يقيس أسلوب المساحة-المحيط كيفية تغير المساحة والمحيط معًا في ظل درجات أعلى فأعلى من دقة وضوح الصورة. وبالنسبة إلى شيء محدد — مثل سحابة واحدة — تُسفِر هذه العلاقة أيضًا عن البُعْد الكسري لحدودها؛ فعندما ننظر إلى العديد من السحب «المختلفة» بدقة وضوح للصورة «متماثلة»، مثلما في صورة فوتوغرافية مأخوذة من الفضاء، تظهر علاقة مشابهة بين المساحات والمحيطات. لا نفهم لماذا تصمد علاقة المساحة-المحيط البديلة هذه في حالة مجموعات من السحب مختلفة الأحجام، وذلك بالنظر إلى أن السحب معروف عنها عدم تماثُل أشكالها على الإطلاق.

الأشكال الكسرية في فضاء الحالة

سنبني الآن نظامًا رياضيًّا صناعيًّا صُمِّم لدحض أحد أكثر الخرافات استمرارًا وتضليلًا حول الفوضى؛ أَلَا وهي أن اكتشاف مجموعة أشكال كسرية في فضاء الحالة يشير إلى ديناميكيات حتمية. وقاعدة خريطة الخيمة ذات التضعيف الثلاثي هي:
إذا كانت قيمة X أقل من ١ / ٢، فاعتبر X مضروبةً في ٣ هي قيمة X الجديدة، وإلا، فاعتبر قيمة X الجديدة هي ٣ مطروحًا منها X مضروبة في ٣.

تقريبًا كل قيمة حالة أولية تقع بين صفر وواحد ستبتعد كثيرًا عن الحالة الأصلية. سنتجاهل هذه الشروط المبدئية ونركِّز على العدد اللانهائي من الشروط المبدئية التي تظل دومًا بين قيمتَي صفر وواحد. (نتجاهل التناقض الظاهري نظرًا للاستخدام الفضفاض لكلمة «لا نهائي» هنا، لكن ضع في الاعتبار تحذير نيوتن الذي قال فيه إن «المبدأ القائل بأن جميع القيم اللانهائية متساوية مبدأ يفتقر إلى الثبات والقوة».)

fig19
شكل ٥-٢: سلسلة زمنية مستقاة من: (أ) خريطة نظام الدوال المتكررة للأثلاث الوسطى التصادفية، و(ب) خريطة الخيمة ذات التضعيف الثلاثي الحتمية. يُظهِر المستطيلان السفليان ملخَّصًا لجميع النقاط التي جرى المرور عليها؛ قيم تقديرية لمجموعة خريطة كانتور للأثلاث الوسطى في كل حالة.
إن خريطة الخيمة ذات التضعيف الثلاثي فوضوية، وهي حتمية بوضوح، تتكرر المسارات محل الاهتمام فيها، ويزداد التباعد بين النقاط القريبة اللامتناهية الصغر بعامل ثلاثة عند كل تكرار، وهو ما يشير ضمنًا إلى وجود الاعتماد الحساس. يوضِّح الشكل رقم ٥-٢ سلسلةً زمنيةً من خريطة الخيمة ذات التضعيف الثلاثي، فضلًا عن سلسلة زمنية مستقاة من خريطة نظام الدوال المتكررة للأثلاث الوسطى التصادفية. بشكل مرئي، نرصد إشارات على سهولة توقُّع الخريطة الفوضوية. تَتْبع قيم X الصغيرة «دومًا» قيم X صغيرة. يُظهِر كلُّ مستطيل من المستطيلين الصغيرين أسفل الشكل ٥-٢ مجموعةً من النقاط يمر خلالها مسار طويل من أحد النظامين. تبدو مجموعتا النقاط متشابهتين جدًّا، وفي حقيقة الأمر تُعبِّر كلتاهما عن نقاط من مجموعة خريطة كانتور للأثلاث الوسطى. تمر مجموعتا النقاط الديناميكيتان كلتاهما عبر مجموعة الأشكال الكسرية نفسها؛ ومن ثَمَّ لا يمكننا التمييز أبدًا بين النظام الحتمي والنظام التصادفي إذا نظرنا فقط إلى بُعْد مجموعة النقاط التي يمر بها كل نظام. ولكن أيكون من قبيل المفاجأة أن فهم ديناميكيات النظم يستوجب علينا معرفة طريقة تحرك النظام، وليس فقط موضعه السابق؟ يقضي هذا المثال المضاد على الخرافة المشار إليها آنفًا؛ فبينما قد تمر النظم الفوضوية عادةً عبر مجموعات كسرية، لا يشير اكتشاف مجموعة محددة الأبعاد إلى حتمية أو فوضوية في ديناميكيات النظم بالضرورة.
لا يُعتبر اكتشاف أشكال كسرية في الخرائط الرياضية الموضوعة بدقةٍ أمرًا مدهشًا؛ حيث إن علماء الرياضيات يمتلكون ما يكفي من المهارة لوضع خرائط تُولِّد أشكالًا كسرية. أحد أكثر الأشياء حذقًا في نُظُم الفوضى المشتتة هو أن الأشكال الكسرية تَتَبدى دون ميزة التصميم الذكي، وتُعَدُّ خريطة إينو مثالًا كلاسيكيًّا على ذلك. من الناحية الرياضية، تُمثِّل خريطة إينو فئة كاملة من النماذج الشائقة؛ إذ لا يوجد شيء «يبدو كسريًّا» في الخريطة على وجه الخصوص، بخلاف ما هو موجود في خريطة نظام الدوال المتكررة للأثلاث الوسطى. يبيِّن الشكل رقم ٥-٣ سلسلة من عمليات التكبير حيث تظهر منها — كما لو كان في الأمر سحر — بِنًى ذاتيةُ التشابه فجأةً، ولا شك في أن هذا من أكثر الأشياء إدهاشًا في النظم الديناميكية اللاخطية. لا توجد أي إشارة على تصميمٍ مصطنع في خريطة إينو، وتشيع البنى الكسرية في عناصر الجذب في النظم الفوضوية المشتتة، وهي مسألة غير ضرورية في النظم الفوضوية، والنظم الفوضوية لا تتطلبها، لكنها شائعة.

مثل جميع الأمور السحرية، يمكننا فهم طريقة عمل الخدعة، على الأقل بعد إجرائها: قررنا أن نقترب أكثر من نقطة ثابتة في خريطة إينو، وبالنظر إلى خواص الخريطة عن كثب جدًّا، نكتشف مقدار التقريب الواجب إجراؤه بغرض جعل التشابه الذاتي في الخريطة مدهشًا للغاية. تعتمد تفاصيل البنية المتكررة — وهي عبارة عن خط واحد سميك وخطَّين أرفع — على ما يحدث بعيدًا عن هذه النقطة، لكن إذا كانت خريطة إينو فوضويةً حقًّا وكان المسار الحاسوبي المستخدَم في صناعة هذه الصور واقعيًّا، فسيكون لدينا عنصر جذب كسري على نحوٍ طبيعي.

fig20
شكل ٥-٣: سلسلة من عمليات التكبير نحو النقطة الثابتة غير المستقرة في خريطة إينو، والمميزة بعلامة «+» عند كل عملية تكبير. يتكرر النمط نفسه مرارًا، حتى تبدأ نقاط البيانات في الاختفاء.

تعكس نظرية الجريان المضطرب التقليدية في فضاء الحالة قصيدة ريتشاردسون. كان من المعتقد أن ثَمَّةَ إمكانية تُولِّد نماذج دورية أكثر فأكثر، وأنَّ تتبُّع المجموع الخطي لجميع هذه التذبذبات كان سيتطلب فضاء حالة كثير الأبعاد للغاية؛ لذا كان معظم الفيزيائيين يتوقعون أن تتخذ عناصر جذب الجريان المضطرب شكلَ كعكة الدونات المتعددة الأبعاد، أو تتخذ رياضيًّا شكلَ الطارة. في أوائل سبعينيات القرن العشرين، كان ديفيد رويل وفلوريس تاكنس يبحثان عن بدائل للطارات الناعمة المتعددة الأبعاد، واكتشفا عناصر جذب أشكال كسرية قليلة الأبعاد؛ فوجدا أن عناصر الجذب في الأشكال الكسرية «غريبة». حاليًّا، تُستخدَم كلمة «غريبة» للإشارة إلى الشكل الهندسي لعنصر الجذب، وعلى وجه الخصوص حقيقة كونه شكلًا كسريًّا، بينما تُستخدَم كلمة «فوضى» للإشارة إلى ديناميكيات النظام، وهو ما يُعد تفرقةً مفيدة. لا يُعرَف على وجه الدقة أصل عبارة «عنصر جذب غريب»، بَيْدَ أن التعبير صار علامة ملهمة وملائمة على تلك الأشياء في الفيزياء الرياضية. بما أن النظم الهاملتونية لا تتضمن أيَّ عناصر جذب على الإطلاق، فهي لا تشتمل على أي عناصر جذب غريبة، غير أن السلاسل الزمنية الفوضوية المستقاة من النظم الهاملتونية عادةً ما تكوِّن أنماطًا معقَّدَة تنطوي على عدم تجانس حاد، وعلامات على التشابه الذاتي يُطلَق عليها «المُراكِمات الغريبة» التي تستمر طوال فترة تشغيل الحاسوب، ولا يزال المآل النهائي لهذه المراكمات غير معروف.

الأبعاد الكسرية

يدلنا إحصاء عدد المركبات في متجه الحالة على بُعد فضاء الحالة، ولكن كيف يمكننا حساب بُعد مجموعة من النقاط إذا كانت تلك النقاط لا تمثِّل حدًّا من الحدود، مثل النقاط التي تُكوِّن عنصرَ جذبٍ غريبًا، على سبيل المثال؟ إحدى الطرق التي تُذكِّرنا بعلاقة المساحة-المحيط هي تغطية مجموعة النقاط بالكامل بصناديق ذات حجم محدد، ثم مراقبة زيادة عدد الصناديق اللازمة مع صغر حجم كل صندوق شيئًا فشيئًا. يرصد أسلوب آخَر تَغيُّر عدد النقاط — في المتوسط — عند النظر إلى كرة متمركزة حول نقطة عشوائية وتصغير نصف قطر الكرة. ولتفادي التعقيدات التي تنشأ قرب حافة إحدى عناصر الجذب، لن يستخدم عالم الرياضيات لدينا سوى الكرات ذات نصف القطر الذي يتلاشى مع صغره، ونرمز له بالحرف r؛ ومن ثَمَّ نحصل على نتائج مألوفة وهي: قرب نقطة عشوائية واقعة على خط، يتناسب عدد النقاط مع r1، وقرب نقطة واقعة على سطح مستوٍ، يتناسب عدد النقاط مع πr2، وقرب نقطة مستقاة من مجموعة نقاط تكون شكل مكعب مجسم، يتناسب عدد النقاط مع ٤ / ٣ πr3. وفي كل حالة، يشير أُس r إلى البُعد في المجموعة؛ حيث يكون الأُس ١ إذا كانت المجموعة تشكِّل خطًّا، و٢ إذا كانت تشكِّل مسطحًا، و٣ إذا كانت تكوِّن شكلًا مجسمًا.
يمكن تطبيق هذا الأسلوب على مجموعات الأشكال الكسرية، على الرغم من أن الأشكال الكسرية تميل إلى امتلاك فراغات تُسمَّى الفجوات، على جميع المقاييس. بينما لا يُعد التعامل مع هذه العمليات الحسابية الخوارزمية الدقيقة أمرًا هينًا، يمكننا حساب بُعد المجموعات ذات التشابه الذاتي المتطابق على نحو دقيق؛ فنلاحظ على الفور أن بُعد أي شكل كسري لا يكون عادةً رقمًا صحيحًا. في إطار كون فورنييه، يبلغ البُعد ٠٫٧٣٢٥ تقريبًا (وهو ما يساوي log 5/log 9) بينما يبلغ بُعد مجموعة كانتور للأثلاث الوسطى ٠٫٦٣٠٩ تقريبًا (وهو ما يساوي log 2/log 3). في كل حالة، يساوي البُعد رقمًا كسريًّا أكبر من صفر وأقل من واحد. اعتبر ماندلبروت مقطع fract في كلمة fraction (كسر) جذرَ كلمة fractal (شكل كسري).
ما هو بُعد عنصر الجذب في خارطة إينو؟ أفضل تقديراتنا هو أن يكون بُعدًا يساوي ١٫٢٦ تقريبًا، ولكن بينما ندرك وجود عنصر جذب، لا نعرف على وجه اليقين إن كان عنصر الجذب هذا — على المدى الطويل — ليس سوى حلقة دورية طويلة. في الخرائط، تتألف كل حلقة دورية من عدد محدود من النقاط؛ ومن ثَمَّ يساوي بُعدها صفرًا. وحتى يمكن تصوُّر ذلك، خُذْ على سبيل المثال كرات يكون نصف قطرها r، أصغر من أقرب زوج نقاط في الحلقة، مع اعتبار عدد النقاط في كل كرة ثابتًا (يساوي ١)، وهو ما يمكن أن نكتبه متناسبًا مع قيمة r0؛ ومن ثَمَّ يكون بُعد كل نقطة صفرًا. في الفصل السابع، سنرى سبب صعوبة إثبات ما يحدث على المدى الطويل باستخدام المحاكاة الحاسوبية. أولًا، سنُلقي نظرة فاحصة أكثر على تحديات قياس ديناميكيات عدم اليقين حتى بعد معرفتنا النظام الرياضي تمامًا. في نظم العالم الواقعي، لا نمتلك إلا ملاحظات مشوشة، ولا تزال المسألة أكثر صعوبة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤